صفحة الكاتب : كاظم الحسيني الذبحاوي

من أجل أنْ يتطور المجتمع العراقي
كاظم الحسيني الذبحاوي

المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.
مجالس التعزية
(لاَّ خَيْرَ فِي كَثِيرٍ مِّن نَّجْوَاهُمْ إِلاَّ مَنْ أَمَرَ بِصَدَقَةٍ أَوْ مَعْرُوفٍ أَوْ إِصْلاَحٍ بَيْنَ النَّاسِ وَمَن يَفْعَلْ ذَلِكَ ابْتَغَاء مَرْضَاتِ اللّهِ فَسَوْفَ نُؤْتِيهِ أَجْراً عَظِيماً)  [النساء : 114].
(لَن يَنَالَ اللَّهَ لُحُومُهَا وَلَا دِمَاؤُهَا وَلَكِن يَنَالُهُ التَّقْوَى مِنكُمْ كَذَلِكَ سَخَّرَهَا لَكُمْ لِتُكَبِّرُوا اللَّهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْ وَبَشِّرِ الْمُحْسِنِينَ ) [الحج : 37] .
ــــــــ
قد يظن القارئ المحترم من خلال قراءته لعنوان هذه الحلقة ، أنني أعتبر مجالس التعزية التي تقام في مناسبات الأئمة الأطهار عليهم صلوات المصلّين ،عائقاً أمام تطور وتقدم المجتمع العراقي ،لاسيما بعد نشر الحلقة الأولى من هذا المسلسل التي خُصّصت للحديث عن مجالس التأبين (الفواتح) . 
وهذا الظن من جانب القارئ له ما يُسَوّغه ،ذلك لأنّ المجتمع العراقي مُنيَ بخيبة أملٍ عريضة جرّاء منع النظام السابق من إقامة هذه المجالس المباركة ،وإنزاله شتى صنوف التعذيب بمن يقيمها ؛بل كانوا يتهمون القائمين عليها بالعمالة لإيران وإسرائيل ،وبنحو لم يعد خافياً على أحد فقد أشاعوا أنّ هذه المجالس عرضة لدخول المتسللين إليها ويقصدون المناوئين لهم . أضف إلى ذلك اتهام البعض من أنّ هذه المجالس من البدع .
وبعد سقوط النظام السابق ،وكرد فعل طبيعي لهذه الاتهامات ولخيبة الأمل رأينا كيف أنّ الشارع العراقي اتشح باللافتات والأعلام ،وازدحم بالمواكب والمسيرات الحاشدة على نطاق واسع ،فصارت إقامتها ممارسة اجتماعية يومية حتى في أكثر دوائر الحكومة في مختلف مدن وقصبات العراق ،باعتبارها هدفاً نهائياً تُسخّر له الأموال والطاقات البشرية والفكرية والإعلامية . وممّا يزيد في خطورة الموضوع هو أنّ البعض من المتلهفين على إقامتها جعلوا منها مادة لعقد الصفقات المالية المشبوهة تحت عنوان (سُفرة الحسين)، وهذه ردة فعل للخطأ الذي ارتكبه النظام السابق ، إلاّ أنها ردة فعل غير متوازنة لما أثارته من ضجيج إعلامي أفرغ هذه الشعائر من أهدافها المتوخاة كمنبع للثقافة الإسلامية داخل أوساط المجتمع ، إلى أنْ آلَ أمرها أن تكون (من عاداتً الشعوب) تخلو من أي روح،  تمارس في أوقات معينة!
أقول : قد يتهمني القارئ بأنني أسعى لإطفاء نور هذه الشعائر الحسينية ،وقد يكون له الحق في ذلك بعد أن تكاثرت الدعوات التي تحمل في طياتها مختلف أنواع الاتهامات .
لكنني ..
لم أقصد أن تُمحى هذه الشعائر الحسينية على النحو الذي يظهر للعِيان من الدعوات هذه الأيام ،والتي غايتها إخلاء الساحة العراقية من هذه الممارسات الجماهيرية التي أريد منها أن تكون منابر متحركة غايتها ليست إقامتها كما هي عليه الآن ،وإنما غايتها هي بث الوعي السياسي والفكري بين الناس على اختلاف مشاربهم ،لارتباط ذلك بمستقبل الإنسان في ما بعد الممات ؛ إذ لا يُعقل أن يتساوى القاتل مع المقتول ، أو الظالم مع المظلوم .
