• الموقع : كتابات في الميزان .
        • القسم الرئيسي : المقالات .
              • القسم الفرعي : المقالات .
                    • الموضوع : عراقي ومحيط وعراق .
                          • الكاتب : مرتضى المياحي .

عراقي ومحيط وعراق

عندما كنّا صغاراً وأتممنا عامنا السادس ، أُدخلنا المدرسة عُنوة ، بعد أن حُرمنا من نعمة اللعب دون حساب ، فحفظنا النشيد الوطني ، وطالما وقفنا منتصبين صباح كل خميس في الإصطفاف لرفعة العلم ، تربينا على أنغام بلادي ، وسيادة وحرية لا تأتي سوى بالموت الأحمر، والحسام ، لا الكلام.

نعم. كان من قدرنا أن نعيش طفولة خاصة ، طفولة لا تعرف الكثير من رغد الحياة ، وقبولنا بقدرنا ينبع إمّا من خوف من السلطة الحاكمة وسيفها المسلول لقطع رأس من يعترض "حتى لو كان طفلاً" ، أو لأننا كنّا ندرك "إن الصبر مفتاح الفرج" ، فلا بد للبعث أن ينجلي ، ولا بد للقيد أن ينكسر. 

 

فرُجت ، ورحل الطاغية ، وجاء التصفير لا التغيير ، فكبرنا ، وكبرت معنا ، طموحاتنا التي لم تتحقق ، وآمالنا التي شاهَدَت مقتل أقرانها أمام عينيها ، وعلى إثرها إنكمشت وتصاغرت إلى درجة الإختفاء. 

 

إن خيبة أملنا من التغيير تجلّت ، بساسة أشبه ما يكونوا "وللأسف" بحكام ببني العباس حينما رفعوا شعار "الرضا من آل محمد"! ، وكما قال الشاعر أحمد بن أبي نعيم الذي نفاه المأمون بسبب هذا البيت:

{ما أحسب الجور ينقضي  ▪️▪️▪️ وعلى الاُمّة والٍ من آلِ عبّاس}

 

البيت العراقي الآن أوهن ما يكون "إجتماعيا" وهذه ليست أكذوبة بل حقيقة ، أراها عندما يعيش السياسيون والمتنفذون بيننا بمعزل عن الأزمات هم وعائلاتهم ، وأن مايروجون له بأنهم جنباً إلى جنب مع شعبهم ليس إلا ضربا من الخيال "ولا حاجة للتفصيل". 

 

ما يؤلم حقاً أن بعضهم تجاوز مرحلة إستغفال الشعب بل واحتقاره ، ووصل إلى مرحلة التقليل من شأن المرجعية ، حينما طالبت بالتغيير أثناء الانتخابات البرلمانية السابقة. 

فبدأ بتحريض قواعده الشعبية المنتفعة منها والمُستغفلة ، بكيل السباب والشتائم لمقام المرجعية الدينية ، والتي حفظ مقامها الشرع، والعرف، والدستور الذي نص في المادة (15) على: (للمرجعية الدينية استقلاليتها ومقامها الإرشادي كونها رمزاً وطنياً ودينياً رفيعاً).

فكيف بمن أقسم على الدستور أن يفعل ذلك؟ 

 

لا أحد يلقي بالاً ، كأنهم يلعبون لعبة عضّ الأصابع ، أزمة هنا في هذا الجانب ، ومصيبة هناك في ذاك الجانب، والشعب ينزف والعمر يمضي.

أنا من هذا الشعب ، إنتظرت كثيراً. لكن اليأس تملكني ، فتركت الوطن ، لملمت ما إستطعت من ذكريات بعدما ألقيت نظرة الوداع على الأحياء ، والسلام على الشجر، والنهر، والعتبات، والمساء، والطرقات.

 

تركت العراق لغزاة مختلفين ، فاسد وإرهابي ، ومعدوم الضمير ، وخرجت منفياً دون مرافقة من جنود مكلفين بنفيي عبر الحدود. 

وها أنا الآن عراقي يفصله محيط بحجم همومه عن العراق. والآن أصبحت إنساناً يشعر بلوعة حب الوطن ، وبحرقة فرقة الأحباب ، أحببت وطني مجدداً، كما لو أني لم أشعر بحبه عندما كنت هناك.




  • المصدر : http://www.kitabat.info/subject.php?id=90461
  • تاريخ إضافة الموضوع : 2017 / 03 / 08
  • تاريخ الطباعة : 2024 / 03 / 29