• الموقع : كتابات في الميزان .
        • القسم الرئيسي : المقالات .
              • القسم الفرعي : المقالات .
                    • الموضوع : مولد قمر. .
                          • الكاتب : صلاح عبد المهدي الحلو .

مولد قمر.

 

كان ضوء القمر العاري يغسل مشاعب الصحراء الذهبية بأنوارة الفضية اللامعة, وعناقيد النجوم المرصّعة في عنق السماء, تتدلى في صفحتها الباسمة,وكان نادي قريش حافلاً بسّماره من علية القوم,مكتظاً برواده من عامة الناس.............

لم يكن يوماً عاديا من تلك الايام الرتيبة,

التي تذهب فلا ترجع مزودةً بذكرى جميلة,

ولا ليلة هادئة من تلك الليالي المملة, 

التي توَّلي فلا تؤوب مزدانةً بحدثٍ عزيز,

لقد كان يوماً مشرقًا بفجر الولادة, مُخضَّباً بطلعة (عليٍ) منيراً بضوء وجهه.....

اليوم صدحت حنجرةُ الكعبة بصوت التوحيد,

فرنَّ في سمع الكون تلاحين تسبيحته,

وامتلأت عين الدهر بأنوارِ مصباحِ الهدى,

فعمَّ في أفق الدنيا بهاءُ ضيائه,

وكان من الطبيعي ان يولد وجه الله الذي منه يؤتى,في بيت الله الذي اليه يقصد,

اليوم ولد علي.....

اليوم انجبت فاطمة بنت اسد قرانًا من لحمٍ ودمٍ يضاهي ذلك القران الذي من احرفٍ وكلمات,وإسلاماً عملياً يمشي على الارض بعظمه وشحمه,يجسِّد هذا الاسلام النظري في عباداته ومعاملاته,وأنجبت التوحيد الكامل لو قدِّر للتوحيد أن يُخلَقَ بشرًا سويا.

يقول راوي الحدث انها قالت وقد اخذها الطلق:- أي رب ، إني مؤمنةٌ بك ، وبما جاء به من عندك الرُسُل ، وبكلِّ نبيٍّ من أنبيائك ، وبكلِّ كتابٍ أنزلته ، وإني مصدقةٌ بكلام جدي إبراهيم الخليل ، وإنه بنى بيتك العتيق ، فأسألك بحق هذا البيت ومن بناه ،وبهذا المولود الذي في أحشائي الذي يكلمني ويؤنسني بحديثه ، وأنا موقنة أنه إحدى آياتك ودلائلك لما يسرت علي ولادتي .

ثم بعد ذلك ,بعد ان خرجت الى بيتها وعلى يديها امير المؤمنين عليه السلام:- دخل رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) ، فلما دخل اهتز له أمير المؤمنين ( عليه السلام )وضحك في وجهه ، وقال : السلام عليك ، يا رسول الله ، ورحمة الله وبركاته .

قال : ثم تنحنح بإذن الله ( تعالى ) ، وقال : ( بسم الله الرحمن الرحيم * قد أفلح

المؤمنون * الذين هم في صلاتهم خاشعون ) إلى آخر الآيات . فقال رسول

الله ( صلى الله عليه وآله ) : قد أفلحوا بك ، وقرأ تمام الآيات إلى قوله : ( أولئك هم الوارثون *الذين يرثون الفردوس هم فيها خالدون فقال رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) : أنت والله أميرهم ، تميرهم من علومك فيمتارون ، وأنت والله دليلهم وبك يهتدون .,ونستفيد من هذه الرواية عدة دروسٍ مفيدة هي:-

اولاً:- ان الكعبة المعظمة هي التي تشرفت بولادة الامام عليه السلام فيها وليس الامام من تشرف بها,وبالمقارنة بين ولادة الامام عليه السلام وبين ولادة عيسى عليه السلام حيث أخرج الله مريم عليها السلام من بيت المقدس وقال لها ما مضمونه:- ان هذا مكان عبادة لامكان ولادة,في حين ولدت فاطمة بنت اسد عليها السلام امير المؤمنين في الكعبة,ولاغرو ان يكون الامام افضل من عيسى عليهما السلام.

ولايحتج علينا احدٌ بأنه كيف يكون غير النبي افضل من النبي؟اليس هذا غلواً وكفراً؟ سنقول له هو افضل من عيسى ومن سائر الانبياء عليهم السلام لأنه مساوٍ للنبيِّ صلى الله عليه واله بنص القران الكريم (َوَأَنْفُسَنَا وَأَنْفُسَكُمْ) ومساوي الافضل أفضل.

وهذا ليس غلواً, فهاهو الباقلاني كما يذكر ابن حزم في كتابه (الفصل في الملل والاهواءوالنحل ج5 ص21) لايرى مانعاً من( أن يكون في هذه الأمة من هو أفضل من رسول الله صلى الله عليه واله من حين بعث إلى أن مات) فهذا هو الغلو, لا ان يقول احدٌ ان الامام علياً عليه السلام افضل من عيسى عليه السلام,بل ان ولديه الحسن والحسين افضل من عيسى عليهم السلام,وهذا باعتراف حسان بن ثابت كما في قوله

وإن أحصنت مريم فَرجها ......... فجاءت بعيسى كبدر الدجى

فٍـقـد أحصنت فاطم بعـدها ......... فجاءت بـسبـطي نبيّ الهدى

ثانياً:- كيف يقرأ الامام عليه السلام وهو طفلٌ والقران لم ينزل بعد؟

وجوابه نقضاً :- انَّ هذا الاستبعاد ليس في محلِّه,لان كلامه وهو طفل ليس بغريب,كيف وقد تكلم عيسى وهو طفلٌ كما اخبرنا القرانُ الكريم؟ قال تعالى حكاية على لسانه (َ إِنِّي عَبْدُ اللَّهِ آَتَانِيَ الْكِتَابَ وَجَعَلَنِي نَبِيًّا) الخ الايات الكريمة وحكم الامثال في ما يجوز ول ايجوز واحد فإذا جاز أن يتكلم النبي عيسى هناك جاز أن يتكلم الامام علي عليه السلام هنا.

