• الموقع : كتابات في الميزان .
        • القسم الرئيسي : المقالات .
              • القسم الفرعي : أدب الفتوى .
                    • الموضوع : أَمَانَةُ الشُّهَدَاءِ مَا بَعْدَ الإِنْتِصَارِ .
                          • الكاتب : نزار حيدر .

أَمَانَةُ الشُّهَدَاءِ مَا بَعْدَ الإِنْتِصَارِ

   بِفضلِ الله تعالى وتضحيات الشُّهداء الأَبرار ودعوات أُسَر الضَّحايا نقف الآن على أَعتاب النَّصر النَّاجز في الحَرْبِ على الارهاب.
   سَنفرحُ بنصرِ الله تعالى لتتجلَّى أَمامنا مسؤوليَّة الأَمانة الكبيرة التي تركها الشُّهداء الأَبرار وأَقصد بها أُسرهُم وعوائلهُم وأَخصُّ بالذِّكر الأَيتام.
   لقد ضحَّى الشُّهداء الأَبرار بالغالي والنَّفيس وبكلِّ ما يملكون من أَجلنا، من أَجل الدِّين والوطن والعِرض والأَرض، من أَجل أَن نحيا ويحيا بلدِنا بأَمان، ومن أَجل حماية حاضرنا ومستقبلنا.
   ولذلك فليس من الانصافِ أَبداً وليس من الدِّين وليس من الوطنيَّة والشَّهامة والأَخلاق أَبداً أَن لا نتحمَّل مسؤوليَّة الأَمانة التي تركها الشُّهداء.
   يجب علينا جميعاً أَن نتحمَّلها! ومن كلٍّ حسب قدرتهِ وطاقتهِ وإِمكانيَّاتهِ، فالتَّقصيرُ في ذلك خيانةٌ لدماءِ الشُّهداء وتضحياتهِم وقِلَّة غيرةٍ على البلد.
   وفِي شهر الله الفضيل تعلَّمنا واحدة من أَهم وأَعظم الدُّروس التربويَّة الضروريَّة وأَقصد بهِ درس التَّكافل الاجتماعي سواء من خلالِ الصَّوم لنشعر بمعاناةِ الفقراء أَو من خلالِ دفع زكاة الفطرة التي للفُقراء والمساكين للمساهمةِ في تحسينِ فُرص العيش الكريم لهم في المجتمع.
   علينا أَن نحيي واستصحب هذه الخِصلة الأَساسيَّة والخُلُق العظيم [التَّكافل الاجتماعي] لنُساهم جميعاً في تحمُّل أَمانة الشُّهداء الأَبراء، والتي أَكَّد عليها القرآن الكريم في آياتٍ عديدةٍ، في إِطارِ مفهوم الإنفاق، لأَنَّها حجر الزَّاوية في بناءِ مجتمعٍ سليمٍ ومستقرٍّ.
   وإِنَّ الإنفاق في إِطارِ تحقيق التَّكافل الاجتماعي يعودُ بالدَّرجة الأَساس علينا سواء في الدُّنيا من خلالِ تحصين المجتمع من آفة الفَقر التي هي أُسُّ الكثير من البلاءات أَو في الآخرةِ، ولذلك يقولُ تعالى {وَمَا تُنفِقُواْ مِنْ خَيْرٍ فَلأنفُسِكُمْ وَمَا تُنفِقُونَ إِلاَّ ابْتِغَاء وَجْهِ اللَّهِ وَمَا تُنفِقُواْ مِنْ خَيْرٍ يُوَفَّ إِلَيْكُمْ وَأَنتُمْ لاَ تُظْلَمُونَ} وفِي قوله تعالى {وَمَا أَنفَقْتُم مِّن شَيْءٍ فَهُوَ يُخْلِفُهُ}.
