صفحة الكاتب : مرتضى المشهدي

تأثير العقيدة في تقنين القواعد اللغويّة
مرتضى المشهدي

المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.

لا شكَّ أنَّ اللّغة العربيّة لها أهميّة خاصّة لدى المسلمين؛ إذ أنّها أداة لفهم الخطاب الدينيّ، وعليها تُبنى المسائل العقديّة والفقهيّة. ولشدّة أهميّتها وارتباطها في الدّين حاول أهل الزّيغ والحشو ابتداع جملة من قواعد العربيّة بما يؤدّي إلى نصرة عقائدهم الباطلة، وقد أيّدتهم السّلطات، وأجزلت عليهم العطايا وساهمت بنشر كتبهم، حتّى غدت بعض تلك القواعد من المسلَّمات لدى عامّة المتأخّرين، إلّا أنّ علماء الشّيعة ـ أنار الله برهانهم ـ تنبّهوا لهذه المشكلة في كتب اللّغة والنّحو، فلم يسلّموا لتنظيراتهم، وبيّنوا أخطاءهم في كثير من الموارد، كما لا يخفى على أهل العلم. وحيث أنّ هذا الموضوع ضخم، وطويل الذّيل، فسأذكر هاهنا بعض التّصريحات لبيان أصل المسألة، دون التطرُّق لتفصيلاتها وتطبيقاتها. 

قال المحقِّق نذير أحمد العطاونة، في تقدمة كتابه اللّطيف [القواعد اللغويّة المبتدعة، نظرات نقديّة في قواعد لغويّة: 5ـ6]: 

( ومع هذه الأهميّة للّغة، فقد حاول البعضُ تطويعها بالباطل بقصد أو بغيره؛ لمناكفة الخصوم وادّعاء أن اللّغة تؤيّد رأيهم لينتصروا بذلك على مخالفيهم في الرأي، فكان منهم أن ادّعوا قواعد في اللّغة وما لها وجود، بل وأحياناً وجدنا أنّ القرآن الكريم ينقضها ويبيّن بطلانها. ومن ثم ترسّخت هذه القواعد في الأذهان وجرت بها الألسن والأقلام فأصبحت وكأنّها دستور مقدَّس لا يجوز الخروج عليه، حتّى ظنّها البعضُ مسلّمات يُفسِّر القرآن بها، وما هي إلّا سراب بقيعة يحسبه الظمآن ماء، ولن يدرك حقيقتها إلّا مَن تجرّد عن العصبيّة وترك الانتصار للباطل. وقد تنبّه بعضُ أهل العلم لذلك، فهذا مولانا السيّد العلّامة المجتهد الفقيه حسن بن علي السّقاف يُنبّه في كتاب « صحيح شرح العقيدة الطحاويّة » ص(543) على إدخال بعض مصنّفي ومؤلّفي معاجم اللّغة للمعاني الشرعيّة أو الآراء الشخصيّة وجعلها معنىً لغويّاً أصيلاً). اهـ.  

وقد ناقش العطاونة في كتابه هذا 26 مسألة لغويّة ابتدعها أهل الزّيغ لنصرة عقيدتهم، منها: عدم إفادة (لن) للتأبيد، ومنها: الاستثناء من غير جنس الشيء، ومنها: الاسم عين المسمّى. فينبغي على أهل العلم ألّا يغفلوا عن قراءة هذا الكتاب المفيد في بابه. 

قال المرجع الشّيخ محمّد كريم الكرمانيّ، في مقدّمة كتابه [التذكرة في النحو ـ مخطوط ـ: 8ـ9]: 

