• الموقع : كتابات في الميزان .
        • القسم الرئيسي : المقالات .
              • القسم الفرعي : المقالات .
                    • الموضوع : بين أمل .... واحتضار .
                          • الكاتب : علي الخفاجي .

بين أمل .... واحتضار

 كل يومٍ تُكتبُ قصةٌ عن شعبٍ جريحٍ فوق ألواح الحكايات ، كل يوم نتلوى ونكتوي بنارِ الإحتضار ، والموت يأتينا كأنه مطرٌ ممزوجٌ بريحٍ تقتلعُ الأرواح من جذورها ، فتتقمصُ النهاية شعب أنهكتهُ طعنات الغدر ، فيسكنُ صمتهُ الصدى ، ويطرقُ بابه الشكُ والتساؤل ، من أكونُ .. ومن أنا ؟! 

فتتناسل الأفكار وتنجب أسئلة أخرى لا جواب لها ، لما كلُ هذا الإحتضار ؟ ولما ينبت الزهرُ عندي أشواكاً ولما يتبخرُ العطرُ فيه أساً ، هل أنا ولدتُ ومنقوش على جبهتي الأسى ؟ من أكون .. ومن أنا ؟! سؤالٌ يحيرني ، يُكبلني يسرقُ نومي وينسفُ من عمري ما مضى ، لسوءِ حضي فأنا منذُ نشأتي والى يومي هذا ، أقتلُ وأحرقُ ويمثلُ بجثتي وتُقتلُ كل أحلامي ، لما كل هذا القتل ؟ لما كل هذا الجنون ؟ ولما .. ولما .. ! 
ألا لأني بدأت أفكر في رسمِ خطى المجد والعز على جدرانِ الزمن ، أم لأني بدأت أجول العالم وأتقصى الخطى محققاً حلمي ، سؤال كما قد قلت يحيرني ! 
فلا أستغرب في وطني حتى المتسول صار شاعراً تكويه نار القوافي فيصدح صوته بها ، لعل شخصاً يسمع أنين تلك القوافي المحتضرة فيواسيه بحرية أو أمانٍ أو أي شيء يسدُ رمقه أو يروي عطشه ، فلولا هذا الاحتضار لما كنتُ عذبتُ نفسي بالسؤالِ ، وما امتدت يدُ الموتِ لتأخذني إلى عالم يسكنهُ الأشباح ، فقد كان أملي أن الموتَ يشيخ في محرابي ، فأرتلُ وجعي في قصائدٍ خريفيةٍ تساقطُ أوراقَ احتضارها ، وتلونها ألوان الخريف التي تخبرني ببداية النهاية لكل هذا الأسى ، فتتمدد قطعان أحلامي كأنها الفراشُ تتراقصُ مع تلك الرياح الخريفية فتعلنُ عن بدايةِ ربيع الأحلام ونهاية الإحتضار ، فتبتسمُ شمسُ الأمل بإشراقها ، وتطوى صفحات الاحتضار ويغطى سواده بشعاع الأمل ، فيرجع الأمان لتلك النوارس التي كانت تحلق فوق دجلة الخلود ، فيُسمعُ صوتَ صداها في سماءٍ زرقاءٍ صافية فتسحرُ العيون ببياضها وجمالها ، ويَرجعُ أملي فأبلُ شفتاي التي أيبسها الخوف المتجول في خاطري بقطراتِ ماءٍ دافئةٍ من دجلة الشوق وفرات الهوى ، هكذا أنا احتفي بأملي الذي أنشده منذ نشأتي عَلِّي أعثرُ على خطواته الأولى فأمتطي صهوة فرسي راسماً خطاه الباقية ، هكذا أنا أنطق بإسم وطن الطفولة المحتضرة ووطن الشهداء واليتامى الذي يأبى التخاذل أن يطفأ قناديل تضحياتهم ، فالحرية هي حرب لا بالسيفِ فقط وإنما الحرف أيضاً يناضل ويقاتل ، ليصم بصوته أسماع الذين أوقدوا بجمرهم ونارهم تنور الجياع يشعلون فيه ناراً لا لسد جوعهم وإنما لبث حقدهم ، فأدْمُوا الطفولة وقتلوا الطهرَ فيها بعصفِ تلك القنابل التي فتت بعصفها أراجيح الطفولة ، ودكّتْ بحقدها أعشاش الحمامِ فتناثر ريشها ، كل هؤلاء يذودون عن وطنٍ مخضبٍ بالدموع ، أسرج أعدائه خيل ضغينتهم يُفتون بجواز القتل والنهب والسلب ، يا للعجب من هذه الوحوش البشرية التي بانت مخالب غدرها التي وأدت بها كل معاني الجمال في وطني ، فبعد كل هذا الأسى قررتُ إسدال الستار عن هذه اللوحة المؤلمة من وطني التي أيقظت كلماتها في عقلي الأوتار في حنجرتي وأعادت ترتيب حرفها لتجثو عند أعتاب هذا الاحتضار وترميه في بئر النسيان لترسم الأمل في الغد المجهول وتُبعد بجثة الأمس القتيل عنها أملا بغدٍ جديد يغازلُ الحمام فيه بصوت هديله نجومَ سماءٍ يشع منها بريق الأمل . 



  • المصدر : http://www.kitabat.info/subject.php?id=88257
  • تاريخ إضافة الموضوع : 2017 / 01 / 11
  • تاريخ الطباعة : 2024 / 04 / 19