• الموقع : كتابات في الميزان .
        • القسم الرئيسي : ثقافات .
              • القسم الفرعي : ثقافات .
                    • الموضوع : عرض ديوان الشاعر الشهيد محمد آل حيدر .
                          • الكاتب : حامد گعيد الجبوري .

عرض ديوان الشاعر الشهيد محمد آل حيدر

هذه صورتي على القرطاس
                     ذات صمت لفقدها إحساسي
أثرٌ في الحياة يبقى ويفنى
                    جسد عامر بعمة راسي
    بهذين البيتين أفتتح د . ( سعد الحداد ) تقديمه وجمعه لديوان الشاعر الشهيد محمد آل حيدر ، والبيتان كتبهما الشاعر الشهيد محمد آل حيدر عام 1985 م  ووضعهما أسفل صورته الشخصية ، وقد دفعني لتقديم عرض هذا الديوان أكثر من سبب أراه وجيها ، أولهما حق أوديه للراحل الشيخ محمد حيدر رحمه الله لعلاقة والدي رحمه الله بهذا الشيخ الجليل التي أورثها لي مع الشيخ ( محمد ) برغم فارق السن بيننا ، وثانيا أن الشيخ محمد آل حيدر وجّه وقاد جموع المنتفضين أبان انتفاضة آذار الخالدة التي قوضت نظام الدكتاتورية في العراق  وأنا من أشد المعجبين بتلك الوقفة الخالدة – الانتفاضة -  للشعب العراقي لأنها أتت هكذا على البداهة بلا أحزاب وتجمعات سياسية تدعيها  ، وثالثا الشد على يد الصديق الباحث والشاعر المجد والمجيد د . سعد الحداد لما قدمه ويقدمه للتراث الحلي والعراقي والعربي ، ولأغناه المكتبات بكل ما هو نافع وجديد ، لذا أسميته - د سعد الحداد - بالشلال الحلي المتدفق .
     صدر عن مؤسسة آفاق للدراسات والأبحاث العراقية ديوان الشهيد الشيخ محمد آل حيدر بجزأين ، كل جزء بحدود 600 ورقة من الحجم المتوسط ، طباعة أنيقة وبورق أبيض صقيل ، بذل د سعد الحداد جهدا مضنيا لانجاز هذا العمل الذي خلد فيه الشاعر الشهيد الشيخ محمد آل حيدر رحمه الله ، أستطاع الحداد أن يدخل لسيرة هذا الشاعر ويعطي للقارئ شيئا معلوماتيا عنه من خلال التقاريض والشهادات القلمية والمقطوعات الشعرية  من أصدقاء الشاعر ومجايليه ، كتب العلامة السيد عبد الستار الحسني  مقرضا الديوان قائلا
              هبت من الفيحاء أنسام الشذى
                         فواحة بأريج ذكر فتى الندي
              فتضوعت من نشرهن محافل
                          لسوى النوابغ في الورى لم تعقد
وكتب شاعر التاريخ الحلي السيد محمد علي النجار قائلا
                 مضى شهيدا خالدا ذكره
                                  لم تنسه ذاكرة الذاكر
وكتب المؤرخ الشيخ باقر شريف القرشي ما نصه ( وعلى أي حال فقد كان الشيخ محمد من أعلام المجاهدين كما كان من أعلام الثقافة والأدب في العراق ويحكي ديوانه الذي أعد للطبع ثرواته الأدبية ومراحة نفسه وعذوبة نظمه ) ، ومن خلال ما كتب عن الشاعر الشهيد محمد آل حيدر يتضح للقارئ الكريم أن الرجل يتمتع بروح الفكاهة والطرفة ، ويحمل من الخلق ما يجذب لمجلسه الكثير من الشباب ، لأن الرجل يرى في الدين الحنيف أبوابا يلج لها الكبير والصغير على حد سواء ، غير متزمت ويرى في الدين فسحة وانفتاحا على الديانات الأخرى التي جاء الإسلام الحنيف امتدادا لها ، والشاعر عرك الحياة وأستخلص تجاربه الواسعة من هذا المضمار ، وأنتهجها سيرة عطرة جلبت له حب الحليّن الذي وجد فيهم الشهيد الراحل عوضا عن أبناء مدينته الأم سوق الشيوخ ، لذا ذاب بمجالسها الأدبية وبخاصة الديوان الثقافي للحاج الأديب محمود حسان مرجان ، وكان للراحل الشهيد مجلس يومي في ديوان بيته يتعرف من خلاله مشاكل الناس الفقهية والاجتماعية ويبدي مشورته لطالبها فأن تعذر عليه الحل رفعها كما هي لمقلده من العلماء ، والشيخ محمد آل حيدر يحمل من الذكاء والفطنة والحدس وسرعة البديهة ما يحسده عليه الآخرون ، ومما لم يرويه أحد عنه وحتى جامع شعره الصديق د الحداد  هذه المعلومة التي احتفظت بسرها ، ورويتها لخلص معارفي وأصدقائي وهي ، عام 1986 م ألقي القبض على أخي الأوسط ( إبراهيم ) رحمه الله الذي وافته منيته وهو يؤدي طقوس حج الإسلام في الديار المقدسة وأقبر قرب مقبرة أبو طالب ( رض ) ، وحينما كان أخي بزنزانات البعث الصدامية التقى بقريب - مسجون أيضا - للشيخ محمد آل حيدر ، وبقي أخي رفيق زنزانة لهذا الرجل ، خرج أخي من سجنه قبل قريب الشيخ محمد رحمه الله ، إذن هناك واجب أخلاقي وشرعي ووطني ملقى على عاتق أخي وهو أخبار عائلته بوجوده حيا ، وكان أخي خائفا من إيصال الخبر للشيخ الشهيد لكثرة العيون المتلصصة حوله وبسبب ما لاقاه من تعذيب وتنكيل بتلك السجون ، وأسلم طريقة وجدها أخي هي أن يركب عجلته الهوائية ليلا ويضع على وجهه