صفحة الكاتب : علي حسين الخباز

من مرافئ زيارة الأربعين..(1)
علي حسين الخباز

سؤال يكبر في خاطري: هل أعطى الشعراء والأدباء والكتاب ومثقفو ومفكرو العالم تجربة زيارة الأربعين حقها، وخاصة أننا نؤمن بأن هذه الشعيرة تتنامى مع كل جيل، وتأخذ من بنية العصر سماتها الظاهرية، وتستمد من التأريخ حيويتها ومعناها وجوهر انتمائها.

 هل استطعنا أن ننقل الى العالم هذه الظاهرة العراقية الوطنية الانسانية، وهي ظاهرة فريدة بما تمتلك من جماهيرية كونية، تجتاز معايير حدودها الجغرافية وقوميتها.. كربلاء لها حدود معنوية أكبر، وهذا ما يميزها عن جميع الاحتفاءات العالمية، هي تجربة ممتعة ونافعة أن نجوب في تجارب وعقول المفكرين والأدباء، لنعرف كيف تقرأ زيارة الاربعين في كربلاء، رغم اختلاف اعمار هذه التجارب وانتماءاتها واهتماماتها وكل ينطلق من موقفه وقناعاته.

 ويرى الأستاذ كامل الفهداوي وهو أحد الشيوخ الافاضل وعلامة من علامات علماء ابناء العامة الافاضل، ان للأماكن خصوصية كما يفهم من كتاب الله تعالى ومنها وجود نبي او اثاره ونجد ذلك بقوله تعالى: ((لَا أُقْسِمُ بِهَذَا الْبَلَدِ {1} وَأَنتَ حِلٌّ بِهَذَا الْبَلَدِ)) (البلد: 2)، وهنا يقسم سبحانه بمكة؛ لأن رسول الله (ص) ولد وحل فيها، وكذلك: ((وَاتَّخِذُواْ مِن مَّقَامِ إِبْرَاهِيمَ مُصَلًّى...)) (البقرة/125)؛ اعتزازاً بأثر سيدنا ابراهيم(عليه السلام).

 ولقد اختار الله تعالى لأهل بيت نبيه في كتابه لفظة الطهر: ((إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذهِبَ عَنكُمُ الرِّجسَ أَهلَ البَيتِ وَيُطَهِّرَكُم تَطهِيرًا)) (الأحزاب/33)، دلالة على طهارة معدنهم واخلاقهم.. لكن هذا العالم الجليل يوقفنا باندهاشته الكبيرة أمام تصريح الدواعش بعد احتلال الموصل، يتوعدون بالقدوم الى كربلاء والنجف، ويكيلون لها افضح الموبقات من التسميات الرذيلة التي تمثل جوهرهم، ولا تمثل كربلاء ولا النجف..!

 هنا كبر السؤال لماذا؟ ونحن ايضا نتساءل: ألا يمكن أن تكون قداسة ابن بنت رسول الله قادرة على توحيدنا؟ ألا يمكن أن تكون كربلاء العراق هي كربلاء العالم؟ ماذا لو سلبت أي دولة اجنبية من العراقيين فخر الاحتفاء بسيد الشهداء؟ يكون الأمر ثقيلاً على كل عراقي دون النظر الى انتمائه الديني والمذهبي.

 فوجد هذا العالم الجليل كامل الفهداوي، أن عظمة كربلاء تترسخ في مدفن سيد شباب اهل الجنة، وحاشا لله ان يكون مستقر الطاهرين إلا في ارض طاهرة.. توصل الى طهارة المكان لاقتران مدفن الطهر، فهو يقول:ـ فقلت سبحان الله هؤلاء احفاد أولئك الذين قتلوا ريحانة رسول الله (ص) يوم أن قال لهم: هل هناك من جده نبي على الارض غيري؟

 لكن قلوبهم كانت غلفاً، وأعينهم كانت عمياً، وآذانهم صماً، فتركوا كل هذا وأقدموا على قتله وحرق خيامه وقتل اصحابه وسبي نسائه.. ماذا لو عرف العالم القيمة الحقيقية لمعنى الزيارة الاربعينية، وأنا أعتقد ان قلق الدواعش من كربلاء هو طبيعة الاثر المرسوم في قلوب الناس، والذي يمكن ان يجمع كلمة المسلمين ويوحدها.

