• الموقع : كتابات في الميزان .
        • القسم الرئيسي : المقالات .
              • القسم الفرعي : بحوث ودراسات .
                    • الموضوع : كيف يجب ان تتم استعادة مكونات المشهد الطبيعي والثقافي للأهوار (الجزء الاول) .
                          • الكاتب : د . فائق يونس المنصوري .

كيف يجب ان تتم استعادة مكونات المشهد الطبيعي والثقافي للأهوار (الجزء الاول)

  موت الاهوار:

 تعد المياه من اهم مكونات النظام البيئي للأهوار، ويأخذ هذا المفهوم اهميته حاضرا ومستقبلا في ضوء عمليات التجفيف التي تعرضت لها الاهوار منذ منتصف سبعينيات القرن الماضي، فإن صوراً التقطتها الأقمار الصناعية عام 1993 تشير إلى أن مسطحات مائية تبلغ مساحتها أكثر من 20000 كم2 قد انكمشت إلى أقل 1500كم2 نتيجة عمليات تغيير مجاري الانهار وعمليات التجفيف.
    واشارت الدراسة التي قام بها Munro and Touron (1997) لتتبع تقلص مناطق الأهوار باستخدام الصور الفضائية الى تغير النظام البيئي للمنطقة من خلال تقلص اهوار العمارة بنسبة 90% بين عامي 1992-1994 كما تعرض هور الحمار جنوب نهر الفرات الى عملية مماثلة خلال نفس الفترة، الا ان تدهور نمو وتواجد الغطاء الخضري تم بصورة شبه دائميه بين عامي 1993-1994. وعزيا ذلك الى منع تدفق مياه الفيضان الغنية بالمغذيات من الوصول الى المنطقة، اما هور الحويزة فقد تراجع بنسبة 40% من مساحة غطائه الخضري بين عامي 1992-1994.
 
 
 
التأثيرات السلبية للتجفيف: 
  وبين تقرير الدراسة الصادرة عن مؤسسة عمار الخيرية في  2003 حجم التغيرات البيئية التي حصلت في مناطق الأهوار الثلاث في جنوب العراق حيث يذكر التقرير ان معظم مناطق هور الحويزة وتقريبا جميع اراضي الأهوار الوسطى (القرنة) وغالبية هور الحمار قد تم تجفيفها وادى ذلك لانتشار النباتات الملحية في المنطقة فضلا عن سيادة العواصف الغبارية خلال سنوات 2000-2004 في مناطق الاهوار والمناطق القريبة منها، وبينت النتائج التي حصل عليها الباحث في مركز علوم البحار (المرحوم الدكتور جميل طارش العلي في2005 ) زيادة معنوية في كميات الغبار المتساقط بعد عمليات التجفيف اذ بلغت 432.30 و 489.50 و 171.50 غم/ م2 في مدينة البصرة في مناطق أبي الخصيب والزبير و ام قصر على التوالي.
 
عقبات توفير مياه إنعاش الاهوار: 
وفي ضوء الشحة المتزايدة في تجهيز المياه من اعالي وادي الرافدين من منابع دجلة والفرات وروافدهما أصبحت مسالة إعادة إحياء الأهوار بحاجة لدراسات عميقة ومتأنية. فقد بين البرنامج البيئي للأمم المتحدة United Nations Environment Program (UNEP) بان شحة المياه وارتفاع مستوى حرارة الارض عالميا Global warming تعدان من اشد المشاكل قلقا في الالفية الجديدة، ويعتقد مجلس المياه العالمي   World Water Council(WWC) انه بحلول العام 2020 فان العالم سيحتاج مياها بمقدار 17% من حاجته الآن، ويعود السبب فـي ذلك للازدياد الكبير فـي اعـداد السكان منذ خمسينات القرن الماضي، وحسب تقديرات الامـم المتحـدة فقد تضاعف عدد سكان المدن في العالم   ثلاث مرات خلال الخمسين سنة الاخيرة وهو يقارب الان حوالي نصف عدد السكان الكلي، ورافق هذه الزيادة تضاعف  الاحتياج المائي ثلاث مرات منذ عام 1950 ولا زال يتصاعد بمعدل 80 مليون نسمة سنويا نتيجة التطور الاقتصادي والاجتماعي والزراعي.
 
كيف تواجه مشاكل شحة المياه:
   ولمواجهة مشاكل شحة كميات المياه وتدهور نوعيتها تطبق الآن العديد من المجتمعات في العالم استراتيجية الادارة المستدامة للمياه   Sustainable Water Management Strategy، وتعرّف الوكالة العالمية للبيئة والتطويرWorld Commission on Environment and Development(WCED) الادارة المستديمة بانها "التطوير الذي يلبي الاحتياجات الحالية بدون ان يعرض للخطر قابلية الاجيال القادمة لتلبية احتياجاتها". ولكننا في العراق (وكما هي عادتنا دائما) نغرد خارج السرب، حيث نلاحظ الاستنزاف غير المسؤول لموارد المياه السطحية بل وتم التجاوز حتى على المياه الجوفية حيث توجد الان في صحراء الزبير في البصرة معامل كاملة لسحب المياه الجوفية ومن ثم تحليتها (جزئيا) عن طريق الاغشية التناضحية ومن ثم بيعها لسكان البصرة التي تعد المدينة الوحيدة في العراق التي لا تشرب الماء عن طريق شبكة الاسالة بل عن طريق شراء المياه من السيارات الحوضية وبأسعار مكلفة.
 
