• الموقع : كتابات في الميزان .
        • القسم الرئيسي : المقالات .
              • القسم الفرعي : المقالات .
                    • الموضوع : ما بعد الصيام .
                          • الكاتب : نزار حيدر .

ما بعد الصيام

بعبارة بسيطة ومختصرة، يمكن تعريف التقوى بانها (السعي الدؤوب لتحسين الاداء) ولذلك فعندما يقول الله تعالى في محكم كتابه الكريم {يا ايها الذين آمنوا كتب عليكم الصيام كما كتب على الذين من قبلكم لعلكم تتقون} انما عنى عز وجل (تحسين الاداء) على اعتبار ان الغرض من الشعائر التي شرعها الله تعالى لعباده هو تحقيق الهدف الاسمى في الحياة، الا وهو (العمل الصالح) والذي لا يتحقق الا بحسن الاداء، ولذلك جاءت في القران الكريم العديد من الايات التي تشير الى هذا المعنى، كما في قوله تعالى {واقم الصلاة ان الصلاة تنهى عن الفحشاء والمنكر} او في قوله تعالى {واستعينوا بالصبر والصلاة} وكأن الصبر، والذي يعني هنا الصيام، والصلاة ادوات يستعين بها المرء على تحقيق الهدف الاسمى، وهو ، كما قلت آنفا، العمل الصالح الذي لا يتحقق الا بالتحسين المستمر للاداء.
   وفي تفسيره للاية المباركة {وتعاونوا على البر والتقوى ولا تعاونوا على الإثم والعدوان} يقول العلامة الطباطبائي في سفره العظيم (الميزان في تفسير القرآن) ما نصه:
  والتقوى مراقبة أمر الله ونهيه، فيعود معنى التعاون على البر والتقوى إلى الاجتماع على الإيمان والعمل الصالح على أساس تقوى الله، وهو الصلاح و التقوى الاجتماعيان، ويقابله التعاون على الإثم الذي هو العمل السيىء المستتبع للتأخر في أمور الحياة السعيدة، وعلى العدوان وهو التعدي على حقوق الناس الحقة بسلب الأمن من نفوسهم أو أعراضهم أو أموالهم. 
   تاسيسا على هذا المفهوم، يمكن الاشارة الى حقيقتين مهمتين؛
   الاولى: ان لكل موقع وموقف وخطوة مقومات خاصة لتحقيق حسن الاداء، فانت في العمل تحتاج الى مقومات معينة، تختلف عن مقومات حسن الاداء وانت في المنزل بين العائلة، او انت طالب للعلم او مدرس له، كما انك في السلطة بحاجة الى مقومات تختلف عن تلك التي تحتاجها وانت في المعارضة، وهكذا، وبمعنى آخر فان اسس التقوى وادواتها ووسائلها تختلف من موقع لآخر ومن مكان لاخر.
   الثانية: بقراءة متانية لفلسفة الشعائر وعلاقتها بمفهوم تحسين الاداء (التقوى) سنكتشف بانها تنقسم الى ثلاثة اقسام؛
   القسم الاول: هي التي تساعد على تحقيق حسن الاداء على الصعيد الفردي، كالصوم والصلاة.
   القسم الثاني: هي التي تساعد على تحقيق حسن الاداء على صعيد المجتمع، كالحج والزكاة والخمس.
   اما القسم الثالث: فهي التي تساعد على تحقيق حسن الاداء على صعيد الدولة، كالامر بالمعروف والنهي عن المنكر والتولي والتبري، والتي تعني في المفهوم الحديث المشاركة في الشان العام والرقابة والمحاسبة وغير ذلك.
