• الموقع : كتابات في الميزان .
        • القسم الرئيسي : المقالات .
              • القسم الفرعي : المقالات .
                    • الموضوع : أَلْمُجَامَلَاتُ...لِمَاذَا؟! [٧] .
                          • الكاتب : نزار حيدر .

أَلْمُجَامَلَاتُ...لِمَاذَا؟! [٧]

   اذا كانت بعض المشاكل الشّخصيّة يُمْكِنُ حلَّها بقليلٍ من المجاملةِ وحُسنِ الخُلُق، فانّ المشاكل العامة خاصَّةً التي يُراقُ فيها الدمّ وتُنتهك فيها الأَعراض لا يُمْكِنُ أَبداً حلَّها بنفسِ الطَّريقة! الا ترَونَها تتكرَّر وتُستنسخ دائماً؟!.

   إِنَّ مثلَ هذهِ المشاكل يلزم البحث في جذورِها وأَسبابِها بعيداً عن المُجاملات للوصولِ الى حلولٍ جذريَّةٍ ثابتةٍ ومستقرَّةٍ، وإِلّا فستعودُ المشكلةُ وسيُراق الدَّم وتُنتهك الأَعراض وتُسبى الحُرُمات مرّةً أُخرى وبشكلٍ متتالي!.

   الذين يُريدون حلّ مشاكل الْعِراقِ بالمجاملات ومن خلال تقديمِ أوراقٍ صفراء بائسة سمَّوها [المبادرة التّاريخيّة] يذكِّرونني بقصَّة الوساطات الإيرانية التي كانت تتدخَّل لفضِّ النّزاع المسلَّح بين التَّنظيمَين الشّيعيَّين اللبنانيَّين [حركةُ أَمل وحزبُ الله] فترة التسعينيّات من القرن الماضي أَيّام الاقتتال الشّيعي الشّيعي العنيف والذي استخدم فيهِ الطَّرفان كلّ أَنواعٍ الأسلحة الثّقيلة منها الصّواريخ والقذائف الموجَّهة [أَميركيّة الصّنع] أَغلبها وغير ذلك! فكانَ المقاتلُ من طرفٍ يصرخ [يا زهراء] ليرمي الآخر الذي يصرخ [يا حُسين] ليردَّ عليه، وهكذا! ولقد كدتُ شخصيّاً أَن أَكون وعائلتي ضحيَّة إِحدى هذه الصَّرخات [المقدَّسة] عدَّة مرّاتٍ لولا لطفُ الله تعالى!.

   نعودُ الى قصَّة الوساطات الإيرانيَّة المتكرِّرة! ففي كلّ مرّةٍ تتعالى فيها صرخات [يا زهراء ويا حُسين] يستقلَّ وفدٌ رسميٌّ رفيع المستوى الطّائرة من طهران الى بيروت للاجتماع بطرفَي النّزاع لإيقافِ الصّرخات [المقدّسة] وبالتّالي لحقن الدّماء!.

   لم يشأ الوسيط الإيراني البحث في عُمق المشكلة أَو أَن يفتح كلّ الدّفاتر والسّجلّات بين الطَّرفَين المتقاتلَين، فكانَ يكتفي بالإدلاءِ بحديثٍ عن الأَخلاق والوحدة الشّيعيّة الشّيعيّة وكيف أَنّ الأعداء يضحكونَ علينا إِذا اختلفنا وتقاتلنا، ثم يذكِّر الطَّرفَين بقولِ الله تعالى {وَلَا تَنَازَعُوا فَتَفْشَلُوا وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ} ويختتم حديثهُ بالطّلبِ من المجتمعين رفعَ أَصواتهِم بالصَّلاة على مُحمَّد وَآل مُحمَّد!.

   ثم يستقلَّ الوسيط طائرتهُ عائداً الى طهران فرِحاً مستبشراً وفِي ظنِّهِ أَنّهُ حلَّ المشكلة، وبالتّالي حقّق إِنتصاراً تاريخيّاً اذ حقنَ الدَّم وحمى العِرض ووفّرَ مصادر قوَّة شيعة لبنان!.

   إِلّا أَنّهُ في كلّ مرّة يُخطر بعودةِ القتال بين الطَّرفَين وهو بعدُ في الطّائرة حتّى قبل أَن تهبط بهِ في مطار مهرآباد بالعاصمة طهران! الأَمر الَّذي يضطرُّهُ للعودةِ أَدراجهُ الى بيروت مُحاولاً مرَّةً أُخرى ومتوسِّطاً بعد مكوثِ مدّة أَقل من (٢٤) ساعة للاستراحةِ!.

   وهكذا ظلَّت الحرب الشّيعيّة الشّيعيّة تدورُ رحاها لسنينَ عديدةٍ! الى أَن قرَّر الوسيط أَن لا يكتفي هذه المرَّة بالطَّلاء الذي ثبُتت عدم فاعليَّتهُ! فصمَّم على أَن يغوصَ في العُمق، عُمق المشكلة، ويخوضَ بكلِّ التَّفاصيل ويضع كلّ الاوراق فوقَ الطّاولة مهما كانت خطيرة وقاسية! ليجد لها الحلّ الواقعي والحقيقي والفعّال والمُستقرّ! فأَلمُ ساعةٍ أَهونُ من دماءِ سنين!.

   وهذا ما كان، ومنذُ ذلك اليوم والى الآن لم يُطلق أَيٍّ من الطَّرفَين حتّى رصاصةً واحدةً ضدَّ الآخر، بل تطوَّرت العلاقة بينهُما والتي بُنيت على ذلك الحلّ الحقيقي الى حلفٍ إِستراتيجيٍّ على مُختلفِ المستويات، حقَّق الكثير من الانجازات التّاريخيّة التي خدمت لبنان وشعبها!.

  هذه التّجربة الثرَّة والغنيَّة يجب أَن يضعها السياسيّون العراقيّونَ وتحديداً أَصحاب [المبادرة] نصْب أَعينهِم اذا أَرادوا أَن يُحقِّقوا مُنجزاً تاريخيّاً حقيقيّاً! أَمّا اذا لم يتعلّموا الدُّروس ولم يهتمّوا بتجاربِ الآخرين، طبعاً مع الأخذ بنظرِ الاعتبار خصوصيّات الحالة العراقيّة، فانّهم سيكونونَ مصداق الحائِط الذي أَشار اليهِ الخطاب المرجعي الأُسبوع الفائِت!.

   كيف؟!.

   هذا ما سنتحدّث عنهُ لاحِقاً.  

   *يتبع

   ٥ شباط ٢٠١٧

                       لِلتّواصُل؛

‏E-mail: nazarhaidar1@hotmail. com




  • المصدر : http://www.kitabat.info/subject.php?id=89297
  • تاريخ إضافة الموضوع : 2017 / 02 / 07
  • تاريخ الطباعة : 2024 / 04 / 19