صفحة الكاتب : د . رزاق مخور الغراوي

منهج الفهم الفقهي الإبستيمي عند ابن رشد 
د . رزاق مخور الغراوي

المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.

            تثير الدراسة التي بين أيدينا تساؤلات حول منهجية الفهم الفقهي الإبستيمي  لأبن رشد الحفيد في ضوء كتابه "بداية المجتهد ونهاية المقتصد".
     ان العلوم البشرية لا تكتمل ما لم تُستحكم وينضبط التفكير فيها وفقاً للعلم المنهجي ، لذا أدرك القدماء ما لهذا العلم من ضرورة في العديد من نواحي المعرفة،وعادة ما يُلفت اليه بعد الأثر الذي تحدثه فوضى النتاج المعرفي واضطرابه،فهو من هذه الناحية كالخفاش لا ينشط إلا بعد أن يفقد النهار بريقه ويرخي الظلام سدوله،كالذي تؤكده العلوم الرياضية والمنطقية في الفلسفة والعلوم الأخرى.
فمن الناحية التأريخية يبدو أن أول العلوم التي شملها العلم المنهجي هو "المنطق"كما وضعه أرسطو مستهدفاً به إحكام التفكير الفلسفي بعد أن علته فوضى التراكمات التي خلّفتها المذاهب الفلسفية آنذاك.
ويعد المنطق منهجاً للنظر والتفكير المناط بالمعرفة البشرية العامة،رغم أن تعلم المنطق لا يحتم على المتعلم ممارسة التفكير المنطقي.
ومن العلوم المنهجية الأخرى ما شهدته الحضارة الاسلامية،كعلم الأصول للفقه ، والنحو للغة،والعروض للشعر،وغيرها من العلوم المنهجية التي نظمت واصلحت ظاهرة الفوضى تجنباً لتراكمات هذه الظاهرة.
ذكر ابن خلدون في مقدمته"بأن السلف لم يكونوا بحاجة الى النظر في الأسانيد لقرب عصرهم وممارسة النقلة وخبرتهم بهم،لكن:لما انقرض السلف وذهب الصدر الأول وانقلبت العلوم كلها الى صناعة،احتاج الفقهاء والمجتهدون الى تحصيل هذه القوانين والقواعد لاستفادة الأحكام من الأدلة،فكتبوها فناً قائماً برأسه سموه أصول الفقه" .
وعن المازني أنه قال بأن السبب الذي وضعت له أبواب النحو "أن بنت أبي الأسود قالت له:ما أشد الحر؟فقال:الحصباء بالرمضاء،قالت:إنما تعجبت من شدته،فقال:أو قد لحن الناس،فأخبر بذلك علياً فأعطاه أصولاً بنى منها وعمل بعده عليها" .
أبدع ابن رشد في المجال الفقهي في كتابه الشهير"بداية المجتهد ونهاية المقتصد"، فهو من الكتب الرائدة في مجال الدراسات الفقهية المقارنة التي لا يستغني عنها الباحث في العلوم الشرعية، وذلك لما تميز به من عمق في التحليل ومنهجية متفردة تروم إعادة بناء الصناعة الفقهية بما يمكن من تحصيل ملكة الاجتهاد إذ يعتبر ابن رشد من الرواد في الحقبة التأريخية السالفة ممن خطى خطوة جريئة نحو علم منهج الفهم الديني،باتجاه البحث المنهجي الفقهي الإبستيمي،في كتابه بداية المجتهد ،إلا أن هذا المنهج لا يخلو من الاعتبارات اللاهوتية والآيديولوجية.
وتكاد تكون دوافع المنهج العلمي الرشدي هي دحض وهدم دلائل وأقوال الفرق والمذاهب المذكورة وغيرها لتمكين البراهين اليقينية، وتقليل من سلطان التقليد وإخضاع الأقوال لمحك الوحي والعقل ،ويمكن القول بانها "الدوافع" نفسها التي حملته على تأليف بداية المجتهد.
     يتم توزيع الإطار المنهجي وفق عنوان الدراسة، الى خمس محاور،تناول الأول منها:"منهج الفهم الإبستيمي في إعادة نُظم الخطاب الفقهي"،والمحور الثاني:أهتم ببيان  "منهج الفهم الابستيمي في الشيوع والتنوع المعرفي"،وحلل المحور الثالث "منهج الفهم الإبستيمي في توافق بين المنقول والمعقول"،واختص المحور الرابع بـ"منهج الفهم الإبستيمي في بناء اللغة الفقهية"،وتضمن المحور الخامس "منهج الفهم الإبستيمي في الجمع بين الفقه والأخلاق". 