   وفي شهر الله الفضيل، رمضان المبارك، يسعى المرء الى ان يكتسب كل ما من شانه ان يساعده على تحسين اداءه على الصعيد الفردي اولا، فالصوم يلعب الدور الاكبر في تحقيق ذلك، وليس غرابة في الامر ابدا، فعندما نقرا قول الله تعالى {ان الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بانفسهم} ندرك جيدا اهمية تغيير الذات اولا قبل تغيير اي شئ آخر، ولهذا السبب فان الله تعالى شرع اطول شعيرتين في الاسلام لهذا الغرض، واقصد بهما الصوم والصلاة، فقال رسول الله (ص) {الصلاة عمود الدين، ان قبلت قبل ما سواها، وان رفضت رفض ما سواها} وقوله {ليكن اكثر همك الصلاة فانها راس الاسلام بعد الاقرار بالدين} اما امير المؤمنين عليه السلام فقد ذكر في وصيته لاهل بيته وللمسلمين عامة، الصلاة بقوله {الله الله في الصلاة فانها عمود دينكم} وقد سئل الامام جعفر بن محمد الصادق عليه السلام عن افضل الاعمال بعد المعرفة؟ فقال {ما من شئ بعد المعرفة يعدل هذه الصلاة} وكل ذلك لما لها من دور محوري ومفصلي في صقل شخصية الانسان، من اجل تغيير الذات اولا.
   كما ان اتمام الصيام بزكاة الفطرة، مؤشر على استعداد المرء لتحسين اداءه على صعيد المجتمع، بعد ان يكون الصوم قد اشعره بحال الفقير ومعاناة المعدم والمستضعف في المجتمع، والذي لا يجد قوت يومه او على الاقل سنته.
   بالاضافة الى ان الصوم يساعد المرء على ان يمارس عملية تحسين الاداء على صعيد الدولة من خلال تعليمه ممارسة الامر والنهي والتولي والتبري، اذ لا يعقل ان يسكت الصائم على ظلم، فضلا عن ممارسته، كما لا يعقل ان يسكت عن استلاب حقوق الناس من قبل السلطة، وهو الذي يجاهد نفسه صائما من اجل ان يشعر نفسه بحجم معاناة الانسان الذي يتعرض للظلم والقهر وسلب الحقوق من قبل الدولة، وعلى راسها الحق في الحياة الحرة والكريمة والامن وضمان التعليم والعمل المناسب لاعالة اسرته بما يضمن لها الحياة الحرة والكريمة.
   ان الصيام الذي يعلمنا مبدا الرقابة الذاتية على وجه التحديد، يلزم ان يسري ليشمل الرقابة العامة، لان دولة لا يمارس فيها المجتمع الرقابة العامة تفسد، وان دولة لا يراقبها الناس، يستشري فيها الفساد المالي والاداري لدرجة الانهيار ان عاجلا ام آجلا، ولذلك نرى، مثلا، كيف ان الاسر الحاكمة في دول الخليج فسدت وافسدت كل شئ، حتى الدين الذين حولته الى (طين) تنحته كيف تشاء وانى تشاء، يساعدهم في تحقيق ذلك فقهاء البلاط ووعاض السلاطين (الفاسدين) هم كذلك، وكل ذلك لان الامة تركت محاسبتهم ومراقبتهم فتجبروا وتكبروا وفسدوا وافسدوا كل شئ، فلينتظروا اجلهم، وذلك {وعد غير مكذوب}.
   ولان الانسان ــ الفرد، هو محور عملية التغيير الكبرى، ان على صعيد المجتمع او الدولة، ولذلك اهتم الاسلام بكل ما من شانه تحقيق التغيير عند الفرد اولا، فرسم خارطة طريق عظيمة من اجل ذلك، ان على صعيد آيات القرآن الكريم او على صعيد احاديث رسول الله (ص) وائمة اهل البيت عليهم السلام، ولعل في خطبة الامام امير المؤمنين عليه السلام التي يصف فيها المتقين احد ابرز معالم خارطة الطريق هذه، والذي حدد فيها العديد من الصفات التي يجب ان يتميز بها المرء من اجل ان يكون في صف المتقين، اي من الذين يتميزون بحسن الاداء.