   إِنَّ الإنفاق توفيقٌ ونعمةٌ من الله تعالى على عبدهِ، فمَن لا يغتنم هذا التَّوفيق ويُبادر للانفاق وتحمُّل مسؤوليَّة أَمانة الشُّهداء فانَّ الله تعالى سيسلب مِنْهُ هذا التَّوفيق ويوفِّر الفُرصة لغيرهِ ثم لا يكون مثلهُ بخيلاً، كما تحدِّثنا الآيةِ المُباركة عن ذلك بقولهِ تعالى {هَاأَنتُمْ هَؤُلاء تُدْعَوْنَ لِتُنفِقُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَمِنكُم مَّن يَبْخَلُ وَمَن يَبْخَلْ فَإِنَّمَا يَبْخَلُ عَن نَّفْسِهِ وَاللَّهُ الْغَنِيُّ وَأَنتُمُ الْفُقَرَاء وَإِن تَتَوَلَّوْا يَسْتَبْدِلْ قَوْمًا غَيْرَكُمْ ثُمَّ لا يَكُونُوا أَمْثَالَكُمْ}.
   وأَسوأ من البخيل الأَناني هو الذي لا يُنفق ويحرِّض الآخرين على عدم الإنفاق ظنّاً مِنْهُ بأَنَّهم إِذا امتنعوا عن تحمُّل مسؤوليَّة أَمانة الشُّهداء فانَّهُ لا أَحدَ سيبادرُ الى ذلك! وهذا بحدِّ ذاتهِ دليلُ الجَهل والغَباء!.
   يقولُ تعالى {هُمُ الَّذِينَ يَقُولُونَ لا تُنفِقُوا عَلَى مَنْ عِندَ رَسُولِ اللَّهِ حَتَّى يَنفَضُّوا وَلِلَّهِ خَزَائِنُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَلَكِنَّ الْمُنَافِقِينَ لا يَفْقَهُونَ}.
   وإِنَّ للإنفاقِ في سَبِيلِ الله تعالى شروطٌ تقف على رأسِها عدم تعقُّبهُ بالأَذى سواء أَكان معنويّاً أَو مادِّياً! فالذين يستغلُّون إِنفاقهم على اليتيم مثلاً لابتزاز أُسرتهِ أَو للتَّشهير بها هؤلاء نماذج سيِّئة يجب فضحها وتعريتِها أَمام المجتمع، ولقد ذمَّ الله تعالى هذه النَّماذج بقولهِ {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تُبْطِلُوا صَدَقَاتِكُم بِالْمَنِّ وَالْأَذَىٰ كَالَّذِي يُنفِقُ مَالَهُ رِئَاءَ النَّاسِ وَلَا يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ فَمَثَلُهُ كَمَثَلِ صَفْوَانٍ عَلَيْهِ تُرَابٌ فَأَصَابَهُ وَابِلٌ فَتَرَكَهُ صَلْدًا لَّا يَقْدِرُونَ عَلَىٰ شَيْءٍ مِّمَّا كَسَبُوا وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْكَافِرِينَ} فانتَ لا تحتاجُ الى أَن تُحدِّث عمَّا تُنفقهُ، إِذ يكفي أَنَّ الله تعالى بهِ عَلِيمٌ {وَمَا تُنفِقُواْ مِنْ خَيْرٍ فَإِنَّ اللَّهَ بِهِ عَلِيمٌ}.
   كذلك فانَّ من شروطِ الإنفاق ما تُحدِّثنا عنهُ الآيةِ المُباركة {لَن تَنَالُواْ الْبِرَّ حَتَّى تُنفِقُواْ مِمَّا تُحِبُّونَ وَمَا تُنفِقُواْ مِن شَيْءٍ فَإِنَّ اللَّهَ بِهِ عَلِيمٌ}.
   ولا يتحقَّق هذا الشَّرط إِلّا إِذا وعَينا حاجة المجتمع واطمأننّا وتيقَّنَّا بأَنَّ ما نُنفقهُ يُخلفهُ الله تعالى لنا كما أَخبرنا في قولهِ تعالى {وَمَا تُنفِقُواْ مِن شَيْءٍ فِي سَبِيلِ اللَّهِ يُوَفَّ إِلَيْكُمْ وَأَنتُمْ لاَ تُظْلَمُونَ}.
