• الموقع : كتابات في الميزان .
        • القسم الرئيسي : ثقافات .
              • القسم الفرعي : ثقافات .
                    • الموضوع : تأملات في القران الكريم ح344 سورة الزمر الشريفة .
                          • الكاتب : حيدر الحد راوي .

تأملات في القران الكريم ح344 سورة الزمر الشريفة

بسم الله الرحمن الرحيم

وَلَقَدْ ضَرَبْنَا لِلنَّاسِ فِي هَذَا الْقُرْآنِ مِن كُلِّ مَثَلٍ لَّعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ{27} 

تنعطف الآية الكريمة لتضيف محققة (  وَلَقَدْ ضَرَبْنَا ) , جعلنا , (  لِلنَّاسِ فِي هَذَا الْقُرْآنِ مِن كُلِّ مَثَلٍ ) , كل ما قد يحتاج اليه الناظر في امر دينه ودنياه , (  لَّعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ ) , يتعظون به .   

 

قُرآناً عَرَبِيّاً غَيْرَ ذِي عِوَجٍ لَّعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ{28} 

تستمر الآية الكريمة في موضوع سابقتها الكريمة (  قُرآناً عَرَبِيّاً ) , بلغة العرب , مع لحاظ ان اللغة العربية هي اللغة الوحيدة التي استوعبت معاني ومضامين القرآن الكريم , فمهما ترجم القرآن الى أي لغة اخرى فقد الكثير من معانيه ومضامينه حتى انه سيكون مجرد كتاب كباقي الكتب ,  (  غَيْرَ ذِي عِوَجٍ ) , ليس فيه لبس واختلاف ولا اختلال ولا تناقض , (  لَّعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ ) , الكفر والشرك , المعاصي والآثام . 

( غَيْرِ ذِي زَرْعٍ ) إبراهيم37 يقابله (  غَيْرَ ذِي عِوَج ) , عبارتان وردتا في القرآن الكريم , الاول يجرد مكة من الزرع , والاخر يجرد القرآن من الخلل .    

 

ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلاً رَّجُلاً فِيهِ شُرَكَاء مُتَشَاكِسُونَ وَرَجُلاً سَلَماً لِّرَجُلٍ هَلْ يَسْتَوِيَانِ مَثَلاً الْحَمْدُ لِلَّهِ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لَا يَعْلَمُونَ{29} 

تضيف الآية الكريمة (  ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلاً ) , للمشرك والموحد , (  رَّجُلاً فِيهِ شُرَكَاء مُتَشَاكِسُونَ ) , عبدا مملوكا لشركاء فيه متنازعون , فيسعى حائرا في ارضائهم , (  وَرَجُلاً سَلَماً لِّرَجُلٍ ) , وعبدا مملوكا خالصا لسيد واحد , يعرف ما يرضيه ويتجنب ما يغضبه , (  هَلْ يَسْتَوِيَانِ مَثَلاً ) , بالتأكيد لا يتساويان , (  الْحَمْدُ لِلَّهِ ) , الحمد والشكر والثناء خالصا له وحده جل وعلا , (  بَلْ أَكْثَرُهُمْ لَا يَعْلَمُونَ ) , فيشركون به جل وعلا , غير مدركين العذاب الذي هم مقبلون عليه . 

العبد عندما يكون له عدد من السادة سيكون في حيرة من امره , ومشقة في حياته , ان أرضى واحدا فسوف يغضب الاخر , وان أدى حقوق السيد الاول فسوف يقصر في حقوق السيد الثاني وهكذا , ستكون حياته في اضطراب دائم , هذا هو حال من يعبد مجموعة من الالهة , إله البحر وإله الرياح ...الخ , حيث ان لكل ظاهرة إلها وكل إله يريد منه الالتزام ببعض الاوامر والطاعات والتي قد تتقاطع مع الواجبات المفروضة الى إله اخر , مع الالتفات الى ان تعدد الالهة وكثرتها دليل كاف على بطلان إلوهيتها جميعا , اما العبد لسيد واحد فقط فسوف يعيش حياة هانئة , يعرف واجباته تجاه سيده , بمجرد ان يؤديها يرضى عنه سيده وتحل عليه الطمأنينة والسكينة .  

