• الموقع : كتابات في الميزان .
        • القسم الرئيسي : المقالات .
              • القسم الفرعي : شبهات وردود .
                    • الموضوع : هل سيزيل أمير المؤمنين (ع) الذهب من فوق قبة مرقده؟ .
                          • الكاتب : شعيب العاملي .

هل سيزيل أمير المؤمنين (ع) الذهب من فوق قبة مرقده؟

 سؤال1: هل الكلام التالي صحيح ؟

(لو كان علي موجوداً بيننا أنزل الذهب من على القبة التي فوق مرقده ليطعم المحتاجين في النجف)

الجواب:
بسم الله الرحمن الرحيم
يتضح الجواب بعد عرض جهات ثلاث:
الجهة الأولى: المعصوم أعلم بتكليفه، فعلينا بتكليفنا نحن.
الجهة الثانية: حكم تذهيب القباب.
الجهة الثالثة: هل هناك تزاحم بين تذهيب القباب وإطعام الفقراء ؟

الجهة الأولى: المعصوم أعلم بتكليفه، فعلينا بتكليفنا نحن.
جرت عادة الشيعة الكرام أعزهم الله على احترام مقام الإمامة احتراماً تاماً، حيث أن (الْمُتَقَدِّمُ لَهُمْ مَارِقٌ وَ الْمُتَأَخِّرُ عَنْهُمْ زَاهِقٌ وَ اللَّازِمُ لَهُمْ لَاحِق‏)(مصباح المتهجد ج2 ص828)
وجرت عادتهم على أن لا يحددوا تكليف المعصوم فيما لم يرد فيه نص، أو لم يكن قطعياً لا لُبس فيه، تجنباً من محذور معارضة قول الرسول (ص) في أوصيائه: وَ لَا تُعَلِّمُوهُمْ فَإِنَّهُمْ أَعْلَم‏ منكم(الكافي ج1 ص209)
ولما لم يكن الأمر مما ورد فيه نص صريح، ولا مما يُقطع ويُجزم فيه بفعل الإمام عليه السلام، كان فيه نسبة فعلٍ إلى أمير المؤمنين عليه السلام لا يُعلم أنه سيفعله، وهو مما ينبغي تجنبه بشدة درءاً لغائلة الكذب على الأطهار عليهم السلام.

نعم لعل القائل يريد القول: لما كان الإمام عليه السلام سيزيل الذهب عن قبة مرقده حال حضوره، فعلينا أن نزيل الذهب عن قباب الأئمة عليهم السلام اليوم لإطعام الفقراء !!
وهذا الكلام غريب جداً ومما لا يساعد عليه الدليل، سواء أراد به قائله (وجوب إزالة الذهب) أو (استحبابه)، فبعد الانتهاء من تكليف الإمام وإيكاله له عليه السلام عند حضوره، ننقل الكلام إلى تكليفنا في زمن الغيبة (وهو المهم بالنسبة لنا) لنعرض الأدلة الشرعية على ذلك وعليها المعول في معرفة ما أمرنا الله تعالى به.

الجهة الثانية: حكم تذهيب القباب.
لما كان الأئمة عليهم السلام هم باب الله الذي منه يؤتى.
ولما كان تعظيم أبواب الله أمراً مستحباً في نفسه بل واجباً في الجملة.
كان تعظيم الأئمة وأمرهم أحياءً وأمواتاً بأي نوع من أنواع التعظيم مستحباً بلا شك وشبهة.

ولما كان طلي القباب بالذهب أو الفضة أو سائر الجواهر من أنواع التعظيم والاحترام والتقديس في نظر العرف في كافة الأمم، بل في نظر كافة الأمم، لم يكن هناك شبهة في انطباق كبرى (استحباب تعظيمهم عليهم السلام) على إكساء القباب بالذهب كما هو حال المراقد المطهرة للمعصومين عليهم السلام.