وجوابه حلاً:- إن المستشكل لم يفرق بين المستحيل بحكم العقل والمستحيل بحكم العادة,فالمستحيل بحكم العقل هو ثلاثة امورٍ فقط الدور والتسلل واجتماعُ النقيضين,اما المستحيل بحكم العادة فهو ممكن الوقوع,غير انَّ وقوعه نادرٌ جداً,فأنَّ الاحراق لازمٌ خارجيٌ للنار,ولكن قد تكون هناك نارٌ غير محرقة كنار ابراهيم التي كانت برداً وسلاما,فعدم الاحراق قد وقع خارجا ولو لمرةٍ واحدة وقد لايتكرر بعد ذلك على مرِّ العصور وتكرار الدهور,وكذلك احياء الموتى بعد موتهم هو امر مستحيلٌ بحكم العادة,فالعادة جرت على ان الميت اذا مات لايعود للحياة مرة اخرى,ولكن لايمنع ذلك من حدوث هذا احياناً نادرة,كأحياء عيسى عليه السلام للموتى,وبعبارة مختصرة ان الاستحالة العقلية تتعلق باللازم الذهني ,فبمجرد انفكاك الزوجية عن الاربعة في وعاء الذهن تنهدم ماهية الاربعة,لذا هي مستحيلة الوقوع,بخلاف الاستحالة بحكم العادة فانها تتعلق باللازم الخارجي وليس هذا مستحيل الوقوع عقلا,

اما من جهة النقل فقد روى المناوي وهو من علمائكم في كتابه (فيض القدير في شرح الجامع الصغير ج2 ص236) انه قد تكلم امرؤ القيس بالقران قبل نزوله وانشد له :

اقتربت الساعة وانشق القمر * من غزال صاد قلبي ونفر

وقال :

اذا زلزلت الأرض زلزالها * وأخرجت الأرض أثقالها

تقـوم الأنام على رسلــــــها * ليوم الحساب ترى حالـها,

فلماذا اذا قرأ امرؤ القيس ايات من سورتي القمر والزلزلة قبل نزولهما يكون امراً طبيعياً ,وإذا قرأ الامام عليٌ اياتٍ من سورة (المؤمنون) تقوم الدنيا ولاتقعد؟

ثالثا:- وكما كان علي عليه السلام خيراً من عيسى,كانت امه خيرا من مريم ,كيف وهي القائلة لما ولدت امير المؤمنين عليه السلام :- ( انى فُضِّلت على من تقدمني من النساء؛ لان آسية بنت مزاحم عبدت الله سرا في موضع لا يحب ان يعبد الله فيه إلا اضطرارا وان مريم بنت عمران هزت النخلة اليابسة بيدها حتى اكلت منها رطبا جنيا وانى دخلت بيت الله الحرام وأكلت من ثمار الجنة وأرزاقها )

واما مايخص قول القائل انه كان يضع رجله في بطن امه فيمنعها من السجود فيمنع من تصديقه امور:-

1-ما ورد في كتب العامة والخاصة من انها كانت مصدِّقةً بالله ورسله حين قالت لما اخذها الطلق:( يا رب اني مؤمنة بك وماجاء من عندك من رسل وكتب ، وانى مصدقة بكلام جدي إبراهيم الخليل عليه السلام الذي بنى البيت العتيق ، فبحق الذي بنى هذا البيت والمولود الذي في بطني الا مايسرت على ولادتي )ولقد كان هذا قبل البعثة بعشر سنين,فكيف تسجد بعد ذلك لصنم وهي موحدة,مؤمنة بدين جدها إبراهيم,ومصدِّقةً بالرسل؟ وإذا كانت كذلك فمتى سجدت للصنم,ومتى وضع أميرُ المؤمنين رجليه في بطنها ليمنعها من السجود؟؟

2-انَّ عليا –عليه السلام – إمامٌ بلا ريب, والإمامة هي الحدُّ الاوسط الذي تثبتُ به جملة امور ليس من اقلها ايمان ابويّ المعصوم عليه السلام وطهارة وعائهما من الرجس والدنس, وفي وداع رسول الله صلى الله عليه واله عند الحج وزيارة ابي عبد الله الحسين عليه السلام مايشهد لهذا المعنى حيث يقول الزائر( أشهد أنك كنت نورا في الأصلاب الشامخة والأرحام المطهرة لم تنجسك الجاهلية بأنجاسها ولم تلبسك من مدلهمات ثيابها).

فسلام عليك يو م ولدت هلالًا في فناء الكعبة شاهدا ,وغربت بدرا في مسجد الكوفة شهيدا ,مابقي الليل والنهار,وشدا قمريٌ على أيك الاشجار.

=================================




  • المصدر : http://www.kitabat.info/subject.php?id=91945
  • تاريخ إضافة الموضوع : 2017 / 04 / 10
  • تاريخ الطباعة : 2024 / 03 / 28