• الموقع : كتابات في الميزان .
        • القسم الرئيسي : المقالات .
              • القسم الفرعي : المقالات .
                    • الموضوع : دعوة للكلام مع النفس .
                          • الكاتب : احمد عبد الجليل ظاهر .

دعوة للكلام مع النفس

 خلق الله الانسان وجعله  من حيث طبيعته منقسم الى سر و علن  او  روح و بدن و لكل منهما منافيات و ملائمات، وآلام و لذات، و مهلكات و منجبات.    

منافيات البدن و آلامه هي الامراض والعلل التي تصيبه. و ملائماته هي الصحة و اللذات الجسمانية. و المتكفل لبيان تفاصيل هذه الامراض و معالجاتها هو علم الطب. ومنافيات الروح و آلامه هي رذائل الاخلاق التي تهلكه و تشقيه والتي تسبب كدورته وضيقه ولعلك تجد هذا في حال المعصية ، و صحته رجوعه الى فضائلها التي تسعده و تنجيه و توصله الى مجاورة اهل الله و مقربيه. و المتكفل لبيان هذه الرذائل و معالجاتها هو (علم الاخلاق) والذي نود ان نبينه في حلقاتنا باذنه سبحانه. 
ثم ان البدن مادي فان، و الروح مجرد باق، فان اتصف –الانسان- بشرائف الصفات كان في البهجة و السعادة ابدا، وان اتصف برذائلها كان في العذاب و الشقاوة مخلدا، و لا بد لنا من الاشارة الى تجرده و بقائه بعد خراب البدن ترغيبا للطالبين على السعي في تزكيته وهنا سناتي على ذكر بعض الادلة العقلية والمنطقية لغرض بيان ان هذه النفس –الروح- هي اصل الانسان وانها تبقى بما يبقيها الانسان من الناحية الاخلاقية
لا ريب في تجرد النفس و بقائها بعد مفارقتها عن البدن. اما الاول (و المراد به عدم كونها جسما و جسمانية) فيدل عليه وجوه: 
(منها) ان كل جسم لا يقبل صورا و اشكالا كثيرة لزوال كل صورة او شكل فيه بطريان مثله، و النفس تقبل الصور المتعددة المختلفة من المحسوسات و المعقولات من دون ان تزول الاولى بورود الاخرى، بل كلما قبلت صورة ازدادت قوتها على قبول الاخرى، و لذلك تزيد القوة على ادراك الاشياء بالرياضيات الفكرية و كثرة النظر، فثبت عدم كونها جسما. 
و (منها) ان حصول الابعاد الثلاثة للجسم لا يتصور الا بان يصير طويلا عريضا عميقا و حصول الالوان و الطعوم و الروائح له لا يتصور الا بان يصير ذا لون و طعم و رائحة و هي تحصل للنفس و قوتها الوهمية بالادراك من غير ان تصير كذلك، و ايضا حصول بعضها للجسم يمنع من حصول مقابله له، و لا يمنع ذلك في النفس بل تقبلها كلها في آن واحد على السواء. 
و (منها) ان النفس تلتذ بما لا يلائم الجسم من الامور الالهية و المعارف الحقيقية، و لا تميل الى اللذات الجسمية و الخيالية و الوهمية، بل تحن ابدا الى الابتهاجات العقلبة الصرفة التي ليس في الجسم و قواه فيها نصيب، و هذا اوضح دليل على انها غيرهما، اذ لا ريب في ان ما يحصل لبعض النفوس الصافية عن شواتب الطبيعة من البهجة و السرور بادراك العلوم الحقة الكلية و الذوات المجردة النورية القدسية، و بالمناجاة و العبادة و المواظبة على الاذكار في الخلوات مع صفاء النيات لا مدخلية للجسم فيها و قواه الخيالية و الوهمية و غيرهما، اذ النفس قد تغفل في تلك الحالة عنها بالكلية، و ربما استغرقت‏بحيث لا تشعر بالبدن و لا تدري ان لها بدنا فكانها منخلعة عنه، فهذا يدل على انها من عالم آخر غير عالم الجسم و قواه، اذ التذاذهما منحصر بالملائمات الجزئية التي تدركها الحواس الظاهرة و الباطنة.وتوضيح ذلك او المقصود منه ان النفس غالبا تهنئ بما لايرتاح له الجسد من ذلك ما تسكن له النفس من الملائمات الروحانية والاشراقات العرفانية وان كان من مستلزماتها الحهد البدني مثل الصيام او الحج او الصلاة وهذا اوضح الادلة التي تبين ان النفس غير البدن وان لكل منها ملائماتها
و (منها) ان النفس تدرك الصور الكلية المجردة فتكون محلا لها، و لا ريب في ان المادي لا يكون محلا للمجرد اذ كل مادي ذو وضع قابل للانقسام، و كون المحل ذا وضع قابل للانقسام يستلزم ان يكون حاله ايضا كذلك كما ثبت في محله، و المجرد لا يمكن ان يكون كذلك و الا خرج عن حقيقته، فالنفس لا تكون مادية و اذا لم تكن مادية كانت مجردة لعدم الواسطة. 
