• الموقع : كتابات في الميزان .
        • القسم الرئيسي : المقالات .
              • القسم الفرعي : المقالات .
                    • الموضوع : علي (ع) دولة الحق .
                          • الكاتب : نعيم ياسين .

علي (ع) دولة الحق

احر التعازي نرفعها الى مقام امام العصر والزمان الحجة بن الحسن ( عج ) والى الامة الاسلامية بذكرى شهادة سيد الاوصياء امير المؤمنين علي بن ابي طالب (ع)
---------------------------------------------------------------------
 لاجدال بين العقلاء ان البشرية على امتداد تاريخها الطويل لم تحظ بحكومة عادلة اخذت للمظلوم حقه من ظالميه وقام الناس فيها جميعا بالقسط , وتظل بعض الفترات التي حظي فيها هذا الجيل او ذاك بحكومة نبوية في تاريخ الانسانية بمنزلة واحة في صحراء قاحلة , وهي الاخرى حكومات ومجتمعات لم تخل من منافقين واعراب آذوا الانبياء والمؤمنين . ومع ان المسرح البشري يغرق بالدموع ويضج بالالام تظل الانسانية فيه ترنوا الى اليوم الموعود الذي تملأ فيه الارض قسطا وعدلا كما ملأت ظلما وجورا , وهذه من حتميات القران " ونريد ان نمن على الذين استضعفوا في الارض ونجعلهم ائمة ونجعلهم الوارثين * ونمكن لهم في الارض " القصص / الايتان 5, 6 " ولقد كتبنا في الزبور من بعد الذكر ان الارض يرثها عبادي الصالحون " الانبياء / 105 . ومع ان هذه الايات وكما بينتها السنة المطهرة الصحيحة المروية عن اهل البيت (ع) تشير الى قيام الامام المهدي ودولته , وان من صفات وخصائص تلك الدولة ان الناس يسيرون فيها ليالي واياما آمنين , الا اننا نجد خصائص هذه الدولة وطبيعتها فيما تركه الامام علي (ع) من تراث فكري وعملي وفي مقدمته عهده الى مالك الاشتر لما اختاره واليا على مصر , فالعهد هو دستور للدولة التي ارادها الامام في ذلك القطر من اقطار المسلمين , اراد منه الامام بناء دولة الحق على ضوء الكتاب والسنة وما كان يراه – وهو المعصوم – في مستحدثات القضايا الناشئة بعد رحيل النبي (ص) .
كيف كان علي (ع) دولة الحق ؟ وهل بامكان جيلنا الحاضر ان يستفيد من نهجه وسياسته في تلك الدولة ؟
       ان وصف علي (ع) بالحق لم يات من كاتب يتفلسف في هذه القضية او تلك ولا من باحث في التاريخ قد لايسلم من تحكم العاطفة باحكامه وتقويمه للاحداث والرجال , وانما هي صفة اطلقها عليه من لاينطق عن الهوى محمد بن عبد الله (ص) اذ قال " علي مع الحق والحق مع علي يدور معه حيث دار " , والحديث حسب فهمنا القاصر له يتضمن قضيتين نجمل القول فيهما هما :
1 – علي مع الحق : وهذه تعني انه عليه السلام لم يكن يداهن ولا يجامل في اعطاء كل ذي حق حقه , فلا ترى في ساحته حكما قام على قرابة او نسب او صداقة او عصبية , وكانت سيرته (ع) خير مترجم لهذا المعنى فحفظ لنا التاريخ من هذه السيرة موقفه من اخيه عقيل لما جاءه يسأله من بيت المال حيث الم به الفقر وله عيال كبير فاعتذر له الامام (ع) وبين له انه لايملك من بيت مال المسلمين ما يعطيه , وعرض عليه حقه (ع) ان يهبه له فلما الح عليه عقيل حمى له الامام قضيبا من حديد فادناه منه حتى ضج من لسعتها , وهنا قال الامام موعظته الصاعقة " فحميت له حديدة فادنيتها منه فضج من ميسمها فقلت هبلتك الهبول اتضج من حديدة حماها صاحبها للهوه وتجرني الى نار سجرها جبار السموات لغضبه , اتأن من الاذى ولا اخاف لظى " ولو كان الحق مع عقيل فيما سأل لما تاخر الامام (ع) في انفاذه , اننا اوردنا هذا المقطع من سيرته المشحونة بمثل هذه المواقف لان عقيلا اخ الامام وهو الخليفة , ولان القضية تتعلق بالمال الذي كان على مدى التاريخ وسيلة للفساد والافساد وهو كثير بين يدي الحاكم , ولكن ابت تقوى الامام (ع) الا الحق والعدل وهو الامين على اموال المسلمين بينما نرى حكام المسلمين اليوم كيف يتصرفون بالثروات والاموال العامة وكيف تصرف على الاقارب والحواشي وفي شراء الذمم وافساد الاخلاق . وصورة اخرى تكشف عن مواقفه الى جانب الحق حتى فيما يتعلق بذاته المقدسة (ع) وذلك عندما ضرب في محراب مسجد الكوفة فلما احس بدنو اجله اوصى ولده الامام الحسن (ع) بقاتله ابن ملجم " اطعموه مما تاكلون واسقوه مما تشربون ولا الفينكم تخوضون دماء المسلمين تقولون قتل علي بن ابي طالب , فان مت فضربة بضربة وان عشت فانا ولي دمي , الا لايقتل بي الا قاتلي , ولا تمثلوا بالرجل فاني سمعت رسول الله (ص) يقول : اياكم والمثلة ولو بالكلب العقور .