المحور الأول: منهج الفهم الإبستيمي في إعادة نُظم الخطاب الفقهي
     اتجه ابن رشد في منهجه الفقهي الى إعادة بناء الخطاب الفقهي وتنظيمه، إذ بحث في الأصول التي بنيت عليها الأحكام والفروع الذي يفهم منه التكليف بين الفقهاء الاسلام ، إذ انتهج اسلوب جديد واسس لمذهب رشيد لإعادة حركية المعرفة وتحرير الأفكار المتجمدة من التقليد المنغلق الى الاجتهاد المنفتح ، ذكر ابن رشد في مقدمة كتابه بداية المجتهد:"قصدنا كما قلنا غير مرة: إنما هو أن نثبت المسائل المنطوق بها في الشرع المتفق عليها والمختلف فيها، ونذكر من المسائل المسكوت عنها التي شهر الخلاف بين فقهاء الأمصار، فإن معرفة هذين الصنفين من المسائل هي التي تجري للمجتهد مجرى الأصول وفي المسكوت عنها النوازل التي لم يشتهر الخلاف فيها بين فقهاء الأمصار سواء نقل فيها مذهب عن واحد منهم أو لم ينقل، ويشبه أن يكون من تدرب في هذه المسائل وفهم أصول الأسباب التي أوجبت خلاف الفقهاء فيها أن يقول ما يجب في نازلة من النوازل، أعني في المسألة الواحدة بعينها ويعلم حيث خالف ذلك الفقيه أصله وحيث لم يخالف وذلك إذا نقل عنه في ذلك فتوى، فأما إذا لم ينقل عنه في ذلك فتوى أو لم يبلغ ذلك الناظر في هذه الأصول فيمكنه أن يأتي بالجواب بحسب أصول الفقيه الذي يفتي على مذهبه، وبحسب الحق الذي يؤدي إليه اجتهاده، ونحن نروم إن شاء الله بعد فراغنا من هذا الكتاب أن نضع في مذهب مالك كتابا جامعا لأصول مذهبه ومسائله المشهورة التي تجري في مذهبه مجرى الأصول للتفريع عليها، وهذا هو الذي عمله ابن القاسم في المدونة فإنه جاوب فيما لم يكن عنده فيها قول مالك على قياس ما كان عنده في ذلك الجنس في مسائل مالك التي هي فيها جارية مجرى الأصول لما جبل عليه الناس من الاتباع والتقليد في الأحكام والفتوى. بيد أن في قوة هذا الكتاب أن يبلغ به الإنسان كما قلنا رتبة الاجتهاد إذا تقدم فعلم من اللغة العربية وعلم من أصول الفقه ما يكفيه في ذلك، ولذلك رأينا أن أخص الأسماء بهذا الكتاب أن نسميه بداية المجتهد وكفاية المقتصد"   .
ان النص الوارد مع تطبيقاته في كتاب البداية لابن رشد كان المنطلق والبذرة التأسيسية لمشروعه المنهجي في إعادة فهم التلقي للفقه وتطوير ادوات الاستنباط وتوسيع مباني الاستدلال وتجاوز مرحلة التقليد التي استحكمت في المجتمع المسلم، فهو على العموم يعتبر حسب مراحله التأريخية كتاباً تجديدياً ساهم الى درجة كبيرة في تطوير الفكر العلمي المنهجي ، ومن خلال هذا الكم الهائل في المعرفة نختزل إبراز القضايا التي يتضمنها النص وكالآتي:
أ ـ البحث في أصول العلل ومعرفة مدى ارتباطها بمسائل الخلاف بين الفقهاء، لفتح باب الاجتهاد لمحصليه وتجاوز التقليد، اذ ان هذا الكتاب ليس"كتاب فروع وإنما هو كتاب أصول"  فالسبب العلمي والنفسي من تأليف البداية  هو إعادة القراءة في منهج الفهم الفقهي الذي غلب عليه التفريع وغاب عنه  النظر في"تحصيل الأصول" ،وهو واقع حال تناوب عليه الاجيال في البيئات المغلقة والمقلدة في ذلك الزمان.
ب ـ ركز ابن رشد على بناء العقل الفقهي والارتقاء به الى مستوى النظر الصناعي لا احصاء الفروع،إذ قال"المسائل الضابطة للشريعة، لا إحصاء الفروع، لأن ذلك غير منحصر"  وذلك حتى تكون هذه الضوابط "كالقانون في نفس الفقه" من جهة، "والقانون للمجتهد النظار"  من جهة أخرى في إطار ،… رد الفروع إلى الأصول" .