   يقول عليه السلام من جملة ما يقوله في خطبته: {منطقهم الصواب} {ووقفوا اسماعهم على العلم النافع لهم} {وشرورهم مامونة} {واما النهار فعلماء حلماء، ابرار اتقياء} {لا يرضون من اعمالهم القليل، ولا يستكثرون الكثير، فهم لانفسهم متهمون، ومن اعمالهم مشفقون، اذا زكي احد منهم خاف مما يقال له، فيقول: انا اعلم بنفسي من غيري، وربي اعلم مني بنفسي، اللهم لا تؤاخذني بما يقولون، واجعلني افضل مما يظنون، واغفر لي ما لا يعلمون} {فمن علامة احدهم انك ترى له قوة في دين، وحزما في لين، وايمانا في يقين، وحرصا في علم، وعلما في حلم} {يعمل الاعمال الصالحة وهو على وجل} {الخير منه مامول، والشر منه مامون} {يعفو عمن ظلمه، ويعطي من حرمه، ويصل من قطعه} {بعيدا فحشه، لينا قوله، غائبا منكره، حاضرا معروفه، مقبلا خيره، مدبرا شره} {لا يحيف على من يبغض، ولا ياثم فيمن يحب، يعترف بالحق قبل ان يشهد، بضم الياء، عليه، لا يضيع ما استحفظ، ولا ينسى ما ذكر، ولا ينابز بالالقاب، ولا يضار بالجار، ولا يشمت بالمصائب، ولا يدخل في الباطل، ولا يخرج من الحق} {نفسه منه في عناء، والناس منه في راحة}.
   وقال عليه السلام {كان لي فيما مضى اخ في الله، وكان يعظمه في عيني صغر الدنيا في عينه، وكان خارجا من سلطان بطنه، فلا يشتهي ما لا يجد، ولا يكثر اذا وجد} ثم يقول {لا يدلي بحجة حتى ياتي قاضيا، وكان لا يلوم احدا على ما يجد العذر في مثله، حتى يسمع اعتذاره}. 
   كما ان الامام علي بن الحسين السجاد عليه السلام حدد هو الاخر عدد من الصفات الرائعة التي يجب الالتزام بها لمن يريد ان يحسن اداءه.
   يقول عليه السلام في دعاء مكارم الاخلاق:
   {وَاسْتَفْرِغْ أَيَّامِي فِيما خَلَقْتَنِي ‌لَهُ} {وَأَجْرِ لِلْناسِ عَلى يَدَيَّ الخَيْرَ وَلا تَمْحَقْهُ بِالمَنِّ وَهَبْ لِي مَعالِي الاَخْلاقِ وَاعْصِمْنِي مِنَ الفَخْر} {وَوَفِّقْنِي لِطاعَةِ مَنْ سَدَّدَنِي وَمُتابَعَةِ مَنْ أَرْشَدَنِي} {وَسَدِّدْنِي لاَنْ أُعارِضَ مَنْ غَشَّنِي بِالنُّصْحِ وَأَجْزِيَ مَنْ هَجَرنِي بِالبِرِّ وَأُثِيبَ مَنْ حَرَمَنِي بِالبَذْلِ وَأُكافِيَ مَنْ قَطَعَنِي بِالصِّلَةِ وَأُخالِفَ مَنْ اغْتابَنِي إِلى حُسْنِ الذِّكْرِ ، وَأَنْ أَشْكُرَ الحَسَنَةَ وَأُغْضِي عَنِ السَّيِّئَةِ} {وَأَلْبِسْنِي زِينَةَ المُتَّقِينَ فِي بَسْطِ العَدْلِ وَكَظْمِ الغَيْظِ وَإِطْفأِ النَّائِرَةِ وَضَمِّ أَهْلِ الفُرْقَةِ وَإِصْلاحِ ذاتِ البَيْنِ وَإِفْشاء العارِفَةِ وَسَتْرِ العائِبَةِ وَلِينِ العَرِيكَةِ وَخَفْضِ الجَّناحِ وَحُسْنِ السِّيرَةِ وَسُكُونِ الرِّيحِ وَطِيبِ المُخالَقَةِ وَالسَّبْقِ إِلى الفَضِيلَةِ وَإِيْثارِ التَّفَضُّلِ وَتَرْكِ التَّعْيِيرِ وَالاِفْضالِ عَلى غَيْرِ المُسْتَحِقِّ وَالقَوْلِ بِالحَقِّ وَإنْ عَزَّ وَاسْتِقْلالِ الخَيْرِ وَإِنْ كَثُرَ مِنْ قَوْلِي وَفِعْلِي}.
