• الموقع : كتابات في الميزان .
        • القسم الرئيسي : المقالات .
              • القسم الفرعي : المقالات .
                    • الموضوع : قبسات قرآنية: الحلقة 6. .
                          • الكاتب : د . طلال فائق الكمالي .

قبسات قرآنية: الحلقة 6.

لغة الأرقام بين الثواب والعقاب:

يعد مبدأ الثواب والعقاب مبداً سماوياً أقرته الشرائع السماوية فضلاً عن الرؤى الأرضية، إذ يمكن اعتماد سنن تلك الرؤى الكونية وقوانينها في هذا المطلب كأحد أهم معايير رفعة هذه الرؤية عن تلك؛ لأنّها تحكي عن واقع العدالة في النظام التشريعي لتلك النظم الكونية، ومن أجل ذلك باتت المقايسة بين التشريعات السماوية والأرضية مهمة للمفاضلة بينهما على أساس تلك النظم وفي مقدمتها مبدأ الثواب والعقاب، وفي هذا السياق نجد أنَّ القرآن الكريم يروي لنا آية مباركة تختزل مبدأ الثواب والعقاب من جهة والعدالة من جهة أخرى، متمثلة في قوله تعالى: (فَمَن يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ * وَمَن يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ) إذ يمكن عدها حاكيةً ومبينةً لقوله تعالى: (اعْلَمُواْ أَنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ وَأَنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ) لأنَّ التوازن بين جزاء ذرات الخير والشر وبين صفة شدة عقوبة الله وسعة مغفرته ورحمته هو عين مبدأ الثواب والعقاب أو الوعد والوعيد بوصفه حاكياً للعدالة.

وبموجب سماوية هذا المبدأ وتأييد العقل له والفطرة السليمة يمكننا القول أنَّ التأكيد عليه جاء لبيان الآتي: 

1- إنّه وسيلة تربوية هدفها تهذيب النفس الإنسانية وترويضها بما يخدم الفرد والمجتمع.

2- يقصد منه اعداد الإنسان اعداداً فكرياً متزناً، وسلوكياً سوياً.

3- احقاق الحق بين الفرد والمجتمع من الخروج عن جادة المنظومة وقوانينها.

4- نظام استباقي احترازي للوقوع في شباك الشر.

5- نظام تحفيزي ودافع للعيش في سعة الخير وفيضه.

6- يعد الفارق بين الخير والشر عبر استنطاق سنن الرؤى استدلالياً.

7- يعد وازعاً لحب الخير واستحسانه، ولاستقباح الشر واستهجانه.

8- مصداق للعدالة والإنصاف بين المحسن والمسيء، وحاك عن التوازن بينهما بوصفه توازناً بين الافراط والتفريط.

قد ينظر بكل ما تقدم من أسباب في عين الحكمة الإلهية في تشريع السنن والقوانين في عالم الدنيا، بيد أن الأمر المهم من ذلك أنَّ وعد الله ووعيده في الثواب والعقاب الأخروي فضلاً عن الدنيوي مبني على صفة عدالته سبحانه وتعالى التي توجب أنَّ يكون في قبال ذرة الخير خيراً، وذرة الشر شراً، والتي تستوجب العدالة حينئذ بين الخير والشر لمعرفة من يستحق الثواب أو العقاب.

والمتتبع إحصائياً لآيات القرآن الكريم يجد هذا التوازن الإلهي قد اُحرز وجوده كونياً وتشريعياً على وفق المقابلة بين القوى جميعها، نعرض منها ما يأتي:

ذكر الإيمان 25 مرة والكفر 25 مرة.

وذكرت الدنيا 115 مرة والآخرة 115 مرة أيضا.

بينما ذكرت الملائكة 88 مرة والشيطان 88 مرة.

على حين ذكر الناس 50 مرة والأنبياء50 مرة.

وذكر الرجال 24 مرة والنساء 24 مرة أيضا.

كما ذكرت الحياة 145 مرة والموت 145 مرة.

في الوقت الذي ذكرت الحسنات 167 مرة والسيئات أيضا 167 مرة.

إذ نستفيد فضلاً عن اعجاز القرآن الكريم علمياً واحصائياً مراعاة التوازن بين الموجودات بقرينة عدالة الله تعالى، بيد أن الملفت للنظر من كل ما تقدم وجود تباين في عدد ذكر كلمتي (العقاب) و (المغفرة) في القرآن الكريم.

وعند التأمل والتدبر في ذلك التباين تنجلي الغبرة وتنكشف لنا حقيقة اعجازية جديدة تذهل العقل وتثبت سماوية القرآن وصدق نسبته لله سبحانه من جهة التباين نفسه، وكأن القرآن الكريم أراد أنْ يذهب إلى أنَّ التباين هذا لم يأت عن فراغ وإنما جاء من وحي القرآن وسياقه المعرفي، فهو ينظر إلى السيئة بسيئة مثلها لقوله تعالى: (وَجَزَاء سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِّثْلُهَا) على حين يرى القرآن مستفهماً (هَلْ جَزَاء الإِحْسَانِ إِلاَّ الإِحْسَانُ) أي أن الاحسان في عمل الخير يقتضي زيادة الفضل بقرينة أداة الحصر (ِ إِلاَّ) التي بموجبها الزم القرآن نفسه بالتباين في عدد كلمتي (العقاب) و (المغفرة) ، إذ يعزز القرآن النكتة الإعجازية في الإجابة عن هذا التباين في قوله تعالى: (وَلا تَسْتَوِي الْحَسَنَةُ وَلا السَّيِّئَةُ ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ) والظاهر أن الدفع بالإحسان في منظور القرآن الكريم هو ضعف العدد بين الكلمتين، إذ نجد أنَّ كلمة العقاب ذكرت 117 مرة على حين ذكرت المغفرة 234 مرة، ليكون ذلك مصداق القول : إنَّ رحمة الله غلبت عدالته لقوله تعالى: (كَتَبَ عَلَى نَفْسِهِ الرَّحْمَةَ) 




  • المصدر : http://www.kitabat.info/subject.php?id=92188
  • تاريخ إضافة الموضوع : 2017 / 04 / 15
  • تاريخ الطباعة : 2024 / 03 / 29