صفحة الكاتب : نزار حيدر

خَيَارُنَا؛ أَلنَّجَاحُ لَا غَيْر
نزار حيدر

المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.

   في دعائهِ في يوم عرفة، يقولُ الامامُ الحُسينُ بن عليٍّ السِّبط (ع) {وَبِعَمَلِي فَلا تَبْتَلِنِي}.
   هذا يعني أَنَّ العملَ بحدِّ ذاتهِ هو بلاءٌ يختبرُ الخالقُ جلَّ وعلا بهِ عبادهُ.
   ومن أَوجهِ هذا البلاء هوَ أَن يتحقَّق النَّجاح حصراً من خلالِ إِنجازٍ أَحسنِ العمل وليس أَيَّ عملٍ! بحجَّة [إِسقاط الواجب] كطريقةٍ للهربِ من المسؤوليَّة! ولذلك قال تعالى في كتابهِ الكريم {الَّذِي خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَيَاةَ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا وَهُوَ الْعَزِيزُ الْغَفُورُ}.
   وإِنَّ من شروطِ العملِ الحَسن؛
   *القولُ الحَسن {وَقُل لِّعِبَادِي يَقُولُوا الَّتِي هِيَ أَحْسَنُ}.
   * الردِّ الحَسن {ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ السَّيِّئَةَ}.
   *اتِّباع أَحسن القول {الَّذِينَ يَسْتَمِعُونَ الْقَوْلَ فَيَتَّبِعُونَ أَحْسَنَهُ}.
   *أَلجدالُ بالتي هي أَحسن {وَلَا تُجَادِلُوا أَهْلَ الْكِتَابِ إِلَّا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ}.
   * ولكل ذلك انزل الله تعالى احسن الحديث {اللَّهُ نَزَّلَ أَحْسَنَ الْحَدِيثِ}.
   *وأَن نأخذَ بأَحسنِهِ {وَكَتَبْنَا لَهُ فِي الْأَلْوَاحِ مِن كُلِّ شَيْءٍ مَّوْعِظَةً وَتَفْصِيلًا لِّكُلِّ شَيْءٍ فَخُذْهَا بِقُوَّةٍ وَأْمُرْ قَوْمَكَ يَأْخُذُوا بِأَحْسَنِهَا}.  
   وللنَّجاحِ شروطٌ منها على سَبِيلِ المثالِ لا الحصرِ؛
   تبنِّي نظريَّة التَّمكين [والتي هي عكس نظريَّة التربُّص] وذلك لسببَين؛ 
   أَلأَوَّل؛ لأَنَّ المرءَ لوحدهِ فقط لا يمكنهُ أَن يُحقِّق نجاحاً مهما بادرَ وبذلَ من جهودٍ عظيمةٍ وجبَّارةٍ، ومهما كانَ متميِّزاً! إِذ يبقى للآخَرين دورٌ في نجاحهِ، فضلاً عن التَّوفيق الالهي! ولقد ذكر القرآن الكريم هذهِ الحقيقة المهمَّة في أَكثر من آيَةٍ كقولهِ تعالى {وَكَذَٰلِكَ مَكَّنَّا لِيُوسُفَ فِي الْأَرْضِ} و {وَنُمَكِّنَ لَهُمْ فِي الْأَرْضِ}.
   وإِنَّ دور الآخرين في تحقيقِ النَّجاح جزءٌ من شروطِ التَّمكين.
   أَمَّا أَميرُ المؤمنين (ع) فقد أَشار إِلى هذه الحقيقة بقولهِ في وصيَّةٍ لَهُ للمقاتلينَ في صفِّين {وَأَيُّ امْرِىء مِنْكُمْ أَحَسَّ مِنْ نَفْسِهِ رَبَاطَةَ جَأْش عِنْدَ اللِّقَاءِ، وَرَأَى مِنْ أَحَد مِنْ إِخْوَانِهِ فَشَلاً، فَلْيَذُبَّ عَنْ أَخِيهِ بِفَضْلِ نَجْدَتِهِ الَّتي فُضِّلَ بِهَا عَلَيْهِ كَمَا يَذُبُّ عَنْ نَفْسِهِ، فَلَوْ شَاءَ اللهُ لَجَعَلَهُ مِثْلَهُ}.
   وكما تصدُق هذه الحقيقة في ساحةِ القِتال تصدُق في الحياةِ بشَكلٍ عام على اعتبارِها ساحةُ تحدِّياتٍ مستمرَّةٍ كما يصفها القرآن الكريم بقولهِ {لَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنسَانَ فِي كَبَدٍ}. 
   فيما أَشار (ع) في كلامٍ آخر إِلى الوجه الآخر من هذهِ الحقيقة بقولهِ {وَأَفْسَدْتُمْ عَلَيَّ رَأْيِي بِالعِصْيَانِ وَالخذْلاَن، حَتَّى قَالَتْ قُريْشٌ: إِنَّ ابْنَ أَبِي طَالِب رَجُلٌ شُجَاعٌ، وَلْكِنْ لاَ عِلْمَ لَهُ بِالحَرْبِ.