   هذا على الصعيد الفردي، اما على صعيد علاقة الانسان مع الاخر، والتي يجب ان تشهد تحسينا في الاداء كذلك، فان في وصية الامام امير المؤمنين عليه السلام لابنه الامام الحسن بن علي السبط عليه السلام خارطة طريق عظيمة تنتهي بالمرء الى ان تصوغ منه عنصرا ايجابيا وبناءا، يساهم بشكل فاعل في تحقيق عملية التغيير على صعيد المجتمع.
   يقول عليه السلام:
   احمل نفسك من اخيك عند صرمه على الصلة، وعند صدوده على اللطف والمقاربة، وعند جموده على البذل، وعند تباعده على الدنو، وعند شدته على اللين، وعند جرمه على العذر، حتى كانك له عبد، وكأنه ذو نعمة عليك}.
   ويضيف عليه السلام:
يَا بُنَيَّ، اجْعَلْ نَفْسَكَ مِيزَاناً فِيَما بَيْنَكَ وَبَيْنَ غَيْرِكَ، فَأَحْبِبْ لِغَيْرِكَ مَا تُحِبُّ لِنَفْسِكَ، وَاكْرَهْ لَهُ مَا تَكْرَهُ لَهَا، وَلاَ تَظْلِمْ كَمَا لاَ تُحِبُّ أَنْ تُظْلَمَ، وَأَحْسِنْ كَمَا تُحِبُّ أَنْ يُحْسَنَ إِلَيْكَ، وَاسْتَقْبِحْ مِنْ نَفْسِكَ مَا تَسْتَقْبِحُ مِنْ غَيْرِكَ، وَارْضَ مِنَ النَّاسِ بِمَا تَرْضَاهُ لَهُمْ مِنْ نَفْسِكَ، وَلاَ تَقُلْ مَا لاَ تَعْلَمُ وَإِنْ قَلَّ مَا تعْلَمُ، وَلاَ تَقُلْ مَا لاَ تُحِبُّ أَنْ يُقَالَ لَكَ.
   ان من المفترض ان نكون قد تعلمنا من الصيام تحديدا في شهر الله الفضيل، رمضان المبارك، الكثير من هذه الصفات المهمة، شريطة ان نستصحبها معنا الى العام القابل، فتتحول الى جزء لا يتجزأ من شخصيتنا ومشاعرنا وعقولنا وطريقة تفكيرنا، في حركاتنا وسكناتنا، في حواراتنا وخلافاتنا، في مواقعنا اين ما كنا، في المنزل او في المعمل، في الشارع او في الوزارة، وفي كل مكان وزمان.
   ان الصيام ينبه المرء الى ثلاث صفات في غاية الاهمية، الا وهي: الصبر والارادة (الهمة) والثقة بالنفس، فاذا خرج المرء من شهر رمضان من دون هذه الصفات فكانه ما غزا، والا، فاي صيام هذا الذي ينتهي بصاحبه الى الشك والريبة؟ واي صيام هذا الذي ينتهي بصاحبه الى ضيق الصدر والعصبية والمزاج الحاد والتوتر وسوء الخلق؟ واي صيام هذا الذي لا يربي صاحبه على الارادة والتصميم وعلو الهمة؟.