 ولكي نلقي مزيداً من الضوء على هذه المجالس ،لابد من الوقوف على ما يمكن لي تسميته هنا بـ (عناصر) المجلس الحسيني وتحليلها ،فهذه هي (شجرة) البحث :ـ
العنصر الأول : الخطيب المنبري ( الروضة خُون) .غالباً ما يكون من طلبة علوم الشريعة الإسلامية المنقطعين عن حلقات الدرس التقليدية التي يحيها العلماء الأساتذة . والسبب العام هو تفرّغ هذه (الطبقة الاجتماعية) لديمومة هذا العطاء الثقافي الذي يجب أن تنشده الساحة الإسلامية .
العنصر الثاني :  رسالة المنبر .وتتكون عادة من ثلاثة مكونات ،هي :
     1ـ المادة التأريخية 2ـ المادة الأدبية والإعلامية 3ـ المادة العقائدية والسياسية .
العنصر الثالث :  الجمهور المتلقي .
العنصر الرابع : الأثر المتوقع ( ثمرة الرسالة) .
هذه هي أهم العناصر التي إنْ اجتمعت شكّلت لنا (مجلساً حُسينياً) .وهناك أشياء أخرى يمن إضافتها إلى هذه العناصر ، لكنها قد تكون أشياء ثانوية .
أما نسبة هذه المجالس إلى الإمام الحسين عليه السلام ،فهي لعمري من أوضح الواضحات ،فلا جدوى هنا الخوض في نسبتها هذه .
وسأتناول الحديث عن هذه العناصر بما يسعني ،متمنياً من الجميع التعامل مع هذا الموضوع بروح عالية من المسؤولية الاجتماعية ،والحث على إقامة منابر حسينية أخرى تجتذب الجماهير العريضة إليها من غير تغييب تمارسه المنابر الحالية . والله من وراء القصد .
العنصر الأول /الخطيب المنبري [الروضة خون]
إنّ بعض الخطباء الذين عاصرناهم هم من الطبقة العلمية الأدنى ،فهم لا يحملون من العلم إلاّ ما يتعلق بحفظهم عن ظهر قلب الكثير من النصوص الشريفة والأشعار والقصص من دون تدبّر فيها ،وبسبب ذلك أخذت بعض الجهات تكيل الشتائم والاتهامات وتلصقها بأئمة المسلمين عليهم السلام ، كذلك فإنّ أفرادها لا يجيدون التعامل مع المتغيرات البيئية التي تعصف بالمجتمع، مما يجعلهم عرضة للوقوع في أحابيل السياسة التي يبتدعها الحكام وبالتالي موضعاً لاتهام الجماهير الحسينية نتيجة للشكوك التي تحوم حولهم بعقدهم الصفقات السرية مع الأنظمة والجماعات الإرهابية ورؤساء التجمعات السكانية في مختلف المناطق ممّن أقاموا سلطتهم على النهب والسلب المنظم ،فأصبح لكل جماعة من أمثال هؤلاء خطيباً واعظاً ناطقاً باسمهم !! 
وقبل سنتين كادت أن تحدث أزمة أمنية واسعة النطاق في مدينة كربلاء بسبب تدخل أحد أُولئك الخطباء الذي كان يؤلّب الجماهير على التمرد والعبث بالنظام في المدينة ، مستخدمين أجهزة الهواتف النقالة . وقد اطلعتُ بنفسي على الباعث لذلك ،فكان باعثاً وهمياً لا واقع له !