فالكتاب في مقاصده يتوخى النظر في المناهج الفقهية وذلك من أجل تشكيل العقل الفقهي، والارتقاء به إلى مستوى "النظر الصناعي" لأن تحصيل الأصول يعطي الفقيه القدرة على الاجتهاد في النوازل المسكوت عنها، بخلاف الاقتصاد على حفظ الفروع فإنه لا يمنح صاحبه رتبة الاجتهاد، وفي هذا الإطار ينتقد ابن رشد منهج أصحاب الفروع من فقهاء عصره، ويقارن بين المنهج الذي يدعو إليه ومنهجهم ويبين فضل طريقته وميزتها في تشكيل العقل الفقهي ، يرى ابن رشد "إن هذا الكتاب إنما وضعناه ليبلغ به المجتهد في هذه الصناعة رتبة الاجتهاد إذا حصل ما يجب له أن يحصل قبله من القدر الكافي له في علم النحو واللغة وصناعة أصول الفقه، ويكفي من ذلك ما هو مساو لجرم هذا الكتاب أو أقل، وبهذه الرتبة يسمى فقيها لا يحفظ مسائل الفقه ولو بلغت في العدد أقصى ما يمكن أن يحفظه إنسان كما نجد متفقهة زماننا يظنون أن الأفقه هو الذي حفظ مسائل أكثر وهؤلاء عرض لهم شبيه ما يعرض لمن ظن أن الخفاف هو الذي عنده خفاف كثيرة، لا الذي يقدر على عملها، وهو بين أن الذي عنده خفاف كثيرة سيأتيه إنسان بقدم لا يجد في خفافه ما يصلح لقدمه فيلجأ إلى صانع الخفاف ضرورة، وهو الذي يصنع لكل قدم خفا يوافقه فهذا هو مثال أكثر المتفقهة في هذا الوقت" .
إن الثورة الرشدية التي انطلقت شرارتها في تلك الحقبة الزمنية ضد الأساليب المتبعة في تلقين المعرفة الفقهية والتقليد الاعمى، إذ يعتبرها ابن رشد عقيمة لا تؤدي إلى خلق النظر الاجتهادي الذي ينبغي أن يتحلى به الفقيه لاستثمار الخطاب الشرعي، وتنزيل الفقه بالواقع العملي بحيث يصبح الفقيه قادرا على حل المسائل التي يواجهها في زمنه،وفق قراءة عصرية ملائمة للمتطلبات المجتمع وعلى الاصعدة كافة.
ج ـ الدعوة إلى هيكلة وترتيب وتنظيم منهجية الفهم الفقهي، وتجديد منهج التأليف والتصنيف والتدوين ، ليُسهل على سالك المعرفة الفقهية التمرس والتدريب والتطبيق على تنظيم ومنهجة الأفكار وربط الفروع بالأصول، يرى الحفيد الرشدي في التنظيم الصناعي الاستنباطي ما نصه: "فإذا أريد أن يكون القول في هذه صناعي وجاريا على نظام فيجب أن يقال أولا فيما تشترك فيه هذه كلها ثم يقال فيما يخص واحدة منها أو يقال في واحدة واحدة منها وهو الأسهل" . ورغم شعوره بأن هذه الطريقة فيها تكرار إلا أنه يبرر اتباعها بسلوك الفقهاء لها .
د ـ يرى ان الفقه فن من الفنون المعرفية وصناعة من الصناعات المنهجية وهذا الفن أو الصناعة لابد أن تكون مبنية على الفهم المنهجي ، ومن هنا سيطرح ما هو اجنبي من الفقه ، وهو ما حفلت به كتب الفقهاء والعلماء في مختلف اتجاهاتهم،كما ان دعوته الى تنظيم الكتب والمسائل الفقهية وفق منهجية معرفية مرتبة،إذ يقول"وإن أنسأ الله في العمر فسنضع كتابا في الفروع على مذهب مالك ابن أنس مرتبا ترتيبا صناعيا إذا كان المذهب المعمول به في هذه الجزيرة التي هي جزيرة الأندلس حتى يكون به القارئ مجتهدا في مذهب مالك لأن إحصاء جميع الروايات عندي شيء ينقطع العمر دونه" .
 ويضرب مثل حول طرح ما هو اجنبي في مسألة اختلاف الفقهاء هل من شروط وجوب الوضوء الإسلام أم لا، يقول "وهي مسألة قليلة الغناء في الفقه لأنها راجعة إلى الحكم الأخروي" .
وفي مسألة لبن الميتة يقول "ولا لبن للميتة إن وجد لها إلا باشتراك الاسم، ويكاد أن تكون مسألة غير واقعة فلا يكون لها وجود إلا في القول" .