 يرى الشيخ كامل الفهداوي:ـ انهم يخشون كربلاء؛ لأن الناس من محبتهم لابن رسول الله يزورونه ويعظمونه، فظن المجرمون ان ذلك شرك.. لكن رسول الله يوم أن خرج من مكة نظر اليها، وقال: "انك لأحب بقاع الارض إليّ"، مع انها لم تشمل بكرامة الاسلام بعد.

 ونحن نرى ان النبي (ص) عندما قال ذلك، لم ينظر الى قداستها في محور وجود العبادة أولاً، لكنه نظر الى ارتباطها السماوي الى قداستها من حيث مقدرتها على استنهاض الامة الى الصلاح والى اليقين.

 الشيخ الفهداوي يرى ان على كل مسلم ان يزور سيدنا الحسين(عليه السلام) ويحمد الله ان يسر له الوصول لسيد شباب اهل الجنة، ويعلن ولاءه له وبراءته من الدواعش والعصابات التكفيرية وافكارهم.

 ننتقل بهذه المحاور الفكرية الى الاستاذ غني العمار وهو احد ادباء محافظة واسط، وهو الاقرب لمشاهدات الطريق، والأقرب الى روح هذه الضيافة التي جعلته يرفق الشكر تقديراً لأهالي محافظته.. البيوت الممتدة من زرباطية وحتى شارع بغداد العام الموصِل الى كربلاء عن طريق الشوملي مروراً ووقوفاً عند مدينة الكوت، واشتهرت قضية التباري العفوي المزدان بكرم الضيافة لاستقبال (المشاية) زوار ابي عبد الله الحسين والذين قدر دخولهم يوميا بـ30 ألف زائر وعلى مدار ايام الزيارة.

 العدد هو الذي اذهل العالم هو فقط من منفذ واحد، وأما بقية المنافذ الاخرى فهم بركة كل زيارة اربعينية.. ولأنه مرفأ شاعر، فهو الاقدر على معاينة ما يمر من تحديات الظروف المناخية والبيئية، وما حاول الاعداء زرعه من مخاوف عيونهم المحدقة صوب هذا الولاء مع ما تعبره كلمات الشكر والامتنان من افواه الزائرين.

 لنقف عند حدود هذا التحدي وكرم الضيافة العراقية وهوية هذا الانتماء الوطني الانساني الذي يصل كنتيجة عند الشاعر غني العمار الى ان الحسين (عليه السلام) يجمعنا وهذا ما صرَّحت به الحوراء العقيلة في قصر الطاغية يزيد (لعنه تعالى): "فوالله لن تميتَ وحينا ولن تمحو ذِكرنا".

 الملايين المتجهة الى كعبة الاحرار كربلاء وقُبَّة سيد الأحرار وشهيد الله الحسين (عليه السلام)، رسالةٌ واضحة المعاني وكبيرة الحرف والعنوان خطتها يدُ أبناء علي والحسين (عليهما السلام) الى كلِ مَن يرومُ هدم الإسلام الحق، فيبعث الشاعر غني العمار اشواقه مع الزوار: "سلامٌ عليكَ سيدي من مكاني، فقد توجه الأهل والأبناء إليكَ ورجوتهم رجاءَ شاعرٍ معاق أثناه العكاز والمرض عن الوصول الى حضرتكَ المطهرة وقبركَ الترعة من ترع الجنَّة".

 ثقافة السير هي ثقافة امة ترهب أعداء الامة وأعداء العراق وأعداء المذهب بتعدادها، أما أفعال المشاية، فإن السير بحد ذاته يهذب النفس ويطمئنها؛ لأن مغزى الزيارة أسمى من كل التخرصات.

 الناصبيون يضمرون الأحقاد ضد علي (عليه السلام) وأبنائه، والعراقيون يثبتون بكرم ضيافتهم انهم ابناء الحسين(عليه السلام)، وكل الزائرين هم ضيوف هذا البلد الامين العراق.