ويظهر مثل هذا في المجتمعات ذات التمايز الطائفي ،كمجتمعات دول منطقة الخليج التي شهدت سنين طوال تأزماً في العلاقات السياسية مع الحكومات العراقية المتعاقبة ،فنجد المواطنين في هذه الدول يُمنعون من زيارة المشاهد المقدسة في العراق ،وقد نجم عن ذلك شعورٌ بالحرمان من التبرك بهذه الأعتاب أو مراجعة علماء الإسلام في النجف الأشرف وفي كربلاء المقدسة ،فانبرى عدد من الخطباء (الروضخونية) إلى السفر إلى تلك المجتمعات التي تنظر إليهم على أنهم ممثلين عن مراجع الدين ،فأخذ الموطن الخليجي ينظر إلى أولئك الخطباء نظرة ملؤها الإكبار والتقديس،فصاروا يبذلون إليهم الأموال الطائلة باعتبارهم لهم أنهم يحملون عبق الإمام أمير المؤمنين عليه السلام ،فصار الخطيب الشاب منهم واقعاً تحت تأثير الثراء السريع والأضواء والشهرة ،ما جعله مؤثراً في قرارات الناخبين تنفيذاً لرغبات السياسيين الخليجيين الذين تمكنوا من التوغل داخل صفوف الجماهير الشيعية عن طريق الأموال التي تغدق عليهم .
ومما يزيد في خطورة الأوضاع التي تمس حياة الناس في العراق تولي الخطباء المناصب الإدارية في أجهزة الحكومة ، أو ممارسة البعض منهم مختلف أنواع الضغوط على أطراف العملية السياسية لتحقيق منافع خاصة .
ولا يبعد أبداً ما لبعض أفراد هذه الطبقة من تأثير على قادة الرأي في العراق سابقاً أيضاً إبان حملة عبد الكريم قاسم لاسترداد أرض الكويت إلى العراق الأم ،مما أدى إلى فشلها بانسحاب القوات العسكرية آنذاك ،من دون أن تصدر لها الأوامر .
إنني أنظر بعين الارتياب لارتباطات بعض أولئك الخطباء ببعض الأوساط الخليجية وبعض مناطق أوربا وأمريكا !
على هذا فلابد للمرجعية الدينية من تأسيس مؤسسة تهتم بإعداد الخطباء المنبريين طبقاً لمعايير توزن بها أهلية هذا الخطيب أو ذاك ،ليس من النواحي الفنية وحسب؛ وإنما من النواحي الأخلاقية والعقائدية الصحيحة ،من حيث :
أ ـ الحث على المحافظة على الأنظمة والأموال العامة أثناء الانهيارات التي تتعرض لها الحكومات .
ب ـ إشاعة ثقافة وجوب صلاة الجماعة بين جميع الطبقات .
جـ ـ تحذير الناس من خطورة حضور الحفلات الغنائية .
د ـ حرمة تناول الأموال العامة من غير مراجعة الحاكم الشرعي .
هـ ـ حرمة التحاكم إلى الطواغيت بكافة أشكالهم .
و ـ إشاعة ثقافة فريضة الحج .
 ،ما دام جميع الخطباء يتكلمون باسمها أمام الملايين من الناس في مختلف دول العالم في أقل تقدير .
العنصر الثاني / رسالة المنبر
وهي ـ كما ذكرنا ـ تتكون من ثلاثة عناصر أساسية هي :ـ
1ـ المادة التأريخية .
2ـ المادة الأدبية والإعلامية.
 3ـ المادة العقائدية والسياسية .
1ـ المادة التأريخية : إنّ نسبة لا بأس بها من القصص والروايات التي تلقى من على المنابر هي عبارة عن مراسيل الأخبار التي حوتها مختلف المصادر التي لا يمكن تبرئتها من تأثيرات الوقوع تحت طائلة السلطات المتعاقبة على المسلمين ،وإنْ كانت ترويها مصادر الشيعة .
أضف إلى ذلك تأثر بعض الخطباء بالمنهج السردي الذي سار عليه كُتّاب التأريخ الذي يضّيع على المتلقي فرص التأمل في الحوادث المهمة التي يُراد تغطية حلقاتها المفصلية تبرئة للحاكم نفسه .
