صفحة الكاتب : حسين علي الشامي

شهيدُ البراءةِ 
حسين علي الشامي

سباقٌ مع الزمنِ..
زمنٌ عجيبٌ كَتبَ لأبناءِ العراقِ الكثيرَ من المآسي وأوجبَ عليهم مواجهةَ المعاناةِ.
ولم تتركه مآسيه ومعاناته حتى غربتْ شمسُ السلامِ ، بولوجِ سحابةٍ داكنةِ العُتمةِ حيث غطَّتْ مساحاتٍ من ارضِ الوطنِ .
أذّن سيد الكفاح بنداء الفتوى فلبى الجميع دون استثناء فكتبت تلبياتهم على صفحات الإباء ، وحفظت لهم صوراً على جدران الخلود .
وقدّمَ أهلُ العزِّ بعزيمةِ الولاءِ والفداءِ أغلى ما يملكون، ومن هنا كانت البدايةُ للصغيرِ (علي باسم الكعبي) .
هو زهرةٌ يانعة وطفلٌ بريءٌ وطالبٌ مجدٌّ، عرفهُ أهلهُ ومحبوهُ بخلقهِ الرفيعِ وعقلهِ الكبيرِ بعمرهِ الصغيرِ ، فقد كانَ مُجدَّاً بتأديةِ واجباتهِ على الصعيدِ العبادي والخلقي السلوكي والتعليمي فقد كان مثالٌ يلهج به أساتذته ومعلمه لنصاعةِ ذلك الادب الذي تحلى به صغيرنا علي .
كما كانتْ عائلتهُ من العوائلِ الكريمةِ التي لم تُقصِّر في تأديةِ الواجبِ المقدسِ من تقديمِ الدعمِ اللوجستي لنصرةِ المقاتلين وتخفيفِ الضيمِ عن النازحين .

طلبُ السَّفرِ..
قرر أبو علي ان يذهبَ معَ جموعِ الداعمينَ للنازحينَ في الموصلِ .
وكما هي العادةُ - بما يحمل من براءة - عليٌّ الصغيرُ سألَ أبوه ان يصطحبهُ معهُ ، يدفعه الى ذلك حبُّ المشاركةِ والإطّلاعِ.
تعجبت الام من طلب ولدها فاعترضت بشدة لذلك، فخاطبها علي :
الستُ ذاهباً بصحبة أبي ؟
اطرقت الام راسها لوهلةٍ ، ثم اومأت براسها بالموافقة ثم قالت :
ليس هنالك في الدنيا من يحرص عليك اكثر من ابيك .
الأب : بُني.. حبيبي.. الطريقُ وعرٌ ومرساهُ صعبٌ واني أخافُ عليكَ منهُ.
الإبن -يستنهضُ أباهُ بكلماتِ العزِّ- : أليسَ الحسينُ أصطحبَ أبناءهُ حتى الرضيع معهُ؟!
إنغَمرَ الأبُ بشوقِ اللقاءِ والحبِّ لبطلِ كربلاءِ الحسينِ فشقّتْ دمعتهُ أُخدوداً على وجنتهِ مستذكراً تلك الصلابةَ والاباء مُحدّثاً ولدهُ علياً : 
إذن سأصطحبكَ معيَ فالحسينُ قدوتي والطريقُ الذي سنمضيهِ هو طريقهُ وسيكتبنا ان شاءَ اللهُ في لوحِ أنصارهِ .
رحلةُ الدعمِ..
في اليومِ التالي ، عندَ بزوغِ فجرٍ جديدٍ لحظةَ اختلاطِ شفقِ الافقِ الاحمرِ لتشرقَ شمسُ الدعمِ من منطقتِهم . انطلقتْ رحلةُ الدعمِ وخلفَهم الكثيرُ من الدعواتِ التي اطلقَتها الامهاتُ الراغباتُ بعودتِهم سالمينَ.
ودَّعَتْ الامُ أبنَها الصغيرَ، قبَّلتهُ في فيهِ ، محدثةٌ إياهُ: ولدي سأبقى بانتظاركَ فعُدْ لي سالماً.
علي : أمي سأعودُ لكِ وبجيبي الكثيرُ من الهدايا .
الأم : إجعلْ عملكَ هذا حباً للهِ وطاعةً لأوصيائهِ، وراعِ أباكَ خلالَ الطريقِ ولا تتعبهُ يا صغيريَ.
حديثُ الوفاءِ..
سارتْ رحلةُ الحبِّ ، وانطلقتْ دموعُ المودعينَ شغفاً وحباً لمن ودَّعُوهم.
وبعدَ رحلةٍ زادت على الساعتينِ ، بدأَ الأب يداعبُ ولدهُ فقالَ: أتَعِبٌ أنتَ يا صغيري؟
أجابَ الطفلُ ببراءةٍ: أيتعبُ الرجالُ !؟ فتبسَّمَ الابُ قائلاً: لا يتعبُ الرجلُ ، لكن ماذا تفعلُ إن واجهنا زُمرةً من الانذالِ الآنَ ؟!
علي : لستُ خائفاً يا أبي ، سأواجهُهُم واشبعُهم ضرباً، وإن كانوا رجالاً ليَصبِروا على ضَربِنا.
الأب: الآن لا أخافُ عليكَ ، ولكن إن جرى لي شيءٌ.....
علي : لا تخفْ يا أبي فالشجاعةُ منكَ أخذتُها، انا بجنبِّكَ، ولن اترككَ وحيداً خصوصاً وأعمامِي معي.
عاصفةُ الغَيِّ..
أخذتْ الرحلةُ تسيرُ وتقطعُ طريقَها نحوَ مطلبِها ، عابرةً مناطقَ الشوقِ والشجونِ ، يحتبسُ في قلوبِ اصحابِها الكثيرُ من العزيمةِ والارادةِ، واثناءَ ذلكَ المسيرِ وخلالِ مرورِهم بمنطقةِ المحموديةِ يُحدُّثُ بعضُهم بعضاً إنَّ الطريقَ بدأ توّاً ولازالَ امامَهم الكثير .
اثناءَ الحديثِ ، والفرحُ الذي كان يملأُ وجوهَ الداعمينَ لأهليِهم والمساندينَ للمظلومينَ من النازحينَ من اهلِ الموصلِ واذا بعصفٍ أسودٍ، وصوتٍ عجيبٍ وكأنهُ عصفُ الموتِ الأحمرِ .
لم تكنْ هناكَ مفاجئةٌ للجميعِ ، فالكلُّ وضعَ بحسبانهِ ذلكَ الغدرَ الذي لازالَ ديدنُ أهلِ النفاقِ والفسادِ، فالمواجهةُ لا يعرفُها إلا الابطالُ وهؤلاءُ الخوارجُ لا يعرفونَ معنى المواجهةِ .
... حطَّمَ الصهريجُ المفخَّخُ أحلامَ اصحابِ الدعمِ وقُتلَ جَمعاً منهم، فراحوا صابرينَ مُلبِّينَ .
أفولُ القمرِ..
بعدَ هدوءٍ سادَ المكانَ، ونارٌ أكلتْ أكداسَ المساعداتِ التي كانوا يأملونَ وصولَها الى إخوانِهم النازحينَ.
عملَ المُنجدونَ على إنقاذِ الجرحى، واطفاءِ نارِ الجاهلية التي اختطفت آمال المنتظرين للدعم .
واثناءَ ذلكَ كلِّه ، واذا بصوتِ أحدِهم يصرخُ عالياً في لحنهِ الحزنُ و الألمُ : اللهُ أكبرُ ما ذنبُ هذهِ البراءةِ تموتُ ؟! وما ذنبُ هذهِ الطفولةِ تُقطَّعُ؟!
أشلاءٌ هنا واشلاءٌ هناكَ، كأنها أشلاءُ الوطنِ الذبيحِ ، تمزجُها دماء البراءةِ المقتولة .
أفَلَ قمرُ البيتِ، وراحَ شهيداً ليُسجَّلَ شهيدُ الطفولةِ (علي باسم الكعبي) أميرَ ركب الشهداءِ الصغير، ويكونُ دمُهُ النقيُّ الدافئُ دافعاً لرجالِ الحشدِ الميامين لكتابةِ اساطيرِ النضالِ والدفاعِ في كتبِ البطولاتِ الحقيقةِ الصادقةِ .


قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat


حسين علي الشامي
 (للدخول لصفحة الكاتب إضغط هنا)

    طباعة   ||   أخبر صديقك عن الموضوع   ||   إضافة تعليق   ||   التاريخ : 2017/08/10



كتابة تعليق لموضوع : شهيدُ البراءةِ 
الإسم * :
بريدك الالكتروني :
نص التعليق * :
 



حمل تطبيق (كتابات في الميزان) من Google Play



اعلان هام من قبل موقع كتابات في الميزان

البحث :





الكتّاب :

الملفات :

مقالات مهمة :



 إنسانية الإمام السيستاني

 بعد إحراجهم بكشف عصيانها وخيانتهم للشعب: المرجعية الدينية العليا تـُحرج الحكومة بمخالفة كلام المعصومين.. والعاصفة تقترب!!!

 كلام موجه الى العقلاء من ابناء شعبي ( 1 )

 حقيقة الادعياء .. متمرجعون وسفراء

 قراءة في خطبة المرجعية : هل اقترب أَجلُ الحكومةِ الحالية؟!

 خطر البترية على بعض اتباع المرجعية قراءة في تاثيرات الادعياء على اتباع العلماء

 إلى دعاة المرجعية العربية العراقية ..مع كل الاحترام

 مهزلة بيان الصرخي حول سوريا

 قراءة في خطبة الجمعة ( 4 / رمضان/ 1437هـ الموافق 10/6/2016 )

 المؤسسة الدينية بين الواقع والافتراء : سلسلة مقالات للشيخ محمد مهدي الاصفي ردا على حسن الكشميري وكتابيه (جولة في دهاليز مظلمة) و(محنة الهروب من الواقع)

 الى الحميداوي ( لانتوقع منكم غير الفتنة )

 السيستاني .. رسالة مهدوية عاجلة

 من عطاء المرجعية العليا

 قراءة في فتوى الدفاع المقدس وتحصين فكر الأمة

 فتوى السيد السيستاني بالجهاد الكفائي وصداها في الصحافة العالمية

 ما هو رأي أستاذ فقهاء النجف وقم المشرّفتَين السيد الخوئي بمن غصب الخلافة ؟

 مواقف شديدة الحساسية/٢ "بانوراما" الحشد..

أحدث مقالات الكتّاب :


مقالات متنوعة :





 لنشر مقالاتكم يمكنكم مراسلتنا على info@kitabat.info

تم تأسيس الموقع بتاريخ 1/4/2010 © محمد البغدادي 

 لا تتحمل الإدارة مسؤولية ما ينشر في الموقع من الناحيتين القانونية والأخلاقية.

  Designed , Hosted & Programmed By : King 4 Host . Net