• الموقع : كتابات في الميزان .
        • القسم الرئيسي : المقالات .
              • القسم الفرعي : المقالات .
                    • الموضوع : الأخطاء القاتلة للممانعة.. .
                          • الكاتب : ادريس هاني .

الأخطاء القاتلة للممانعة..

وتسألني أيّها الطيب عن عزمي بشارة وأنا أجيبك عن ظواهر تتكرر في الوجود السياسي..ذلك هو الحدّ الفاصل بين من يقرأ الظواهر بعين التّاريخ ومن يقرؤها بعين فنّ المسرح.. الأمر لا يقف عند أن الشخص الفلاني: كان يا ما كان..لكن ظاهرة مثل عزمي هي صنيعة مشتركة لعبت فيها الممانعة لعبة الطيّب دائما..بالعودة إلى سياسة التمكين، سقط هذا الكائن سهوا في الساحة العربية من خلال شعارات لا يمكن أن تلزمه بها لأنه لم يوثّق منها سوى ما هو ملتبس قابل للتأويل..دخل عزمي من بوّابة الممانعة في تسلّل استغبى فيه الجميع..ولكنهم ساهموا في التمكين له قبل أن يدخل إلى حرم الدوحة وقد وضع نياشين كائن ممانع..كانت اللعبة تقتضي آليات وشخوص، وهذا الذي كان: الجزيرة وعزمي هما الرصيد الذي دخل به محور الرجعية الناعم إلى قلب المعركة..تمكين الممانعة للملتبسين الذين ليس في تاريخهم من رصيد الكفاح سوى الضوضاء وحركة الفيكتوار باليد..ولكن لحظة واحدة من التمكين تكون فاتورتها التاريخية عالية جدّا..إنها قصة التمكين للدخلاء، وفي الوقت نفسه تقترن بقصّة الخذلان التي تزلزل جدوى الكفاح في نفوس أهلها..في أي كيس توجد العقول القادرة على التمييز في معمعة صراع تستعمل فيه كل أشكال الحرب القذرة..استعمل عزمي طريقة الصهاينة نفسها في التغلغل في قلب الحدث العربي الممانع.. بينما كان هو قائد أخطر أشكال التطبيع دراماتيكية في تاريخ الكفاح الفلسطيني..إن مجرد التواجد داخل قبة الكنيسيت هو تطبيع دستوري مع كيان غاصب.. هي النقيضة التطبيعية القاتلة..فالداخلون إلى تلك القبة لهم التزامات وواجبات دستورية..أوّلها إنّ الانخراط في اللعبة الانتخابية هو فرع للاعتراف بالكيان دستوريا..لا ندخل اللعبة إن لم نوافق على أصولها..والنائب هو مسلم بمواطنته للكيان..فثمة خطوط ولاء لا يمكن تجاوزها..وفي منطق الكفاح الفلسطيني لا يوجد خط للولاء للكيان..هذا ناهيك عن أنّ النائب نفسه يعمل تحت العلم الصهيوني..لقد كان بديهيا من وجهة النظر الدستورية أنّ الكنيست هو من مؤسسات الدولة المحتلة..أو هي تعبير عن مواطن لهذا الكيان..إن التطبيع الدستوري هو الأخطر من كل أشكال التطبيع الأخرى..وهكذا تفرد عزمي داخل الكنسيت بحصانة صهيونية لا يتمتع بها أولئك الذين اعتبرهم الكيان خارجين عن القانون وأعداء الكيان..للممانعة أخطاء كثيرة..بل أخطاء قاتلة..قاتلة جدّا..لا يتسع المقام اليوم لإحصائها..ولكنهم لا زالوا لم يتحرروا من عقدة ستوكهولم التي تجعلهم يمجدون في كل من انحدر من سلطة العدو واكتسب مشروعيته من العدو..وكذلك لم يتحرروا من سيكولوجيا المقهور الذي يعتقد انّ كل من شاركه من المجاهيل شعاراته فتح له شغاف القلب..أخطاء الممانعة تحصل إزاء المعروفين الذين ليس لهم من غاية سوى أن يتعمدوا في نهر الممانعة قبل أن يعبروا الجسر إلى ضفة الهزيمة ليبدؤوا المعركة الفاصلة..كما أنها الأخطاء نفسها التي تحدث إزاء المجاهيل الذين لا شيء لهم يخسرونه، كائنات بلا تاريخ ولكنها تطلب تمكينا قبل تفكيك وتمييع الفضاء العمومي للممانعة بإدخال كوجيطو الشّك المطلق في مجال يحتاج إلى قدر من اليقين لاستمرارية الجدوى والعمل..الممانعة تمانع في كل شيء إلا أنها تفتقر إلى كريات بيضاء مزيدة وكافية لاستشعار تسرب الميكروبات والفيروسات القاتلة..لذا فهي غير محصّنة من العدوى أو حالة التسرطن الدّاخلي مما يجعل تاريخ الممانعة يكرر أخطاؤه ويعاود دورانه في حلقة مفرغة ، من أزمة لأخرى لاستهانته بنتائج ما تقوده إليها طيبته..