وأضرب لذلك مثالاً : الارتباك الواضح بعرض فقرات الصراع بين السفير الحسيني البطل مسلم بن عقيل بن أبي طالب عليهم السلام ،وبين السلطة الأموية في الكوفة التي كان يتزعمها عبيد الله بن زياد بن أبيه والثلة المحيطة به وعلى رأسهم عمرو بن الحجاج الزَبيدي الذي لعب دوراً فاعلاً في إجهاض نهضة هذا الرائد الحسيني المقدام عن طريق قيامه بسلسلة من الاتصالات المشبوهة التي أدّت بالنتيجة إلى تمكين ابن زياد من إلقاء القبض على صهره الزعيم هانئ بن عروة سلام الله عليه ثم قتله بتلك الطريقة البشعة ،ثم تصوير مسلم عليه السلام أنه هارب من سلطة ابن زياد إلى جهة مجهولة يتلمس طريق النجاة والاختباء عند امرأة مُسنّة تقع دارها في أحد أحياء الكوفة !
فمن ذلك أيضاً تصويرهم للإمام علي بن الحسين عليه السلام على أنه شخصية ضعيفة ومهزومة حيال المتغيرات التي عصفت بالأمة أثناء وبعد واقعة كربلاء .من ذلك اختبائه بين النساء والأطفال من عيالات الحسين عليه السلام !
ومن المضحك المبكي ترديدهم ما وجدوه في مصادر التأريخ من غير أدنى تدقيق، الخطاب المزعوم الذي وجهه الإمام الحسين عليه السلام إلى سفيره مسلم بن عقيل عليه السلام بقوله : (أجبنتَ يا مسلم) على إثر القصة التي نسجها الأمويون بموت الدليلين !
ومما يبعث على الأسف حقاً ما عرضه الدكتور(صاحب الحكيم) في معرضه الوثائقي الذي أقامه في بعض مدن العراق قبل سنوات تحت عنوان من العاصمة البريطانية لندن إلى العاصمة الدينية النجف الأشرف ،وقد ضم في جملة الوثائق التي عرضها هذه الفذلكة الأموية ( أجبنت يا مسلم ) تسليماً منه لتلك المصادر !
ولو استعرضنا أمثال هذه القراءات الخاطئة للتراث لوجدنا القائمة تطول .
2ـ المادة الأدبية والإعلامية :  يعتمد الخطباء على بعض المحفوظات الشعرية التي  تُلقى، وفيها من التقاطع مع الثوابت التأريخية نفسها الشيء الملحوظ .وأمثلة ذلك كثيرة ، يحضرني منها في هذه اللحظة أبيات الشعر التي تصوّر سليمان عم الرشيد بأنه انتفض رداً على قيام هارون الرشيد بقتل الإمام موسى بن جعفر عليه السلام بدس السمّ إليه في السجن وتأسفه من جراء وقوع هذه الحادثة المؤسفة ،وكأنه لم يعلم بالذي جرى لهذا الإمام المظلوم وهو في سجون ابن أخيه قرابة أربعة عشر عاماً متصلة !
إنّ (الخزين العقائدي) الذي تحمله النصوص الشعرية التي يكتبها شعراء يجهلون حقيقة الصراع بين الشرك وبين التوحيد يخلف في ذهنية المتلقي فكرة الانهزام والخنوع لإرادة المتسلطين على اختلاف مراتبهم .
نحن لا نشكك في قدرة الشعراء في ما يتعلق بمهاراتهم بالنظم وفي ولائهم أيضاً ، لكننا نشكك كثيراً في معرفتهم بالكثير من الأمور السياسية والعقائدية .
انظر إلى هذا الشعر من نظم السيّد رضا الهندي رحمة الله عليه ماذا يقول فيه :
     رموك من القصر إذ أوثقوك         فهل سلمتْ فيك من جارحة ؟
     وسحباً تُجرُّ بأسواقهــم           ألستَ أميرهم البارحــة؟
     قُُتلتََ ولم تبكك الباكيات             أما لكَ في المصر من نائحة؟
لاحظ الضمير في ( أسواقهم) وفي ( أميرهم) لمن يعود ؟؟
 إنه وبحسب السياق يعود إلى فاعل (رموك) (أوثقوك) . 
سؤال : هل أنّ أسواق أهل الكوفة تعود إلى الذين حاربوا مسلماً عليه السلام ؟ 
أيعرف الشاعر السيد رضا الهندي(رحمه الله)طبيعة التركيبة السكانية والسياسية المعقدة لمجتمع الكوفة حينذاك ؟ أم أنّ(وراء الأكمة ما ورائها) ؟