   وان من اهم كل هذه الصفات هي صفة الثقة، سواء بالنفس (الذات) او ببعضنا البعض الاخر، خاصة في هذه الظروف الخطيرة التي نمر بها ونحن نتعرض لاشرس هجمة تستخدم فيها كل الالات والادوات من اجل انتزاع الثقة بانفسنا وبديننا وبمذهبنا وبقيمنا وبمعتقداتنا وبكل ما يمس شخصياتنا المعنوية، من خلال التشكيك في كل شئ.
   لقد وظف آل سعود، باموال البترودولار الحرام التي يسرقونها من حقوق الناس، جيشا من الوضاعين والكذابين والغدارين والغشاشين والمخادعين، يقودون شبكات التضليل العالمية، مستخدمين التكنلوجيا بكل ما انتجت من وسائل الاتصال الجمعي من اجل نشر الكذب والتزييف والخداع في عقر دورنا، في محاولة منهم لبث الشك والريبة في نفوسنا وفيما نؤمن به، وكل ذلك الى جانب العنف والارهاب الذي يمارسونه ليل نهار لقتلنا وتدمير مدننا، بعد ان تحصنوا بفتاوى التكفير التي تعتمد الكراهية والغاء الاخر.
   ان علينا ان ننتبه الى مخططاتهم لتفشل، وان علينا ان نتسلح بالثقة العالية بما نعتقد من اجل ان ننتزع من ايديهم وسائل الغش والخداع والكذب، فتسقط في ايديهم.
   ان مما يؤسف له حقا، هو ان بعضنا يصدق كل ما يقال له، فتراه يبادر الى نشر اي رسالة الكترونية تصله من اي كان من دون ان يتثبت من صحتها او صدقها اولا، على الرغم من ان جل مثل هذه الرسائل واضحة التزييف وان الكذب والدجل والغش والخداع باد فيها، فكيف تنطلي على البعض يا ترى؟ الا ان يكونوا ضعاف النفوس او ساذجين لدرجة كبيرة او جهلة لا يفهمون شيئا.
   انهم يدسون السم بالعسل، فكيف لا يميز هؤلاء بين السم والعسل؟.
   ان مثل هؤلاء يشاركون اعداءنا نشر الزيف والكذب والخداع والتضليل من حيث لا يشعرون، وان امثالهم يشتركون في من تحدثت عنهم الاية المباركة {يريدون ان يطفؤوا نور الله بافواههم} من حيث يريدون او لا يريدونن وهم ينسون او يتناسون قول الله عز وجل {يا ايها الذين آمنوا ان جاءكم فاسق بنبا فتبينوا ان تصيبوا قوما بجهالة فتصبحوا على ما فعلتم نادمين}.
   ولذلك فان على امثال هؤلاء ان يكونوا على حذر، فلا يوزعوا اي رسالة الكترونية تصلهم، وان عليهم ان يقبروا الكذب والدجل والغش والتزييف وهو في المهد من خلال تجاهل مثل هذه الرسائل التي ليس من ورائها الا هدف واحد الا وهو انتزاع الثقة من انفسنا ونشر الشك والريبة والتردد في نفوسنا، واشغالنا بالتوافه عن تحقيق اهدافنا المقدسة، فالحذر الحذر، بعد ان وسعت شبكات التزييف والكذب التي وظفها آل سعود وفقهاءهم من نشاطها بشكل ملفت للنظر، فهذه الشبكات ليس لها عمل تؤديه الا نشر الاكاذيب والاباطيل على مدار اليوم.