 نرى ان الذي يتحقق على الارض هو انعكاسة لما يتحقق في السماء، تشخيص له دلالاته وانعكاسته المعنوية على الكون كله، من حيث القيمة والنتائج أي انصهار في بوتقة الحزن المبهج، قد تكون هذه القيمة غريبة على مسامع البعض لكنها في الواقع هي اسمى مميزات الفرادة التي تتمتع بها هذه الزيارة المباركة: حزن، وبكاء، وتعب، سفر، وألم.. ومع هذا نجد هناك فرحاً غامراً يعتمر النفوس.

 سعادة المشاركة والانتماء الذي يمنح الانسان القدرة على الحضور، الكاتبة المبدعة (محبة رضا الحسيني) التي ترى ان مسيرة الاربعين الحسيني وزيارة كربلاء هي تواصل روحي مع الامام الحسين (عليه السلام)، وتكرارها كل عام يعني تجديداً لقبول القيم السماوية النبيلة في اقامة العدل والمساواة ورفض الظلم والطواغيت.

 وما ارتفعت رسالة امامنا إلا بالقيم الانسانية الصالحة في كل زمان ومكان، ونرى ان قيم الاحتفاء بالمناسبة رغم ارتباطها بالماضي كتاريخ يعرفنا بواقعة الطف المباركة والتي حدثت عام 61هـ لكنها تعد احتفاء بالمستقبل الذي يرتبط بالنهضة المهدوية المباركة، وهذا نجده في استمرار عملية البذل التضحوي الذي يحمل هوية هؤلاء الابطال انفسهم في سبيل بقاء الصوت الحسين.

 وفي طريق (يا حسين) نجدهم من مختلف الجنسيات ومن بلدان شتى يأتون لتجديد العهد والبقاء على نهجه، واهم المعاني التي تسمو في واقعة كل عام (المشاية) تحمل راية الوحدة الحقيقية، شارع الولاء الحسيني يزدحم بخطوات انصار الحسين بكل مستوياتهم وأعمارهم، كذلك نجد خطوات الولاء الزينبي، نسوة تمشي وفي قلبوهن الايمان والأمان.

هن يتقربن الى اختصار الزمان للوصول الى 61 هـ لنصرة زينب (عليها السلام)، ولا ننسى الصوت الزينبي الذي كان له دور كبير في نجاح الثورة الحسينية، هذا المسير الولائي ترجم مقولة عقيلة الطالبيين (عليها السلام) ليزيد (لعنة الله عليه): "كد كيدك واسع سعيك وناصب جهدك فوالله لا تمحو ذكرنا ولا تميت وحينا".

 مقومات انسانية يحملها المسير الاربعيني قادرة على صياغة ذهنية تضحوية قادرة على امتشاقها في الملمات، وهذا ما حصل في مقاومة هجوم الدواعش، اغلب المقاتلين اذا لم يكن جميعهم هم من ابناء المواكب الحسينية ومشاية الاربعين الحسيني، الميزة التي اذهلت العالم ان هذه المسيرة المليونية لا تتبع لتنظيمات سياسية، وإنما تنصهر فيها كل العناوين، فلهذا هي منظمة تنظيما يخرجها من الفوضى.

 يرى الكاتب الأستاذ (علي الأسدي) ان الزيارة المليونية لها مظهر انساني، سلمي، مدني، حضاري امام العالم، وهذا هو احد اهم اسباب خلودها، ان مقومات نجاحها هي المشاركة الوجدانية مع العالم، في سنوات الحصار الفكري والروحي التي فرضتها انظمة الخبل الطاغوتي، عمل على تصدير فكرة ربط المناسبة الاربعينية العظيمة بأنها طقس خاص من طقوس الشيعة.

 وبهذا العمل كان قد حصر المناسبة بجمهور مذهبي ومنعها من التواصل مع الفكر الانساني؛ كونه يخشاها ويخاف منها بما تمتاز من روح وثابة للتواصل، منعمة بروح الانتماء الشمولي، بها ترى مشاهد الوئام الروحي.

