• الموقع : كتابات في الميزان .
        • القسم الرئيسي : ثقافات .
              • القسم الفرعي : ثقافات .
                    • الموضوع : قراءة ما وراء السطور في رواية ( دابادا ) حسن مطلك .
                          • الكاتب : جمعة عبد الله .

قراءة ما وراء السطور في رواية ( دابادا ) حسن مطلك

 اثارت هذه الرواية للشهيد ( حسن مطلك ) زوبعة وضجة عاصفة , في الوسط الثقافي والادبي , وتخللتها ردود افعال متنوعة , بالهزة العنيفة  بأن  ولادة هذه الرواية قلبت الموازين في العمل الروائي العراقي السائد  , في تغييرات جوهرية في المتن الروائي عامة  , في الاسلوبية البنائية والشكل المعماري , واعتبرت بأنها  رواية جديدة غير تقليدية , في الخلق والابداع , في التجديد والابتكار والتحديث , في الادوات الروائية غير المسبوقة , واستخدامها نمط لغوي جديد ,  ينحى الى الثنائية, لغة ظاهرية , ولغة باطنية وهي جوهر العمل الروائي , في اسلوبها الرمزي , الذي يأخذ منحى التوميه  المبطن , والتشويش والغموض , وبعثرة  زبدة الحدث او الحكاية بشكل مراوغ ذكي ,  في عملية تقطعية هنا وهناك , بهدف  التملص  من مقص الرقيب , او من غضب السلطة الماحق والظالم , الذي لا يرحم حتى الحجر , هذا الاسلوب الفطن والذكي , انقذ روايته من الحجب  ,رغم  الى الرقابة احتفظت بها لمدة عام  وبعدها اجازتها , بذريعة رواية غرائبية . , ولكنها في حقيقة الامر رواية فكرية سياسية وفلسفية واجتماعية , تتناول حقبة مظلمة من تاريخ العراق , مغلفة في حكايات سريالية غرائبية , ولكن مضمونها الاساسي , يتناول هذه الحقبة السريالية , التي خيمت على العراق بشفرات  رمزية مثل  ( القرية ) وتعني العراق , انها رواية تستفز الذهن , من خلال المضمون المخفي والمبطن في الرمزية , واعتبرت رواية ( دابادا ) نقلة نوعية في ميلاد الرواية العراقية الجديدة  , في تجديد اساليبها التقليدية , وبعض النقاد وضعها في مصاف الروايات العالمية , او بمستوى اهم انجازات الرواية العربية , في اسماء مؤلفيها , ذو شهرة واسعة وباع طويل في الانتاج الروائي . انها رواية انتقادية بكل المواصفات بالرمز المشفر , في تعرية الاوضاع السائدة , التي تتجه نحو السريالية  , في محاصرة الانسان , ووضعه في قفص مغلق , مراقب على مدى  24 ساعة في اليوم , ويحصي حتى زفير تنفسه , بكل اشكال النخاسة الارهابية والفكرية , الى تخريب الانسان من الداخل , الى وضعه في محنة اخطبوطية , حتى يتجه الى مشرحة الموت البطيء , الى تدجين الضمير بالخراب العام , انها محاولة صرخة في الفراغ , من اجل الحرية والانعتاق  , صرخة ضد الظلام السريالي . وقد قال عنها الناقد جبرا ابراهيم جبرا , بأنها ( رواية غير عادية , فهي جديدة , وكاتبها شاب جريء ) . وهذه القراءة النقدية , هي محاولة الكشف ما وراء السطور في المتن الروائي , المخفي في المضمون  , انها محاولة فهم وفك  شفراتها الرمزية , وفهم جوهرها التعبيري , المغلفة بحكايات غرائبية ملغزة , في اشكال سريالية غرائبية , هي محاولة تجميع جزئيات المقطعة في  الرمزية متناثرة هنا وهناك , والمخفية باسلوب التوميه والتشويش , لذا فأنها محاولة ارجاع الشفرات الرمزية الى اصلها الواقعي , الى الواقعية الواقع , بأنها صدى وانعكاس له , انها وضع الامور  في نصابها ,, في  جوهر المتن الروائي , الذي استغرقت من جهد الروائي الشهيد حسن مطلك . خمسة  اعوام ,  لكي تكتمل بهذا الشكل النهائي  المقدم  الى القارئ , كما يقول اهرنبورغ   (  ان الفنان يعرض الشيء الذي يثيره وتقلقه , ويثير معاصريه , واذا كان قادراً , على النظر الى اعماق القلب الانسان , وليس الى غلافه الخارجي , فهو يخلق فناً يساعد الناس في معاناتهم ) , لذا فأنها عملية  اكتشاف الرمز المبطن  ,  الذي  يكمن وراء هذه الحكايات , وليس تتبع مسارها الزمني , وهي ثلاث ايام واربعة ليالي , ولكنها في الحقيقة , تتناول حقبة زمنية من الاوضاع التي  مرت على العراق لاكثر من عقدين من الزمان  . 