   نحن نفتخر باننا ننتمي الى مدرسة امامها من قال، ولم يقل احد قبله ولا بعده الى يوم الدين {سلوني قبل ان تفقدوني} وهو القائل {علمني حبيبي رسول الله الف باب من العلم، يفتح لي في كل باب الف باب} وهو القائل عنه رسول الله (ص) {انا مدينة العلم وعلي بابها} ونفتخر بان امامنا ومن نتشيع له احتاج اليه كل (الصحابة) في كل مسالة تتعلق بالدين وبتفسير القران الكريم وبالقضاء، من دون ان يحتاج هو الى احد، ونفخر بان امامنا لم يقل ابدا (لولا فلان لهلك علي) لانه كان اعلم الصحابة وافقههم.
   انه امير المؤمنين عليه السلام الذي يقول يصف قربه من حبيب اله العالمين ابي القاسم محمد (ص) {ولقد سمعت رنة الشيطان حين نزل الوحي عليه (ص) فقلت: يا رسول الله ما هذه الرنة؟ فقال: هذا الشيطان قد ايس من عبادته، انك تسمع ما اسمع، وترى ما ارى، الا انك لست بنبي، ولكنك لوزير وانك لعلى خير} ويقول عليه السلام {ولقد قبض رسول الله (ص) وان راسه لعلى صدري، ولقد سالت نفسه في كفي، فامررتها على وجهي، ولقد وليت غسله (ص) والملائكة اعواني}.
   كما نفتخر بان اصول ائمتنا وانسابهم معروفة للقاصي والداني، وكلهم ينتهي نسبهم الى رسول الله (ص) وابنته فاطمة الزهراء عليها السلام.
   اننا نفتخر بانتمائنا الى سبطي رسول الله (ص) وسيدي شباب اهل الجنة الحسن والحسين عليهما السلام، اللذان باهل بهما رسول الله (ص) نصارى نجران، ومعهما ابوهما وامهما فانزل الله تعالى آية في محكم كتابه العظيم تتلى آناء الليل واطراف النهار، فقال تعالى {فمن حاجك فيه من بعد ما جاءك من العلم فقل تعالوا ندع ابناءنا وابناءكم ونساءنا ونساءكم وانفسنا وانفسكم ثم نبتهل فنجعل لعنة الله على الكاذبين}.
   ونفتخر بهما وهما اللذان قال عنهما رسول الله (ص) {الحسن والحسين امامان قاما او قعدا} و {الحسن والحسين سيدا شباب اهل الجنة} و {حسين مني وانا من حسين}.
   لقد كتب ذات مرة امير المؤمنين علي بن ابي طالب عليه السلام جوابا الى معاوية بن ابي سفيان يذكره بالفارق بين نسبيهما وحسبيهما، بقوله عليه السلام {وانى يكون ذلك ومنا، ويقصد اهل البيت، النبي ومنكم المكذب، ومنا اسد الله ومنكم اسد الاحلاف، ومنا سيدا شباب اهل الجنة ومنكم صبية النار، ومنا خير نساء العالمين، ومنكم حمالة الحطب، في كثير مما لنا وعليكم}.
   وفي جواب آخر له عليه السلام ذكر معاوية ببعض الحقائق قائلا له {واما قولك انا بنو عبد مناف، فكذلك نحن، ولكن ليس امية كهاشم، ولا حرب كعبد المطلب، ولا ابو سفيان كابي طالب، ولا المهاجر كالطليق، ولا الصريح كاللصيق، ولا المحق كالمبطل، ولا المؤمن كالمدغل} وصدق امير المؤمنين عليه السلام عندما قال {فياعجبا للدهر، اذ صرت يقرن بي من لم يسع بقدمي، ولم تكن له كسابقتي التي لا يدلي احد بمثلها، الا ان يدعي مدع ما لا اعرفه، ولا اظن الله يعرفه}.
   فاين علي بعلمه وشجاعته واقتحامه للغمرات في ذات الله، ممن كان {اكبر مكيدته ان يمنح القرم سبته} على حد قوله عليه السلام يصف فيه (بطولة) عمرو بن العاص في الحروب والمعارك.