ولقد عمل هذا المسير المليوني العالمي الى تعريف بهوية العراقيين الانسانين، فالعراقي الموكبي خدوم وتصل به الخدمة الى تصغير نفسه وإذلالها امام الخشوع الاسمى لزائر يحمل سمات النصرة، والنتيجة ان تظهر مشاعر الإخاء والمحبة والوئام والتعايش وحب الحياة والتضحية في سبيل الآخر.

 حالات ايجابية من العطاء والتفاني والتضحية والايثار والكرم والضيافة.. وبحالة من الصحة والعافية بعد ممارسة رياضة المشي التي يوصي بها اطباء العصر.. وهذا يقربنا الى ظاهرة انتشار المستشفيات المتنقلة والعيادات  الطوارئ وصيدليات الخيام والعربات المتنقلة، مع وجود جهد شعبي للمعالجة العامة: كالتدليك والضمادات البسيطة، ومن الطبيعي مثل هذه المشاركة الوجدانية ستبعد عن الانسان حالات القلق وضجيج الحياة، والانطلاق بسياحة فطرية في فضاءات الهواء الطلق، والانفصال الاختياري عن روتين العمل اليومي والتغيير الايجابي للقاء الجديد من الوجوه المستبشرة.

 الشعور بالقوة في السير الجماعي نحو هدف أعلى في الحياة.. نحو القيم الشامخة.. نحو القمم الانسانية.. نحو الأنموذج.. نحو القدوة الحسنة التي باتت نادرة في الحياة العامة، والحصول على فرصة للحوار مع الذات ومراجعة النفس في القضايا وتحديات الحياة اليومية خلال ساعات السير الطويلة، نتعلم فن صناعة السعادة من امور بسيطة ودون تكاليف باهظة، ونشعر بالطمأنينة التي لم تأتِ من امتلاك المال والثروة ما يثبت بأن ليس كل الأغنياء سعداء، ولا كل الفقراء تعساء، تعزيز الثقة بالنفس والقناعة بالإمكانيات الذاتية وترشيد النفس الامارة بالسوء، الشعور الانساني المتأجج بالتنوع في بحر يموج بكتل بشرية متنوعة الاعراق والثقافات.. الشعور بالعدالة الانسانية في فضاء لا يفرق بين الوزير والأجير، ولا يفاضل بين الأمير والفقير الى حد ما.

توفر فرصة ذهبية لإعادة النظر بمدى فهم الانسان لدوره المطلوب في حياته، نبذ العنف والارهاب من خلال الاندماج والانخراط في صفوف لواء المحبة والتعايش وقبول الآخر.. والتفكير العلمي لا يخلو من النظر نحو روحية الفعل المبدع.

 يذهب بعض النقاد الى ان الشعائر الولائية اثر حيوي لابد للعلم ان يحتويها؛ كونها متنامية تتطور مع تطور الازمنة، عمل العلماء اليوم توجه نحو دراسة كل شعيرة عبر مهرجانات ومسابقات ومؤتمرات وعمل متساوق للأعمار المتنوعة للطفولة والفتيان وللشباب ضماناً ترسيخ التضج المعرفي وفتحنا افاق المستقبل، لابد في كل الاحوال استثمار هذا الظرف.

 يرى الكاتب (عبود الكرخي) أنها نسائم الرحمن والهداية التي بها يستنشق المؤمن عبق الإيمان وهي في ظل هذه الزيارة والتي بها يتزود المؤمن الإيمان الروحي والمادي من خلال مسيرة الإيمان الخالدة إلى كعبة الأحرار وقبلة الإيمان في مسير نوراني لن يكتمل إلا بالوصول إلى ضريح سيد الشهداء سيدي ومولاي أبي عبد الله الحسين(عليه السلام).

 وهذا الاصرار على الوصول هو فعل التنامي الذي يجعل هذه المسيرة الخالدة مستمرة ولن تندثر بل تزداد ألقاً وبهاءً مهما طال الزمان، وهي أحد المواضيع المهمة لظهور المهدي (عجل الله فرجه الشريف)، والممهدين لهذا الظهور المبارك والارتكاز على هذه الزيارة الإيمانية هي أحد المرتكزات المهمة لظهور قائم آل محمد (عجل الله فرجه الشريف)، يدور الفكر المؤمن حول يقينية ارتباط هذه المسيرات الولائية بحركة صاحب الامر بارك الله لنا بظهوره الشريف.

