• الموقع : كتابات في الميزان .
        • القسم الرئيسي : المقالات .
              • القسم الفرعي : المقالات .
                    • الموضوع : حوار الثقافات .
                          • الكاتب : محمد زكي ابراهيم .

حوار الثقافات

  في سبعينات القرن الماضي أطلق أحد الزعماء العرب مبادرة كبرى أسماها الحوار بين الشمال والجنوب، أو العالمين الغني والفقير. وكانت أبرز دواعي هذه المبادرة الديون الكارثية التي أثقلت كاهل دول الجنوب وأهمها البرازيل، واتساع الهوة الحضارية بين الغرب والبلدان التي تقع أسفل منه، في آسيا وإفريقيا وأميركا الجنوبية.
ولم تكن مفردتا الشمال والجنوب متداولتين آنذاك، كما لم يكن مفهوم الحوار شائعاً في حينه. فالغربيون بلغوا الأوج في القوة والرفاهية، أما الآخرون فكانوا يحلمون ببعض منها في أحسن الأحوال.
وفي هذه الحقبة كتب الطيب صالح روايته الشهيرة موسم الهجرة إلى الشمال. ولا أعلم إن كان استعار مفردة الشمال من أهل السياسة أم هم استعاروها منه. ولكن ما أتذكره أن هذه الرواية  أعانت على شيوع هذه المفردة على الألسن. وكان موضوع الرواية هو الحوار بين مجتمعين متناقضين، بطريقة لا تخلو من المفارقة والطرافة. فالجنوبي، الذي يقف مبهوراً أمام نظيره الشمالي، لا يجد سوى فحولته، ليسترد بها قدرته على مواجهة الهيمنة، والشعور بالدونية.
وبمرور الوقت نسي الموضوع، ولم يعرف الناس هل جرى مثل هذا الحوار أو لا، وهل كانت له نتائج ملموسة أو انتهى إلى بوار. فقد مرت منذ ذلك الحين سنوات طويلة، والجنوب ما خلا بلدان قليلة، ومنها البرازيل هذه، مايزال يجتر أحزانه دون جدوى.
في أواخر التسعينات أطلق أحد زعماء المنطقة مبادرة جديدة تحت عنوان حوار الأديان. وأرسلت من أجل ذلك البعوث إلى عواصم العالم المسيحي على وجه الخصوص. وصاحب هذه الخطوات قدر من الهدوء، نعمت به المنطقة لسنوات قليلة. وشكك البعض بجدوى هذا الحوار. في ما لم يعرف أحد هل كان المقصود هو حمل الأطراف على تقبل بعضها بالبعض الآخر، أو أنه محاولة لتغيير القناعات التي ترسخت عبر السنين بين الأطراف جميعاً، بفعل عوامل تاريخية واقتصادية مؤثرة.
 غير أن مالم يجرؤ أحد على الاقتراب منه، أو تبنيه في مرحلة ما، هو حوار الثقافات. ولم يدل أي زعيم من الزعماء بدلوه في هذا السبيل. إلا أن ذلك لم يكن لغفلة منه، بل لأن مثل هذا الحوار قائم منذ نشوء البشرية حتى يومنا هذا. ففي كل منطقة من مناطق التماس تجتمع الثقافات في ما بينها، وتتمازج، وتتلاقح. ويخرج الناس في ما بينهم بثقافة مشتركة ذات أبعاد اجتماعية ولغوية وفنية ودينية جديدة. ويجري كل ذلك بهدوء، وصمت، وتؤودة. فالحروب التي تندلع أحياناً على الحدود، لا تستطيع أن تنال من هذه الثقافة شيئاً، لأن ما  يؤججها شئ آخر لا علاقة له بالمكان، تماماً.
 حوار الثقافات هو الحوار الوحيد الذي لا يمكن أن ينتهي، أو يتوقف، أو يندثر. لأنه يعني بشكل أو بآخر ديمومة الحياة في كل بقعة من العالم، وقدرة الإنسان على التعايش والفهم واحترام الذات، والرغبة في البقاء إلى ما لا نهاية له من الزمان.



  • المصدر : http://www.kitabat.info/subject.php?id=89013
  • تاريخ إضافة الموضوع : 2017 / 01 / 29
  • تاريخ الطباعة : 2024 / 03 / 29