1 - الحكاية الاولى : اختفاء الاب  ( محمود ) الغامض . 
اختفى في البراري ,  بشكل غامض لمدة عشرين عاماً لا يعرف مصيره  عند  اهل القرية  , بسبب ارنب مبقع اجبره على السير معه   , هذه الارانب المبقعة التي تفتك باهالي القرية , حتى لا يجد لهم اثر بعد ذلك بالضياع الكامل , لقد قاده الارنب مبقع الى ( ارض مليئة بالارانب المبقعة ) ص34 .  زوجته ( هاجر ) فتشت عنه وطرقت كل الابواب , لكن دون ان تحصل على  نتيجة لمدة عشرون عاماً , من العذاب والمعاناة تركها وحيدة مع طفلها ( شاهين ) وكان عمره آنذاك سبعة اعوام , ولكن اخيراً اخبرتها العرافة ( وزة ) وكما قالت الى ابنها ( شاهين ) وهو الان في عمر سبعة وعشرين عاماً , تقول له  ( ان وزة اخبرتني عن ابيك , قالت انه يتنفس لحد الان , غير انه لن يجيء الان ) ص34 . ان رمزية الحدث او الحكاية مكشوف , في التعبير والرمز في ( الارانب المبقعة ) التي تملك السلطة الكاملة في تغييب المواطنين , في اختطافهم واعتقالهم وسجنهم في سراديب سرية , ألم يقصد الاجهزة الامنية  في هذه التسمية الغريبة والسريالية ( الارانب المبقعة ) انها  ادوات السلطة , التي تراقب المواطنين وتحصي انفاسهم . 
2 - الحكاية الثانية : رمزية الكلب شرار . 
عواد : رسام باحث عن الشهرة والاضواء والمال , يشغل نفسه طوال الوقت في رسم كلبه شرار , في رسمه في اوضاع مختلفة , في بوزات وازياء متنوعة ومختلفة  , يرتبط به بعلاقة بهيمية غريبة  , حتى يصعد على قمة الاضواء والشهرة , ويقول عن الكلب شرار , بأنه هجين وغدار وشرس ومتهور , ويحب ( أكل لحوم البط ولا يحب ثمر التين , رسمه ,  في اوضاع الجري والوثوب , واستبدل عينيه بزراري معطف مطري )ص 43 . لا اعتقد من يبحث عن المال الاضواء والشهرة , وابراز اسمه في العاصمة والاعلام , ويقضي في الانشغال المحموم , في رسم الكلب شرار. اعتقد انه من فصيلة اخرى تملك كل  زمام الامور . من فصيلة آدمية وضعه القدر على رقاب العراقيين , في سريالية غرائبية , في رسم صورته في كل مكان وزاوية , و ( عواد ) يشعر ان اسم شرار مرعب ومخيف يجلب الخوف والقلق على مصيرحياته  ( وكلمة شرار , كأبرة طويلة الى حنجرته , ويهمس لايمكن احتماله ) ص48 . ويهمس بالاعتراف عن كنة وماهية الكلب شرار ( كل ذلك بسبب شخص معين . بسبب مجموعة اخطاء , لمجموعة اشخاص يتكرر وجودهم , ويترسب في خط بركاني ليعزله عن بعضه, بسبب اخرين يشبهونه , لكن احدهم لا يبالي ليلة سماع الصراخ , في اقصى القرية ) ص 47 . الرمز واضح والقرية تعني العراق , وليس بحاجة الى توضيح اكثر , لانها جزء من سريالية الواقع العراقي بغرابته . 