 أي مشروع انساني فاعل يصل الى مراحل النضج مطمئنا يصل الى متلقيه ولو من طبيعة التلقي المثقف ان يقلق حتى في المسائل التي تصرف القلق عنها بقوة.. يرى الكاتب (نزيه ابو لحمة) الممارسة التقويمية لا تنتقص تلك المشاعر وانما تحاول ان تظهر قلقها من استفحال بعض الظواهر التي تضاف الى حركة المسير، تحتاج لاستثمار المشاعر والعواطف الجياشة المفعمة بالوﻻء وتقويم مسارها نحو هدفها المنشود لنصرة الحسين (عليه السلام) مبدأ ومنهجاً وسلوكاً شعوراً ﻻ شعارات موسمية تنتهي بانتهاء الموسم الاربعيني، لنكون حسينيين وزينبيين بوقت واحد؛ لاستكمال ودوام المشروع النهضوي الآﻻمي؛ ﻷن الإسلام محمدي الوجود حسيني البقاء.

 يرى الكاتب المغربي (إدريس هاني) أن الثورات تبلى وتفقد عمقها الإيديولوجي والروحي، بينما تستمر طراوة الثورة الحسينية توحي بالكثير من المعانى والقيم  الإنسانية والأمل والعدالة والسّلام ومناهضة الظّلم..! حدث يتمثله أطياف المجتمع بمختلف طبقاتهم الثقافية ونزعاتهم الفكرية.

 لقد كانت ثورة كربلاء في أصلها التّاريخي تجري على أرض الواقع وتواجه منتهى التّعسف بقدر ما تتمثّل منتهى التحرر.. تهاوت فيها هواجس الاستبداد إلى أسفل درك النزول، وارتقت فيها مهج التحرر إلى منتهى مدارج الكمال.

 إن الكاتب المبدع يريد ان يبعد هذه المناسبة عن المتحفية، بل اعتبرها نزعة انسانية واحساس وجداني عنوانه الحسين (عليه السلام)، إحساس لا تقدحه الذاكرة بل يستدعيه المستقبل، وهذا شأن النزعة الوجدانية تعبير دقيق امتد به ليصل الى (لازمكانية) النهضة، الى تشخيص السيدة زينب (عليها السلام): "لن تبلغ امدنا"، فمن الخطأ ان يقاس أي شيء من الامور النهضوية والتضحوية الحسينية بمنهجة معاصرة؛ كونها لا تؤدي إلا البعد الحياتي القاصر عن مسايرة التأريخ.. قراءة بائسة ان نجلس نحن لنصحح للحسين (عليه السلام) مساراته، أو أن نتابع تلك الروح التضحوية بمنطق حياتي عادي.

 تنامي الاثر الحسيني لا نسميه ندماً كجلد الذات، الشعوب تنامت مع حركة الحسين (عليه السلام)، منهم من ثار كحركة سليمان بن صرد والمختار.. الآن نصل الى تعبير جلد الذات هذه الممارسة التي حاول بعض المتعاطفين اعطاءها شرعية، يرى الكاتب ادريس هاني ان جلد الذات، لا تعني أكثر من إحساس مضاعف بالذنب يعكس مكانة الشخص في الوجدان وقسوة الجريمة في التاريخ.

 نحن لا نعرف لغة جلد الذات المستوردة من اطياف الاديرة نحن نفكر بنصرة الذات عبر المواساة مع معاناة اهل البيت (عليهم السلام)، عبرة الالتحام الوجداني، بعيدا عن التكلف والنفاق، المسيرة الاربعينية تبعد تهوين الحدث، وإسقاط رهان الاعداء الذي وصل حد الاحتفاء بمقتل الحسين (عليه السلام) باعتباره عيدا في بعض البلدان العربية والإسلامية.