( بقي شيءٌ، وهو أنّه لمّا كان أصل هذا العلم من أمير المؤمنين عليه السلام، وهو مهاجَرهُ الكوفة وأكثر شيعته منها، وهو ناشره فيهم ومعلّمه إيّاهم، ومنها انتشر إلى سائر البلاد، فلمّا وصل إلى البصرة وفيهم الأحقاد الجمليّة والعداوة الجبليّة عمدوا على مخالفة عليّ عليه السلام وشيعته وأهل الكوفة، وتقوية كلّ شبهة وكلّ نادر وغير فصيح وضعيف، بل كلّ باطل عناداً منهم له عليه السلام، فبذلك طال التّشاجر والتغاير بينهم في محضر الخلفاء والمدارس وكثر الاختلاف بينهم لمحض العداوة حتّى أنّ بعض أصحاب اللّجاج كان يضع أشعاراً استشهاداً لما يخالف الحقّ فيه لجاجاً، ويصرّ عليه، ومن أعجب اختلافاتهم ما وقع بين سيبويه والكسائيّ.. بالجملة، كان ديدنهم في اللّجاج والمباحثات، ولمّا كان الملوك في الأعصار معاندين للعترة الطّاهرة، ومعاونين لأعدائهم أشاعوا كتبهم في البلاد، وقرأ النّاس فيها وعملوا بها تقليداً من غير رويّة، حتّى صار مسائلها كالمجمع عليه بين الطّلبة، حتّى لو قال اليوم واحد بخلاف دراية القوم يسفّهون رأيه ويرمونه بالجهل بعلم النحو ومخالفة الإجماع، وهم غافلون أنّ أغلب هذه الآراء من بقايا التسنّن الباقية بين النّاس، ولا يجب على أحد متابعة دراية النحويّين، نعم يمكن أن يُؤخذ برواياتهم إذا كانوا ثقاةً؛ لأنّهم حملتها المأمونون عليها، وأمّا دراياتهم وتجويزهم ومنعهم شيئاً بالدّراية فليست بمتّبعة إذا خالفتها درايتك، وقد صعّب الأمرَ اليوم اختلاطُ كثير من دراياتهم برواياتهم بحيث لا تمتازان، وسهّل الخطبَ وقوعُ الاختلاف في مسائل غير العامّة البلوى، ونزول القرآن حاوياً على أكثر مسائل النحو مضبوطَ الإعراب، فهو الحكم الفصل بينهم والحمد لله).

ولو تأمّلتَ كتبَ اللّغة تجد أثر العقيدة واضحاً على تفسيراتهم للمفردات اللغويّة، وقد قال العلّامة السيّد حسن بن عليّ السقّاف في هامش كتابه [صحيح شرح العقيدة الطحاويّة: 542ـ543]: 

( ينبغي أن نتنبّه هنا إلى مسألة دقيقة تتعلّق بموضوع إخراج معنى الكلمة من القواميس والمعاجم اللغويّة، وهي أنّه في كثير من الأحيان يُدخِل مصنّفو ومؤلِّفو تلك الكتب على المعاني اللغويّة البحتة معانٍ شرعيّة أو آراء لأشخاص تتعلّق بموضوع معنى الكلمة لا علاقة له بموضوعها اللغويّ، فيظنّها بعضُ النّاس عند مراجعة تلك الكتب اللغويّة كـ «لسان العرب» أو «تاج العروس شرح القاموس» من معاني تلك الكلمة الثابتة عند العرب في لغتهم، وهذا غير صحيح، وبالتالي: فإنّ إخراج معنى الكلمة من معاجم اللغة يحتاج أن يكونَ الباحث أو المخرِج لتلك الكلمة فاهماً لهذه القضيّة حتّى لا يختلط عليه الحابل بالنابل. ومثال ذلك.. ومثال ذلك أيضاً: إدخال بعضُ المؤلّفين كابن منظور في «لسان العرب» أن تفسير الاستواء بالاستيلاء يقتضي معنى المغالبة، وهذا الاقتضاء لا دليل عليه شرعاً ولا لغةً، وهو لازم بعيد لا عبرة به، كما أنّه أيضاً رأي شخصيّ يتبع فيه رأي فرقة من الفرق، فأُدخِلَ في بعض كتب اللّغة فظنّه البعضُ قاعدةً لغويّة، وهو ليس كذلك، ويتبيّن هذا الأمر لكلِّ مَن نظر بعين الفاحص المتجرّد عن العصبيّة والتعصّب ). اهـ. 