 

إِنَّكَ مَيِّتٌ وَإِنَّهُم مَّيِّتُونَ{30} 

تستمر الآية الكريمة مضيفة مقررة في خطابها للنبي الكريم محمد "ص واله" (  إِنَّكَ مَيِّتٌ وَإِنَّهُم مَّيِّتُونَ ) , الموت واقع على الجميع , لا يستثنى منه احد , فلا شماته به .  

 

ثُمَّ إِنَّكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ عِندَ رَبِّكُمْ تَخْتَصِمُونَ{31}

تستمر الآية الكريمة مضيفة (  ثُمَّ إِنَّكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ ) , جميعا , المؤمنون والكافرون , (  عِندَ رَبِّكُمْ تَخْتَصِمُونَ ) , بكل نزاع جرى بينكم في الدنيا , والحكم عندها لله تعالى الحاكم العادل الذي لا يظلم عنده احد .    

 

فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّن كَذَبَ عَلَى اللَّهِ وَكَذَّبَ بِالصِّدْقِ إِذْ جَاءهُ أَلَيْسَ فِي جَهَنَّمَ مَثْوًى لِّلْكَافِرِينَ{32} 

تستمر الآية الكريمة مضيفة (  فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّن كَذَبَ عَلَى اللَّهِ ) , لا احد اشد ظلما واستحقاقا لأشد العذاب يوم القيامة ممن نسب الولد والشريك له جل وعلا , (  وَكَذَّبَ بِالصِّدْقِ إِذْ جَاءهُ ) , بالقرآن والرسالات السماوية , (  أَلَيْسَ فِي جَهَنَّمَ مَثْوًى لِّلْكَافِرِينَ ) , سؤال على نحو التأكيد , ان في جهنم مأوى كاف لزج كل الكافرين .     

 

وَالَّذِي جَاء بِالصِّدْقِ وَصَدَّقَ بِهِ أُوْلَئِكَ هُمُ الْمُتَّقُونَ{33} 

تنتقل الآية الكريمة لتسلط الضوء على الطرف المقابل (  وَالَّذِي جَاء بِالصِّدْقِ ) , النبي الكريم محمد "ص واله" , (  وَصَدَّقَ بِهِ ) , المؤمنون , (  أُوْلَئِكَ هُمُ الْمُتَّقُونَ ) , الذين اتقوه جل وعلا وحدوه واطاعوه واجتنبوه نواهيه , فهم في هذه المنزلة الرفيعة .    

 

لَهُم مَّا يَشَاءُونَ عِندَ رَبِّهِمْ ذَلِكَ جَزَاء الْمُحْسِنِينَ{34} 

تستمر الآية الكريمة مضيفة (  لَهُم مَّا يَشَاءُونَ عِندَ رَبِّهِمْ ) , يلاحظ ان النص المبارك لم يقل انهم في الجنة , بل نسبهم (  عِندَ رَبِّهِمْ ) مباشرة , ما يدل على منازل رفيعة وعلو شأنهم فيها , (  ذَلِكَ جَزَاء الْمُحْسِنِينَ ) , بمثل ذلك الجزاء سيجازي الله تعالى كل من احسن قولا وعملا .   

 

لِيُكَفِّرَ اللَّهُ عَنْهُمْ أَسْوَأَ الَّذِي عَمِلُوا وَيَجْزِيَهُمْ أَجْرَهُم بِأَحْسَنِ الَّذِي كَانُوا يَعْمَلُونَ{35}

تستمر الآية الكريمة مضيفة وعدين ربانيين :   

1- (  لِيُكَفِّرَ اللَّهُ عَنْهُمْ أَسْوَأَ الَّذِي عَمِلُوا ) : الوعد الاول , حيث تضمن النص المبارك وعدا الهيا لهم من انه جل وعلا سيكفر ويستر ويغفر لهم اسوأ اعمالهم في الدنيا , فضلا عن غيرها . 

2- (  وَيَجْزِيَهُمْ أَجْرَهُم بِأَحْسَنِ الَّذِي كَانُوا يَعْمَلُونَ ) : الوعد الثاني , يجزيهم الباري جل وعلا اجرهم بأحسن ما يكون اضعافا مضاعفة .     

