• الموقع : كتابات في الميزان .
        • القسم الرئيسي : المقالات .
              • القسم الفرعي : المقالات .
                    • الموضوع : هكـذا استطاعت السلطة السياسية للدولة في المغـرب التغلب على وحدة النِضالات! - قطاع التربية والتعليم نموذجـا - .
                          • الكاتب : محمد المستاري .

هكـذا استطاعت السلطة السياسية للدولة في المغـرب التغلب على وحدة النِضالات! - قطاع التربية والتعليم نموذجـا -

 استطاعت السلطة السياسية للدولة في المغرب، منذ خطاب الأوباش للملك الراحل الحسن الثاني رحمه الله إلى الآن، أن تتغلب على وحدة النضالات التي كانت تعترض على بعض سياساتها الموصوفة بغير المعقولة، وذلك من خلال اعتمادها وسيلتين هما: 
أولا: مساومة واحتواء أبرز المتزعمين للأشكال النضالية، ذلك أن خلو الساحات النضالية، اليوم، لا يعني «انقراض» المناضلين والمثقفين، من طينة من طبعت أسماؤهم التاريخ المغربي، بل الأمر يتعلق ببيع الضمير وقبول الأكل من كعكة المخزن ومص عضوه، ولنا في ما يسمون بالمناضلين النقابيين خير نموذج لمعنى الإنتهازية، إذ يستفيدون من التفرغ النقابي من أجل الخلود إلى الراحة و«التبزنيز»! ويستفيدون من الأموال العائدة من بطاقات الإنخراط، وفي الأخير يصوتون لصالح قرارات المخزن التي يرفضها الجميع؟!
ثانيا: -وهذا ما سنركز عليه شرحا وتحليلا- العمل على خلق جغرافية متباينة، كإستراتيجية سياسية لكي تتباين المطالب، حيث صرنا أمام ثنائية: «مغرب ممكـن»، تتمركز فيه جل المؤسسات، و«مغرب غيـر ممكن»، وهو المغرب العميق والغريق والمنسي، غير أن الخطير في هذا الأمر، هو إن كان في هذه الثنائية مصلحة سياسية لسلطة الدولة، فإن فيها بالمقابل، تناقضا مع شعارات دولة الحق والقانون، وضربا عرض الحائط بحقوق الإنسان، بل وأكثر من ذلك، إن لها تداعيات سلبية على مستوى تكافـؤ الفرص بين المواطنين. 
فعلى سبيل المثال لا الحصر، غالبا ما نجهل أسباب استياء العديد من الموظفين ببعض القطاعات، شأن عديد من موظفي قطاعي التعليم والصحة، الذين يشتغلون في بعض المدن أو بعض القرى والمناطق النائية، حيث إذا عبروا في مناسبات عن مدى استيائهم وامتعاضهم من تأخر استفادتهم من الحركة الانتقالية، التي قد يمتد تأخرها أحيانا لسنوات طويلة، فأصابع اللوم تتجه إليهم بكونهم غير راضين على خدمة أناس تلك المناطق وبأنهم يتملصون من مسؤولياتهم. 
والواقـع، هو أنه من الواجب على كل مواطن أن يقوم بعمله على أتم وجه، تنفيذا والتزاما للواجب الأخلاقي والمهني، مهما كانت الظروف صعبة وقاسية. لكن، من حق هذا المواطن/ الموظف، بإحدى هذه القطاعات أن يطمح ويحلم بتغيير وضعيته المعنوية والمادية أسوة بالآخرين الذي يشتغلون في مناطق حضرية... لأننا «لا نعيش بالخبز فقط»، حيث نحيا أيضا بالكرامة وعدم التمييز...، بيد أن مطمح هذا التغيير المُبْتَغَى، غالبا ما يُحْبَطُ بقرار سياسي فاشل، وهو الأمر الذي يتمثل في سياسة الدولة التي اهتمت وتهتم ببعض المناطق دون غيرها، حتى أصبحنا أمام ثنائية جغرافية واضحة: «مغرب ممكن» و«مغرب غير ممكن».
ففي «المغرب الممكن»، الذي يضم مجموعة من المدن والمناطق التي تستفيد من جميع المؤسسات الضرورية، ولعل على رأسها المعاهد العليا والمتخصصة والجامعات، فيتاح للمواطن/ الموظف بها، إمكانية متابعة الدراسة العليا، وإمكانية الحصول على دبلومات تؤهله مستقبلا للترقي أكاديميا ومهنيا، وذلك إضافة إلى الاستفادة من وسائل النقل المختلفة، (القطار وطرق السيار التي تلخص بعد المسافة)، كما يمكن أن نشير إلى سرعة وصول المعلومة، حيث الجرائد والصحف يمكن قراءتها بيوم قبل صدورها، إنه فعلا مغرب نافع، حيث تتمركز فيه جل المؤسسات العليا والضرورية. 
