• الموقع : كتابات في الميزان .
        • القسم الرئيسي : المقالات .
              • القسم الفرعي : بحوث ودراسات .
                    • الموضوع : كيف يجب ان تتم استعادة مكونات المشهد الطبيعي والثقافي للأهوار (الجزء الثاني) .
                          • الكاتب : د . فائق يونس المنصوري .

كيف يجب ان تتم استعادة مكونات المشهد الطبيعي والثقافي للأهوار (الجزء الثاني)

"أمن المياه في ضوء شحة الاحتياجات المائية للعراق حاليا ومستقبلا"
 
تلميح:
"نحن لا نقول إننا نتقاسم مواردهم النفطية. فعليهم الا يقولوا إنهم يشاركوننا مواردنا المائية. انها أحد حقوقنا السيادية ولنا الحق في أن نفعل بها ما نشاء".
سليمان ديميريل، رئيس الوزراء التركي (يوليو 1992)
استذكار:
طرحنا في القسم الأول من هذه الدراسة (عن كيفية استعادة المشهد الطبيعي والثقافي للأهوار) مسألة تجفيف الاهوار والتأثيرات السلبية التي خلقها التجفيف ثم التخبط الذي وقع به مسؤولو إدارة موارد المياه في العراق حول كيفية استعادة هذه الاهوار والمساحة التي يجب استعادتها، وتوصلنا في النهاية لطرح عدة تساؤلات او اشكالات حول الطريقة المثلى للتعامل مع قضية إعادة احياء اهوار جنوب العراق، وكان اول الإشكالات هو: 
"هل ستبقى هناك مياه كافية لاستعادة الاهوار مستقبلا في ضوء التنافس على مياه دجلة والفرات في كل من تركيا وسوريا وإيران؟"
هذا ما سنحاول الإجابة عليه في القسم الثاني من هذه الدراسة.
الامن المائي:
   ان من يقلل من مخاطر سيطرة دول الجوار على موارد الرافدين المائية (او يهملها) انما يرتكب خطأً كبيرا في التقدير، اذ ان الامر يتعلق مباشرة بالأمن الوطني العراقي (الجنابي، 2014). ولان امن العراق يعتبر جزءاً من امن المنظومة العربية التي يعيش في وسطها (شاءوا ذلك ام ابوا)، لذلك لا يمكن تحديد مكامن الخطر على الامن المائي الوطني (العراقي) ما لم يتم دراسته بصورة متكاملة مع الامن المائي العربي.
  يبلغ معدل موارد المياه المتجددة سنوياً في المنطقة العربية حوالي 350 مليار م3، وتُغطى نسبة 35% منها عن طريق تدفقات الأنهار القادمة من خارج المنطقة، إذ يأتي عن طريق نهر النيل 56 مليار م3، وعن طريق نهر الفرات 25 مليار م3، وعن طريق نهر دجلة وفروعه 38 مليار م3. وتحصل الزراعة المروية على نصيب الأسد من موارد المياه في الوطن العربي، حيث تستحوذ في المتوسط على 88%، مقابل 6.9% للاستخدام المنزلي، و5.1% للقطاع الصناعي (البنك الدولي). وقد حدد (معهد الموارد العالمية) منطقة الشرق الأوسط ضمن المناطق التي بلغ فيها عجز المياه درجة الأزمة، فأصبحت قضية سياسية بارزة، خاصة وان جميع انهار المنطقة تقريبا تعد ضمن فئة أحواض الأنهار الدولية.
 وفي دراسة عن مستقبل المياه في المنطقة العربية توقعت (المنظمة العربية للتربية والثقافة والعلوم) و(المركز العربي لدراسات المناطق الجافة والأراضي القاحلة)، ظهور عجز مائي في المنطقة يقدر بحوالي 261 مليار م3 عام 2030، كما وأوضحت الدراسة ان الوطن العربي يمتلك مخزوناً ضخماً من الموارد المائية غير المتجددة ويعتبر احتياطاً استراتيجياً للأجيال القادمة ويبلغ حجم المستثمر منه حالياً حوالي 5% من اجمالي الخزين الكلي. وتقدر كمية المياه المعالجة والمحلاة بنحو 10.9 مليار م3 سنوياً منها 4.5 مليار م3 مياه محلاة و6.4 مليار م3 مياه صرف صحي وزراعي وصناعي. أما بالنسبة للاحتياجات المائية المستقبلية فهي مرتبطة بمعدلات الزيادة السكانية في العالم العربي التي أصبحت الأعلى بين دول العالم. فمن المتوقع ان يصل عدد سكانه إلى 735 مليون نسمة في عام 2030 مقابل 221 مليون نسمة عام 1991. 