2 – والحق مع علي : وفي هذا المقطع كان رسول الله (ص) يستشرف المستقبل وما سيعرض للامام من مشاكل وهموم تنهد لها الجبال , وكان يعلم ان الامة من بعده ستواجه عليا (ع) ناكرة فضله وسابقته في الاسلام , ولاحقاق حق علي ونصرته في كل مواقفه , ولبيان انحراف كل موقف يقف بالضد من الامام (ع) قال (ص) : الحق مع علي . فمما حدث في خلافته ان ادعى الناكثون من اصحاب الجمل المطالبة بدم عثمان , والامام اعلم بحقيقة دعواهم فحاربهم والحق مع علي في حربهم لقديم قول النبي (ص) الحق مع علي , وحارب القاسطين في صفين وحدثت فتنة المصاحف , والحق مع علي لقديم قول النبي (ص) ايضا , وانطلق الخوارج يعيثون في الارض فسادا فهزمهم الامام في النهروان , والحق مع علي ايضا . وهكذا يظهر من الحديث الشريف ان عليا لاتاخذه في اقامة العدل واحقاق الحق لومة لائم وعنده الناس سواء في الحق , وكذلك في كل مواقفه من قضايا عصره , فهو على الحق , بل هو ميزان الحق .
       لقد كان من التصاق صفة الحق بعلي (ع) - حتى كانت هذه الصفة هي ذاته نفسها - ان يصير مصداقا لمفهوم الحق في القران الكريم
1 - فقوله تعالى " والوزن يومئذ الحق " الاعراف : 8 يعني ان ما توزن به الاعمال وتقوّم به المواقف يوم القيامة هو مقدار قربها وبعدها من الحق , ولما كان علي (ع) عدل القران حسب حديث الثقلين , والقران هو الحق الذي لاياتيه الباطل , والحق مع علي كما قال النبي (ص) فعلي هو ميزان الاعمال بلا جدال . 
2 – قوله تعالى " الله الذي انزل الكتاب بالحق " فالقران نظريات ومفاهيم واحكام يجب على المسلم انزالها الى واقع العمل لتكون حقا شاخصا عمليا يتحرك الناس على اساسه , وهنا تظهر موقعية الامام (ع) في ترجمة المفاهيم القرانية الى واقع العمل , فلو لم يكن النبي , ووصيه الامام علي , واهل بيت العصمة عليهم السلام وسيرتهم في هدي القران لظل هذا الكتاب السماوي في اطار المفاهيم , فالحق الذي نزل به الكتاب تجسد في تلك السيرة العلوية الزاخرة بالعدل والتقوى .
3 – قوله تعالى " بل نقذف بالحق على الباطل فيدمغه فاذا هو زاهق " وكان علي (ع) من اكثر المصاديق سطوعا للاية الكريمة , فهو الحق الذي قذف به النبي (ص) على اهل الباطل في بدر , وهو الحق الذي لم ينهزم كما انهزم غيره في احد , وهو الحق الذي قذف به النبي (ص ) في معركة الخندق وكان (ع) في ذلك الموقف يمثل كل ايمان المسلمين منذ البعثة حتى لحظة المواجهة , حيث قال فيه صاحب الرسالة " برز الايمان كله الى الشرك كله " . هكذا كان في كل مواقع الصراع التي خاضها النبي (ص) ضد قوى الكفر والالحاد .
    ان ماساتنا اليوم تتلخص في غياب الحق في مختلف مناحي حياتنا سواء في بعدها العام او بعدها الخاص , فلو اعترف كل منا بحق الاخر ووقف عنده بلا تعدي او مصادرة لكنا نحن المسلمين اليوم من ارقى الامم واهداها , لكن تفرد الحكام واستبدادهم بالسطة والمال , وغلبة الجهل في المسلمين بمفاهيم الاسلام , ودسائس اعداء الاسلام لايقاع مزيد من الفرقة واشعال مزيد من الحرائق في صفوف المسلمين عبر تيارات متطرفة تلغي حق الاخر حتى في التفكير , كل ذلك وغيره ابقى ماساتنا هي هي منذ صدر الاسلام حتى اليوم , ومثل هذ المصير الذي صارت اليه اوضاعنا وحياتنا سبق ان حذرنا منه علي (ع) فقال :
" وانه سياتي عليكم بعدي زمان ليس فيه شيء اخفى من الحق ولا اظهر من الباطل , ولا اكثر من الكذب على الله ورسوله , وليس عند اهل ذلك الزمان سلعة ابور من الكتاب اذا تلي حق تلاوته , ولا انفق منه اذا حرف عن مواضعه , ولا في البلاد شيء انكر من المعروف ولا اعرف من المنكر "
س / هل تجد عزيزي القاريء غير هذا في بلاد المسلمين اليوم ؟
 




  • المصدر : http://www.kitabat.info/subject.php?id=8836
  • تاريخ إضافة الموضوع : 2011 / 08 / 20
  • تاريخ الطباعة : 2024 / 04 / 19