أن الرشدي الحفيد يذكر في البعض من الكتب الفقهية إلى الخلل المنهجي في الفهم الفقهي، مما يستدعي إعادة إدراج وترتيب المسائل في أبوابها بشكل منهجي، إذ يصرح: "والقول في القسامة هو داخل فيما تثبت به الدماء، وهو في الحقيقية جزء من كتاب الأقضية، ولكن ذكرناه هنا على عادتهم، وذلك أنه إذا ورد قضاء خاص بجنس من أجناس الأمور الشرعية رأوا أن الأولى أن يذكر من ذلك الجنس، وأما القضاء الذي يعمر أكثر من جنس واحد من أجناس الأشياء التي يقع فيها القضاء فيذكر في كتاب الأقضية، وقد تجدهم يفعلون الأمرين جميعا كما فعل مالك في الموطأ، فإنه ساق فيه الأقضية من كل كتاب" .
هـ –تركيزه على علم الدراية: من خلال تتبع مسائل بداية المجتهد نجد ان ابن رشد اهتم بعلم الدراية والجانب العقلي لتحليل المسائل ، من خلال دعوته للمجتهد أن يحصل القدر الضروري من علم اللغة والنحو وعلم أصول الفقه، وهو في إشارته هذه يكتفي بالإجمال دون تفصيل، ونحن نعلم أن هناك شروطا أساسية يحتاج إليها المجتهد وتتعلق بعلوم الرواية كمعرفته بما يصلح للاحتجاج به من الأحاديث ومعرفته بأسباب الضعف المعروفة في علم الحديث وعلمه بالناسخ والمنسوخ ومواضع الإجماع ومواضع الخلاف .
ورغم وجود هذه التطبيقات في كتاب بداية المجتهد إلا أن هذا يدفعنا للتساؤل عن الأسباب التي جعلت ابن رشد يقتصر على التنصيص على علمي اللغة والأصول دون غيرهما من الشروط المعرفية التي يتطلبها المجتهد.
إن الأسباب التي استند إليها ابن رشد في اقتصاره على ضرورة تحصيل المجتهد لعلمي اللغة والأصول تتلخص فيما يلي:
1 – سبب منهجي: ذلك أن كتاب بداية المجتهد غايته أن يمد المجتهد بمنهج يستطيع من خلاله أن يفهم الخطاب الشرعي ويتعقل مضامينه، وأن يستثمر أحكامه، وأقرب العلوم وألحقها بمجال الاجتهاد علمي اللغة والأصول.
2 – سبب تربوي: ويتلخص في كون كتاب بداية المجتهد مختصر وطبيعة المختصر تقتضي أن لا يدرج فيه إلا ما يتعلق بالدراية والفهم دون ما يمت بصلة إلى الحفظ والرواية، ذلك أن ابن رشد حاول أن يحافظ قدر الإمكان على هذا المنحى في كتابه إلا أنه كان يخرج عنه قليلا، فرغم عدم إدراجه لبعض أسباب الخلاف في مقدمته النظرية –كالأسباب المتعلقة بالحديث النبوي- إلا أننا نجده يذكر هذه الأسباب على مستوى التطبيق في دراسة الفقهية، ويحيل في النقل على الاستذكار لابن عبد البر. ولعل السبب في سلوك ابن رشد هذا المنحى هو نزعته إلى الفصل بين العلوم وتجريدها من الهوامش المعرفية التي تعلقت بها، وتقرير تباين العلوم فيها بينها بتباين طبائع موضوعتها .
وليس أدل على هذا من أن الكتب الفقهية التي كانت في عهد ابن رشد كانت تتداخل فيها معارف التراث من فقه وأصول وكلام ..
المحور الثاني: منهج الفهم الابستيمي في الشيوع والتنوع المعرفي
     وقد اعتمد ابن رشد في كتابه البداية لمذاهب أخرى غير المذهب المالكي، خصوصا مذاهب الرأي – كمذهب أبي حنيفة- وغرضه في ذلك فتح الباب أمام أصول المذاهب الاجتهادية الأخرى، والتخلص من ربقة التقليد الذي ساد الأندلس التي كانت منغلقة على مذهب الإمام مالك بن أنس، وكأنه حاول فك هذا السياج من التقليد والمحافظة بإقحام مذاهب أخرى، وجعل المذهب الحنفي والشافعي والحنبلي في المتناول معه في الاجتهاد،وهذا يسجل له لما يتمتع به من موسوعة فقهية واطلاع واسع على آراء الفقهاء في داخل وخارج المذهب المالكي.
     الا ان قراءة بن رشد الحفيد في كتابه بداية المجتهد بقيت حبيسة التفكير اللاهوتي والآيديولوجي ،وان التقسيم الفقهي لم يكن متكاملا،والسبب يعود الى أن ابن رشد لم يتقصَّ كل المذاهب الاسلامية المعروفة والتي لها وجود في المجتمع الاسلامي كالمذهب الامامي  والزيدي ،وهذا لا يخلو من الاعتبارات العقدية والمذهبية وتعتبر نقصا ومؤاخذة واضحة في علم منهج الفهم الفقهي بالمعنى الابستيمي.