   أَمّا الشَّرط الثَّالث والمهم جدّاً فهو أَن نُنفِق في الوقتِ المُناسب، كما في قولهِ تعالى {وَمَا لَكُمْ أَلاَّ تُنفِقُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلِلَّهِ مِيرَاثُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ لا يَسْتَوِي مِنكُم مَّنْ أَنفَقَ مِن قَبْلِ الْفَتْحِ وَقَاتَلَ أُوْلَئِكَ أَعْظَمُ دَرَجَةً مِّنَ الَّذِينَ أَنفَقُوا مِن بَعْدُ وَقَاتَلُوا وَكُلا وَعَدَ اللَّهُ الْحُسْنَى وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ}.
   واليوم هوَ الوَقْتُ المُناسب لنتحمَّل مسؤوليَّة أَمانة الشُّهداء الأَبرار فالتَّأخير أَو التَّسويف والتَّأجيل في تحمُّل هذهِ المسؤوليَّة الدِّينيَّة والوطنيَّة والأَخلاقيَّة يضرُّ بالمجتمع كثيراً إِذ سيعرِّض أُسَر الضَّحايا وتحديداً الأَيتام الى الكثيرِ من المخاطر التي سيتحمَّل مسؤوليَّتها كلّ المجتمع بِلا إِستثناء!. 
   وأَخيراً، فلقد صوَّر أَميرُ المؤمنين (ع) فلسفة الإنفاق الذي يُنتج التَّكافل الاجتماعي أَعظم تصوير عندما كتبَ في وصيَّتهِ لولدهِ الامام الحَسن بن علي السِّبط (ع) يقول؛ 
   {وَاعْلَمْ، أَنَّ أَمَامَكَ طَرِيقاً ذَا مَسَافَة بَعِيدَة، وَمَشَقَّة شَدِيدَة، وَأَنَّهُ لاَ غِنَى بِكَ فِيهِ عَنْ حُسْنِ الاِرْتِيَادِ، وَقَدْرِ بَلاَغِكَ مِنَ الزَّادِ، مَعَ خِفَّةِ الظَّهْرِ، فَلاَ تَحْمِلَنَّ عَلَى ظَهْرِكَ فَوْقَ طَاقَتِكَ، فَيَكُونَ ثِقْلُ ذلِكَ وَبَالاً عَلَيْكَ، وَإِذَا وَجَدْتَ مِنْ أَهْلِ الْفَاقَةِ مَنْ يَحْمِلُ لَكَ زَادَكَ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ، فَيُوَافِيكَ بِهِ غَداً حَيْثُ تَحْتَاجُ إِلَيْهِ، فَاغْتَنِمْهُ وَحَمِّلْهُ إِيَّاهُ، وَأَكْثِرْ مِنْ تَزْوِيدِهِ وَأَنْتَ قَادِرٌ عَلَيْهِ، فَلَعَلَّكَ تَطْلُبُهُ فَلاَ تَجِدُهُ، وَاغْتَنِمْ مَنِ اسْتَقْرَضَكَ في حَالِ غِنَاكَ، لِيَجْعَلَ قَضَاءَهُ لَكَ في يَوْمِ عُسْرَتِكَ}.
   *مُلخَّص خُطبة صلاة عيد الفطر المُبارك في [هيئة أَهل البيت (ع)] في مدينة ريجموند عاصمة ولاية فرجينيا بالولايات المتَّحدة.
   ٢٦ حزيران ٢٠١٧
                            لِلتّواصُل؛
‏E-mail: nazarhaidar1@hotmail. com




  • المصدر : http://www.kitabat.info/subject.php?id=97327
  • تاريخ إضافة الموضوع : 2017 / 06 / 27
  • تاريخ الطباعة : 2024 / 03 / 29