• الموقع : كتابات في الميزان .
        • القسم الرئيسي : ثقافات .
              • القسم الفرعي : ثقافات .
                    • الموضوع : لقاء مع الشاعر صلاح حسن السيلاوي:(لم تفارق الفلسفةُ الشعرَ أبداً، فهما متعانقان منذ وجودهما.. فالشاعر فيلسوف لغة وخيال) .
                          • الكاتب : علي حسين الخباز .

لقاء مع الشاعر صلاح حسن السيلاوي:(لم تفارق الفلسفةُ الشعرَ أبداً، فهما متعانقان منذ وجودهما.. فالشاعر فيلسوف لغة وخيال)

  من انجازات الابداع الحقيقي هي بناء الروح المبدعة القادرة على الاستنهاض الإنساني، واللقاء بالشاعر صلاح حسن السيلاوي صاحب الانتماء الوطني والضمير الانساني، يأخذنا الى عوالم مبدعة لمعرفة سمات المنجز الأدبي والقيم الفاعلة، فنحاوره عن المسعى العقلاني والتغريب:

- أين نضع القيمة الابداعية الحقيقية، هل في تجاوز الواقع ونفي الشعورية أم في تبني تلك القيمة لمشروع اللا معنى واللا يقين الفكري؟
الشاعر صلاح حسن السيلاوي:- في الكتابة الشعرية، لا اشتراط برأيي للعقلانية على اعتبار انها الابنة البارة لما أسميه (الخيال الإيجابي) ذلك الذي كان وراء صناعة الواقع الحالي الذي نعيشه، وهنا وبنظرة بسيطة وعميقة في الوقت نفسه نكتشف أن الفرق بين الواقع والخيال هي القدرة العقلية التي يمكنها الانتفاع من صناعة واقع جديد بمستوى الخيال، ومن الأمثلة على ذلك، أن واقعنا الذي نعيش تفاصيله الآن هو خيال بالنسبة لأزمان ماضية، فقبل الف سنة لم يكن أحد من ابناء ذلك الزمن يتخيل أن كومة من الحديد تحمل عشرات من الناس وتقطع في السماء مئات الكيلومترات ولم يكن أحد ليتخيل أنك تحمل في جيبك قطعة صغيرة من الحديد، يمكنك أن تحدث بها فتسمع وترى فيها صورة محدثٍ لك في الصين وانت في العراق.
 لو تحدث أحد ما آنذاك عن واقعنا الحالي لأتهم بالجنون تماما..!
 أريد أن اقول: ان الخيال الايجابي الذي يمتلكه الشعراء هو خيال صالح، يمكن أن ينتفع منه حتى العلماء من هذا المنطلق ليكون الخيال عقلانيا.
 أما التغريب بمعنى الاهتمام بصناعة الغرائبي، فهو أمر مهم، وأحد مهمات الشاعر المتميز، بل هي ضرورة من ضروراته، وكل هذا يذهب بنا برأيي وعلى الرغم من سعة خيال وغرائبية الشاعر، يذهب الى المعنى، فاللغة تنشأ في عقل مستخدمها من قصد في نفسه ثم تستقر في أطر لغوية ذات معنى محدد، وما دمنا نستعمل اللغة، فالحديث عن اللا معنى حديث ليس ذا فائدة، يمكن للا معنى ان يكون حاضرا في فنون أخرى: كالموسيقى والتشكيل والتمثيل والمسرح، وليس الشعر؛ لأن تلك الفنون يمكنها استثمار لغات أخرى ليست حروفية، أي أن المعنى هناك غير محدد، وربما ضائع، وربما سابح في مخيلات كثيرة غير قادر على الاستقرار في أطر معينة. 
 أما اللا يقين، فهو صلب موضوعي في الحياة والكتابة، فليس هنالك شكل شعري مقدس بقدر ما هنالك بنى فكرية وابداعية تدفعني إلى تبني شكل من دون آخر، وهذا ينطلق عندي من اللا يقين الذي اتبناه في حياتي، فالشك النسبي في المفاهيم الانسانية له حصته في تكوين شخصيتي حتى في تديني أعد ما جاء في النص القرآني بقصة ابراهيم (عليه السلام) عندما اراد ان يرى الله تعالى بالإضافة الى آية (واعبد ربك حتى يأتيك اليقين) الموجهة لمحمد (ص) أعد ذلك مساحة لاحترام الشك العقلي واعتماده للوصول الى الحقيقة، فاليقين هنا نسبي أيضا والإيمان قائم على ارتفاع نسبة الوثوق بوجود حقيقة الهية، بالإضافة الى علاقة الذات بخالقها تلك العلاقة غير المرتبطة بزمان ومكان وحسابات الواقع المعتادة، ومن كل ذلك اصل الى القول بأن اللا يقين النسبي هو واحد من متبنياتي الشعرية، فلا ثبات في زمن متغير بكل ما يحمله من مفاهيم ورؤى وافكار.
- مرتكزات الارتقاء بالنص الادبي الى مرتبة المنجز المبدع تأتي عبر الغور الى أعماق المعنى والولوج الى جوهر الواقع حتى لو سجنتنا النخبوية، ففقدنا شمولية التلقي ام الارتقاء يعني تكوين الجمهور الشعري عبر الاحتواء حتى لو كان فيه شيء من التدني والسطحية؟