المحور الثالث: منهج الفهم الإبستيمي في التوافق بين المنقول والمعقول
قال ابن رشد في كتابه فصل المقال:  ما من منطوق به في الشرع مخالف بظاهره لما أدى إليه البرهان، إلا إذا اعتُبر الشرع وتُصفحت سائر أجزائه وُجد في ألفاظ الشرع ما يشهد بظاهره لذلك التأويل أو يقارب أن يشهد، ولهذا المعنى أجمع المسلمون على أنه ليس يجب أن تحمل ألفاظ الشرع كلها على ظاهرها، ولا أن تخرج كلها عن ظاهرها بالتأويل، واختلفوا في المؤول منها من غير المؤول فالأشعريون مثلاً يتأولون آية الاستواء وحديث النزول والحنابلة تحمل ذلك على ظاهره. والسبب في ورود الشرع فيه الظاهر والباطن، هو اختلاف فطر الناس، وتباين قرائحهم في التصديق. والسبب في ورود الظواهر المتعارضة فيه هو تنبيه الراسخين في العلم على التأويل الجامع بينها. وإلى هذا المعنى وردت الإشارة بقوله تعالى: ((هو الذي أنزل عليك الكتاب، منه آيات محكمات)) إلى قوله: ((والراسخون في العلم)).
إن المتتبع في كتاب بداية المجتهد يلاحظ أن النسق المعرفي الفقهي يتميز بمجموعة من الخصائص تتحدد في إطارها علاقة أو توافق بين المنقول والمعقول.
ويمكن فهم العلاقة بينهما من خلال التفحص في مناهج العلماء في تفسير النصوص، وطرق الاستدلال عندهم لفهم الخطاب الشرعي.
إن مراجعة أبواب ومسائل كتابة بداية المجتهد، واستقراء المناهج المطبقة في استنباط الأحكام، يطلعنا على المذاهب المتبعة في دراسة الخلاف، وهذه المذاهب يمكن تقسيمها إلى خمسة مذاهب :
1 – مذهب الجمع بين الأدلة حيث يتم إعمال الأدلة دون إهمال أحدها، ومبنى هذا المذهب على أن الجمع أولى ما أمكن، لأن الشارع بعث لرفع الاختلاف .
2 – مذهب الترجيح: وفيه يتم اختيار دليل معين وترجيحه على باقي الأدلة وفق ضوابط معينة.
3 – مذهب البناء: وهو مذهب يذهب إلى الجمع بين الأدلة ولا يرى أن هناك تعارضا، والفرق بين هذا المذهب ومذهب الجمع أن مذهب الجمع يرى أن هنالك تعارضا في الظاهر، أما مذهب البناء فلا يرى أن هناك تعارضا فيجمع بين الدليلين .
4 – مذهب الإسقاط والرجوع إلى البراءة الأصلية عند التعارض إذا لم يعلم الناسخ من المنسوخ .
5 – مذهب النسخ ويعتبره ابن رشد مذهبا مقابلا لمذهب الترجيح، والفرق بينه وبين مذهب الترجيح أن مذهب النسخ يتم إلغاء الحكم فيه رغم ثبوته باعتباره التعارض بين الفعل المتقدم والمتأخر، في حين مذهب الترجيح يعتمد ضوابط أخرى كالطعن في رواية الحديث المرجوح .
ان المناهج المشار اليها والتي اعتمدها ابن رشد في كتابه بداية المجتهد، تعتبر تجربة معرفية تصنف من الأوائل في تحديد منهج الفهم الفقهي الابستيمي وفق النظم والترتيب والسياق المنطقي ،فكيف به وهو رائد من رواد المدرسة الفلسفية وفقيه وقاضي يحسب له بالبنان والابداع والتحصيل الموسوعي في مختلف علوم المعرفة.
المحور الرابع : منهج الفهم الإبستيمي في بناء اللغة الفقهية
اعتمد ابن رشد في تركيب خطابه الفقهي على مجموعة من الثنائيات شكلت أساسا متينا في بناء لغته الفقهية، كما شكلت قطبا معرفيا لتحليل ودراسة بنية النسق الفقهي أفقيا وعموديا.
وهذه الثنائيات يمكن تقسيمها باعتبارات متعددة:
1 – باعتبار نسبتها إلى الشارع: فهي مسموع ومنقول ومنطوق به، أما باعتبار عدم نص الشارع عليها فهي مسكوت عنه.
2 – باعتبار قوة الاستدلال فيها: فهي تنقسم إلى قسمين: قسم يحمل طابع القطع واليقين، وقسم يقع في دائرة الظن والاحتمال.
3 – باعتبار الناظرين في الأدلة: فهناك المتقدمين والمتأخرين، ولكل فئة خصائص معينة في الفعل الاجتهادي.
4 – باعتبار إدراك علة التشريع: فهناك الحكم المعقول المعنى والحكم غير المعقول المعنى أو العبادي والمصلحي.
5 – باعتبار خضوعها للتجربة أو عدمه، وفي هذا الإطار تراعى الأحكام المتعلقة بهذه القضايا لاختلاف التجربة أو العادة..
أما القواعد الكبرى التي تحكم هذا البناء فتتكون من الأصول التالية:
أ ـ الأثر: بالإضافة إلى شروط الصحة التي يتطلب في هذا المجال، فإن هناك قواعد تحكم سلامة الاستدلال في هذا المجال التداولي عند ابن رشد وأهم القواعد هي:
    اتساق الشاهد أو كفايته في موطن الحكم، فكل حديث ليس بوارد في الغرض الذي يحتج فيه به، فالاحتجاج به ضعيف .
    تغليب السماع على القياس، وفي هذا المجال لا يصح أن تعارض النصوص بالمقاييس .
    اعتبار أن الجمع أولى من الترجيح، ويترتب عن هذه القاعدة أن الأفعال المختلفة أولى أن تحمل على التغيير منها على التعارض .
ب ـ النظر: ويتكون من جملة القواعد الأصولية التي تستخدم في تفسير النصوص، ويدخل فيها القياس.