أما «المغرب غير الممكن»، والذي يشمل مجموعة من المدن والمناطق المنسية من عمليات التنمية، حيث لا نجد أي إضافات أو تغييرات تطرأ على هذه المناطق رغم مر السنين والعقود، فهي ما تزال في إطار عزلة تامة، حيث لا مؤسسات ولا معاهد ولا جامعات، ولا مرافق ولا حتى مصحات يمكن ولوجها عند المرض. وبالتالي، فلا يتاح للمواطن/ الموظف، في «المغرب غير الممكن»، إمكانية متابعة الدراسة العليا أو الحصول على دبلومات، أو التنقل إلا على ظهور الحمير والبغال وسيارات النقل السري على طرق غير معبدة، إن ما يمكن قوله بخصوص هذه المناطق في خضم التحولات العميقة وزمن السرعة، هو أنها لا تصلح إلا لتكون مقابر لدفن الموتى، وذلك تعبيرا عن التهميش والإقصاء والنسيان الذي طالها كثيرا.
إن هذا الوضع غير المتكافئ في التدبير المجالي يعبر عن حقيقة، مفادها أن سياسة الدولة لم تضف أي اجتهاد بعد الاستقلال، ويكشف عن ذلك حجم الهوة العميقة بين «المغربين» اللذين أشرنا إليهما، التي هي امتداد لثنائية «المغرب النافع» و«المغرب غير النافع» التي كان قد خلفها الاستعمار الفرنسي بناء على إيديولوجيته لتحقيق أهدافه الاستعمارية. 
وهـذا الأمر لا يغنينا عن الإشارة إلى أن سياسة الدولة مستفيدة من هذا الوضع المجالي غير المتكافئ: «المغرب الممكن» و«المغرب غير الممكن»، كونه يساهم في التغلب على وحدة النضالات، في جميع القطاعات، تحقيقا بذلك لمواطنين طيعين، خاضعين وتابعين، أي عملا بمقولـة: «جوَّع كلبك يتبعك». 
ولعله من الواضح جدا، أن الدولة قد نجحت فعلا في ضرب الانسجام النضالي الذي تحدثنا عنه، وفي كل المجالات، حيث يمكن أن نستدل على ذلك من خلال المثال التالي: فلو تحدثنا على قطاع التربية والتعليم، فلا يمكننا أن نقول بأن رجال التعليم يشكلون جسما منسجما أو وحدة نضالية، هذا حتى وإن تعلق الأمر برجال التعليم الذين لهم نفس الوضعية على مستوى الدرجة والرتبة.
 ذلك أن رجل التعليم الذي يقطن ويشتغل في مدينة من المدن التي تنتمي إلى «المغرب الممكن»، خصوصا إن كان قد عُيِّـنَ فيها لأول مرة، فإنه لا يعرف ولا يدرك، بل لا يمكنه حتى أن يتصور حجم الإكراهات والصعوبات في العمل التي يواجهها رجل التعليم الذي يشتغل ويقطن في منطقة معينة من مناطق «المغرب غير الممكن»، هذا الأخير الذي يشكل امتطاء ظهر حِمَارٍ أو بَغْلٍ وسيلة نَقْلٍ له، والذي يُجَمِّـدُ البرد والثلج الدماء في عروقه... إنه فعلا مغرب غير نافع. 
فهكذا يظهر أن الدولة من خلال اهتمامها ببعض المناطق دون غيرها، استطاعت التغلب فعلا على نِضالات واحتجاجات مُخْتلف القطاعات، ومن أهمها قطاع التربية والتعليم، الذي مثله رجال التعليم، ذلك الجسم الذي كان منسجما وقويا ويُحسب له ألف حساب، لم يعد كذلك؛ حيث أصبحنا أمام مجموعة من المطالب الفئوية، التي أسهمت في إضعاف وتقزيم النضال المُطالب بالحقوق والرافض للسياسات الارتجالية، حتى أصبحت كثيرة هي القرارات غير المعقولة التي يتم تنزيلها على رجال التعليم. 
إن دولة الحق والقانون، ليست هي تلك التي تكتفي بالخطابات والشعارات الرنانة، ولكن دولة الحق والقانون، هي التي تحقق العدالـة الاجتماعية لجميع مواطنيها في أي مناطق كانوا، حيث لا تجعل النجاح والترقي ضربا من ضروب الحظ، ولكنها تكرس مبدأ المساواة والإنصاف بناء على الاستحقاق. فإلى متى سيتم تحطيم الجدار الذي يفصل بين المغربين: المغرب الممكن/ النافع، والمغرب غير الممكن/ غير النافع؟ 
 



  • المصدر : http://www.kitabat.info/subject.php?id=91096
  • تاريخ إضافة الموضوع : 2017 / 03 / 22
  • تاريخ الطباعة : 2024 / 04 / 16