صفحة الكاتب : ابراهيم آل هاشم العاملي

النظرة الإقتصادية لمذهب الإسلام في تحريم كنز الأموال  وثورة الصحابي ابي ذر الغفاري
ابراهيم آل هاشم العاملي

المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.

 لقد حرم الإسلام تكديس الأموال تحريماً شديداً لدرجة أن هذا المال الذي هو سبب نعيمك في الدنيا سيكون سبباً في عذابك يوم القيامة.. قال تعالى: (وَ الَّذِينَ يَكْنِزُونَ الذَّهَبَ وَ الْفِضَّةَ وَ لَا يُنْفِقُونَهَا فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَبَشِّرْهُمْ بِعَذَابٍ أَلِيمٍ) [التوبة: 34]. ولكن ماذا بعد ذلك وما نوع العذاب؟ قال تعالى في الآية التالية: (يَوْمَ يُحْمَى عَلَيْهَا فِي نَارِ جَهَنَّمَ فَتُكْوَى بِهَا جِبَاهُهُمْ وَ جُنُوبُهُمْ وَ ظُهُورُهُمْ هَذَا مَا كَنَزْتُمْ لِأَنْفُسِكُمْ فَذُوقُوا مَا كُنْتُمْ تَكْنِزُونَ) [التوبة: 35].

ولذلك فإن هذا التحذير الشديد سوف يعالج مشكلة تكدس الأموال في أيدي القلة القليلة من الناس، وهذا ما حدث خلال فترة الحكم الإسلامي للعالم في القرون الماضية وبخاصة القرون الأولى بعد النبي صلى الله عليه وسلم. حيث تقلص الفارق بين الأغنياء والفقراء وأصبحت الطبقة المتوسطة هي الغالبية العظمى (وبخاصة خلال العصر الأموي والعباسي).

ولكن في العصر الحديث ابتعد الناس عن تعاليم الإسلام، ونسوا هذه الآية ونسوا لقاء الله تعالى فأنساهم أنفسهم، فلهثوا وراء المال ولم يجلب لهم إلا مزيداً من التعاسة.

وهكذا فالنصيحة التي يقدمها الخبراء اليوم من ضرورة تقليص الفجوة الهائلة بين الأغنياء والفقراء، هذا ما نادى به الإسلام قبل أربعة عشر قرناً.. ألا يستحق هذا الدين أن يتبعه جميع البشر؟ فهو يضمن للجميع الرفاهية والعدالة والحياة المستقرة.

وأخيراً فإن القرآن لم يهمل هذه الظاهرة الخطيرة، فخصص نصاً طويلاً يتحدث عن موضوع واحد وهو الإنفاق في سبيل الله وإطعام الفقراء والمساكين...

قالت منظمة "أوكسفام" البريطانية إن ثروة 1 في المئة من أغنى أثرياء العالم تفوق ثروات بقية العالم مجتمعة. فقد حثت منظمة أوكسفام في تقريرها الذي صدر قبيل قمة المنتدى الاقتصادي العالمي في دافوس زعماء العالم على اتخاذ إجراءات مناسبة لمواجهة عدم المساواة في امتلاك الثروات.

لم يحاول أبو ذر الإستفادة من الأموال التي كانت تعرض عليه سواء من عثمان أو معاوية لثنيه عن المعارضة ونقد السلطة القائمة وقد أورد هادي علوي في كتابه " المستظرف الجديد " بعض مواقف أبي ذر الغفاري التي تقطع مع الإنتهازية الحاكمة من ذلك ما ورد أنّ عثمان أرسل ثمانين ألف دينار إلى أبي ذر مع أحد عبيده وقال له : إن قبلها منك أبو ذر فأنت حرّ " فذهب العبد إلى أبي ذر وعرضها عليه قائلا " يا أبا ذر إقبلها فإنّ فيها عتقي " فأجابه أبو ذرّ : إم كان فيها عتقك إن فيها رقي .