ج ـ الأصول: وهي عبارة عن المسائل الضابطة للأبواب الفقهية، فهي نتيجة من نتائج النظر والاستقراء في الأبواب الفقهية لاستخراج القوانين التي تحكم كل باب بحيث يصبح كل باب فقهي وحدة منسجمة تحكمها ضوابط معينة وتتميز بخصائص تميزها عن باقي الأبواب كقوله في حكم الصيد ومحله، إن الأصل في هذا الباب هو أن الحيوان الإنسي لا يؤكل إلا بالذبح أو النحر، وأن الوحش يؤكل بالعقر .
وتمتاز الأصول بخاصيتين اثنين هما:
الخاصية الأولى يقينيتها، في مقطوع بها .
الخاصية الثانية: إنها تعتبر من المرجحات وتظهر فائدتها في الترجيح في ثلاثة مسائل:
المسألة الأولى:ترجيح القياس الذي تشهد له الأصول على الأثر الذي لا تشهد له الأصول .
المسألة الثانية:إذا وقع الاحتمال وجب الرجوع إلى الأصول لأن الأصول لا تعارض بالاحتمالات المختلفة لها .
المسألة الثالثة:يرجح عند التعارض الأثر الذي تشهد له الأصول على الذي لا تشهد له الأصول .
وأما أسباب الضعف الفقهي في الاستدلال وعدم اتساق النسق المعرفي وخروج الدليل النقلي والعقلي ، فإنه يكون نتيجة لسببين اثنين:
السبب الأول: تغليب القياس على الأثر .
السبب الثاني: الخروج عن الأصول .
المحور الخامس: منهج الفهم الإبستيمي في الجمع بين الفقه والأخلاق
لقد عمل ابن رشد الحفيد على نظام ومنهاج وعلاقة معرفية تجمع بين الفقه والاخلاق بعدما كانت في معان مفردة لم يتفق نظمها في سلك واحد لأنها متغايرة المعاني،وقد اجمعت في كتاب الجامع عند مالك  
ولم يكتف ابن رشد بالتنبيه على نظريته عند مستوى التأصيل لها نظريا وإظهار ميزتها، بل تجاوز ذلك إلى توظيفها في اختياراته الفقهية ففي مسألة (هل تقع الفرقة بين الزوجين بعد اللعان أم لا؟)
 رد ابن رشد على القائلين إنه لا يعقب اللعان فُرقة اعتمادا على افتقاد الزوجين لمكارم الأخلاق التي تُديم العلاقة الزوجية، قال: "وحجة الجمهور أنه قد وقع بينهما من التقاطع والتباغض والتهاتر وإبطال حدود الله ما أوجب ألا يجتمعا بعدها أبدا؛ وذلك أن الزوجية مبناها على المودة والرحمة وهؤلاء قد عدموا ذلك كل العُدم، ولا أقل من أن تكون عقوبتهما الفرقة، وبالجملة فالقبح الذي بينهما غاية القبح .
لقد استثمر ابن رشد معارفه الفلسفية في فهم أسرار الشريعة ومن ثم عمل على تجديد صياغتها، وأثبت إمكان الاستفادة من شكل لا يؤثر في المضمون الإسلامي، فعلى الرغم من "استعانته بمعارفه في الفلسفة وخصوصا في جانبها الأخلاقي بقي وفيا لمقاصد الشرع باعتماده منهج الاستقراء لنصوصه فملأ تلك القوالب المستفادة بمضامين شرعية .
وقد أسعفته دربته في المنهج العلمي والترتيب الصناعي في الربط بين خاتمة كتاب القضاء، وهو آخر ما تناوله في "بدايته"، وبين إشارات لها تعلق بموضوعات الجامع قصد التنبيه إليها، وذلك بما يشبه "حسن التخلص" لئلا تبدو تلك الإشارات غير منسجمة مع مضامين كتابه قال: "وينبغي أن تعلم أن الأحكام الشرعية تنقسم قسمين: قسم يقضي به الحكام، وجل ما ذكرناه في هذا الكتاب هو داخل في هذا القسم و قسم لا يقضي به الحكام، وهذا أكثره هو داخل في المندوب إليه" .
 إن خلو كتاب ابن رشد من الجامع سببه، إذن، أن ما ذكره فيه يختص بالجانب العلمي والمعرفي الذي يقضي به القضاة، وأما موضوعات الجامع  فلما كانت ذات سمة أخلاقية وتربوية وليست مما يُقضى به، لدخولها في المندوبات التي لا تحمل صفة الإلزام، فإنه لم يترشح لتناولها.
والتحقيق أن ابن رشد قد لا يكون مؤسسا ولا مبتكرا لهذا المنحى في الشرع، وإنما هو واحد من أبرز العلماء الذين استكملوا بناء المقاصد العامة للشريعة على الفكرة الخلقية، اذ جاء على لسان ابن رشد نفسه في إشارة إلى تقدم غيره عليه، قال: "وإلى هذا؛ (أي الاهتمام بالأخلاق) نحا أبو حامد في كتابه، ولما كان الناس قد أضربوا عن هذا الجنس... وكان هذا الجنس أملك بالتقوى سمى كتابه إحياء علوم الدين"  غير أن إضافته تميزت بنظر مقاصدي عميق وبجدة في الطرح، ومن ثم قد لا نجانب الصواب إن قلنا إن ابن رشد قد تفرد حقيقة بإعلان هذه النظرية ودليلنا تفعيله النظرية في بعض ترجيحاته واختيارات الفقهية التي راعى فيها الاستدلال بمكارم الأخلاق.
نستنتج مما سبق ان التقسيمات والترتيبات التي استخدمها ابن رشد الحفيد في كتابه بداية المجتهد ونهاية المقتصد مع سمو التنظيم ووحدة السياق واسلوبه الاخلاقي والادبي في جميع أبواب الفقه ، إذ يلم هذا الموضوع عن مدى موسوعيته الفكرية واعتداله الديني فضلاً عن ذلك ما يتمتع به من روح ثقافية ونتاج معرفي  وخبرة علمية التي من خلالها  استطاع ان يصل الى صناعة علم منهج الفهم الفقهي الإبستيمي. 

