• الموقع : كتابات في الميزان .
        • القسم الرئيسي : المقالات .
              • القسم الفرعي : المقالات .
                    • الموضوع : مشكلة الحكم الشرعي .
                          • الكاتب : سلمان عبد الاعلى .

مشكلة الحكم الشرعي

   يعاني الكثير من المتدينين من قضية تغير الحكم الشرعي، وما أقصده بالتغير هنا ليس التغير في أصل الحكم الشرعي الصادر من قبل المرجع الديني، وإنما تغير الحكم الشرعي -للمسألة الدينية الواحدة- عند سؤال أكثر من رجل دين عنها، إذ أن المستفتي كثيراً ما يقع في حيرة من أمره ولا يدري ماذا يصنع حيال هذا الإختلاف الحاصل بين رجال الدين، والذي يصل في أحيان ليست بالقليلة إلى حد التناقض والتضاد!.
          فالمستفتي عندما يحتاج لمعرفة الحكم الشرعي لمسألة من المسائل يجد نفسه (عادةً) أمام مجموعة من الآراء المختلفة والمتباينة، وأحياناً المتضاربة والمتناقضة، فالحكم الشرعي عند رجل الدين هذا يختلف عنه عند رجل الدين ذاك، مع أن رجال الدين المستفتون كثيراً ما يكونوا تابعين لنفس المرجع الديني، بل قد يكونون رغم إختلافهم مع بعضهم البعض وكلاء شرعيون عن نفس المرجع الديني، وهذا الأمر مما يزيد المسألة غموضاً وتعقيداً... ويجعلها عصية على الفهم والتبرير !
          لقد كان البعض من رجال الدين يقولون فيما مضى: بأن سبب إختلاف الجواب حول المسألة الشرعية الواحدة، هو السائل نفسه (المستفتي) وليس رجل الدين (المستفتى منه)، فهو من يغير صياغة السؤال في كل مرة يسأل فيها، ونظراً لذلك فمن الطبيعي أن يحصل الإختلاف بين رجال الدين عند الإجابة على السؤال، لأن السؤال ليس واحداً في كل الأحوال.
وهذا أمر وارد ولا إشكالية لنا معه، غير أنه وفي حالات كثيرة يكون السؤال ثابت دون أي تغيير، ومع ذلك تتغير الإجابة، وقد تختلف إختلافاً جذرياً من رجل دين إلى آخر، كأن يقول أحد رجال الدين ((بالحلية)) ويقول الآخر ((بالحرمة)) على نفس المسألة الشرعية !
          والمشكلة أن الكثير من الناس نراهم غير ملتفتين لهذا الأمر، لأنهم يعتقدون بأن رجل الدين الذي يتولونه ((ويتبعونه)) هو المصيب دائماً حتى لو خالفه الأغلب من رجال الدين الآخرين، بيد أن هذا الكلام كثيراً ما يجانبه الصواب، فكل مجموعة من الناس تتمسك بشخصية دينية معينة -لسبب من الأسباب- نراها تعتقد أو تدعي مثل ذلك فيه !
          ولقد سمعت من أحدهم ((وهو من رجال الدين)) قوله: بأن المسائل الخاصة بالسفر
لا يعرفها ولا يحسن الجواب فيها إلا سماحة العلامة الشيخ الفلاني، ولا أدري
ما هي هذه المسائل التي تكون بهذا المستوى من التعقيد؟! وما هذه العقلية
الفذة التي تجيد ما لا يجيده أقرانها؟! وإذا كانت هذه المسائل لا يجيدها
فعلاً إلا هذا الشخص، فماذا يفعل الأشخاص الذين لا يعرفونه ولم يسمعوا عنه؛
كالذين يسكنون في مناطق بعيدة عنه؟ هل يا ترى عليهم أن لا يفكروا بالسفر حتى
لا يبتلوا بهذه المسائل؟!!.
          قد يقول قائل: إذا كان الوضع بهذا القدر من السوء، فإن علينا أن نتعامل مع
مكتب المرجع الديني مباشرة لأخذ الحكم الشرعي دون أي واسطة أخرى، وذلك من
خلال الإستفتاء عبر الموقع الرسمي للمرجع على شبكة الإنترنت، وبهذه الطريقة
سوف نضمن صحة الإجابات حول الإستفتاءات التي نرسلها، لأن من سيجيب عليها هو
بالتأكيد يمثل رأي المرجع الديني الحقيقي في المسألة، وبهذا تنتهي المشكلة
بالكامل.
          إن هذا الحل كنت أظنه هو الحل الناجع والأمثل عند الجميع، غير أن بعض رجال
الدين أخذ يشكك حتى في المواقع الإلكترونية التابعة للمرجع الديني، وهذا