 المسيرة الاربعينية عمل جماهيري يقف ضد أي تشويه صوري او معنوي الجماهير تريد استحضار المأساة بشحنتها الحقيقية، تريد هذه المشاية ايصال رسالتها الانسانية الى الاجيال بأمانة.

 يرى الاستاذ (واثق الجابري) ان هذا الحشد المليوني هو حضور متميز لنصرة الحسين (عليه السلام) كل عام، وتحدي شعبي جريء، يرى ان البعض ان ذكر القضية الحسينية يصنع الفرقة ويفرق الهويات، فمن غير هذا الحسين العظيم والذي استمد عظمته من رحمة رب العالمين، في اربعينيته الشامخة يجمع هذه الملايين على اختلاف لغاتهم وهوياتهم وأممهم التي احصوا عددها في الارض، فمن يحصي مشايته في السماء؟

 هذا المسير الاربعيني الذي علم العالم دروساً من التفاني والعمل الطوعي وأوغر في صدر اهل السخرة وحشود الزيف، وجعلهم يخشون مستقبلهم، لذلك تراهم مع كل مسير اربعيني تتحشد الاقلام واعلام الفضائيات ويزداد اهل التفلسف لتفريغ القضية من مهمتهما الاساسية جمع الامة على الخير لتنتفض على طغاتها، ترعبهم مشاهد كأربعينية مباركة، حيث الكرم والخدمة وتقديم ما لذ وطاب تعبير عن قيم لا مثيل لها بالعالم، وفرق طبابة وسيارات نقل وإغاثة، وصور للشهداء ومشاهد بطولات ورسومات ومحاضرات ونصائح شرعية، وقلوب مفتوحة بالحب والإنسانية والخُلق. 

لا احد يعلم فعلا كيف تتجمع تلك الملايين وكيف تنطلق، وكيف توفر كربلاء مبيتا لعشرين مليون زائر ومن يطعم هذه الملايين؟ وكيف، وأكثر من 20 يوماً من المسير من كل بقاع العالم الى حيث قبلة الثوار والأحرار، والخدمة الكبيرة التي يتصاغر فاعليها أمام جلالة سيدهم وقائدهم الإمام الحسين (عليه السلام)، وأي شعب عظيم انتهل من هذا الفكر ليستضيف ملايين من أكثر من 80 دولة، ويُعلمهم الخدمة والصبر والتفاني؛ وفكر ينجب أجيالاً لا تتراجع عن مبادئها وشرفها وكرامتها، فأي رسالة إنسانية حملها الحسين العظيم؛ لكي يقنع ملايين بعد مئات السنين برسالته الإنسانية..؟!

هناك سؤال في البال:ـ ما الذي نحتاجه لإنتاج ملحمة بحجم ملحمة كربلاء.. بالتأكيد ان اولى احتياجاتنا ستكون التقوى والمعرفة المنتجة للوعي، والذي بدوره يمنحنا الشجاعة والموقف الصبور، يرى (حسين علي الشامي) ان الولاء الذي يوحد التواريخ والأمكنة في موقف واحد ويجعل الشعائر مصدر الهام، قادر على انتاج وعي مدرك مثقف للنصرة في كل الازمنة.

 بقيت في جوهر القضية اسئلة كثيرة تملأ الخافقين؛ لأن لكل زمان قراءاته ووعيه، فقد تكون قراءات الجيل الذي سبقنا للواقعة تختلف عن قراءاتها لكربلاء وطف كربلاء الحسين ومن المؤكد ان الجيل الذي سيأتي بعدنا له قراءاته ايضاً.. فالسؤال الذي يستحضرنا هو لو -لا سمح الله- واعطى الحسين (عليه السلام) البيعة ليزيد (لعنه الله) هل كانت تنتهي المشكلة؟

 يرى الكاتب (مصطفى العسكري) ان الحسين (عليه السلام) كان مدركا للقضية بحذافيرها حين اطلق حكمته: (مثلي لا يبايع مثله)، وكان للكاتب المبدع (وليد كريم الناصري) وقفة مع زيارة الاربعين المباركة التي وحدت جميع المسميات بين مصطلحين اما زائر او خادم خرج الجميع من دائرة التحزبات الى الانتماء.

