صفحة الكاتب : امل الياسري

والدي يقول: مع الله كل شيء مختلف
امل الياسري

المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.

كل الأشياء التي نعايشها في الحياة، تختلف كلياً عما يحدث في عالم البرزخ، فكل شيء مع الله يبدو أنقى وأطهر، وأكثر طهراً من الدنيا وما فيها، وكأني بوالدي يقول لي:مع الله يصبح الألم راحة، والضجيج سكوناً لأنك بحضرته سبحانه وتعالى، وهو الطاقة المحركة لأمنيات الموتى بالعودة مرة أخرى، ليعملوا صالحاً أكثر مما عملوا ليمثل دينهم نقطة إستحقاقهم الجنة، فتراهم لا يحترقون بلهيب الإفتراق عنا، لكننا نشتاق لهم بمقاييس الدنيا كوننا أحياء، أما هم فأرواحهم راضية مطمئنة.

غرف بيتنا تئن ألماً وحزناً على بقاياه من الصور، التي باتت مؤئلاً لجراحنا وأفراحنا على السواء، فإخوتي وأخواتي ما عادوا كما الأمس، فمحطات الدنيا وجنونها أخذت منهم الكثير، لكن ما يجعلنا نعود أدراجنا بسرعة وبشغف، هو ذلك الصوت الدافئ المتوجع الصادر من غرفة أمي، ونعيها الذي يلمس شغاف قلوبنا المتألمة للفراق، مع إيماننا بأن كل شيء يدور حول والدي جيد وآمن، فهو في رعاية الله وحفظه، على أننا نفتقد رصيدنا الأبوي، حيث كان يلازمنا ويأسر أرواحنا البريئة.

لن أهرول للكتابة عن الموت، فكل نفس ذائقة الموت كما يقول الباريء عز وجل، في محكم كتابة العزيز، لكنني لا أكف عن النظر لثروة أبي، التي تركها لنا ولن نفرط فيها أبداً، إنها الطيبة والكرم اللذين لازماه حتى مماته، وصنعنا منهما ثقافة عائلية فكلنا كرماء سرنا على خطاه، وأمي تصرُّ علينا في ضرورة الحفاظ على هذا الإرث المفعم بالقداسة، ورغم أننا لم نحظى توالدنا يوم وفاته، إلا إننا نعيش لحظاته كل يوم، ومع ذكرى إستشهاد الإمام محمد الجواد (عليه السلام).

والدي رجل لا يمكن إختزاله في كلمات أو سطور قليلة، فقصة موته المعلنة، تختلف كلياً عن قصة وفاته ليلة إستشهاد تاسع إئمة الهدى (عليهم السلام)، فأحفاده الطيبون في البيت الكبير يحيون مناسبتين: (إستشهاد جدهم الأكبر الإمام الجواد عليه السلام، ووفاة جدهم السيد هاني عليه الرحمة)، الذي لم يشاهدهم كلهم، لكنهم يستحضرون صوره وكرمه، وأحاديث الجدة التي تعبق برائحة الشاي، وجلسة وقت العصر المميزة، حيث تقفز أحاديث والدي من رأسها المهموم.

والدي العزيز: ما أحوجنا لوجودك بيننا في فرحنا المؤلم وألمنا المفرح، فنحن كما عودتنا نؤمن بأن بعد العسر يسراً، لكننا ننتظر منكَ رسالة بين الفينة والأخرى، لأننا ندرك عظمة المكان الذي يحويكَ، فانتَ بين يدي الله الرحمن الرحيم، ولن ننسى ما حيينا كلامكَ الرائع، أن بين كل خير وخير مسافة مرهقة تسمى الإبتلاء، لكنها مليئة بالأجر لمَنْ صبر، فالرحمة لا تُشترى ولا تُباع، بل هي مستقرة في أعماق قلوبنا الطيبة، فكل ود سنُهديه لروحكَ، وكل ما في العالم من ورد سنضعه على قبركَ.


قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat


امل الياسري
 (للدخول لصفحة الكاتب إضغط هنا)

    طباعة   ||   أخبر صديقك عن الموضوع   ||   إضافة تعليق   ||   التاريخ : 2017/08/23



كتابة تعليق لموضوع : والدي يقول: مع الله كل شيء مختلف
الإسم * :
بريدك الالكتروني :
نص التعليق * :
 



حمل تطبيق (كتابات في الميزان) من Google Play



اعلان هام من قبل موقع كتابات في الميزان

البحث :





الكتّاب :

الملفات :

مقالات مهمة :



 إنسانية الإمام السيستاني

 بعد إحراجهم بكشف عصيانها وخيانتهم للشعب: المرجعية الدينية العليا تـُحرج الحكومة بمخالفة كلام المعصومين.. والعاصفة تقترب!!!

 كلام موجه الى العقلاء من ابناء شعبي ( 1 )

 حقيقة الادعياء .. متمرجعون وسفراء

 قراءة في خطبة المرجعية : هل اقترب أَجلُ الحكومةِ الحالية؟!

 خطر البترية على بعض اتباع المرجعية قراءة في تاثيرات الادعياء على اتباع العلماء

 إلى دعاة المرجعية العربية العراقية ..مع كل الاحترام

 مهزلة بيان الصرخي حول سوريا

 قراءة في خطبة الجمعة ( 4 / رمضان/ 1437هـ الموافق 10/6/2016 )

 المؤسسة الدينية بين الواقع والافتراء : سلسلة مقالات للشيخ محمد مهدي الاصفي ردا على حسن الكشميري وكتابيه (جولة في دهاليز مظلمة) و(محنة الهروب من الواقع)

 الى الحميداوي ( لانتوقع منكم غير الفتنة )

 السيستاني .. رسالة مهدوية عاجلة

 من عطاء المرجعية العليا

 قراءة في فتوى الدفاع المقدس وتحصين فكر الأمة

 فتوى السيد السيستاني بالجهاد الكفائي وصداها في الصحافة العالمية

 ما هو رأي أستاذ فقهاء النجف وقم المشرّفتَين السيد الخوئي بمن غصب الخلافة ؟

 مواقف شديدة الحساسية/٢ "بانوراما" الحشد..

أحدث مقالات الكتّاب :


مقالات متنوعة :





 لنشر مقالاتكم يمكنكم مراسلتنا على info@kitabat.info

تم تأسيس الموقع بتاريخ 1/4/2010 © محمد البغدادي 

 لا تتحمل الإدارة مسؤولية ما ينشر في الموقع من الناحيتين القانونية والأخلاقية.

  Designed , Hosted & Programmed By : King 4 Host . Net