والتكريم بالذهب أمر ثابت في القرآن الكريم، كما في قوله تعالى عن أهل الجنة: يُحَلَّوْنَ فيها مِنْ أَساوِرَ مِنْ ذَهَبٍ (الكهف 31)
وأضيف إلى الذهب اللؤلؤ في سورة أخرى: يُحَلَّوْنَ فيها مِنْ أَساوِرَ مِنْ ذَهَبٍ وَ لُؤْلُؤاً (الحج23)
بل ورد عنهم أنهم: يُطافُ عَلَيْهِمْ بِصِحافٍ مِنْ ذَهَبٍ وَأَكْواب‏ (الزخرف71)

بل إن الملائكة تنزل بأقلام الذهب، ففي الحديث الصحيح عن أبي عبد الله عليه السلام: إِذَا كَانَ لَيْلَةُ الْجُمُعَةِ نَزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَلَائِكَةٌ بِعَدَدِ الذَّرِّ فِي أَيْدِيهِمْ أَقْلَامُ الذَّهَبِ وَ قَرَاطِيسُ الْفِضَّة لَا تَكْتُبُونَ إِلَى لَيْلَةِ السَّبْتِ إِلَّا الصَّلَاةَ عَلَى مُحَمَّدٍ وَ آلِ مُحَمَّدٍ ص‏(الكافي ج3 ص416)

وفي الخبر الصحيح عن أبي عبد الله عليه السلام:كَانَ عَلِيُّ بْنُ الْحُسَيْنِ ع يُحَلِّي وُلْدَهُ وَ نِسَاءَهُ بِالذَّهَبِ وَ الْفِضَّةِ (الكافي ج6 ص475)
وعن أبي عبد الله عليه السلام: لَيْسَ بِتَحْلِيَةِ الْمَصَاحِفِ وَالسُّيُوفِ بِالذَّهَبِ وَ الْفِضَّةِ بَأْسٌ (المصدر)

وفي الخبر المعتبر عن رسول الله ص في المتقين يوم الحساب: وَإِنَّ الْمَلَائِكَةَ لَتَسْتَقْبِلُهُمْ بِنُوقٍ مِنْ نُوقِ الْعِزِّ عَلَيْهَا رَحَائِلُ الذَّهَبِ مُكَلَّلَةً بِالدُّرِّ وَ الْيَاقُوت‏ 
ويسكنون في غرف: سُقُوفُهَا الذَّهَبُ مَحْبُوكَةٌ بِالْفِضَّةِ لِكُلِّ غُرْفَةٍ مِنْهَا أَلْفُ بَابٍ مِنْ ذَهَبٍ (الكافي ج8 ص96)
وغير ذلك من عشرات الروايات التي تثبت ما تعارف عليه الناس من كون التذهيب هو نوع إكرام وإجلال.

فليس هناك شك في كون تذهيب قباب المعصومين عليهم السلام في زمن الغيبة أمراً راجحاً في نفسه رجحاناً عظيماً، كيف لا وقد اعتاد الناس على التوجه للأمور المادية قبل الروحية، وكانت العين طريقاً للقلب، فكم ينشرح صدر المؤمن عندما يرى قباب الأئمة عليهم السلام يعلوها الذهب المصفى، وكم يصيب الغيظ أعداءهم عليهم السلام حتى سعوا في خرابها، ويأبى الله إلا أن يتم نوره.

الجهة الثالثة: هل هناك تزاحم بين تذهيب القباب وإطعام الفقراء ؟
فلا يبقى للقائل بعدما تقدم إلا التمسك (بالتزاحم) بين الأمرين، وبلزوم (تقديم) إطعام الفقراء، ليخلص إلى لزوم إزالة الذهب عن القبة لإطعام الفقراء في النجف !

ولا بد ههنا من بيان معنى التزاحم ليتضح حال هذا الكلام.
قال أستاذ الفقهاء السيد الخوئي رحمه الله كما سائر الاصوليين في تعريف التزاحم: (( التزاحم تنافي الحكمين بحسب مقام الفعلية والامتثال مع عدم المنافاة بينهما بحسب مقام الجعل والانشاء.
وأمّا إذا لم يكن بين حكمين تنافٍ لا بحسب مقام الجعل، ولا بحسب مقام الفعلية والامتثال، لم يكونا داخلين لا في باب التعارض ولا في باب التزاحم‏)) (انتهى كلامه رحمه الله كما في محاضرات في أصول الفقه ج2 ص355)

توضيح ذلك:
أن التزاحم يعني عدم كون الحكمين متنافيين بأنفسهما، إنما يقع المكلف في مشكلة عند إرادة امتثال الحكمين معاً.
مثاله في الحالتين: أن يدعوه الحكم الأول إلى عدم الدخول في الأرض المغصوبة، ويدعوه الحكم الثاني إلى إنقاذ مؤمن يغرق، وهذين الحكمين لا تعارض بينهما ولا تزاحم فمن الواضح أن بإمكانه أن لا يدخل الأرض المغصوبة، وبإمكانه أن ينقذ المؤمن.
لكن قد يقع التزاحم (في بعض الأحيان) حينما لا يتمكن من الجمع بينهما، كأن تنحصر طريقه لإنقاذ المؤمن بالدخول إلى الارض المغصوبة ولا طريق له غيرها، فالحكمان غير متعارضين، إنما لا يمكن امتثالهما معاً، فيقع التزاحم.
وفي باب التزاحم يقدم الأهم على غيره بلا شك، فيجوز له عبور الأرض المغصوبة لإنقاذ المؤمن لأهمية ذلك.