:- هنا تكمن المشكلة الحقيقية في صناعة المنجز الابداعي بشكل عام والشعري خصوصا، فالشاعر هنا ابن ثقافته النخبوية، ابن مرجعياته المعرفية التي صنعت وعيه والتي لا يستطيع التدني عن مستوياتها العليا التي جعلت منه عارفا ومثقفا قادرا على كتابة نص شعري ينتمي لأعمقاها، نصا يحتوي بين طياته على اختزالات مرارة الواقع وأسئلته وربما شيئا من الاجابات.
 يحدث كل هذا في الحين الذي اصبحت فيه النخبة وما زالت بعيدة عن الجمهور لأسباب عديدة أولها: ان اهداف النخب الابداعية بما تملكه من احلام ورؤى بعيدة كل البعد عن احلام الحكام، ولهذا تعمل السلطات في الدول العربية على عزل هذه النخب عن الجمهور الذي لا تريد له السلطات ان يرتفع بسقف احلامه التي تؤدي به الى رفع سقف مطالبه، وهذا ما يجعل النخب اقل تأثيرا على المجتمع.
هنا ألفت الانتباه الى أن الحاجز بين المجتمع ونخبه الثقافية الذي بنته السلطات المتعاقبة على حكم العراق منذ تأسيس الدولة العراقية وحتى اليوم يحتاج إلى عمل مؤسساتي ضخم وأموال طائلة ليتم تهديمه كليا، وليعرف المجتمع انه من دون نخب مبدعة لن يكون قادراً على الوصول الى معناه الانساني، ولن يكون محافظاً على ذاكرته الجمعية التي لا يمكن أن تُحفظ إلا من خلال الفكر الابداعي المدون عبر نخب المجتمع المشتغلة في مجالات الابداع المتنوعة.
 والمشكلة في الأمر أن الجهات الحاكمة لا تعرف او لا تريد ان تقوم بكل هذا بسبب جهلها بأهمية ذلك، او لأنها لا تريد ان يسقط هذا الحاجز الذي يمكنه ان يصنع شعبا قادرا على الوقوف بوجه الطغاة دائماً. 
الى ذلك لابد من الاشارة الى ان المثقف عليه أن لا ينتظر ان تقوم الدولة بكل ذلك الجهد الساعي الى تحطيم الحواجز بينه وين جمهوره؛ لأن ذلك في وقتنا الحالي يشبه المعجزة برأيي، ولهذا عليه ان يسعى الى التقرب الى الجمهور بشكل او بآخر من دون ان يخسر معانيه العظيمة التي يعمل من اجلها؛ لأن لا ثقافة بلا جمهور ولا أهمية للفعل الابداعي من دون متلقي. 
- تعالق الشعري مع التأريخ هل يتم بمعنى أرخنة الواقع؟ أي يتعامل معه تعاملا ماضويا أم كفعل ناه مهمته صناعة الغد؟
:- لا طبعا ليس من مهام الشاعر أن يؤرخ الواقع، ولكن في الوقت نفسه لا تخلو اشتغاله من الاشارات التاريخية او استثماره لحوادث او وقائع معينة عبر نصوص او منجزات شعرية محددة، وهذا لأن الشاعر معني تماما بذاكرته التي هي بشكل او بآخر ذاكرة أمته، ومرجعيته الثقافية، من هذا ينشأ احترام الأمم لشعرائها بوصفهم رموزا دالة عليها.
 أما الماضوية بمعناها المبتعد عن هذا التأسيس، بسعيها الى جر المجتمعات الى العيش في الماضي، وإيهام الناس بقوة التاريخ للدرجة التي يجعل منهم عبيدا لأحداثها موقوفين لزمنها غير خارجين عن فعالياتها ابداً.
 هذا المعنى لا يمكن له أن يكون من أهداف الشاعر المهتم بجوهر الحياة والمجتمع، المهتم بجوهر ذاته ومعنى وجوده وغيابه لا يمكن ذلك ابداً.. إذن على الشاعر أن يسعى لصناعة غد عظيم، صناعة غير مُفارِقة للمعاني العليا في ذاكرته وذاكرة أمته.
تواقيع سؤال:
- ما رأيك بعلاقة الفلسفة بالشعر؟
:- لم تفارق الفلسفةُ الشعرَ أبداً، فهما متعانقان منذ وجودهما كما أرى، ولنا في استشهادات ودراسات العديد من الفلاسفة لآراء الشعراء ونصوصهم ادلة كثيرة على ذلك، أجد أن الشاعر فيلسوف لغة وخيال. 
- ما معنى الايجاز والتكثيف دون الموجهات الاشارية؟
الشاعر صلاح حسن السيلاوي:- أجد أن ذلك يعني الغموض تماما، فإيجاز وتكثيف مع غياب للموحيات الإشارية يدل على غموض تام لا ينفع الشاعر ولا المتلقي.
-  ما معنى بنية خطاب انا غير معني به؟
:- تلك بنية خطاب لا تهدف إلى إضاءة جانب من مباهج روح الشاعر والمتلقي آن واحد.
- ما معنى ان يكون للقصيدة فوهة بندقية في هذا الظرف الحساس؟
 :- القصيدة مؤتمر لحمائم السلام، القصيدة حديقة لزراعة الأرواح الناضجة لا يمكنها أن تكون فوهة بندقية إلا إذا احترقت.