 

.......................

[1] مفهوم الإبستيمي :لفظ يوناني، بمعنى المعرفة والعلم ، ويُـعزى إدخال هـذا المصطلح إلى الفيلسوف الاسكتلندي ج.ف. فييريير (سنن الميتافيزيقا). إذ قسم الفلسفة إلى مباحث، أنطولوجيا، وإبستيمولوجيا، وأكسيولوجيا.
وتُعنى الإبستيمولوجيا بدراسة مبادئ العلوم، وفرضياتها، ومناهجها، ونتائجهـا، دراسة انتقـادية ترمي إلى تحليل بُـناها، وفحص منطقها، وإبراز قيمتها الموضوعـــية.

[2] مقدمة ابن خلدون،ص455.

[3] الذهبي،سير اعلام النبلاء،ج4،مادة أبو الأسود الدؤلي-سبب وضع علم العربية-،ط1،دار الهجرة،دمشق،1988م.

[4] ابن رشد الحفيد،بداية المجتهد ونهاية المقتصد،ج2،ص ص 290-291.

[5]ابن رشد الحفيد،بداية المجتهد ونهاية المقتصد،ج2،ص105.

[6] ابن رشد الحفيد،بداية المجتهد ونهاية المقتصد،ج2،ص152.

[7] نفس المرجع،ص152.

[8] نفس المرجع،ص111.

[9] نفس المرجع ص116.

[10] نفس المرجع ص111.

[11] نفس المرجع ص93.

[12] عبد الله معصر، الخطاب الفقهي عند ابن رشد بين التحصيل والتأصيل،

[13] نفس المرجع،ص147.

[14] ابن رشد الحفيد،بداية المجتهد،ج1،ص87.

[15] عبد الله معصر، الخطاب الفقهي عند ابن رشد بين التحصيل والتأصيل.

[16] طه عبد الرحمن،تجديد المنهج في تقويم التراث،المركز الثقافي العربي،ط1،بيروت،1994م.

[17] نفس المرجع،ص332.

[18] ابن رشد الحفيد،بداية المجتهد،ج1،ص5.

[19] نفس المرجع ج2،ص272.

[20] ابن رشد الحفيد،ج2،ص324.

[21] ينظر:عبد الله معصر، الخطاب الفقهي عند ابن رشد بين التحصيل والتأصيل

[22] طه عبد الرحمن،تجديد المنهج،ص132.

