• الموقع : كتابات في الميزان .
        • القسم الرئيسي : ثقافات .
              • القسم الفرعي : ثقافات .
                    • الموضوع : موعظة تاجر .
                          • الكاتب : صلاح عبد المهدي الحلو .

موعظة تاجر

 مررتُ على صاحبٍ لي, ممن اكتوى بنار الهجر, وذاق مرارة الحرمان, وقلتُ له :- علمني ممَّاوعيتَ من الحكمة.

فقال لي وقد سرحت أغنام عينيه في مرعى الافق البعيد :-

لا كأس امرّ من الفراق,

ولاخمرة احلى من العشق,

ولاساعة اشدّ من الوداع.

ثم تركته ومررت بصديقٍ أخر,انزوى في عزراله مكتفيا بقرصه,وانطوى في كوخه قانعاً بعيشه,وسألته الذي سألتُ أخاه من قبل ,فقال لي,وقد اسند كفيه الى عصاه التي يهشُّ بها على غنمه وشويهاته :-

صمتُ القبورِ ابلغُ من حديثِ الواعظ,

ولغةُ الدموع افصح من بلاغة اللسان,

ومزامير العشاق أرقُّ من تنهيدات العذارى

ثم تركته وانصرفت الى السوق,فرأيتُ صديقاً ثالثاً من التجار,وكان دكانه عاجَّاً بالبائعين والمشترين,وماكدتُ احدّثه الاَّ بعد لأي واخبرته بالذي قال صاحباه,فضحك وقال :- ماأطيب قلبيهما,وأصفى نيتيهما!

ان من يعيش على هامش الحياة كيف له ان يتحدَّث عنها؟ 

وكيف تجري الحكمة على لسانه وهو حبيس عقاره,وحلس داره,لم يرَ ولم يسمع؟ خذِ الحكمة من التجار,ممن عرك الدنيا وعركته,وعرفها وعرفته,

ثم قال وهو يُمسك دفتر حساباته:-

لو كان كأسُ الفراق مُرَّاً,ماذهبت بمرارته حلاوةُ النسيان,

ولو كانت خمرة العشق حلوةً,لما ملَّتها شفاهُ القلوب,

ولو كانت ساعة الوداع شديدةً لما أوهنها تقادمُ الليالي وتوالي الايام.

ولو كان صمتُ القبور ابلغ من حديث الواعظ,لوعته اسماع القلوب,

ولو كانت لغة الدموع افصح من بلاغة اللسان لصدَّقتها آذانُ الارواح,

ولو كانت مزامير العشاق ارق من تنهيدات العذارى لذابت لعزفها خلجات النفوس,

ولكن المواعظ كلها ضحكٌ على الذقون,وموعظتي لك ان لاتصدِّق موعظة




  • المصدر : http://www.kitabat.info/subject.php?id=88161
  • تاريخ إضافة الموضوع : 2017 / 01 / 09
  • تاريخ الطباعة : 2024 / 03 / 28