• الموقع : كتابات في الميزان .
        • القسم الرئيسي : ثقافات .
              • القسم الفرعي : أدب الفتوى .
                    • الموضوع : وسطعت شمس الحقيقة. .
                          • الكاتب : صلاح عبد المهدي الحلو .

وسطعت شمس الحقيقة.

 م/ الاسماء المذكورة كما وجدتها في القصة الحقيقية.
عفواً,دعني أحدثك عن نفسي قليلاً,وأبثك من هموم أوجاعي أهمها,ليتك تدري مالذي أصابني يوم دخلتم عليَّ؟مشاعر ملتهبة بنار الخوف,وعواطف مترعة بماء الأمل,يتزاوجان كما تتزاوج العناصر الكيميائية في بوتقة المختبر.
استاذ غسان,دعني اقول لك شيئاً لا أدري كيف احدّثك به,أنا خجلٌ جداً من التفوّه به,ولكن لا بد من ان اطلعك عليه,نعم,نحن نكره الدواعش,ولكننا ايضاً كنا نكرهكم,قالوا ان تبسمكم في وجوهنا للمخاتلة,ومضاحكتكم لنا في منتدياتنا للمراوغة,وانكم تنافقون في معتقداتكم ,وتسمون نفاقكم تقية,وانكم اذا دخلتم مدننا جعلتم أعزة أهلنا أذلة,والأعلين منها أسافل.
لذا,لاتؤاخذني أبداً على عصبيتي معكم,حينما سمعت أنكم تريدونني بالإسم! مرت الخيالاتُ في لبّي,وهاجت الوساوس في قلبي, رسمت ريشة الخيال على لوحة عقلي انكم ستخرجونني من داري بالقوة,تهينونني أمام زوجتي وأطفالي كما تفعل داعش مع ضحاياها,ثم تسحلونني في الشارع,فتجعلوني عبرةً لمن لايعتبر,ثم تقتلونني!
لا تستغرب إذا قلت لك هذا الكلام,فلقد رأينا من داعش كلَّ هذه الأفعال,وسمعنا عنكم كل هذه القسوة,ولكني لم أكن أدري ان بين الحق والباطل أربع اصابع,فالحق مارأته العين,والباطل ماسمعته الاذن.
استاذ غسان الربيعي,لعلك لاتعرفني جيداً,أو لم تسمع بي من قبل,أنا مدرسٌ في هذه المدينة (المقدادية) أعرف تاريخ ترابها المفعم بالحضارة,ونسب جداولها المترعة بالخير,وعمر أشجارها المحمّلة بالبرتقال.
وإن فرَّقت بيننا وشائج النسب,فقد جمَّعت بيننا حبائل الوطن,فصهرتنا في بوتقة المصير؛ فغدا مصيرنا واحدا,كما تنصهر المعادن المختلفة في النار,فتكون سبيكةً واحدة,انا ابن عراقك الذي تعرف,وبيئتك التي تدري.
صحوتُ ذات يوم,كان أملي – كما في العادة – أن أصحوَ على إطلالة الشمس على الأفق ,وصوت الأذان من الجوامع,وقرع النواقيس في الكنائس,وصياح الديكة في المزارع,وثغاء الحيوانات في البساتين,ولكنني فوجئت بصوت أزيز الرصاص بين البيوت,يتطاير هنا وهناك,وقنابر الهاون على الاسطح تقفز هنا وهناك,ومخلوقاتٍ ممسوخة من بشريتها,أضاعت انسانيتها الناطقة,وتلبَّست بحيوانيتها البهيمة تدخل علينا.
نزحنا إلى بغداد مع العوائل التي نزحت,نزحنا مكرهين عمَّا نحب,أخذنا عوائلنا,وتركنا ذكرياتنا,هنا تحت هذه الشجرة كنا نتسامر كبارا,وهناك في ذاك المرتع كنا نلعب صغارا,تركنا كل ذلك وراء ظهورنا,ونظرنا الى عدونا الذي أمامنا.
انظر الى هذه البيوت المتناثرة هنا وهناك,لقد عانت جدرانها من الخوف,وملَّت أبوابها وشبابيكها من الألم,حين رجعنا إلى ديارنا المحررة قيل لنا بعد التحرير إنكم – ياأبناء الحشد الشعبي – تحملون قوائم فيها أسماء من باعوا الوطن وخانوه,وانكم ستفعلون بهم الأفاعيل.
كنا ننظر اليكم انكم ستصفون حسابكم مع أبناء السنة,تدفعكم نشوة النصر إلى الفتك,ويمنعكم اختلافُ المذهب من الرحمة؛لذا لاتعجب حينما قلتُ لكم بنبرةٍ منفعلة ,ولهجةٍ مستعرةٍ بنار الغضب:- ماالذي تريدونه منا؟ الا يكفي مافعله الدواعش معنا؟لم يبقوا لنا شيئاً,لقد سرقوا كلَّ شيء,ماذا تريدون منا؟ عن أيِّ شيءٍ تبحثون؟
لم أكن أدري انني اتحدّث مع أناسٍ قدَّموا حتى ذلك اليوم في تلك المناطق الف وخمسمائة شهيد,ألف وخمسمائة روح ودَّعت أجسادها ,لنلتقي – نحن - بعوائلنا,الف وخمسمائة عائلةٍ فُجعت بأفلاذ أكبادها,لنفرح نحن بالرجوع إلى ديارنا,لم أكن أدري انكم جئتم لترفعوا المفخخات من داري,وتزيلوا المتفجرات من بيتي,كم أنا مستحٍ منك,وخجل منهم ,حين علمت ان هؤلاء الفدائيين,من فرق الجهد الهندسي قدَّموا ثلاثة شهداء من خبراء المتفجرات وهم يزيلونها عن بيوتنا,كان بالإمكان تفجيرها بالديناميت ,ويتخلصون من هذه المجازفة بالأرواح,ولكنهم آثروا ان يفدوا مساكننا ,وسكينتنا,بأرواحهم التي على راحاتهم, فشروا نفيسا,وباعوا نفوسا,من أجل إسعادنا!
وها أنذا,أستاذ غسان,أضع اعترافي الخجل أمام تلك الدماء النازفة,عسى ان يتقبلوها مني,فإن الارواح المحلقة في سماء الشهادة – بحسب ما أعلم – تملك شجاعة الصفح والغفران,
فياأيها الشهداء الابطال,ليتكم صفحتم عن سوء ظني بكم,فأنتم أهلٌ للصفح والمغفرة.
 



  • المصدر : http://www.kitabat.info/subject.php?id=90438
  • تاريخ إضافة الموضوع : 2017 / 03 / 07
  • تاريخ الطباعة : 2024 / 03 / 28