و (منها) ان القوى الجسمية الباطنية لا تكتسب العلوم الا من طريق الحواس الظاهرة اذ ما لم يدرك الشي‏ء بها لم تتمكن الحواس الباطنة ان تدركه و هذا وجداني و ضروري. و النفس قد تدرك ما لا طريق لشي‏ء من الحواس الى ادراكه كالامور المجردة و المعاني البسيطة الكلية، و اسباب الاتفاقات و الاختلافات التي بين المحسوسات، و الضرورة العقلية قاضية بانه لا مدخلية لشي‏ء من الحواس في ادراك شي‏ء من ذلك. 
و ايضا نحكم بانه لا واسطة بين النقيضين، و هذا الحكم غير ماخوذ من مبادي‏ء حسية اذ لو كان ماخوذا منها لم يكن قياسا اوليا، فمثله ماخوذ من المبادي‏ء الشريفة العالية التي تبني عليها القياسات الصحيحة. 
 ------------اذا عرفت  الان تجرد النفس و بقاءها ابدا، فاعلم انها اما ملتذة متنعمة دائما او معذبة متالمة كذلك. و التذاذها يتوقف على كمالها الذي يخصها، و لما كانت لها قوتان: النظرية و العملية، فكمال القوة النظرية الاحاطة بحقائق الموجودات بمراتبها و الاطلاع على الجزئيات غير المتناهية بادراك كلياتها. و الترقي منه الى معرفة المطلوب الحقيقي و غاية الكل حتى يصل الى مقام التوحيد و يتخلص عن وساوس الشيطان و يطمئن قلبه بنور العرفان. و هذا الكمال هو الحكمة النظرية. 
و كمال القوة العملية التخلى عن الصفات الردية و التحلي بالاخلاق المرضية ثم الترقي منه الى تطهير السر و تخليته عما سوى الله سبحانه. و هذا هو الحكمة العملية التي يشتمل هذا الكتاب على بيانها. 
و كمال القوة النظرية بمنزلة الصورة و كمال القوة العملية بمنزلة المادة، فلا يتم احدهما بدون الآخر، و من حصل له الكمالان صار بانفراده عالما صغيرا مشابها للعالم الكبير، و هو الانسان التام الكامل الذي تلالا قلبه بانوار الشهود و به تتم دائرة الوجود.  
الخلاصة: ان النفس الانسنانية بما تتيح لها طبيعتها من الديمومة والاستمرارية في الحياة حيث انها باقية دائما واما تكون في هناء او شقاء وبالتالي ولانها غير البدن فلا يتصورن احد انه لما رأى جسده صحيحا قويا لايحتاج الى الطب الجسمي فلا يتصور انه صحيح الروح والمشكلة الحقيقية انه لايستطيع ان يعرف ذلك الا بعد ان يذوق لذة الراحة القدسية  ويرى الانوار الالهية ويتشرف بعطر الحضرة النورانية ولذا لابد من طلب هذه الراحة وخصوصا انها الباقية والجسد فان ثم هنا لابد ان اشير الى اننا لانريد ان نشير الى  وجوب اتباع طريق الله –مع اشرفية هذا الموضوع- ولكن ما نريد الاشارة اليه هو ضرورة اتخاذ الخلق النبيل شعارا ونريد التاكيد على ضرورة الدعوة الى التخلق بالصفات التي تنجي ارواحنا من كدوراتها التي كسبتها من هذا الواقع الذي يجبرك في كثير من الاحيان الى التخلي عن مبادئك التي من الممكن نفسها هي التي اوصلتك الى منصبك.
هنا دعوة للانسان , هنا دعوة للخلق , هنا نريد ان يكون المخلوق انسانا , نريد ان نذكره باصله الروحاني وانه يحتاج الى احياء هذه الروح في بدنه وليرجع الحاكم حاكما والمحكوم محكوما, وان نحكم العقل في تصرفاتنا حتى نصل الى مقام الانسانية التي استطاعت ان تتشرف بالخطاب الالهي 
واخيرا هي دعوة للسياسيين واصحاب القرار الذين قدر لهم ان ينظروا بحوائج الخلق ان يرجعو الى الاخلاق الفاضلة التي تجعل من ضميرهم الرقيب الذي لاينام ان حكموه واستمعوا له قبل ان تنطق جميع هذه الفضائل (ربنا اخرجنا من هذه القرية الظلم اهلها) وبالتالي فان جميع التوفيقات التي حصلت عليها بسبب خلقك الرفيع السابق-والذي فارقك- سوف تزول لان سببها قد زال.
ويبقى للعاقل ان يختار 



  • المصدر : http://www.kitabat.info/subject.php?id=9607
  • تاريخ إضافة الموضوع : 2011 / 09 / 17
  • تاريخ الطباعة : 2024 / 04 / 16