فقدان ملكة الحدس في حماية حقل الممانعة من الحشرات المسمومة أمر يتأكّد باستمرار..وتاريخ الأخطاء هنا يعيد نفسه..وبذلك يخسرون جولات ويستنزفون من الداخل والخارج..ثقوبهم كثيرة..ومناعتهم منهكة..ممانعة بلا مناعة..وأخطاء بالجملة والتقسيط..وطيبة تستند إلى حسّ اللامسؤولية التّسرّع والتّلقّي الساذج للحقيقة..كم تحتاج الممانعة إلى مناعة استراتيجية وحدس لا يخطئ وملكة حادّة للتمييز؟؟دخل عزمي إلى سوريا ورفع علامة فيكتوار بيده ورجله وحمل أكياسا من الرأسمال الرمزي للممانعة وصرفه في السوق السوداء لرأي عام مصاب بالعته نتيجة مسكنته التّاريخية وانحطاط الفكر والعقل والمعنى..استثمر في بؤس الشعب العربي وجهله وصرف الرأس مال الرمزي للممانعة بالرأسمال المادي الرجعي فخلق موقفا هجينا للحقيقة التي جذورها في النفط وفروعها في سماء الديمقراطية الحداثية..هجينة لأنها ديمقراطية لقيطة.."مانكان" يتبختر في نصوص لصوص المعنى الذين طبّعوا مع الاحتلال وثقافة الكاربيرون..مسخرة لا تمرّ إلا على هذا الرأي العام الذي تلعب الصورة بعقله ومشاعره وغرائزه لأنه ليس رأيا عاما حقيقيا، ولا يوجد فضاء عمومي يمكنه من الرأي والرأي الآخر سوى فضاء افتراضي مفتعل يكون فيه الرأي والرأي الآخر معمية غوغائية تنتهي كما ينتهي صراع الديكة ليمضي عليه مايسترو الغوغائية في شاشة الساحرات وآكلات أوراق الغار..وسوريا التي مروا عليها كالقراصنة هي نفسها التي ستفضح مسرحيتهم التي بدأ يسدل عنها الستار..ساهموا بهذه المسرحة في أكبر شهادة زور ضدّ سوريا كدولة وشعب، وكانت النتيجة هي ملحمة من القهر والدم والخراب والإرهاب..عزمي هو اليوم أيضا تيار في عروبة بلا عرب..عروبة أخرى يزاحم بها القول الفصل في عروبة ممانعة..وبينه وبين هذه العروبة برزخ عروبة ثالثة..عروبة ضالة..فقدت البوصلة..ترفع علامة فيكتوار تحت الجلباب..تنتظر نتائج الصراع..تتحدث لغة المعميات..تقول على السوريين أن يتفقوا,,عن أي سوريين إذن يجري الحديث؟ حينما يتعرّض وطن ما للمؤامرة الإمبريالية ينتهي موضوع المعارضة؟ هناك قتال داخل سوريا بين السوريين والإرهاب ومن يدعمه..هذه الحفنة من أهل الثأر والخونة أعطت البرهان أنّها لا تنتمي إلى هذه الأمّة.. العروبة الثالثة تتراقص بين العروبة الممانعة وعروبة عزمي بشارة..ليس في رصيدها التّاريخي زمجرة ضدّ العدوان..وفي كواليسها ما يندى له الجبين..وتراهم في كلّ واد يهيمون.. قاد عزمي حربا أيديولوجيا ضدّ سوريا ولكنه فشل ككل الوسائل والأدوات لأنّ سوريا تقوم على أساس صلب..ولا يصار إلى استغلال أخطاء السياسات في تخرب المجتمع والكيان..لقد بالغوا حدّ السخف والقرف في تصوير سوريا للرأي العام تصويرا سوداويّا مسرفا..ولكن حصاد الصورة صدم أمام الوقائع الجديدة التي أفرزها الصمود والإصرار الذي تقدحه الرغبة في العدالة الدولية ومقاومة التحريف..سقط عزمي ونظراؤه وسيسقطون أكثر مع كل انتصار سوري لأنهم بنوا مجدهم السّافل على انهيار سوريا، وكان ذلك هو غباؤهم التاريخي الأكبر. سوريا لا يمكن أن تسقطها فضائية ولا عميل صهيوني..وسوريا أغلى من كل بحور النّفط المدنّسة في منطقتنا العربية..

عزمي هو صناعة المؤسسة الصهيونية ومنها انبثق..ولا شكّ أنه لم يكن ليقوم بما قام به وهو لا يعلن معارضته لاسرائيل..لكنها معارضة مشروعة من داخل برلمانها فضلا عن أنه كان موظّفا في مؤسسة صهيونية دستورية..فهذا هو الثمن الباهض لطيبة الممانعة التي تعاقر الغباء أحيانا متى ما تمكّن منها كوجيطو التشكيك الفوضوي، وتضارب الحقائق وخلط الأوراق، التي من دونها لا يتسرّب الجرذان..




  • المصدر : http://www.kitabat.info/subject.php?id=86822
  • تاريخ إضافة الموضوع : 2016 / 12 / 04
  • تاريخ الطباعة : 2024 / 04 / 19