   كما ان الامام السجاد علي بن الحسين زين العابدين عليه السلام افتخر بنسبه وحسبه عندما صعد المنبر في مسجد الشام بقوله مذكرا الطاغية يزيد بن معاوية بما كان يتهرب منه {وفضلنا بأن منا النبي المختار ومنا الصديق ومنا الطيار ومنا أسد الله وأسد رسوله ومنا سبطي هذه الأمة ومنا سيدة نساء العالمين ومنا مهديها}.
   وهل غير ائمة اهل البيت يحق لهم ان يفتخروا بحسبهم ونسبهم؟.
   ان غيرهم يخجل ان ينتسب لان انتسابه يلحق به العار والشنار، فلمن ينتسب معاوية مثلا او عمرو بن العاص او زياد بن ابيه او الوليد او او؟ على حد قول الكاتب والفنان المصري القدير المرحوم اسامة انور عكاشة الذي رفض كتابة اي عمل فني عن ابن العاص بعد ان اكتشف بالتحقيق والتدقيق والبحث والاستقصاء والادلة التاريخية الدامغة، انه اسوء شخصية في تاريخ المسلمين، على حد وصفه.
   ونفتخر بان مؤسس مذهبنا الامام جعفر بن محمد الصادق عليه السلام الذي ملأ علمه الخافقين، فدرس على يديه او تعلم منه كل ائمة وفقهاء وعلماء المذاهب الاسلامية الاخرى، فقد ذكر التاريخ ان اكثر من اربعة آلاف طالب علم، وفيهم الفقهاء والعلماء، كانوا يقولون حدثنا جعفر بن محمد، كما ان الغرب يعتبر نفسه مدينا له في مختلف العلوم.
   ونفتخر بان امامنا الحسين السبط، شهيد كربلاء، عليه السلام، هو رمز الكفاح من اجل الحق والعدل والكرامة الانسانية، والذي استعصى على كل طغاة الارض الذين حاولوا ولا زالوا يحاولون طمس آثار تضحياته ومعالم جهاده، ولكن هيهات، كما خاطبت السيدة العقيلة زينب الكبرى الطاغية يزيد بن معاوية في مجلسه بالشام، وامام ملأ من الناس، عندما خاطبته بتحدي الواثق الشجاع بقولها عليها السلام {فوالله لا تمحو ذكرنا ولا تميت وحينا}.
   ونفخر ونفخر ونفخر.
   لقد علمنا ائمة اهل بيت النبوة والرسالة، عن رسول الله (ص) كيف نقرا القران ونستوعبه وكيف نعبد الله تعالى وكيف ندعوه ونناجيه ونتضرع اليه، وكيف نفكر وكيف نطلب العلم وكيف يعامل بعضنا البعض الاخر، كما انهم علمونا كيف نعرف الله تعالى وما هي صفات رسوله الكريم، وعلمونا فلسفة الحياة الدنيا وفلسفة الحياة الاخرى، وعلمونا كيف نتصرف مع الاخر الذي يختلف معنا في الدين والعقيدة والفكر، فعلمونا المحاججة بالتي هي احسن وبالدليل العلمي والعقلي الرصين، ولم يعلمونا الذبح والقتل وتفخيخ السيارات وتفجيرها وزرع العبوات الناسفة لقتل الابرياء بحجة انهم كفار او مشركون، او لمجرد انهم يختلفون معنا في راي او معتقد.
   انهم علمونا كيف نحترم عقولنا، فلا نردد المقولة التي باتت كالمزحة الثقيلة التي تقول (ان سيدنا فلان قتل سيدنا فلان لانه كان يوالي سيدنا فلان) ابدا، فمدرسة اهل البيت عليهم السلام تعلمنا كيف نقرا التاريخ ببصيرة ووعي وكيف نميز بين الغث والسمين، وكيف ننصف رموزه فلا نخلط الامور ببعضها لنصطاد بالماء العكر كما يفعل كثيرون.