 ويرى هذا الكاتب الجريء ان هناك بعض السرادق الخدمية لازالت تحتفظ بمسمياتها السياسية في دعوة للانصهار تحت جوهر معنى النصرة ومعنى زيارة الاربعين المباركة، استغرب في احايين كثيرة عندما ارى الفضائيات تسلط الضوء في برامجها الاخبارية على تجمعات شعبية ومارثونات واحيانا تجمعات لرمي والتراشق بالطماطة ومصارعة الثيران العالمية او مسابقات جري ورياضة.. واهمال ماراثون يقام في كربلاء يتسابقون فيه على الاجر والثواب..؟

 ويرى الكاتب (كريم الانصاري) ان هناك اصواتاً خارج السرب تصيح مستهدفة الشعائر الحسينية خصوصاً والطقوس الدينية عموماً.. لدواعي وأسباب مختلفة لا يخلو بعضها من الحسد والغيظ والخشية والإحباط تارةً، ومن قصر النظر والجهل والشذوذ وحساب الأرقام والنقاط تارةً أُخرى.

 ويرى أنّ عملية البناء تبدأ إنسانيةً أولاً، بل لا بناء أبداً بدون بناء الإنسان من الذات إلى الذات في الذات، ثم تحلّق عملية البناء منتجةً فاعلةً في دنيا الحياة وما لها من الضرورات والاحتياجات .


 


قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat


علي حسين الخباز
 (للدخول لصفحة الكاتب إضغط هنا)

    طباعة   ||   أخبر صديقك عن الموضوع   ||   إضافة تعليق   ||   التاريخ : 2017/11/18



كتابة تعليق لموضوع : من مرافئ زيارة الأربعين..(1)
الإسم * :
بريدك الالكتروني :
نص التعليق * :
 



حمل تطبيق (كتابات في الميزان) من Google Play



اعلان هام من قبل موقع كتابات في الميزان

البحث :





الكتّاب :

الملفات :

مقالات مهمة :



 إنسانية الإمام السيستاني

 بعد إحراجهم بكشف عصيانها وخيانتهم للشعب: المرجعية الدينية العليا تـُحرج الحكومة بمخالفة كلام المعصومين.. والعاصفة تقترب!!!

 كلام موجه الى العقلاء من ابناء شعبي ( 1 )

 حقيقة الادعياء .. متمرجعون وسفراء

 قراءة في خطبة المرجعية : هل اقترب أَجلُ الحكومةِ الحالية؟!

 خطر البترية على بعض اتباع المرجعية قراءة في تاثيرات الادعياء على اتباع العلماء

 إلى دعاة المرجعية العربية العراقية ..مع كل الاحترام

 مهزلة بيان الصرخي حول سوريا

 قراءة في خطبة الجمعة ( 4 / رمضان/ 1437هـ الموافق 10/6/2016 )

 المؤسسة الدينية بين الواقع والافتراء : سلسلة مقالات للشيخ محمد مهدي الاصفي ردا على حسن الكشميري وكتابيه (جولة في دهاليز مظلمة) و(محنة الهروب من الواقع)

 الى الحميداوي ( لانتوقع منكم غير الفتنة )

 السيستاني .. رسالة مهدوية عاجلة

 من عطاء المرجعية العليا

 قراءة في فتوى الدفاع المقدس وتحصين فكر الأمة

 فتوى السيد السيستاني بالجهاد الكفائي وصداها في الصحافة العالمية

 ما هو رأي أستاذ فقهاء النجف وقم المشرّفتَين السيد الخوئي بمن غصب الخلافة ؟

 مواقف شديدة الحساسية/٢ "بانوراما" الحشد..

أحدث مقالات الكتّاب :


مقالات متنوعة :





 لنشر مقالاتكم يمكنكم مراسلتنا على info@kitabat.info

تم تأسيس الموقع بتاريخ 1/4/2010 © محمد البغدادي 

 لا تتحمل الإدارة مسؤولية ما ينشر في الموقع من الناحيتين القانونية والأخلاقية.

  Designed , Hosted & Programmed By : King 4 Host . Net