تخبط عملية الإنعاش:  
    ويشير تقرير جهود استعادة اهوار جنوب العراق المنشور عام 2005 الى ان كميات المياه المطلقة من نهري دجلة والفرات غير المسيطر عليها بعد حرب عام 2003 قد استطاعت احياء جزء من اهوار جنوب العراق الا انها فشلت في احياء اجزاء اخرى بسبب الملوحة العالية للتربة والمياه. فقد تم غمر حوالي 20% من اراضي الأهوار الدائمية المجففة حتى اذار 2004، وكانت اهوار الحويزة هي الوحيدة التي تتمتع بمياه ذات نوعية جيدة وتربة غير متملحه وكثافة نباتية عالية بالرغم من بناء الجانب الايراني بعض السدود على الانهار المغذية لهذا الهور. وذكر التقرير نفسه الى ان العودة السريعة للإنتاجية العالية في الأهوار المعاد اغمارها يدلل على امكانية نجاح استعادة هذه الأهوار، لكن الحاجة تدعو الى اعادة تشغيل المنشآت الهيدروليكية الداعمة لهذه الاستعادة من اجل ديمومة واستمرار عملية تدوير المياه لأنه بدون عملية التدوير هذه ستتحول الاهوار الى مستنقعات ملحية آسنة وتكون نهايتها الحتمية الموت البيئي لنظام الاهوار ومن ثم زوالها. 
كما اشارت دراسة أخرى منشورة عام 2006   الى استعادة حوالي 39% من اراضي الأهوار المجففة حتى شهر ايلول من عام 2005 نتيجة كمية المياه الكبيرة الداخلة للأهوار بسبب سنتين مائيتين رطبتين مرتا على المنطقة 2003-2004 و2004-2005، وكذلك بسبب نوعية المياه الجيدة (نوعا ما) والتي ستكون قادرة على تخفيف التراكيز العالية للمواد السامة والاملاح المتراكمة نتيجة عقد او أكثر من سني الجفاف في اراضي الأهوار. 
وقد تراجعت نسب الإنعاش هذه كثيرا بعد عام 2009 بسبب سنوات الجفاف التي ضربت العراق والمنطقة عموما منذ ذلك الوقت حتى الان، مما اضطر وزارة الموارد المائية لاتباع استراتيجيتين مختلفتين تماما في عملية الإنعاش، اولاهما كانت تجربة إطلاق مياه المصب العام الى اهوار القرنة والحمار مما ولد كوارثا بيئية انعكست على البصرة عموما ومياه شط العرب خصوصا منذ سنوات 2015 وحتى الان. والاستراتيجية الثانية كانت غلق نهر الفرات تماما ورفع منسوب مياهه ومن ثم تحويلها الى اهوار القرنة Water Diversion وقد لاقت هذه الخطة بعض النجاح الا انها اثرت على نوعية مياه وتصريف شط العرب، والخاسر الأكبر في هذه التجارب (كما هي العادة دائما) البصرة أولا واخيراً.   
 
أسئلة تبحث عن إجابة لها:
   ولكن يتبقى هناك عدد من الأسئلة المطروحة التي لم تتم الإجابة عنها حتى الان:
هل ستبقى كمية المياه الكافية لاستعادة الاهوار متوفرة مستقبلا في ضوء التنافس على مياه دجلة والفرات في كل من تركيا وسوريا وإيران؟
هل يمكن استعادة او اعادة بناء المشهد الثقافي Cultural Landscape لسكان الأهوار في المناطق المعاد استعادتها من الأهوار؟
هل يمكن استعادة المشهد الطبيعي Natural Landscape للأهوار من اجل ديمومة التنوع البيئي فيها؟
وهل من الاجدى استعادة الاهوار جزئيا او كليا ام القبول بالأمر الواقع والتكيف مع الوضع الجديد من خلال بناء استراتيجيات جديدة لأمن المياه والغذاء والطاقة Water- Food- Energy Nexus؟
هذا ما سوف نتطرق اليه في القسم الثاني من هذه المقالة.
 
المصادر:
فائق يونس المنصوري، التخمينات المستقبلية لاستعادة أهوار جنوب العراق. أطروحة دكتوراه. جامعة البصرة. كلية الزراعة. (2008).
يمكن تحميل النسخة الكاملة من هذه الاطروحة من خلال الدخول على موقعي الاليكتروني في:
 Research Gate
 https://www.researchgate.net/profile/Faiq_Al-Manssory/publications
Academia
https://uobasrah.academia.edu/FaiqManssory
Google Scholar:
https://scholar.google.com/citations?hl=en&imq=Faiq+Al-Manssory&user=BgC-KWcAAAAJ
 
مركز علوم البحار / جامعة البصرة
almanssory @mscbasra.org



  • المصدر : http://www.kitabat.info/subject.php?id=86870
  • تاريخ إضافة الموضوع : 2016 / 12 / 05
  • تاريخ الطباعة : 2024 / 03 / 28