 

أَلَيْسَ اللَّهُ بِكَافٍ عَبْدَهُ وَيُخَوِّفُونَكَ بِالَّذِينَ مِن دُونِهِ وَمَن يُضْلِلِ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِنْ هَادٍ{36} 

تضيف الآية الكريمة (  أَلَيْسَ اللَّهُ بِكَافٍ عَبْدَهُ ) , النبي الكريم محمد "ص واله" بالخصوص , وكل متقي عابدا لله تعالى في العموم , (  وَيُخَوِّفُونَكَ بِالَّذِينَ مِن دُونِهِ ) , اشارة الى تهديد كفار قريش بقولهم " إنا نخاف أن تخبلك آلهتنا لعيبك إياها " , اعتاد المشركون بتخويف كل من ينبذ إلهتهم بالجنون وغيره , ناسبين ذلك الى غضب إلهتهم على ذلك الجاحد بها , واقع الحال أصيب بعض بالجنون فعلا وذلك ربما لسببين رئيسيين : 

1- حالة نفسية تعتري الجاحد والمعيب لتلك الالهة من جراء تخوييف الناس وارهابهم اياه ومقاطعتهم له. 

2- يلجأ الكهنة الى ممارسة طقوس شعوذة بحق المعيب لتلك الالهة ,هي اقرب لما يسمى اليوم بالقدرات الباراسايكولوجية , مما يؤثر سلبا عليه , وقد يصاب بشيء من الاختلال بالتوازن لفترة من الزمن او ربما مدى الحياة , ذلك الاجراء و تلك الممارسة من الكهنة بحق اتباع تلك الالهة ترهبهم من عيبها وتحذرهم من الابتعاد عنها والتنكر لها , الامر الذي يجعل الضعفاء هم الاشد تمسكا بها من غيرهم , والا فأن الكهنة والاقوياء يدركون جيدا عدم جدوى تلك الاصنام والاوثان في قرارة انفسهم , لكنها وسيلة عيشهم الوحيدة , اما الاقوياء فهي وسيلتهم الافضل للسيطرة والتسلط على الضعفاء. 

(  وَمَن يُضْلِلِ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِنْ هَادٍ ) , من ابتعد وتاه عن الطريق القويم , فلا هادي له يعيده اليه .    

من الطبيعي , ان من يسير دونما مرشد او دليل سيضل الطريق حتما , وما تزيده كثرة السير الى بعدا عن الهدف المنشود , اذا فلابد من مسيرة صحيحة وفقا الى خارطة واضحة نحو هدف سام.

 

وَمَن يَهْدِ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِن مُّضِلٍّ أَلَيْسَ اللَّهُ بِعَزِيزٍ ذِي انتِقَامٍ{37}

تستمر الآية الكريمة في موضوع سابقتها الكريمة (  وَمَن يَهْدِ اللَّهُ ) , اما من هداه الله تعالى وارشده ودله ووفقه الى الطريق المستقيم , (  فَمَا لَهُ مِن مُّضِلٍّ ) , حيث قد تمسك واستعصم بالحبل المتين , (  أَلَيْسَ ) , سؤال انكاري يفيد التأكيد , (  بِعَزِيزٍ ) , منيع , غالب , (  ذِي انتِقَامٍ ) , اعداءه .   

عكس الحالة السابقة (السير دون مرشد) السير بدلالة مرشد كفوء سوف يختصر الطريق ويوصل الى الهدف بأقصر وقت ممكن , وبأقل جهد محتمل . 

 

وَلَئِن سَأَلْتَهُم مَّنْ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ لَيَقُولُنَّ اللَّهُ قُلْ أَفَرَأَيْتُم مَّا تَدْعُونَ مِن دُونِ اللَّهِ إِنْ أَرَادَنِيَ اللَّهُ بِضُرٍّ هَلْ هُنَّ كَاشِفَاتُ ضُرِّهِ أَوْ أَرَادَنِي بِرَحْمَةٍ هَلْ هُنَّ مُمْسِكَاتُ رَحْمَتِهِ قُلْ حَسْبِيَ اللَّهُ عَلَيْهِ يَتَوَكَّلُ الْمُتَوَكِّلُونَ{38}