سندويجات أسئلة: 
- ماذا لو أصبح الشاعر شرطياً؟
:- يموت.

- هل الادب بحاجة الى شرطي؟ 
:- كلمة الشرطي تعني الحزم والقانون، الادب بحاجة الى رقابة فيها مرونة ومعرفة ودقة وروح، وهنا اقصد المؤسسات الثقافية التي يجب ان ترعى الحراك الابداعي العام وتراقب نموه. 
- هل استقلالية الادب تعني التخلص من الرقيب والسعي لانفلاتيته المريعة؟
 :- لا أرى أن مسالة الرقيب على الادب يمكن ان تنتهي بحد؛ لأن آخر حلقاتها تتمثل بالمجتمع، الذي يمكن أن يرفض كتاباً، أو يتهم كاتباً، او يعترض على قصيدة وهذا يعني ان الانفلاتية يمكن للمجتمع ان يحكمها ويكون سدها الامين، ولكن الاستقلالية يجب ان تكون في ضمان الدولة لحرية عمل المؤسسات الثقافية من دون الضغط عليها سياسيا او دينيا، فضلا عن ضرورة ضمان مورد مالي. 
- نحن خذلنا الشعرَ، ام خذلتْنا مشاريعُنا الثقافية؟
- خذلتنا الحروب التي أكلت احلامنا، الشعر كالطيور يحتاج خضرة وسماء صافية، والمشاريع تحتاج إلى مجتمع تجاوز زمن الغابة.
 -  ما هو دور الاتحادات النقابية الادبية في ترسيخ الحراك الثقافي؟
  :- لها دور واضح في تفعيل الحراك الثقافي، فاتحاد أدباء العراق مثلاً له فروع في جميع المحافظات، يعمل من خلالها على تنظيم فعاليات اسبوعية في كل مدينة على الرغم من غياب دعم الدولة له، الكل يعلم أن الفعل الابداعي فردي في اصله ينبع من ذات المبدع، ولكن تلك الذات تحتاج الى مساحات واسعة من التفاعل مع الجمهور الثقافي والرؤى النقدية الراصدة لذلك الفعل المبدع، وهذا ما توفره المؤسسات النقابية.
 ولا ننسى ان ثمة مؤسسات ثقافية اخرى تعمل على دعم الإبداع في مدينتنا ومنها نادي الكتاب الذي يقدم امسية اسبوعية بالتعاون مع نقابة المعلمين، فضلا عن مؤسسات اخرى مثل: ملتقى الرافدين، ورابطة اوروك، وقصر الثقافة والفنون الذي كان يقدم فعاليات جيدة ثم توقف منذ مدة؛ بسبب التقشف الذي اصاب جسد الدولة.

مانشيتات
•    الفرق بين الواقع والخيال هي القدرة العقلية التي يمكنها الانتفاع من صناعة واقع جديد بمستوى الخيال.
•    المثقف عليه أن لا ينتظر أن تقوم الدولة بتحطيم الحواجز بينه وين جمهوره، بل عليه ان يسعى الى التقرب الى الجمهور بشكل او بآخر من دون ان يخسر معانيه العظيمة التي يعمل من أجلها.




  • المصدر : http://www.kitabat.info/subject.php?id=98379
  • تاريخ إضافة الموضوع : 2017 / 07 / 14
  • تاريخ الطباعة : 2024 / 03 / 29