اللثام ويطرق باب الشيخ ليخبره عن قريبه المسجون ، وراعى أخي أن لا يضع لثامه أثناء خروج أولاد الشيخ كي لا يثير ريبتهم ، وفعلا خرج أحد أولاد الشيخ وقال له أخي الراحل هناك رسالة مهمة علي إيصالها الى الشيخ ( محمد ) ، وأمتثل الشيخ لطلبه وخرج أليه وهو يرتدي ملابس البيت المعتادة ، قال له أخي أن لكم قريب أسمه ( فلان ) كان معي بنفس الزنزانة – في الاستخبارات العسكرية منطقة الكاظمية -  وهو حي يرزق ويبلغكم سلامه ، أراد الشيخ أن يعرف هذا الملثم لكن أخي أطلق لدراجته العنان مودعا الشيخ ، بعد مضي أكثر من ثلاث سنين على هذه الحادثة كان لأخي هذا لقاءا مع الشيخ بمجلس عقد قران كنت وأبي رحمه الله وأخوتي مدعوون له ، بدأنا بالسلام على الشيخ الشهيد والدي وأنا وحين وصول الدور لأخي وقال له ( شلونك شيخنه ) مسكه الشيخ من يده وقبض عليها بقوة وقال له حياك الله صديق الليل ، لم يعرف الجميع ما يقصده شيخ محمد آل حيدر رحمه الله ، وحين خروجنا من ذلك القران قال لي الشيخ رحمه الله سيارتك معك ؟ ، أجبته نعم سيارتي معي ، ركب هو ووالدي وأخي السيارة متجهين صوب مسجد أبن النما لأنه كان يؤم مجموعة من المصلين فيه ، ونحن سائرون وجه الشيخ حديثه لوالدي قائلا له ، ( حجي ما شاء الله أبنك من يتلثم محد يعرفه ) ، ووجه حديثه التالي لأخي قائلا ، من حقك أن تخاف ، أجابه أخي رحمه الله , ( شيخ اللي شفناه أيشيب الرأس ) ، وسكتنا جميعا ولم نعلق بشئ .
   يمتاز ديوان الشهيد الراحل بغزارة الإنتاج مع سباكة وصور حسية جميلة ، صنفه د الحداد لأبواب عدة ، المدح والرثاء لآل البيت الأطهار ( ع ) ، والأخوانيات وباب الغزل والرثاء
ومن مدائحه للرسول الأعظم وعترته
             أنا بالرسول وبالرسالة أبدأ
                            شعرا به كالشمس لاح المبدأ
             وتشفعت نفسي بآل ( محمد )
                            ولظلهم أنا في الحوادث ألجأ
ولمولد السبط الحسين الشهيد يقول
            وقف الشعر يرتوي من كؤوس
                             غمرتها الألطاف لا الصهباء
ولشهادة أمير المؤمنين علي ( ع ) يقول
           وتكاد تسكب دمعة مسكوبة
                            فوق الرمال بطرفه البّكاء
           وإذا الشهيد البكر في محرابه
                            ملك مثالي بحضن سماء
وله مراثي كثيرة لآل البيت الأطهار ( ع ) وقد خص واقعة كربلاء ومأساتها بقصائد لا تحصى
        دم الحسين لسان الحق أنطقه
                         سيف وقد حركته أنصل وظبا
       وعبرة من حياة الخالدين على
                         سفر الزمان ترينا البدعة العجبا
ومن بديع أخوانياته ما بعثه من قصيد للسيد مصطفى جمال الدين قائلا
        أيه – جمال الدين – ألمح قلبه
                           ظمأى على شفة براها الداء
        حدّقت بالأفاق تفحص أحرفا
                           لك قد محتها ريشة سوداء
       وأراك ينهب ناخريك من الأذى
                         وترٌ شجي مات فيه غناء
وقال موجها خطابه لصديقه الحاج محمود حسان مرجان وهم على مشارف شهر رمضان قائلا
         صام كأسي وصام لله عودي
                            والى العيد ثم يخضر عودي
         وأنا ذلك الوفي المعنى
                            بعهودي لرفقتي ووعودي

وقال راثيا صديقه السيد عبد الرحيم العميدي
       فقدت جناحي بل فقدت فؤادي
                         فقدت أخا في راحتيه مقادي
       فقدت صبورا كالجبال وقاره
                         فقدت رويا والكؤوس صوادي  
   وقد جارى قصيدة القيرواني الحصري التي يقول مطلعها
            يا ليل الصب متى غده
                             أقيام الساعة موعده
فجاراه الشيخ محمد آل حيدر قائلا
            مضناك وثغرك مورده
                           أضماه جفاك وسهده
           وهواك هوى بحشاشته
                       وأبيّض بحبك أسوده
     تعبت رجلاه وما برحت
                       عيناك بأفق تجهده
    معناك بكل فم قبل
                      ماذا يستوعب منجده
وله أيضا
        وسل الكؤوس عن الشفاه روية
                            عن همسها في الورد والإصدار
       وسل الذين تحملوا ألم النوى
                            عما روته شرارة من نار
وقوله أيضا
      قلبي أُعيذك بالنسيم الساري
                        ومصارع العشاق والسمار
     وأعيذ أحلامي إذا رف الهوى
                         والسحر أن تذكو بغير شرار
وله قول في شابة جميلة
      سلبت قلبي ....