الآية الكريمة تخاطب النبي الكريم محمد "ص واله" (  وَلَئِن سَأَلْتَهُم ) , لئن سألت كفار مكة او غيرهم من الكفار , (  مَّنْ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ ) , عن خالق السموات والارض , (  لَيَقُولُنَّ اللَّهُ ) , الجواب الحتمي حيث سيقولون الله خالقهما , (  قُلْ ) , قل لهم عندها يا محمد , (  أَفَرَأَيْتُم مَّا تَدْعُونَ مِن دُونِ اللَّهِ ) , الاصنام التي تعبدونها , (  إِنْ أَرَادَنِيَ اللَّهُ بِضُرٍّ هَلْ هُنَّ كَاشِفَاتُ ضُرِّهِ ) , ان ارادني الله تعالى بسوء , هل ألهتكم هذه ترفعه عني او تجنبني اياه , كلا , (  أَوْ أَرَادَنِي بِرَحْمَةٍ ) , او ارادني الله تعالى بنفع من خير وعافية ... الخ , (  هَلْ هُنَّ مُمْسِكَاتُ رَحْمَتِهِ ) , هل بإمكان اصنامكم منعها عني , كلا , (  قُلْ حَسْبِيَ اللَّهُ ) , كافيا اياي في دفع الضر وجلب المنفعة , (  عَلَيْهِ يَتَوَكَّلُ الْمُتَوَكِّلُونَ ) , يعتمد المعتمدون , او يثق به الواثقون , لعلمهم بانه جل وعلا الدافع لكل ضر وهو جل وعلا مصدر كل خير .   

الاقوياء من الناس يتبعهم الكهنة دائمون على تخويف الناس من ايقاع الأذى بهم بسبب تقصيرهم مع آلهتهم , هكذا فقط يستمرون في السيطرة والتسلط على رقاب الضعفاء , وهم الشريحة الاكبر في كل مجتمع , ما يجعل منهم خدما للكهنة والاقوياء . 

 

قُلْ يَا قَوْمِ اعْمَلُوا عَلَى مَكَانَتِكُمْ إِنِّي عَامِلٌ فَسَوْفَ تَعْلَمُونَ{39} 

تستمر الآية الكريمة في خطابها للرسول الكريم محمد "ص واله" (  قُلْ يَا قَوْمِ ) , يا محمد قل لقومك المعاندين , (  اعْمَلُوا عَلَى مَكَانَتِكُمْ ) , الزموا او ابقوا على ما انتم عليه , (  إِنِّي عَامِلٌ ) , اني عامل على حالي ومكانتي , ملتزما بها , (  فَسَوْفَ تَعْلَمُونَ ) , الحقيقة , مصيركم  ومصيري .       

مضمون الآية الكريمة يسير في عدة منحنيات , نذكر منها :

1- تهديد وفقا الى منطوق الآية الكريمة التالية.

2- تحدي , فبعد تهديدات المشركين له (ص واله) ومن اتبعه من المؤمنين بالأذى الذي قد يصيبهم من جراء ايقاع العيب في ألهتهم وانتقامها منهم .

3- الفات نظر للمستضعفين المخدوعين بكلام الاقوياء والكهنة من ضرورة الالتزام والتمسك بتلك الاصنام والاوثان , وطريقة ذكية تفتح لهم بابي التأمل والمقارنة بين ما يمليه عليه كهنتهم واسيادهم وبين تعليمات النبي الاكرم محمد صلى الله عليه واله وسلم .   

 

مَن يَأْتِيهِ عَذَابٌ يُخْزِيهِ وَيَحِلُّ عَلَيْهِ عَذَابٌ مُّقِيمٌ{40}

للآية الكريمة محورين :

1- (  مَن يَأْتِيهِ عَذَابٌ يُخْزِيهِ ) : وهو المحور الاول , الذي ينزل بالمشركين في الدنيا , وهو في محل الرد على تهديداتهم للنبي الكريم محمد (ص واله) من ايقاع الاذى به من قبل ألهتهم , يرى بعض اصحاب الرأي ان واقعة بدر هي احدى مصاديق عذاب الخزي هذا . 

2- (  وَيَحِلُّ عَلَيْهِ عَذَابٌ مُّقِيمٌ ) : المحور الثاني , مصير المشركين في الاخرة , وهو العذاب الدائم , الذي لا يرفع عن اهله ولا يخفف عنهم , ويبدأ من سكرات الموت الى ما لا نهاية.     




  • المصدر : http://www.kitabat.info/subject.php?id=91813
  • تاريخ إضافة الموضوع : 2017 / 04 / 08
  • تاريخ الطباعة : 2024 / 03 / 28