تخلخل الموازنة المائية في العراق:
   وبما ان نهري دجلة والفرات يُعدان النهران الرئيسان المغذيان لأهوار جنوب العراق الا انه وبسبب التغيـرات الكبيرة في الحوض المائي لنهري دجلة والفرات نتيجة الانشاءات الهيدروليكية العديدة والكبيرة فـي حوض النهرين فقد تناقص الايراد المائي لهما بصورة كبيرة. 
كما يعد نهر الكرخة المغـذي الـرئيس لهور الحويزة والقادم من الاراضي الايرانية فضلا عن نهري الطيب ودويريج الموسمي الجريان، الا ان الجانب الايراني قد بدأ بأنشاء سد على نهر الكرخة وبدأ بملئه منذ العـام 2000 حيث ستبلغ مساحته عنـد اكتمـال ملئـه 162.43 كم2 ويمتد على طول 60 كم وبطاقة خزنيه مقدارها 7.3 مليار م3 وبهذا سيصبح اكبر سـدمن نوعه في ايران اعتمادا على ما ذكرته ((UNEP,2007، ويتوقع ان يقوم بري 340000 هكتارا من الاراضي الزراعية في سهل خوزستان.، مما سيؤدي لأن تنخفض واردات العراق المائية بنسبة 15- 20% من ايـران بسبب نصبها لمنشآت مائية أخرى على روافد نهر دجلة شمالاً. وانقطاع جريان انهار عديدة من الجانب الإيراني والتي يُعد نهرا الكارون والكرخة من اكبرها واهمها وأشدها تأثيرا على الوضع المائي في جنوب العراق والبصرة بشكل خاص، علما ان الجانب الإيراني كان قد بدأ التفكير بالسيطرة على موارد المياه الداخلة الى العراق منذ العام 1952 فيما ابتدأت تركيا بأولى عمليات السيطرة والتغيير لمصادر مياه دجلة والفرات مع بداية العام 1973.. 
   كما ستعاني الموازنة المائية لحوضي دجلة والفرات وروافدهما من تخلخل كبير بسبب انخفاض مناسيب المياه المتدفقة الى نهـر دجلـة باتجـاه الأراضي العراقية من تركيا بنسبة 60% على إثر تشييد تركيا للمنشآت المائيـة فـي مشـروع الاناضول الكبير(GAP)، الذي يصل فيه عدد مشاريع السدود والخزانات الى نحو 104مشروعا ويمتد على مساحة 27500كم2 (اي ما يعادل 1.7 مرة بقدر مساحة الكويت) وتبلغ مجموع طاقتها التخزينية الى 138 مليار م3 من مياه دجلة والفرات وفروعهما ( أي ما  يشكل ايراد مياه نهري دجلة والفرات مجتمعين لسنتين مائيتين كاملتين). وستزداد الحالة سوءا الى حد الكارثة مع بدأ تشغيل سد (اليسو) للسيطرة على مياه نهر دجلة داخل الأراضي التركية والذي يستطيع لوحده (عند اكتمال طاقته الخزنية) ان يحوي كامل التصريف السنوي لنهري دجلة والفرات مجتمعين، أي حوالي 62-70 مليار م3.
عجز الموازنة المائية في العـراق: 
   وبهذا يتوقع ان تعاني الموازنة المائية في العـراق عجـزا مائيا خلال العقد القادم بحدود 33 مليار م3، حيث ستخفض الحصة المائية لأنسان وادي الرافدين الى ما دون حد الفقر المائي الذي حددته الأمم المتحدة بـ 1000 م3في السنة للشخص الواحد (راجع الجدول-1)، بسبب الزيادة السكانية في العراق نتيجة الإنتاجية العالية التي يتمتع انسان وادي الرافدين (راجع جدول-2) حيث من المتوقع ان يبلغ عدد سكان العراق حوالي 42 مليون نسمه مع منتصف العقد القادم (DLIFLC (2016).
جدول-1: الانحدار المتوقع في حجم الحصة المائية للفرد الواحد في العراق (م3/ سنة/شخص). 
 