فضل أبو ذر الغفاري التعايش مع هموم الفقراء والتشفع لهم إذ يقول المفكر التونسي هشام جعيط عنه : قدم أبو ذر الغفاري بمنفاه وبعذاب وحدته وبإحتجاجه شهادة رائعة على رفضه الغنى وحبّه للعدل والإخاء .
من أقواله المنددة بالفروقات الطبقية "بشر الذين يكتنزون الذهب والفضة بمكاو من نار " ، " يا معشر الأغنياء واسوا الفقراء " ، " عجبت لمن لا يجد القوت في بيته خرج ولم يشهر سيفه " .

يعتبر أبو ذرّ الغفاري الصوت الأكثر بروزا في معارضة عثمان بن عفان وسياسته التي كانت حسب رأي أبي ذر غاشمة ولا ترضي الله من بذخ زائد وأموال توزع على أقربائه ومواليه .

لعب أبي ذرّ دور المعارض الفاعل ولم يكتف بالمقاطعة والصمت إذ خاطب رؤوس السلطة الحاكمة ليبيّن مساوئ حكمهم منها موقفه من معاوية وإنتقاده في بناء قصر الخضراء بدمشق وموقفه من عثمان في محاباته لبني أميّة رغم قتلهم لعدد من المسلمين في بدايات الدعوة الإسلامية .

جاء ابو ذر الى معاوية ومعه نظريته وفكره فوجد لديه الطامة الكبرى التي كانت ابلى من بلاء الخليفه نفسه في كنز الاموال والسرف والبذخ , فكانت اقامته عنده قصيره لم تدم طويلاً حيث بدأ يناشد بأفكاره الأشتراكية في الشام وفي حضرة معاوية علناً ويندد بسياسته وسياسة الخليفة المتبعة ولم يأبه من شئ وضل ينتقد سياسة الدولة الرأسمالية ان صح التعبير ولم نسميها دكتاتورية , فلم يصبر عليه معاوية وبعثه مرة اخرى الى المدينه والى عثمان , وضل يكرر ابو ذر : بشّر الاغنياء بمكاو من نار تكوى بها جباههم وجنوبهم وظهورهم ....
وضل يطعن بعثمان لانه اطلق يده من مال المسلمين واستعمل الاحداث وولى الطلقاء وابنائهم على عامة الشعب حتى ضاق به عثمان , لذلك أمر بنفيه هو وأبنته الى الربذّة ( صحراء الربذّة ) , فأقام بها حتى مات غريباً وحيداً ومنفياً في سبيل مبادئه وفي سبيل الأشتراكية التي انشد لها , وبعد موته ضلت ثورته وافكاره تدوي الآذان في كل ارجاء الدولة والتي كانت احد الاسباب الرئيسية لثورة الشعب على عثمان والاطاحه به , وكان ابو ذر يعلم ويحلم باليوم الموعود التي تدوم فيه هذه الفكرة او النظرية على كافة البشر ويرفع شعارها لخدمة الانسان والمساواة بين البشر في توزيع الاموال بشكل عادم ومنتظم ويعطى كل حق حقه على حسب كفائته وعمله وانتاجه وعدم ترك الجياع المعدمين فبيت المال او خزينة الدولة للشعب فهم بنائها ولهم تعود وليس لحاكم او قلة قليلة تتصرف بمصير هذا الشعب ومستقبله .
كم نحتاح اليوم إلى تلك المواقف الشجاعة التي أثارها الصحابي الجليل أبي ذر من أجل تطبيق النظام الإقتصادي العادل الذي يضمن لكل الطبقات في المجتمع العيش بسلام بناء على مبدأ العدل والمساواة وعدم كنز الأموال والثروات بالشكل الذي يؤدي إلى تسلّط فئة على حساب أخرى فقيرة لا تملك قوتها ..فالقوة الإقتصادية لأي نظام سياسي حاكم إذا اراد أن ينهض بشعبه عليه أن يقضي على ظاهرة تسلّط الفئات الغنية وكنزها لمقدرات الشعوب الفقيرة بأن تأخذ الحكومات الصادقة مع شعبها من اموال الأغنياء كي تغذي به الطبقات المعدومة الحال وبهذا نكون قد وضعنا أول  لبنة في سبيل بناء النظام السياسي والإقتصادي العادل والشامل في الإسلام...
ومع الاسف الشديد فإننا اليوم نرى عكس هذا النظام ..فبدل أن توفر الحكومات لشعوبها الحد الأدنى من المعونات ولو من جيوب أغنياء الأمة فإنها تعمل على نهب ممتلكات هذه الطبقة المهبّشة والمهمّشة بدون وازع ديني او خلقي بل بكل جرأة ليس فيها اي رحمة واذا لم يستطع الفقير المسكين أن يدفع ما فرض عليه من قبل حكومته من ضرائب وفواتير نرى بان كل أسباب الحياة تسلب منه ...
إن هذه الظاهرة التي نعيشها في القرن الواحد والعشرين خطيرة جدّاً بحيث انها ستؤدي إلى إنهيار الأمم بكاملها في المستقبل من جميع النواحي الفكرية والدينية وسوف ينال المجتمع بشدّة من جرّاء تلك الخطورة فعلى كل الحكومات ان تعمل على تقليص الفجوة الهائلة بين طبقة الفقراء والأغنياء ..وهذا ما نادى به رسول الإسلام محمد بن عبد الله قبل اربعة عشر قرناً....
 


قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat


ابراهيم آل هاشم العاملي
 (للدخول لصفحة الكاتب إضغط هنا)

    طباعة   ||   أخبر صديقك عن الموضوع   ||   إضافة تعليق   ||   التاريخ : 2017/08/12



كتابة تعليق لموضوع : النظرة الإقتصادية لمذهب الإسلام في تحريم كنز الأموال  وثورة الصحابي ابي ذر الغفاري
الإسم * :
بريدك الالكتروني :
نص التعليق * :
 



حمل تطبيق (كتابات في الميزان) من Google Play



اعلان هام من قبل موقع كتابات في الميزان

البحث :





الكتّاب :

الملفات :

مقالات مهمة :



 إنسانية الإمام السيستاني

 بعد إحراجهم بكشف عصيانها وخيانتهم للشعب: المرجعية الدينية العليا تـُحرج الحكومة بمخالفة كلام المعصومين.. والعاصفة تقترب!!!

 كلام موجه الى العقلاء من ابناء شعبي ( 1 )

 حقيقة الادعياء .. متمرجعون وسفراء

 قراءة في خطبة المرجعية : هل اقترب أَجلُ الحكومةِ الحالية؟!

 خطر البترية على بعض اتباع المرجعية قراءة في تاثيرات الادعياء على اتباع العلماء

 إلى دعاة المرجعية العربية العراقية ..مع كل الاحترام

 مهزلة بيان الصرخي حول سوريا

 قراءة في خطبة الجمعة ( 4 / رمضان/ 1437هـ الموافق 10/6/2016 )

 المؤسسة الدينية بين الواقع والافتراء : سلسلة مقالات للشيخ محمد مهدي الاصفي ردا على حسن الكشميري وكتابيه (جولة في دهاليز مظلمة) و(محنة الهروب من الواقع)

 الى الحميداوي ( لانتوقع منكم غير الفتنة )

 السيستاني .. رسالة مهدوية عاجلة

 من عطاء المرجعية العليا

 قراءة في فتوى الدفاع المقدس وتحصين فكر الأمة

 فتوى السيد السيستاني بالجهاد الكفائي وصداها في الصحافة العالمية

 ما هو رأي أستاذ فقهاء النجف وقم المشرّفتَين السيد الخوئي بمن غصب الخلافة ؟

 مواقف شديدة الحساسية/٢ "بانوراما" الحشد..

أحدث مقالات الكتّاب :


مقالات متنوعة :





 لنشر مقالاتكم يمكنكم مراسلتنا على info@kitabat.info

تم تأسيس الموقع بتاريخ 1/4/2010 © محمد البغدادي 

 لا تتحمل الإدارة مسؤولية ما ينشر في الموقع من الناحيتين القانونية والأخلاقية.

  Designed , Hosted & Programmed By : King 4 Host . Net