   يكفينا فخرا ان عندنا الصحيفة السجادية، نسبة الى الامام السجاد عليه السلام، والتي فيها من الادعية والمناجاة ما لم تجده في اي سفر آخر.
    ويكفينا ان عندنا (رسالة الحقوق) التي ورثناها من الامام علي بن الحسين السجاد عليه السلام، والتي لم يدون مثلها احد على مر التاريخ.
   ويكفينا فخرا ان عندنا ادعية عظيمة مثل (دعاء كميل) و (دعاء الصباح) و (دعاء السمات) وغيرها من الادعية العظيمة  التي وردت على لسان ائمة اهل البيت عليهم السلام، تلك الادعية التي تحتوي على العلوم والمعارف والفلسفات والتصوير الفني والنسق الادبي ما لم تجد مثيلا له في اي كلام آخر.
   انهم يريدون ان نشكك في كل هذا لنترك مدرسة اهل البيت عليهم السلام، فلمن نذهب يا ترى؟.
   ان العالم اليوم بدا يفهم مدى عظمة هذه المدرسة المباركة التي شيدها ائمتها بالتضحيات الجسام، اذا بالمنظمات الدولية كالامم المتحدة والشخصيات العالمية كالكاتب اللبناني جورج جرداق، والعديد جدا من علماء الغرب من امثال البروفسور آرمان آبل الاستاذ بجامعة بروكسيل، والبروفسور جان اوبن الاستاذ بجامعة السوربون في باريس، والبروفسور انريكو جروللي استاذ الدراسات الشرقية ونائب مدير المجمع العلمي الايطالي في روما، والبروفسور ريتشارد جرام ليخ الاستاذ بجامعة هامبورك في المانيا، والاستاذة آن لامبيتون مديرة معهد الدراسات الشرقية والاستاذة فيه بجامعة لندن، والبروفسور ويلفريد مدلونك الاستاذ بجامعة شيكاغو في الولايات المتحدة الاميركية، والبروفسور فريتزيميير الاستاذ بجامعة بال في سويسرا، وغيرهم المئات من العلماء والمتخصصين والباحثين في مختلف دول العالم، راحوا ينتبهون الى العلوم التي خلفها الائمة عليهم السلام للبشرية على مر الاجيال وفي مختلف الابعاد، فهل بعد كل هذا ننقلب على اعقابنا ونغير ولاءنا وتشيعنا؟ او نشكك فيما آمنا به؟ ولصالح من؟ فلو كان عندهم معشار ما عندما من ائمة ورموز وقادة، لتمسكنا بهم حتى الموت، فكيف ونحن نمتلك كل هذا واكثر؟.
   ان علينا ان يثق بعضنا بالبعض الاخر، فلا نشكك ببعضنا لخبر كاذب او اشاعة مغرضة، فالى متى نبقى ضحية التضليل والكذب والنفاق؟ والى متى يحطم بعضنا البعض الاخر؟ والى متى يكسر بعضنا البعض الاخر؟ والى متى يدمر بعضنا البعض الاخر؟ والى متى تفرق جمعنا كذبة مفضوحة او تهمة ظالمة؟.
   لنثق بانفسنا، ونثق ببعضنا، ونثق بما نؤمن به، وليكن شعارنا قول الله تعالى في محكم كتابه الكريم {قل هذه سبيلي ادعو الى الله على بصيرة انا ومن اتبعني} وقول الامام السجاد عليه السلام {ونية رشد لا اشك فيها}.
   اخيرا، علينا ان نتذكر دائما بان صفاء الرؤية وقوة الايمان هو الذي ينتج الثقة، وعلى الله فليتوكل المؤمنون.
   2 ايلول 2011
    
 




  • المصدر : http://www.kitabat.info/subject.php?id=9256
  • تاريخ إضافة الموضوع : 2011 / 09 / 03
  • تاريخ الطباعة : 2024 / 03 / 28