1990

1995

2000

2005

2020

5285

4952

3050

2000

اقل من 1000

 
 
جدول-2: معدلات الزيادة في اعداد سكان وادي الرافدين.
 

سكان العراق

1995

2000

2010

2025

محسوبة نسبة لمعدل زيادة ثابت مقداره 3.6% سنوياً

20

24

34

42

 
   وستكون مدينة بغداد العاصمة أهم المدن العراقية تأثرا بشحة المياه المستقبلية نتيجة الازدحام السكاني والتوسع العمراني والاقتصادي حيث سيتجاوز عدد سكانها عتبة الملايين الست، الا ان أكثر المدن تأثرا ستكون مدينة البصرة بسبب تضافر عاملي الشحة في كمية المياه العذبة وتردي النوعية للمياه الواصلة للمدينة واندفاع اللسان الملحي الصاعد مع تيار المد من الخليج العربي عندما يتجاوز سكانها عتبة الملايين الثلاثة (راجع جدول-3). 
 
  جدول-3: التوزيع السكاني للمدن الكبرى في العراق
 

المدينة

عدد السكان

بغداد

5672513

البصرة

2600000

الموصل

1739800

اربيل

932800

كركوك

641433

 
عوامل الشحة المائية:
1- ارتفاع تسب الاستهلاك المائي نتيجة زيادة الاحتياجات البشرية المستقبلية من المياه (مع الاخذ بنظر الاعتبار الاحتياجات المائية التي تتطلبها زيادة الإنتاج الزراعي او الصناعي).
2- مشاريع دول المنبع للاستحواذ على مياه دجلة والفرات التي لا تتوافق والمبادئ الحديثة في إدارة موارد المياه ولا القوانين والاتفاقات الدولية حول الأنهار الدولية او العابرة للحدود. ومحاولة بيعها او مقايضتها على أساس مبدأ (النفط مقابل المياه) وبدعم من منظمات عالمية كبيرة كالبنك الدولي ومنظمة الزراعة والأغذية الدولية (فاو) اللتان يؤيدان سعي تركيا لاعتبار المياه سلعة قابلة للمقايضة.
3- معدل التبخر الكبير في المنطقة نتيجة الارتفاع المتصاعد في درجات الحرارة خلال الدورة المناخية الأخيرة، حيث يتراوح مقدار التبخر السنوي في المنطقة بين 3.1-3.3م سنوياً (أي انه عندما يتم ضرب هذا الرقم بمقدار المساحة المغمورة سيصل مقدار الفاقد السنوي الى مليارات الأمتار المكعبة مؤدية لارتفاع نسب التراكيز الملحية في مياه الهور وتملح الأراضي الزراعية وبالتالي تصحرها (فقدان انتاجيتها) (المنصوري، 2008).
وعند جمع هذه العوامل معا سنرى انه سوف لن تتوفر اية مياه إضافية لإدامة الاهوار بوضعها السابق او الحالي.
ما العمل؟؟
   إذا كانت المشكلة في توفير المياه تتعقد عاما بعد عام مؤدية لاتساع الفجوة المائية بين الطلب والاستهلاك (العرض والطلب) ومصحوبة بضغط العوامل الطبيعية التي ليس للإنسان تأثير كبير على تغييرها واشتداد حدة التنافس على مصادر المياه غير المتجددة ومحاولة دول المنبع الاستحواذ على حصة دول المصب او مبادلتها بمصادر الطاقة المتوفرة لدى الأخيرة وحاجة الأولى للطاقة لديمومة تطورها الصناعي والاقتصادي. 
- فهل هناك حلول بديلة لسد الفجوة المائية او مواجهة استحواذ دول المنبع لمصادر المياه، او مواجهة الضغوط الطبيعية لتقلص حصة دول المصب من المياه؟؟
- وهل لا زال بإمكان العراق استعادة تلك الاهوار السومرية التي شهدت بزوغ أولى الحضارات البشرية؟؟
هذا ما سوف نتعرف اليه في القسم الثالث والاخير من هذه الدراسة..
المصادر:
د. حسن الجنابي (2014). ملف المياه المشتركة بين العراق وتركيا. محلة الثقافة الجديدة العدد (368-369). بغداد. ومنشور أيضا على موقع ( الاخبار)، http://www.akhbaar.org/home/2014/11/179243.html
د. فائق المنصوري (2008). التخمينات المستقبلية لاستعادة أهوار جنوب العراق. أطروحة دكتوراه. جامعة البصرة. كلية الزراعة. (2008).
(البنك الدولي) The World Bank  
(معهد الموارد العالمية) World Resources Institute
(المنظمة العربية للتربية والثقافة والعلوم) ALECSO
(المركز العربي لدراسات المناطق الجافة والأراضي القاحلة) ACSAD 
(برنامج الأمم المتحدة للبيئة) (UNEP) 
(DLIFLC (2016) , Iraq In Perspective).
 
د. فائق المنصوري
مركز علوم البحار/ جامعة البصرة
Research Gate
 https://www.researchgate.net/profile/Faiq_Al-Manssory/publications
Academia
https://uobasrah.academia.edu/FaiqManssory
 



  • المصدر : http://www.kitabat.info/subject.php?id=87440
  • تاريخ إضافة الموضوع : 2016 / 12 / 21
  • تاريخ الطباعة : 2024 / 04 / 19