هل يعني السيد رضا الهندي بكلامه هذا قُوّاد الألوية الأربعة التي شكلها مسلم عليه السلام من الأشاوس الأنجاب : 
1ـ عبد الله بن عزيز الكندي لواء الخيل من ربع كندة وربيعة .
2ـ مسلم بن عوسجة الأسدي قيادة ربع مذحج وأسد .
3ـ أبو ثمامة الصائدي قيادة تميم وهمدان  .
4ـ عباس بن جعدة الجدلي قيادة ربع المدينة .
أم عنى بذلك المجاهد الأشوس عابس بن شبيب الشاكري ، أم الزعيم حبيب بن مظاهر الأسدي، أم الزعيم هانئ بن عروة ، أم سعيد بن عبد الله الحنفي ، أم المجاهد البطل قيس بن مسهر الصيداوي ، أم الرئيس المختار بن أبي عبيدٍ الثقفي ، أم البطل عبد الله بن يقطر الحميري ، أم المجاهد العنيد شريك الحارثي ، أم الفارس المقدام زهير بن القين ، أم الباب الأوسع الأصبغ بن نباتة ، أم سيد الأحرار ميثم بن يحيى التمار، أم العالم الفاضل برير بن خُضَير، أم عالم العوالم رُشيد الهجري، أم المجاهد عبد الله بن عفيف الأزدي ؟
فهؤلاء وأمثالهم هم وجوه ورؤساء أهل الكوفة حينذاك ،وهم من يعلم الجمع ماذا فعلوا!!
أولئك الأفذاذ الذين بايعوا مسلماً، لم يُسلموه ،ولم يرموه من القصر، ولم يجروه بأسواقهم !
مسلم بن عقيل بن أبي طالب أمير هؤلاء ،وهم الذين عرفوا معنى البيعة له، وليس أميراً على أمثال عمرو بن الحجاج ، أو محمّد بن الأشعث ، أو عمر بن سعد، أو شبث بن ربعي، أو شمر بن ذي الجوشن الذين فعلوا تلك الأفاعيل الشنيعة بكل تأكيد .
أما أن يأتي من يحلو له التلاعب والتشكيك (كاتب ، شاعر ، خطيب) فنكل أمره إلى الله ،ونحذر الناس منه .
قال لي أحد المصريين يوماً ما بالكم تبكون على الحسين وأنتم الذين دعوتموه لنصرتكم ،وبعد ذلك خذلتموه ؟
فقلتُ له لكنّ الحسين لم يقل يا شيعتي ؛وإنما قال يا شيعة آل أبي سفيان .معنى ذلك أن الذين خذلوه ليسوا شيعته .
المنبر الحالي هو الذي يشيع مثل هذه الشبهات !
3ـ  المادة العقائدية والسياسية : إنّ الخطاب المنبري الحالي خلق أجيالاً من المنهزمين عن مواجهة الحقائق من خلال تكريس عقيدة أنّ إقامة هذه المجالس هي الهدف النهائي .وهذا فكرٌ خطيرٌ ولّد شعوراً منحرفاً بأنّ مقيمي هذه المجالس لهم أن يفعلوا ما يشاؤون من قبيل جرائم السرقة للمال العام والخاص من خلال التلاعب بمشاعر الملايين [ وهنا  تكمن المشكلة ،فإذا قُدّر لأحد هؤلاء أن يتسنم منصباً مهماً في الحكومة ،فإنه يُطلق ليديه العنان أن تفعل ما يشاء] في حين أنّ إقامة هذه المجالس لا تشكّل هدفاً نهائياً بذاتها ؛وإنما هي وسيلة لتحقيق الهدف متمثلاً بتربية المجتمع تربية صحيحة نحو إقامة العدل ونفي الظلم بكافة أشكاله . 
وهذه الظاهر الخطيرة تشبه كثيراً ما كانت عليه التجمعات السكانية في الكوفة حين بايعت مسلماً عليه السلام ؛ إذ اعتبر السواد الأعظم فيها أنّ النطق بجملة البيعة هي الهدف النهائي ّ!
