• الموقع : كتابات في الميزان .
        • القسم الرئيسي : المقالات .
              • القسم الفرعي : المقالات .
                    • الموضوع : أمي وطنٌ يسكنهُ الحبُّ .
                          • الكاتب : قيس النجم .

أمي وطنٌ يسكنهُ الحبُّ

 قام أحد  أصحاب الشركات بطلب موظفين، من أجل العمل في شركته بمعاش مغرٍ جداً، ولكن المفاجأة عندما كانوا يذهبون لتقديم الطلبات، كانت الشروط على النحو التالي: (لا يوجد إجازات لأي سبب كان، ولا وجود لعطل رسمية حتى في الأعياد، وأيام الجمعة والسبت، ولا إستراحة للغداء، وعليهم الحضور الى الشركة في الأوقات الطارئة ليلاً، والتذمر من التعب ممنوع، ويمنع الإجازات المرضية).
 إستغرب الجميع من تلك الشروط ورفضوها فوراً، فنظر إليهم صاحب الشركة بكل ثقة،  ثم قال: ولكن هناك المليارات ممن قبلها حتى بدون معاش، فزاد ذلك من إستغرابهم وسألوه عن هؤلاء الأشخاص، إن كانوا عقلاء أو مجانين؟ فقال لهم صاحب الشركة: بل أعقل العقلاء إنهن الأمهات! فأطرقوا رؤوسهم خجلاً وراجعوا تلك الشروط، فوجدوها فعلاً موجودة وبدون معاش أيضاً!
جمال المكان بمَنْ يرافقك إليه، وجمال الوقت بمَنْ يشاركك فيه، فكيف إذا كان المرافق والمشارك هو أمي؟! بكاء يفيض بالحنين الرائع، وقوافل ألمها لا تعرف السكون، فهي تجوب حول أرواحنا، يتوهج ملح وجهها أملاً، بما أمدها البارئ (عز وجل) من أنهار العطف والحب، تترجم فرحها تارة بالضحك، وتارة بالصياح، وأخرى بالدمع، لديها أسلحة إستثنائية لإستمرار معركتها مع الحياة من أجلنا، وكلماتها لا تغادرنا أبداً، فمع ضجيجنا المزعج جداً تنادي:(أشكد وكحين، ملايجة، ملاعين، دهر صابكم)، وغيرها من حسجات لغتنا الدافئة، لكنها تكبر أمامنا وتفني عمرها لتفيء بأوراقها حياتنا. 
تلبي كل أنواع النداءات ليلاً ونهاراً، كأنها تفكر في الأشياء من خلال أشياء أخرى، لأنها معمل ينشئ البيت الكريم على أسس الفضيلة والمكرمات، تتسابق مع الزمن الذي غير كثيراً من ملامحها، لتنال من أي تعب أو مرض قد يواجهنا، فلقد إجتمع التحدي والتصدي في جسد أمي، الشجرة تثمر وتكبر والشر من حولنا يتربص بنا، لكنها تسخر منه بكل لطف، لأنها تصرخ فيه لقد أنشأتُ أرواحاً قوية، وضمائر نقية، ورجالاً يلتحفون العزم والحزم، فلا خوف عليهم ولا هم يحزنون.  
أمهاتنا قمة جبل شامخ يروننا صغاراً في نظرهنَّ، حتى وإن كانت أعمارنا كبيرة، وحتى لو أخطأتَ فمكانك بين النجوم، في رأيها كل الصواب وأنت كل الخطأ، يصبح زادها وذخيرتها الفكرية عندما تأخذها السنين، هي سجادة، ومصلى، ومسبحة تكاد لا تفارق يديها، وخمسة عقود من التطور في شخصي، إلا أني أجد قلمي يرتجف عندما أتذكر أمي، فبطلة القصة وطن يسكنه الحب، وكلما بدأت بالحديث عنها، أشعر أن حياة جديدة بدأت تدب في روحي، والحقيقة أن السعادة بنظري، هي أن تكون مع الفطرة تراها وتخاطبها، فتلك هي أمي لأنها تعيش لسعادة الآخرين.
( وبالوالدين إحساناً)، و(الجنة تحت أقدام الأمهات)، آيات وأحاديث عظيمة، ومعانٍ، أعظم وتضحيات أكثر عظمة، تلك التي أودعها الحنان المنان على أمي، لتكون بحق مدرسة للحياة، والأهم من ذلك كله أن عملها بلا شروط ولا أجر، فغيرهنَّ أغراهن المعاش لكنهنَّ يرفضنه، لتقول أمي لهنَّ: إن أجريَّ إلا على الله! فما أعظمكِ يا أمي!




  • المصدر : http://www.kitabat.info/subject.php?id=97150
  • تاريخ إضافة الموضوع : 2017 / 06 / 23
  • تاريخ الطباعة : 2024 / 04 / 19