الحكاية الثالثة : رمزية موت عبدالمجيد بسم الفئران . 
عبدالمجيد مختار القرية او رئيسها الفعلي , يموت بدس سم الفئران في طعامه من قبل ( حلاب ) ليكون المختار الجديد على القرية ,وحلاب  ذو شخصية متسلطة قاسية ومتجهمة بشراسة المرعبة والمخيفة ( افسحوا الطريق لحلاب . جاء حلاب افسحوا الطريق . ابتعدوا ... ) ص 111 . ويصبح البعبع المخيف في القرية , واسمه يجلب الرعب , بعد اغتصاب السلطة , وتغير الحال في القرية  نحو الاسوأ بالتدهور الفظيع ( اقول لكم : كان العالم طرياً في البدء , ولكنه هوى على رأس مثقب , بالاخص فوق فتحات الاسلحة ) ص113 . هذا ( حلاب )  يسجل كل شاردة وواردة في مسك السلطة , بواسطة رجاله الاشداء المتزمتين في الغطرسة  , هذه اللعنة التي اصابت القرية , وهي جزء من اللعنات من  المؤامرات المتواصلة , في مذابح الاخوة البشر على العراق  ( سبعة وعشرون عاماً من المؤامرات , لاجل هذه اللحظة الذكية ويسقط . طعم الجحيم النقيقي , في اسفل الهاوية  والساعة الاخيرة من العيش والذهول والرعب والمؤامرة مرة اخرى , حيث المذابح الصفراء , التي نادراً ما تصل الى درجة القتل - مذابح الاخوة البشر - ) ص124 . ملامح الرمزية مكشوفة , رغم انها متناثرة هنا وهناك بالتقطيع شأن كل الحكايات الرمزية في سرياليتها ,  ولكن عملية  تجميع هذه القطع المتناثرة , تعطينا الصورة الواضحة , لبعدها الرمزي . وهي ترجمة حقيقية لصراع الدموي على السلطة , او بالاصح اغتصاب السلطة بمؤامرات القتل , او مؤامرات  دس سم الفئران في الطعام او في الشاي . 
4 - الحكاية الرابعة : رمزية حمار قندس . 