الأمر ليس من نسج خيالي بل هو أمر واقع، إذ أنني كنت مع أحد رجال الدين
المعروفين جداً في الأحساء، وهو من وكلاء السيد السيستاني ((حفظه الله))
وعندما أخبرته بجواب إحدى الإستفتاءات حول مسألة شرعية معينة كنت قد أرسلتها
من قبل لمكتب السيد السيستاني وأجاب بما أخبرته به ((أي رجل الدين)).. قال
لي: بأن الموقع قد إشتبه في جوابه هذا ..!!
          والغريب في الأمر، أننا إذا استنكرنا واستهجنا وجود هذا الخلل؛ قُوبلنا
بالتهجم والإتهامات والنعوت التي ما أنزل الله بها من سلطان، إذ يصورك البعض
وكأنك بكلامك هذا تريد هجر الدين والإبتعاد عنه وعن أوامره وتوجيهاته، بل قد
يتجاوز البعض هذا ويتهمك بأنك تريد تنفير الناس من الدين بالكامل، وبالتأكيد
بأن هذا الكلام غير صحيح، فكلامنا هذا ليس من أجل الإبتعاد عن أوامر الشارع
المقدس، وإنما هو من أجل حرصنا على التمسك به وعدم التهاون معه، لأن من لا
يهمه أمر الشرع المقدس هو الذي لا يهتم بمعالجة المشاكل التي تعتريه وهو يريد
معرفة رأي الشرع الحقيقي في المسائل التي يحتاجها !
مهما يكن، فإن من ضمن الأمور التي نتعرض لها بإستمرار ونحن نريد معرفة الحكم الشرعي
لبعض المسائل الشرعية هي مسألة الإحتياط، فالكثير من رجال الدين يُجيب وينصح من يسأله
عن بعض المسائل بأن عليه أن يلتزم الإحتياط في أعماله، فإذا كانت المسألة مثلاً تتعلق
ببعض مسائل السفر الملتبسة، وكان السؤال: هل الصلاة فيها قصر أم تمام؟ أجاب بقوله: عليك
أن تجمع بين كلا الأمرين وتصلي تمام وقصر، وذلك للإحتياط ولإبراء الذمة !!.
          وعلى هذه القضية بالتحديد، أعجبني تعليق لأحد الأخوة الأعزاء، إذ يقول بأن
الإسلام أجاز مسألة القصر في الصلاة مراعاة للناس لكي لا يشق عليهم، وإذا
ببعض رجال الدين يغفل عن هذا المعنى ويريد منا أن نجمع في الصلاة بين القصر
والتمام، وهذا لا ينسجم مع مراعاة الناس والتيسيير عليهم، وإذا كان كذلك؛
أوليس من الأفضل أن نصلي الصلاة تمام من البداية؟! وذلك لأن المسألة بدلاً من
تيسيرها وتسهيلها زاد تعقيدها!
          والأمر الآخر، والذي أراه مهماً في هذه القضية، أننا إذا كنا سوف نحتاط
دائماً في قضايانا ومسائلنا الشرعية، فلماذا نقلد إذاً؟! وبعبارة أخرى أقول:
إذا كنا دائماً نحتاط ونُطالب بالإحتياط في المسائل الشرعية التي نبتلى بها،
ففي أي شيء يجتهد المجتهدون ويقلد المقلدون؟! (لماذا الإجتهاد؟! ولماذا
التقليد؟!) ثم أن هذا الأمر -وهو الإحتياط- من الممكن أن يكون متاحاً وممكناً
في بعض المسائل لا في جميعها، إذ أن هناك بعض المسائل التي لا يمكن بحال
الإحتياط فيها.
          والسؤال هنا: هل تعجز الحوزات العلمية في أنحاء العالم أن تخرج لنا رجال دين
أكفاء مؤهلين ومأمونين قادرين على الإجابة على الإستفتاءات الشرعية التي تأتي
من عامة الناس دون أي مشاكل، بحيث يكون المستفتي مطمئن وواثق كل الثقة
بالإجابة التي تأتيه دون أن يعتريه أدنى شك أو إلتباس؟! هل يمكن ذلك يا ترى؟!

 
قد يقول البعض بأن ذلك موجود؛ فالحوزات العلمية لم تعجز ولن تعجز عن ذلك في يوم من
الأيام،  ولهؤلاء أقول: إذا كان هذا الأمر صحيحاً -وقد يكون- فلماذا نجد أجوبة
الإستفتاءات الدينية تختلف من رجل دين إلى آخر، فهي تختلف حتى بين رجال الدين التابعين
لنفس المرجعية الدينية، بل وفي بعض الحالات نراها مختلفة حتى بين وكلاء وممثلي المرجع
الديني الواحد.. فعلاما يدل هذا يا ترى؟!
 




  • المصدر : http://www.kitabat.info/subject.php?id=8683
  • تاريخ إضافة الموضوع : 2011 / 08 / 15
  • تاريخ الطباعة : 2024 / 04 / 19