إنّ انحراف مسار هذه المجالس أمر ممكن ومحتمل جداً حينما تكون وسيلة لتضييع الحقائق والإشادة بالظالمين العصريين وإخفاء الجرائم التي يقترفونها ؛فهو لعمري إجهاض مبطن لرسالة النبي صلى الله عليه وآله وعلى صحابته الكرام. أضف إلى ذلك قيام بعض المنابر بصرف الناس عن قضاياهم المصيرية بحاضرهم ومستقبلهم في هذا العالم ،من خلال إقحامهم بقصص التأريخ التي نسجها خيال أصحاب الأقلام الذين تغدق عليهم السلطات ،أو اقتصارهم وتركيزهم على وقائع ما بعد الممات التي تذكرها الروايات الصحيحة بنحو يحوّل مسار مفهوم العبادة إلى مجموعة من الطقوس الفارغة من أي محتوى اجتماعي ،وترك حبل معاناة المسلمين على غاربِهِ تحت عنوان العزوف عن الدنيا ،لتتنوّع بذلك المعاناة ،فيورث الأسلاف تأريخاً محطماً بتكسير مشاعرهم وحبط هممهم!
العنصر الثالث / الجمهور المتلقي
 إنّ السائد عندنا هو أن مرتادي هذه المنابر يستقون ثقافتهم منها باعتبارها مصدراً وحيداً وسهلاً للوقوف على حقائق غائبة ثقة منهم بها، أو تكاسلاً .وهذا لا يمكّن الجماهير من أن تمسك بمفاتيح الوصول إلى الحقائق الجوهرية ،ما لم ينضم إليه تمكين هؤلاء المتلقين من التدقيق والتحقيق في مصادر أخرى ،منعاً للانهيار الاجتماعي الذي تواجهه أجيال المسلمين عند هجوم التيارات المعادية التي تعمد إلى سوقهم خلف مخططاتها الرامية إلى الاستحواذ على مقدرات الأرض التي أنجبتهم تحت مختلف العناوين الإسلامية وغيرها .
إنّ المنابر الحالية فشلت فشلاً ذريعاً بتحقيق هدف إقامتها ،فنشأت أجيالٌ لا تفهم الإسلام كما أراده الله تعالى ،بعد أن غزت المجتمعات تأويلات الجاهلين وأماني المضلين ورغبات المغرضين ،فصار الانتماء إلى القيم الرفيعة انتماءاً فئوياً يقوم على التنابز والعناد والشتيمة ، إلى أن انتشرت ثقافة إقامة المجالس الحسينية بنحو (لياقاتي) تكون دوافعه إما حزبية ،وإما عشائرية ،وإما مناطقية ،  فيكون حالها حال مجالس التأبين التي يقيمها الناس عند رحيل أحد أبنائهم، وهذا إفراغٌ واضح لرسالة المجالس الحسينية التي أريد لها أن تخلق الشخصية الإسلامية كما أرادها الله في الأرض .
العنصر الرابع /ثمرة الرسالة
الملاحظ أنّ الأثر الذي يتركه المنبر وقتياً يزول بعد انقضاء المجلس بقليل ،ولعلّ هذا هو سبب حصول الانهيارات الاجتماعية في العراق بين الحين والآخر ،في حالتي غياب السلطة البوليسية ،واشتداد قبضتها .فعند غياب هذه السلطة تجد الصفة الغالبة هي الانفلات الأمني والخلقي ،متمثلاً بحوادث النهب والسلب للممتلكات العامة بنسبتها للسلطة المنهارة ،والحال أنّ هذه الممتلكات تعود للناس (الشعب) لا للسلطة . أما في حال اشتداد قبضة السلطات تجد الطاعة العمياء هي الصفة الغالبة ولو تعارضت مع خطابات المنبر .والحال يجب أن يترك الخطاب المنبري أثره الواضح على الكيان الاجتماعي من غير أية خروقات شاهدها الجميع طوال تأريخ العراق السياسي الحديث. وهذا يعني وجوب إعادة النظر بجدوى المنبر الحالي والتفكير بإرساء منبر إسلامي واع على النحو الذي أراده أئمتنا الأطهار عليهم السلام .حيث أنني أعتقد أنّ المنبر الحالي لم يكن منبراً حسينياً إلاّ بالإسم ، أو قل ان مفاسده صارت أثر من منافعه !
الحلقة القادمة قد تأتي
 