[23] ينظر:عبد الله معصر، الخطاب الفقهي عند ابن رشد بين التحصيل والتأصيل.

[24] يحيى محمد،المنهج في فهم الاسلام من التفكير المذهبي الى التفكير المنهجي،العارف ،بيروت،ص52.

[25] وقد ذكر رأي الشيعة مرة في منع بنت الابن من الميراث اذا كانت مع البنت كالحال في ابن الابن مع الابن.

[26] ينظر:عبد الله معصر، الخطاب الفقهي عند ابن رشد بين التحصيل والتأصيل.

[27] ابن رشد الحفيد،ج1،ص1.

[28] نفس المرجع،ج2،ص301.

[29] نفس المرجع،ج1،ص58.

[30] بداية المجتهد،ج1،ص188.

[31] نفس المرجع،ص44.

[32] نفس المرجع،ص212.

[33] بداية المجتهد،ج1،ص28.

[34] نفس المرجع،ج1،ص11.

[35] بداية المجتهد،ج1،ص314.

[36] نفس المرجع،ج1،ص219

[37] نفس المرجع،ج1،ص274

[38] نفس المرجع،ج1،ص314.

[39] نفس المرجع،ج2،ص316.

[40] نفس المرجع،ج1،ص223.

[41] ابن رشد أبو الوليد محمد بن احمد، بداية المجتهد ونهاية المقتصد، تحقيق:عبد الله العبادي، دار السلام للطباعة والنشر والتوزيع، ط1، (1416ﻫ/1995 م)، ج3،ص1543.

[42] بولوز محمد، بداية المجتهد وكفاية المقتصد ودوره في تربية ملكة الاجتهاد، رسالة دكتوراه كلية الآداب والعلوم الإنسانية/فاس، (2007م)، ص868.

[43] ابن رشد الحفيد،بداية المجتهد ونهاية المقتصد،ج4،ص2320.

[44] ابن رشد الحفيد،فصل المقال فيما بين الحكمة والشريعة من اتصال،ص133.


قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat


د . رزاق مخور الغراوي
 (للدخول لصفحة الكاتب إضغط هنا)

    طباعة   ||   أخبر صديقك عن الموضوع   ||   إضافة تعليق   ||   التاريخ : 2017/12/01



كتابة تعليق لموضوع : منهج الفهم الفقهي الإبستيمي عند ابن رشد 
الإسم * :
بريدك الالكتروني :
نص التعليق * :
 



حمل تطبيق (كتابات في الميزان) من Google Play



اعلان هام من قبل موقع كتابات في الميزان

البحث :





الكتّاب :

الملفات :

مقالات مهمة :



 إنسانية الإمام السيستاني

 بعد إحراجهم بكشف عصيانها وخيانتهم للشعب: المرجعية الدينية العليا تـُحرج الحكومة بمخالفة كلام المعصومين.. والعاصفة تقترب!!!

 كلام موجه الى العقلاء من ابناء شعبي ( 1 )

 حقيقة الادعياء .. متمرجعون وسفراء

 قراءة في خطبة المرجعية : هل اقترب أَجلُ الحكومةِ الحالية؟!

 خطر البترية على بعض اتباع المرجعية قراءة في تاثيرات الادعياء على اتباع العلماء

 إلى دعاة المرجعية العربية العراقية ..مع كل الاحترام

 مهزلة بيان الصرخي حول سوريا

 قراءة في خطبة الجمعة ( 4 / رمضان/ 1437هـ الموافق 10/6/2016 )

 المؤسسة الدينية بين الواقع والافتراء : سلسلة مقالات للشيخ محمد مهدي الاصفي ردا على حسن الكشميري وكتابيه (جولة في دهاليز مظلمة) و(محنة الهروب من الواقع)

 الى الحميداوي ( لانتوقع منكم غير الفتنة )

 السيستاني .. رسالة مهدوية عاجلة

 من عطاء المرجعية العليا

 قراءة في فتوى الدفاع المقدس وتحصين فكر الأمة

 فتوى السيد السيستاني بالجهاد الكفائي وصداها في الصحافة العالمية

 ما هو رأي أستاذ فقهاء النجف وقم المشرّفتَين السيد الخوئي بمن غصب الخلافة ؟

 مواقف شديدة الحساسية/٢ "بانوراما" الحشد..

أحدث مقالات الكتّاب :


مقالات متنوعة :





 لنشر مقالاتكم يمكنكم مراسلتنا على info@kitabat.info

تم تأسيس الموقع بتاريخ 1/4/2010 © محمد البغدادي 

 لا تتحمل الإدارة مسؤولية ما ينشر في الموقع من الناحيتين القانونية والأخلاقية.

  Designed , Hosted & Programmed By : King 4 Host . Net