                  إنها جدا جميله
      ليتنا كنت عليها
                  طائرا فهي خميله
      نغمة من شفتيها
                  وابتسامات قليله
وكان الراحل رحمه الله يرتجل أحيانا مقاطع وأبياتا شعرية ومما ارتجله وهو في قلعة آل الشلاه قصيدة منها
      سلام على العنب الأصفر
                        ترفّع في عرشه الأخضر
      سلام عليه قبيل الشروق
                       وعند الظهيرة ولأعصر
    سلام عليه بمل الشفاه 
                        ومل اليراعة والأسطر
وأنشا الشاعر الراحل الشهيد محمد آل حيدر علاقات حميمة مع شرائح المجتمع الحلي ، الكسبة والمثقفين والشعراء الشعبيين وله مساجلة جميلة ومداعبة مع الشاعر الشعبي المرحوم هادي جباره الحلي قائلا
    نظرتها وحبيبي ما به رمق
                        فالعين ريانة والقلب محترق
   فقيهة كيف تنسى نص واقفها
                       أحق بالوقف منا من له سبقوا
فأجابه الشاعر هادي جبارة الحلي بهذه المقطوعة الشعبية
   ياحبيبي خنت بيه   
                      ليش ما عندك أصول
         مو جنت أنت بشبابي
                     دومك أتصول وتجول
    يمتاز ديوان الشاعر الشهيد محمد آل حيدر بقصائد رثائية لزوجه الراحل التي شاركته سفر حياته من سوق الشيوخ الى النجف الأشرف وكربلاء المقدسة واستيطانه الحلة الفيحاء ، وهي قصائد أنمازت بالحنين والشوق والشكوى لراحلته من تصاريف الدهر وبطش أيامه السوداء بعد رحيلها المبكر ،
                   عام يمر وكله رجب
                            سمارنا الأحداث والنوب
                   البيت ضاق بنا على سعة
                             إذ أنت أنت الماء والعشب
ويستمر رثائه لها مجددا لها العهد بالرثاء كل سنة تمر عليه ولأثني عشر سنة ولحين لحاقه بها شهيدا من زمرة البعث وأزلامه ،
                   أنا ما مللت ولا يزال هواك
                                  وعلى فمي كعقيدتي ذكراك
                   والحب مثل شرارة بعروقنا
                                   وأظنه كدمائنا بدماك
ويقول متذكرا وراثيا لها
              أذكرينا بقبلة وابتسام
                           قد ذكرناك بالدموع الهوامي
           أنت ريانة الفؤاد وإنا
                           حول نهر الحياة نسعى ظوامي
     بقي أن نقول أن هذا الشاعر الثائر ولد بمدينة سوق الشيوخ عام 1927 م وترعرع بكنف والده وانتقل الى النجف الأشرف لينهل من علوم الشريعة ما قدر له ذلك ، وبتكليف شرعي ولترسيخ الوعي الديني  أنتقل الى جلولاء وبغداد ومحطته الأخيرة والأثيرة لديه هي الحلة الفيحاء ، وأثناء انتفاضة آذار الخالدة عام 1991 م وجد أن من واجبه السياسي والشرعي والأخلاقي أن يوحد صفوف المنتفضين ، وكانت له مواقف قيادية يعرفها أهل الحلة الفيحاء ، ولم يستطع الإفلات من عين الرصد البعثي وما أن سقطت الحلة ثانية بيد البعث الحاقد اقتيد الشاعر الشهيد محمد آل حيدر لمقصلة الطغاة ولم تفلح الجهود للوصول لرفاته الطاهرة ، ومنهم من قال وجدت جثته وسلمت الى أهله وأعني بهم أهالي الحلة الفيحاء الذين كان لهم أبا رحيما ، وكانوا له أبناءً بررة . 
 




  • المصدر : http://www.kitabat.info/subject.php?id=9632
  • تاريخ إضافة الموضوع : 2011 / 09 / 17
  • تاريخ الطباعة : 2024 / 04 / 18