صفحة الكاتب : نزار حيدر

عْاشُورْاءُ السَّنَةُ الرَّابِعَةُ (١٤)
نزار حيدر

المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.

   لقد تحدَّى الحُسين السِّبط (ع) قوَّة السُّلطة الأَمويَّة وهي في قمَّة بطشها وجبروتها! ولو أَنَّهُ أَرادَ أَن ينتظِر حتَّى تضعُف ليخرجَ عليها لطالَ انتظارهُ ولما فعل شيئاً! بل على العكسِ من ذَلِكَ! فالسُّلطةُ تزدادُ جبروتاً وطُغياناً كلَّما خنعَ واستسلمَ المجتمعُ مُدَّةً أَطول ونامَ النَّاسُ ولم يحرِّكوا ساكناً!.
   إِنَّ المعارضينَ والإصلاحيِّينَ والذين يخرجونَ على السُّلطة الظَّالمة همُ الذين يُضعِفون جبروتَها ويُحاصِرون قوَّتها ويقلِّلون من شأنِها ويكونوا سبباً في التَّشكيك بشرعيَّتها! وهذا ما فعلهُ الحُسين السِّبط (ع) بخروجهِ على الأَمويِّين ورفضهِ البَيعة للطَّاغية يَزيدٍ!.
   كما أَنَّهُ (ع) لم يُعِرْ أَهمِّيةً للاأُباليَّة المُجتمع إِزاء الأَحداث والتطوُّرات التي شهدتها الأُمَّة وقتها! وأَنَّ خروجهُ هو الذي حرَّك الرُّكود واستنهضَ الهِمَم وأَقامَ الأَمواتُ الأَحياءُ من رقدتهِم! أَلم يحدِّثنا التَّاريخ عن عشراتِ بل مِئاتِ الثَّورات التي تواصلت ضدَّ النِّظام الأَموي الشُّمولي المستبدِّ الجائِر إِلى أَن إِنتهت بإسقاطهِ ورميهِ في مزبلةِ التَّاريخ؟!.
   لقد هزَّت عاشُوراء ضمير الأُمَّة بل ضمير الانسانيَّة على مرِّ التَّاريخ وسيظلّ الأَحرار والمُصلحون يستلهِمون من كربلاء كلَّ معاني العزِّ والكرامةِ والحُريَّة! وهذا هو الفرق الجوهري بين مَن ينتظر ليتحرَّك المُجتمع ليتصدَّى هو لقيادتهِ أُولئك الذين نسمِّيهم بالوصوليِّين الذي يركبونَ الأَمواج التي يصنعها الآخرون وهمُ الذين لا يصنعونَ شيئاً أَبداً! وبين مَن يتصدَّى يومَ أَن يغُطَّ الآخرون في نومهِم! ويتقدَّم يومَ أَن يلتفَّ الآخرون حولَ موائدِ الطُّغاة يلحسونَ فضلات قِصاعهم الحرام! ويستشهدونَ من أَجل القِيَم عندما يرَون القِيَم تستشهد من أَجْلِ حفنةٍ من الطُّغاة وأَبواقهِم وذيولهِم!.     
   من جانبٍ آخر فانَّ المُصلح الحقيقي لا ينتظر حتَّى يكتمِلَ عدد الأَنصار حسب القِياسات المادِّيَّة لينهضَ بمهمَّتهِ التَّاريخيَّة! فلو قرأنا تاريخ النَّهضات الاصلاحيَّة والثَّورات التَّغييريَّة لرأَينا أَنَّها تبدأ دائماً بثُلَّةٍ قليلةٍ تتصدَّى للمشهد برُؤيةٍ واضحةٍ ومتسلِّحةٍ بالأَسبابِ والوسائِل والأَدوات ليلتحقَ بها فيما بعدُ المتردِّدون والخائِفون والمشكِّكون والنِّيام والِّلئام والطُّغام والامِّعات! لتتحوَّل حركتهُم إِلى سَيلٍ هادرٍ بعد أَن كان عددُ الأَنصارِ يُعدَّون بالأَصابعِ!.
   ولَو أَنَّ الحُسين السِّبط (ع) إِنتظرَ ليكتَملَ العدد لما زحفَ شِبراً واحِداً ولذلك قال {أَلا وإِنِّي زاحفٌ بهذِهِ الأُسرة مَعَ قِلَّةِ العَدَدِ وَخِذلانِ النَّاصِرِ}.
   وبهذا القولُ أَسقطَ الحُسينُ السِّبط (ع) الحِسابات المادِّيَّة مِن نهضتهِ ولو لَمْ يفعل ذَلِكَ لما انتصرَ الدَّمُ على السَّيفِ أَبداً!.
   المهمُّ في الأَمرِ هو أَنَّهُ يفعل الشَّيء الصَّحيح!.
   ولقد رسمَ أَميرُ المؤمنينَ (ع) خارطة طريق لهذا المعنى بقولهِ في رسالةٍ جوابيَّةٍ لأَخيهِ عقيل بن أَبي طالبٍ {لاَ يَزِيدُنِي كَثْرَةُ النَّاسِ حَوْلِي عِزَّةً، وَلاَ تَفَرُّقُهُمْ عَنِّي وَحْشَةً}.
   وقبلَ كلَّ ذلك ردَّ القرآن الكريم على مَن تذرَّع بقِلَّة النَّاصر للهربِ من المُواجهةِ بقولهِ {فَلَمَّا فَصَلَ طَالُوتُ بِالْجُنُودِ قَالَ إِنَّ اللَّهَ مُبْتَلِيكُم بِنَهَرٍ فَمَن شَرِبَ مِنْهُ فَلَيْسَ مِنِّي وَمَن لَّمْ يَطْعَمْهُ فَإِنَّهُ مِنِّي إِلَّا مَنِ اغْتَرَفَ غُرْفَةً بِيَدِهِ فَشَرِبُوا مِنْهُ إِلَّا قَلِيلًا مِّنْهُمْ فَلَمَّا جَاوَزَهُ هُوَ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ قَالُوا لَا طَاقَةَ لَنَا الْيَوْمَ بِجَالُوتَ وَجُنُودِهِ قَالَ الَّذِينَ يَظُنُّونَ أَنَّهُم مُّلَاقُو اللَّهِ كَم مِّن فِئَةٍ قَلِيلَةٍ غَلَبَتْ فِئَةً كَثِيرَةً بِإِذْنِ اللَّهِ وَاللَّهُ مَعَ الصَّابِرِينَ}.
   ٣ تشرين الاوّل ٢٠١٧
                            لِلتَّواصُل؛
‏E-mail: nazarhaidar1@hotmail. com
 


قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat


نزار حيدر
 (للدخول لصفحة الكاتب إضغط هنا)

    طباعة   ||   أخبر صديقك عن الموضوع   ||   إضافة تعليق   ||   التاريخ : 2017/10/07



كتابة تعليق لموضوع : عْاشُورْاءُ السَّنَةُ الرَّابِعَةُ (١٤)
الإسم * :
بريدك الالكتروني :
نص التعليق * :
 



حمل تطبيق (كتابات في الميزان) من Google Play



اعلان هام من قبل موقع كتابات في الميزان

البحث :





الكتّاب :

الملفات :

مقالات مهمة :



 إنسانية الإمام السيستاني

 بعد إحراجهم بكشف عصيانها وخيانتهم للشعب: المرجعية الدينية العليا تـُحرج الحكومة بمخالفة كلام المعصومين.. والعاصفة تقترب!!!

 كلام موجه الى العقلاء من ابناء شعبي ( 1 )

 حقيقة الادعياء .. متمرجعون وسفراء

 قراءة في خطبة المرجعية : هل اقترب أَجلُ الحكومةِ الحالية؟!

 خطر البترية على بعض اتباع المرجعية قراءة في تاثيرات الادعياء على اتباع العلماء

 إلى دعاة المرجعية العربية العراقية ..مع كل الاحترام

 مهزلة بيان الصرخي حول سوريا

 قراءة في خطبة الجمعة ( 4 / رمضان/ 1437هـ الموافق 10/6/2016 )

 المؤسسة الدينية بين الواقع والافتراء : سلسلة مقالات للشيخ محمد مهدي الاصفي ردا على حسن الكشميري وكتابيه (جولة في دهاليز مظلمة) و(محنة الهروب من الواقع)

 الى الحميداوي ( لانتوقع منكم غير الفتنة )

 السيستاني .. رسالة مهدوية عاجلة

 من عطاء المرجعية العليا

 قراءة في فتوى الدفاع المقدس وتحصين فكر الأمة

 فتوى السيد السيستاني بالجهاد الكفائي وصداها في الصحافة العالمية

 ما هو رأي أستاذ فقهاء النجف وقم المشرّفتَين السيد الخوئي بمن غصب الخلافة ؟

 مواقف شديدة الحساسية/٢ "بانوراما" الحشد..

أحدث مقالات الكتّاب :


مقالات متنوعة :





 لنشر مقالاتكم يمكنكم مراسلتنا على info@kitabat.info

تم تأسيس الموقع بتاريخ 1/4/2010 © محمد البغدادي 

 لا تتحمل الإدارة مسؤولية ما ينشر في الموقع من الناحيتين القانونية والأخلاقية.

  Designed , Hosted & Programmed By : King 4 Host . Net