ولو أردنا أن ننظر في مسألة الذهب وإطعام الفقراء، فالتعارض غير حاصل إذ لا ينافي وضع الذهب على القباب إطعام الفقراء في نفس التشريع بلا شك.
ولا يزاحمه أيضاً في مقام الامتثال.. إذ لا يتوقف إطعام الفقراء في النجف الأشرف على إزالة الذهب عن قباب الأمير عليه السلام.. فيمكن إطعام الفقراء من جهات شتى منها:
أ. أن يقوم المؤمنون بالتصدق على الفقراء من أموالهم الخاصة.
ب. أن تقوم العتبات المقدسة بإعداد وجبات طعام للفقراء والمساكين والمحتاجين.
ج. أن تقوم مؤسسات الرعاية الاجتماعية بإطعام هؤلاء الفقراء.
فما بالك لو اجتمعت هذه الامور وغيرها كما هو حال النجف اليوم ؟!
فهل سمع أحد أن فقيراً مات جوعاً ؟ أو أن صائماً في شهر رمضان من الفقراء لم يجد ما يفطر عليه ؟!
إن الطعام المبذول في العراق للفقراء يزيد عنه في أي بلد آخر، وقد شاهدنا وشاهدت البشرية البذل العجيب للطعام في أيام إحياء الشعائر المقدسة، وهي نموذج عن حال تلك البلاد.

ولو كان مراد القائل أن حال الفقراء قد وصل إلى حد يكاد أحدهم أن يموت جوعاً، فصار إطعامه واجباً لحفظ النفس المحترمة، ويقدم على كل الجهات الاخرى.

قلنا: الأمر ليس كذلك.
ولكن لو تنزلنا وقلنا بوجود مثل هذه الحالات، فهذا لا يسوغ إزالة الذهب عن القباب، إذ لا ينحصر إطعامهم بذلك، فلو كان المراد هو القول أن الناس في النجف وغيرها لا تطعم فقراء النجف حصراً (وهو قول عجيب) 
وأن لا طريق آخر إلا من طريق العتبات المقدسة، فإن للعتبات المقدسة الكثير من الأملاك المنتشرة والمباني والمشاريع والأراضي التي يسوغ لهم التصرف فيها لإطعام الفقراء، فما الوجه في تخصيص القباب بالحديث ؟
ولماذا لم يقل القائل (ينبغي بيع أي شيء من أملاك العتبات مثلاً لإطعام الفقراء ؟)
ولماذا اختار ما كان واحداً من أبرز وجوه التقديس والاحترام والتبجيل للامير عليه السلام ؟ فطلب إزالته ؟ وهو القباب المذهبة ؟

خلاصة القول
تبين بما تقدم أن تذهيب القباب أمر مستحب وراجح في نفسه وأنه تعظيم للأئمة عليهم السلام.
وأن لا تزاحم بينه وبين إطعام الفقراء بوجه.
فالقول مورد السؤال لا يستند إلى دليل شرعي، ولا يختلف عن كثير من الكلمات التي تتضمن نسبة حكم غير ثابت للمعصوم، ومحاولة لإلزام الشيعة بالخروج عن ربقة الدليل الشرعي، بعدما ألزموا أنفسهم بمتابعة محمد وآل محمد، والرجوع للفقهاء في زمن الغيبة امتثالاً للأمر الإلهي.

ثبّتنا اللّه وإيّاكم على الصلاح والسداد، في القول والاعتقاد، بمحمد وآله الأمجاد.

والحمد لله رب العالمين

كربلاء المقدسة
السادس من شهر رمضان المبارك 1438هـ

شعيب العاملي




  • المصدر : http://www.kitabat.info/subject.php?id=95199
  • تاريخ إضافة الموضوع : 2017 / 06 / 01
  • تاريخ الطباعة : 2024 / 03 / 28