ومن الكتب الماتعة الرّائقة في هذا الباب: ما كتبه العلّامة الشّيخ العامليّ من ملاحظاتٍ على كتاب [مفردات ألفاظ القرآن] للرّاغب الأصفهانيّ، حيث نبّه على الكثير من الأخطاء اللغويّة التي وقع فيها الرّاغب مع كونها أسساً لجملة من المسائل العقديّة والفقهيّة، وقدَّم لكتابهِ مقدّمة مفيدة، قال في [مفردات الرّاغب الأصفهانيّ مع ملاحظات العامليّ: 14] ضمن سرده لبعض أخطائه وغرائبه: 

( فسَّرَ في كتابه عدداً من الآيات على مشربه الصوفيّ الذي يميل إلى الحشو، وتضمّن تفسيره أحياناً أخطاء لغويةً أو فكريّة. كما تعرَّضَ إلى مسائل كلاميّة خارجة عن كتاب اللّغة، وفي كلامه أحياناً نظر أو عليه إشكال، وقد اقتصرنا على مناقشة الضروريّ من ذلك. ولو أردنا مناقشة كلّ أخطائه اللغويّة الفرعيّة والعلميّة لبلغت ملاحظاتنا أضعاف ما دوّناه ). 

وقال في [المصدر السّابق: 18]: 

( سألني بعضهم: لماذا أُنفق من وقتي على نقد مفردات الراغب وتصحيحها، قال: أليس الأولى أن تصرف هذا الوقت في البحوث العقدية، وسيرة المعصومين صلوات الله عليهم. فأحببتُ أن أذكِّرَ بأهميّة اللغة في عقائدنا، وبأن نشوء التعسفيّة في مفردات اللّغة هو أساس مذاهب الحشو والتناقض والهرطقة ). اهـ.

 

للتحميل: 

القواعد اللغوية المبتدعة

http://www.narjes-library.com/2011/06/blog-post_1644.html

مفردات الراغب مع ملاحظات العاملي

http://www.alameli.net/book/79


قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat


مرتضى المشهدي
 (للدخول لصفحة الكاتب إضغط هنا)

    طباعة   ||   أخبر صديقك عن الموضوع   ||   إضافة تعليق   ||   التاريخ : 2017/08/25



كتابة تعليق لموضوع : تأثير العقيدة في تقنين القواعد اللغويّة
الإسم * :
بريدك الالكتروني :
نص التعليق * :
 



حمل تطبيق (كتابات في الميزان) من Google Play



اعلان هام من قبل موقع كتابات في الميزان

البحث :





الكتّاب :

الملفات :

مقالات مهمة :



 إنسانية الإمام السيستاني

 بعد إحراجهم بكشف عصيانها وخيانتهم للشعب: المرجعية الدينية العليا تـُحرج الحكومة بمخالفة كلام المعصومين.. والعاصفة تقترب!!!

 كلام موجه الى العقلاء من ابناء شعبي ( 1 )

 حقيقة الادعياء .. متمرجعون وسفراء

 قراءة في خطبة المرجعية : هل اقترب أَجلُ الحكومةِ الحالية؟!

 خطر البترية على بعض اتباع المرجعية قراءة في تاثيرات الادعياء على اتباع العلماء

 إلى دعاة المرجعية العربية العراقية ..مع كل الاحترام

 مهزلة بيان الصرخي حول سوريا

 قراءة في خطبة الجمعة ( 4 / رمضان/ 1437هـ الموافق 10/6/2016 )

 المؤسسة الدينية بين الواقع والافتراء : سلسلة مقالات للشيخ محمد مهدي الاصفي ردا على حسن الكشميري وكتابيه (جولة في دهاليز مظلمة) و(محنة الهروب من الواقع)

 الى الحميداوي ( لانتوقع منكم غير الفتنة )

 السيستاني .. رسالة مهدوية عاجلة

 من عطاء المرجعية العليا

 قراءة في فتوى الدفاع المقدس وتحصين فكر الأمة

 فتوى السيد السيستاني بالجهاد الكفائي وصداها في الصحافة العالمية

 ما هو رأي أستاذ فقهاء النجف وقم المشرّفتَين السيد الخوئي بمن غصب الخلافة ؟

 مواقف شديدة الحساسية/٢ "بانوراما" الحشد..

أحدث مقالات الكتّاب :


مقالات متنوعة :





 لنشر مقالاتكم يمكنكم مراسلتنا على info@kitabat.info

تم تأسيس الموقع بتاريخ 1/4/2010 © محمد البغدادي 

 لا تتحمل الإدارة مسؤولية ما ينشر في الموقع من الناحيتين القانونية والأخلاقية.

  Designed , Hosted & Programmed By : King 4 Host . Net