• الموقع : كتابات في الميزان .
        • القسم الرئيسي : ثقافات .
              • القسم الفرعي : ثقافات .
                    • الموضوع : حزن طفولي يرتدي زي انت عمري! .
                          • الكاتب : عزيز الحافظ .

حزن طفولي يرتدي زي انت عمري!

 لم يكن لشراع سفينة سنه اليافع، أن تبحر في لجّة خضم يم الاحزان أو تجول في ذرات العشق و نيوترونات الصبابة فلم يبلغ فيزياوية الغرام بعد ولكن الاحزان نفسها كانت تقضم فرحته الطفولية وبراءته وتقيّد انطلاقته لان ابيه مسجون في سجن منطقة اسمها باب الشرقي وهو احد ابواب بغداد المنقرض التاريخ والمتعلق بذكريات البقاء السرمدي في ذاكرة البغداديين. لاول مرة مع ابن عمه يزور المنطقة متلهفا لعناق ابيه سجين القضبان ،متجولا بالتمعن في خيال شريط لقائه ،هل يستطيع عناقه أم تمنعه معدنيةالقضبان؟ هل يستطيع تقبيل وجناته أم يبعده السّجان؟ هل يرتوي من حنان إحتضانه؟ بل هل سيعرفه اباه؟ وجد نفسه وسط خليط الحيرة والفوضى والزحام، الوقت ظهرا والقيظ ساطع براّق الضياء وعربات خشبية ذات 3 عجلات منتشرة كنسيج السجادات الايرانية الكوكتيلي التشكيلي تسمح للمارة والمتبضعين والرواد بالتوقف والسير دون زحمة فقد خلق وجودها أخاديدا و ممراتا و تلافيفا افعوانية غريبة النهايات .كانت جميع العربات مفروشة بالنايلون الابيض السميك المصقول وتوسم بمظلات مرتفعة باعمدة خشبية تهندست بطراز متساوٍ لحجب أشعة الشمس الغازية المواقع في آب ..فيها الباعة يعرضون التمر العراقي بكل صنوفه في اوعية بسيطة مع اللبن الرائب السائل المخلوط بالثلج المحلي المصنوع قبل ظهور التلوث البيئي! فلم يفكر الناظر بخطورةٍ جرثومية او تلوثية مع حرص الباعة على تنظيف السطوح البراقّة لعرباتهم كل لحظة فتوقف مع ابن عمه وارتشف رحيق لبن كانما لاول مرة يستذوقه، يقطّعون الرشف باكل تميرات ذات مذاق شهي لايوصف.

لكن الطفل المنتظر لقاء والده السجين على بعد خطوات لم يبهره ذاك الفسيفساء الذي هوفي أسير وسطه المكاني مبهورا بلاجودة التمور المعروضة وزحمة الناس بل ابهره ارتفاع الموجات الغنائية من كل العربات سوية بصوت من مذياع في كل العربات، يصدح باغنية ام كلثوم انت عمري! كان يلتفت للجهات الاربعة ليجد صوتها ينساب بين ضلوع متلوعة تهز رؤوسها بتلقائيات استجابية للنغم واللحن الشجي، كان الصوت ستريو لان المذياع والزمن متعانقان مع ام كلثوم في تلك الظهيرة القائضة.كانت الاغنية تأسر المشهد كله وتسجن الرواد والارض والسماء والاقداح والرطب الجني!! لوحة حزن علّقها مجانيا كل الباعة كإنما اتفقوا على بيع الحزن الغامر مع زجاجية الاقداح لتثير مياه لادميعات الاحداق!تمنى ان يسمعها ابوه كي يعي كيف ترسم اصابع الاحزان لوحاتها المجانية في احداقه فلاول مرة يعي الطفل ان هناك عربات تبيع الحزن المُلّحن كلثوميا مع التمر والاقداح اللبنية!
كان المشهد كله كلثومي مع ان كل دور السينما التي تشرف على بقعة العربات الحزائنية، تعرض شتى اللافتات المثيرةواللحوم البيضاء المجانية والمايوهات ولكنها كلها لم تاسر غرائزية الطفل الذي دخل الموقف السجن تلاحقه النغمات الشجية (قد إيه من عمري قبلك راح وعدى ياحبيبي)!، ليجد اباه بالانتظار فيحتضنه معانقا لينفجر الابن بالبكاء الحاد فقد كانت كتلة الحزن التي ولدها المشهد الكلثومي بحاجة الى شرارة عود ثقاب ابوي للاشتعال والإتقاد ليطلق العنان لدموعه المركبة من حزن رسمته عربات لتمر ولبن وموسيقى تصويرية جنونية الحزن المتقدّ وذراعين حنونتين هشمت كل براءة صبيانية مكبوتة في احشائه الندية التي شواها ليس قيظ آب اللهاب بل!حزن كلثومي!
عزيز الحافظ



  • المصدر : http://www.kitabat.info/subject.php?id=9388
  • تاريخ إضافة الموضوع : 2011 / 09 / 08
  • تاريخ الطباعة : 2024 / 03 / 29