حمار قندس , هو يرمز الى  الاداة التنفيذية السلطوية ,  التي هي في قبضة ( حلاب ) المختار الجديد , او هو عنوان السلطة  , ويحاول ( شاهين ) وهو بطل الرواية , ان يعلن عصيانه وتمرده  على سلطة حلاب , الذي تسبب في اختفاء اباه ( محمود ) لمدة عشرين عاماً , ويكتشف سر اختفاء أباه محمود ( يكشف مع نفسه مسؤولية حلاب في اختفاء محمود , لانها بقيت بالسرية التامة )ص181 . هذا ( شاهين ) الطفل اليتيم بعد اختفاء أباه لمدة عشرين عاماً , وعاش منعزلا ً وانطوائياً , غريباً عن الواقع , منزوياً في غرفته المظلمة مع  امه ( هاجر ) لقد فشل كلياً في التكيف والتأقلم مع الواقع والناس . ويعتبر نفسه غريباً عالة على امه والناس , ويشعر بالكآبة والحزن ( يحس انه حزين , ليس حزيناً بالضبط , وانما يريد ان يبكي , وهو يراقب صوت الفجر , المتسلل بين الاحطاب وقصب السقوف , والانطلاقة الاولى لعصافير العراق ) ص173 , ويتذمر من اخبار العالم المفجعة في نشرات الاخبار ( زلازال . فيضانات . اخبار مجاعة السود . محدثات نزع السلاح النووي . عمليات الفدائيين العرب . جلسات مجلس الامن . ارهاب عالمي . مخدرات . فضائع سياسية . تجسس . جرائم . خطف . حروب . انقلابات . انحلال . اسلحة جديدة ............ الخ ) ص174 . ويتساءل ( الى متى هذه الظلمة . . . انها عبارة عن محض صرخة في فراغ :  دا - با ................. دا ............... بذلك كان الضحك , بعد محاولة الضحك دائماً . الضحك . الضحك . الضحك ........... الى ما لا نهاية ) ص170 . جعلته يتوخى العلاقة مع الناس , لانه يعتبرها خاوية وجافة ومصلحية ( اخلاق الناس بنظري , مرة مشيت مع صديق , واحد في المائة يعطي الصداقة حقها .......... مصالح ) ص164 . . لذلك من اجل الانعتاق من هذا الوضع المظلم والسريالي , قرر ان يقتل الحمار قندس , ليوجه طعنة قاتلة الى ( حلاب ) . واخذ المدية سلاح القتل وهجم على الحمار قندس بالطعنات ( طعنة .... طعنة . طعنة ... ويهجم الالم لحظة رؤية الدم يغطي النمش ) ص196 . ويهرب وهو يرى يديه ملطخة بالدماء , فيركض الى الشاطئ , لكنه بعد ذلك يقع في مفاجأة , بأنه لم يقتل الحمار قندس , وانما الحمار بخير لم يقتل لانه ( استعملت المدية بشكل معكوس , لاني كفي ظل يؤلماني , والدم هو دمي أنا , لا دم الحمار ) ص 210 . 
5 - الحكاية الخامسة : رمزية اختفاء شاهين . 
بعد المحاولة الفاشلة , يشعر بالانهيار وان حياته انتهت بالخسارة والرعب , بأن حياته اصبحت على كف عفريت , ويختفي في ظروف غامضة عن الوجود , وتقلق امه ( هاجر ) لهذا الغياب المخيف , المشابه لغياب ابيه ( محمود ) , ويصبها الرعب والخوف , وتفتش عنه في كل مكان وتسأل الناس ( الرايحين والقادمين : هل رأيتم شاهين ؟ هل رأيتم ولدي ؟ فيميلون عنها , معتقدين ان عدوى جنون العائلة , قد تسرب اليها , فصارت تركض من تل الى اخر , وتفتش الوديان والبيوت ) ص193 , لكن اخباره ضاعت واختفت , بالضبط مثل اخبار الروائي الشهيد  حسن مطلك , ولكنه عرف فيما بعد , بأنه اعدم , بذريعة مشاركته في المحاولة الانقلابية الفاشلة ضد صدام حسين , وهو لم يبلغ عمره ثلاثين عاماً , في اوج عظمة ابداعه الادبي , وخاصة , انه رسام وشاعر وروائي قدير . نسأل المولى القدير ان  يتغمد الراحل برحمته الواسعة , واسكنه فسيح جناته 
× رواية ( دابادا ) الروائي الشهيد حسن مطلك 
× اصدار : دار العربية للموسوعات 
× الطبعة الاولى عام 1988 
× 223 صفحة 



  • المصدر : http://www.kitabat.info/subject.php?id=91199
  • تاريخ إضافة الموضوع : 2017 / 03 / 24
  • تاريخ الطباعة : 2024 / 03 / 29