 


قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat


كاظم الحسيني الذبحاوي
 (للدخول لصفحة الكاتب إضغط هنا)

    طباعة   ||   أخبر صديقك عن الموضوع   ||   إضافة تعليق   ||   التاريخ : 2011/10/21



كتابة تعليق لموضوع : من أجل أنْ يتطور المجتمع العراقي
الإسم * :
بريدك الالكتروني :
نص التعليق * :
 



حمل تطبيق (كتابات في الميزان) من Google Play



اعلان هام من قبل موقع كتابات في الميزان

البحث :





الكتّاب :

الملفات :

مقالات مهمة :



 إنسانية الإمام السيستاني

 بعد إحراجهم بكشف عصيانها وخيانتهم للشعب: المرجعية الدينية العليا تـُحرج الحكومة بمخالفة كلام المعصومين.. والعاصفة تقترب!!!

 كلام موجه الى العقلاء من ابناء شعبي ( 1 )

 حقيقة الادعياء .. متمرجعون وسفراء

 قراءة في خطبة المرجعية : هل اقترب أَجلُ الحكومةِ الحالية؟!

 خطر البترية على بعض اتباع المرجعية قراءة في تاثيرات الادعياء على اتباع العلماء

 إلى دعاة المرجعية العربية العراقية ..مع كل الاحترام

 مهزلة بيان الصرخي حول سوريا

 قراءة في خطبة الجمعة ( 4 / رمضان/ 1437هـ الموافق 10/6/2016 )

 المؤسسة الدينية بين الواقع والافتراء : سلسلة مقالات للشيخ محمد مهدي الاصفي ردا على حسن الكشميري وكتابيه (جولة في دهاليز مظلمة) و(محنة الهروب من الواقع)

 الى الحميداوي ( لانتوقع منكم غير الفتنة )

 السيستاني .. رسالة مهدوية عاجلة

 من عطاء المرجعية العليا

 قراءة في فتوى الدفاع المقدس وتحصين فكر الأمة

 فتوى السيد السيستاني بالجهاد الكفائي وصداها في الصحافة العالمية

 ما هو رأي أستاذ فقهاء النجف وقم المشرّفتَين السيد الخوئي بمن غصب الخلافة ؟

 مواقف شديدة الحساسية/٢ "بانوراما" الحشد..

أحدث مقالات الكتّاب :


مقالات متنوعة :





 لنشر مقالاتكم يمكنكم مراسلتنا على info@kitabat.info

تم تأسيس الموقع بتاريخ 1/4/2010 © محمد البغدادي 

 لا تتحمل الإدارة مسؤولية ما ينشر في الموقع من الناحيتين القانونية والأخلاقية.

  Designed , Hosted & Programmed By : King 4 Host . Net