• الموقع : كتابات في الميزان .
        • القسم الرئيسي : ثقافات .
              • القسم الفرعي : ثقافات .
                    • الموضوع : المؤمن .
                          • الكاتب : عقيل العبود .

المؤمن

جلس تحت أغصان شجرة وارفة الظلال بعيدا عن زحام ذلك الضجيج. حاول ان يصغي مع نفسه الى محاضرة من بفتح الميم اعتاد الاستماع اليه- يتذكر بعض الكلام، راح يحاور ذاته المتعبدة.

 

زرقة السماء كان ينظر اليها بطريقة تماما، تختلف عن طريقتهم، اولئك الذين يكتفون برؤية الهلال لأداء فروض المواسم المتعلقة بالأشهر القمرية.

 

هنالك بعيدا عَنْهُم، الفضاء، شئ من قبيل فراغ، لا محدودية له، عالم لا يمكن رؤيته عبر هذا الشُعَاع الممتد من العين المجردة؛

 

فهنالك عند أقصى ذلك الانحناء، قباب الأنبياء تماما تبتعد عن قصور السلاطين، الالوان الناصعة في بهائها تتحول الى الق يشبه في تفرعاته لغة الشمس وزرقة الامواج، التي ترافقها دائماً تلك الخضرة اليانعة من العشب الممتد على بساط الارض وأغصان الشجر.

 

هنالك فقط يمكن لبيوتات الله ومساجدها ان تعمر، بتشديد الميم، كذلك مع تلك المسارات، يتسنى للمؤمنين ان يتزاحموا لأداء فرائض الصلاة في أوقاتها، والعبادات جميعا في مواسمها، ذلك بعد ان تتضاءل لغة الارتباط مع العناوين والمسميات هذه التي أواصرها في تماس معنا كل يوم.

 

عند ذلك المكان صاحبي سيتاح له ان يقارن بين مشاعره القديمة، ومشاعره الجديدة، وستلتقط الصور، حيث أعمق باطن الانسان-حقيقته النفسية، ستتجرد حتما عن استار كثافتها الفيزيائية، وستخلع رداء علاقتها الدنيوية بعيدا عن جميع تفاصيل هذا الكيان الذي كان مختبئا في عالم الارض.

 

المسجد هناك سوف يكون حاضرا وشاهدا أمينا على معدن هذا الذي يحتاج لان يرتدي ذلك الوقار.

 

آنذاك، عندما يتسنى لك ان ترحل نحو الأفق؛ روحك ستسري، وستعود بعد حين الى عالمها القديم بحلة جديدة،

 

ستعود "تائبا، شاكيا،خائفا،راجيا،راغبا،شاكرا،مطيعا، مريدا،محبا، متوسلا، مفتقرا،عارفا، ذاكرا،معتصما،زاهدا"*

 

  • ستدرك ان بناء الروح ليس مسالة وعظية خاصة بهذا، وذاك من الخطباء، ووعاظ المنابر، انما هي عملية خلق تحتاج الى صبر، وشقاء، ومثابرة، بل تحتاج الى عناء غير منقطع النظير.

 

فالأرواح ليس من السهل اروائها، اوالانتقال بها بعيدا عن عالمها المحدود، خاصة عندما يتعلق الموضوع بكسر حواجز هذا الزمن الذي تتقابل الأضداد فيه على مائدة واحدة، وتفرض غرائز إلانا فيه انتماءاتها.

 

نعم الحل هنا هو معرفة الطريق الى هذا النوع من الطهارات-مجموعة تمرينات يصعب أداؤها بسهولة، باعتبار ان هنالك حاجة الى طاقة نفسية، لا جسدية، وتلك لا يحتملها الا اولئك الذين تجردوا عن شروط ذواتهم.

 

علما ان الطهارة تلك، ليس ذات الطهارة التي يتم تفسيرها على انها التطهر من النجاسات الجسدية، اي غسل البدن، اوالوضوء، الطهارة تلك، هو كيف لك ان ترتقي بنفسك، تقيها من أدران انتمائها المادي، كيف لك ان تفهم ذاتك الاخرى في عالم اللامادة- ذلك الذي أودع الله فيه بعض صفاته.

 

* تابع المناجاة الخمس عشرة للامام علي بن الحسين؛ زين العابدين- مفاتيح الجنان.

 

ساندياكو




  • المصدر : http://www.kitabat.info/subject.php?id=98278
  • تاريخ إضافة الموضوع : 2017 / 07 / 12
  • تاريخ الطباعة : 2024 / 04 / 18