   للهِ أَبُوهُمْ! وَهَلْ أَحدٌ مِنْهُمْ أَشَدُّ لَهَا مِرَاساً، وَأَقْدَمُ فِيهَا مَقَاماً مِنِّي؟! لَقَدْ نَهَضْتُ فِيهَا وَمَا بَلَغْتُ العِشْرِينَ، وها أناذا قَدْ ذَرَّفْتُ عَلَى السِّتِّينَ! وَلكِنْ لا رَأْيَ لَمِنْ لاَ يُطَاعُ!}.
   أَلثَّاني؛ إِنَّ فشل الواحد يترك أَثرهُ السَّلبي على المجتمع بشَكلٍ أَو بآخر، ولذلك لا ينبغي تركُ أَحدٍ أَن يفشلَ بقدرِ وُسعِنا من خلالِ مساعدتهِ وإِنتشالهِ من ورطةِ الفَشَلِ! وهنا يأتي دور التَّكافل الاجتماعي في المجتمع منها على الصَّعيد الاقتصادي للمساهمةِ في تقليلِ نسبة الفَقر أَو البطالة، وإِنَّ تشريعَ [الأضحيةِ] في عِيدِ الأَضحى المُبارك يصبُّ في هذا الاتِّجاه.
   كما أَن السَّعي للأَخذِ بأَسباب النَّجاح أَمرٌ مهمٌّ جدّاً فالتَّشبُّثُ بنظريَّة [إِسقاط الواجب] كما أَسلفنا، من دونِ بذل الجُهد اللَّازم هيَ محاولةٌ للهربِ من المسؤوليَّة!.
   ومن أَسباب النَّجاح التَّعاون {وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَىٰ وَلَا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ} والصِّدق الذي بعثَ به ربُّ العِزَّة أَنبياءهُ ورُسلهُ كما يصفُ ذلك أَميرُ المؤمنين (ع) بقولهِ {بَعَثَ اللهُ رُسُلَهُ بِمَا خَصَّهُمْ بِهِ مِنْ وَحْيِهِ، وَجَعَلَهُمْ حُجَّةً لَهُ عَلَى خَلْقِهِ، لِئَلاَّ تَجِبَ الْحُجَّةُ لَهُمْ بِتَرْكِ الاِْعْذَارِ إِلَيْهِمْ، فَدَعَاهُمْ بِلِسَانِ الصِّدْقِ إِلَى سَبِيلِ الْحَقِّ} والاخلاص الذي يعني وضوح المقصد بِلا شبهاتٍ {وَآخَرُونَ اعْتَرَفُوا بِذُنُوبِهِمْ خَلَطُوا عَمَلًا صَالِحًا وَآخَرَ سَيِّئًا عَسَى اللَّهُ أَن يَتُوبَ عَلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ} ووضوح الرُّؤية والهدف والمقصد {قُلْ هَٰذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللَّهِ عَلَىٰ بَصِيرَةٍ أَنَا وَمَنِ اتَّبَعَنِي}.
   ولقد شرح أَميرُ المؤمنين (ع) ذلك بقولهِ {أَوَّلُ الدِّينِ مَعْرِفَتُهُ، وَكَمَالُ مَعْرِفَتِهِ التَّصْديقُ بِهِ، وَكَمَالُ التَّصْدِيقِ بِهِ تَوْحِيدُهُ، وَكَمَالُ تَوْحِيدِهِ الاِْخْلاصُ لَهُ، وَكَمَالُ الاِْخْلاصِ لَهُ نَفْيُ الصِّفَاتِ عَنْهُ}.
   كَذَلِكَ، فانَّ من أَسباب النَّجاح هو التعلُّم من تجاربِ النَّاجحين بغضِّ النَّظر عن خلفيَّاتهم بكلِّ أَشكالِها، فتجارب النَّجاح الحقيقيَّة مدرسةٌ نتعلَّم منها الأَسباب والمسِّببات والعوامل والأَدواتِ التي تنتهي ببذل ِالجُهدِ إِلى النَّجاحِ.
   ومن ذلك أَن نتعلَّم كيف نتنافس، فانَّ تبنِّي نظريَّة [نجاحي على حسابِ تدميرِ الآخرين] بحجَّة التَّنافس تضرُّ ولا تنفعُ أَبداً! فبمقدارِ ما للتَّنافس السَّليم والصَّحيح الذي قالَ عنهُ الله تعالى {وَفِي ذَٰلِكَ فَلْيَتَنَافَسِ الْمُتَنَافِسُونَ} من أَهمِّيةٍ في تقدُّم الأُمم شريطة أَن يقوم على أَساس المعايير والقيَم وليس على أَساس التربُّص والتَّآمر والولاءات الشَّخصيَّة فتلك عوامل تدمِّر التَّنافس وتحوِّلهُ من عامل للتقدُّم إِلى سببٍ من أَسباب دمار المُجتمعِ.
   *مُلخَّص خطبة صلاة عيد الأَضحى المُبارك التي أُقيمت اليوم [أَلجُمُعة] في [هَيئةِ أَهل البيت (ع)] في مدينة ريجموند عاصمة ولاية فيرجينيا بالوِلايات المتَّحدة.
   ١ أَيلول ٢٠١٧
                            لِلتَّواصُل؛
‏E-mail: nazarhaidar1@hotmail. com


قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat


نزار حيدر
 (للدخول لصفحة الكاتب إضغط هنا)

    طباعة   ||   أخبر صديقك عن الموضوع   ||   إضافة تعليق   ||   التاريخ : 2017/09/02



كتابة تعليق لموضوع : خَيَارُنَا؛ أَلنَّجَاحُ لَا غَيْر
الإسم * :
بريدك الالكتروني :
نص التعليق * :
 



حمل تطبيق (كتابات في الميزان) من Google Play



اعلان هام من قبل موقع كتابات في الميزان

البحث :





الكتّاب :

الملفات :

مقالات مهمة :



 إنسانية الإمام السيستاني

 بعد إحراجهم بكشف عصيانها وخيانتهم للشعب: المرجعية الدينية العليا تـُحرج الحكومة بمخالفة كلام المعصومين.. والعاصفة تقترب!!!

 كلام موجه الى العقلاء من ابناء شعبي ( 1 )

 حقيقة الادعياء .. متمرجعون وسفراء

 قراءة في خطبة المرجعية : هل اقترب أَجلُ الحكومةِ الحالية؟!

 خطر البترية على بعض اتباع المرجعية قراءة في تاثيرات الادعياء على اتباع العلماء

 إلى دعاة المرجعية العربية العراقية ..مع كل الاحترام

 مهزلة بيان الصرخي حول سوريا

 قراءة في خطبة الجمعة ( 4 / رمضان/ 1437هـ الموافق 10/6/2016 )

 المؤسسة الدينية بين الواقع والافتراء : سلسلة مقالات للشيخ محمد مهدي الاصفي ردا على حسن الكشميري وكتابيه (جولة في دهاليز مظلمة) و(محنة الهروب من الواقع)

 الى الحميداوي ( لانتوقع منكم غير الفتنة )

 السيستاني .. رسالة مهدوية عاجلة

 من عطاء المرجعية العليا

 قراءة في فتوى الدفاع المقدس وتحصين فكر الأمة

 فتوى السيد السيستاني بالجهاد الكفائي وصداها في الصحافة العالمية

 ما هو رأي أستاذ فقهاء النجف وقم المشرّفتَين السيد الخوئي بمن غصب الخلافة ؟

 مواقف شديدة الحساسية/٢ "بانوراما" الحشد..

أحدث مقالات الكتّاب :


مقالات متنوعة :





 لنشر مقالاتكم يمكنكم مراسلتنا على info@kitabat.info

تم تأسيس الموقع بتاريخ 1/4/2010 © محمد البغدادي 

 لا تتحمل الإدارة مسؤولية ما ينشر في الموقع من الناحيتين القانونية والأخلاقية.

  Designed , Hosted & Programmed By : King 4 Host . Net