• الموقع : كتابات في الميزان .
        • القسم الرئيسي : المقالات .
              • القسم الفرعي : المقالات .
                    • الموضوع : العزلة والصمت .
                          • الكاتب : كريم الانصاري .

العزلة والصمت

 قال الإمام عليّ بن موسى الرضا (ع) : " يأتي على الناس زمانٌ تكون العافية فيه عشرة أجزاء :  تسعة منها في اعتزال الناس ، وواحدة في الصمت " . 
 
إن نهرب يقبض علينا مصيرنا .. إن ضعنا تدلّ علينا آثارنا .. إن طُمِست معالمُنا تميّزُنا بصماتنا  .. فلا الآثِم الأثيم ولا المؤمن الكريم بمأمنٍ من حساب الربّ العظيم .
  غصص الإحساس المرير تُصهِر القلب وتُذهِل العقل وتجتاح الضمير ، والمصاديق منها جمٌّ غفير ، على سبيل المثال بالبيان القصير :
  لو رمنا المقام الرفيع والنماء السريع فما علينا إلّا  التلبّس بجلباب الممتثل المطيع ..
 فلا نقدَ ولا شجبَ ولا إشكالَ يؤذي ويثير ، نعم إطراءٌ وملقٌ وتزلّفٌ وتنفيذٌ على طول المسير .. وإلّا فأنت محكومٌ بالحذف والإقصاء أو التهميش والتغيير، بمحض التوقّف أو الاعتراض بسبب خللٍ في الأداء  أوافتقار التدبير، رغم صدق النيّة والحبّ والإخلاص بلا طلاءٍ ونفاقٍ وتزوير.
 
من غصص الإحساس المرير : أن نعيش الغربةَ وسط الأهلين وجمع الصحب الكثير ...
 
فيهتف العمق وينادي القلب ويُمضي العقل : هل من خلوةٍ ننأى بها ولا ندنو ؛ علّ آثام الروح تغفو  ومن نوم الغفلة نصحو  ..  علّنا بالعزلة والصمت نُنعِش ما إليه الفطرة تحنو وترنو ..
 فهما خيارٌ صادقُ المقياس والميزان ،   محرارٌ  قد يفوق الرقم وألواح البيان ، خالٍ من إغواء الناس وعواء المسرح وإغراء العنوان .. خالٍ من الانتفاخات الكاذبة والإضافات الزائفة الموهِنة للعدل والإيمان  ..
فإذا ما بان للنتائج ظهور، يتمنّى المرء لو لم يكن له من الأصل جذور ، أو كان نسياً منسيّاً مهمَل الحضور  ؛ بفعل تراكم الآثام وتداوم الغفلات وتزايد الشرور ..
عزاء الروح وأملها بصحوةٍ سميقة ، تعيدالعقل والشعور إلى مجاريه الصحيحة ، وتوقِفه على أصل الحقيقة ، فيجدّ الخطى لترميم الصورة والسيرة ، والخروج من دوّامة الفراغ المستديرة ، فيسعى لإسعاد نفسه - ويا  للإسعاد من مفهومٍ إنسانيٍّ عميق - وأنفس الناس ولاسيّما شخص المألومين بفعل إيذاءاته المسيئة  ..
 هنا  يتمعنى الإنسان الأوّاب الذي توقظه الجراحات المؤلمات وتبصّره المراجعات الواعيات وتعيده إلى فطرته تلك التأمّلات الخالصات ؛ ذلك بفضل العزلة والصمت والوحدة والسكون حين الخلوات المثمرات .
 
إن كانت العزلة والصمت تعنيان : إراحة واستراحة الجوارح والجوانح ، إحياء المحاسن  وإماتة القبائح ، مَيْدَنة خصال الحبّ والوفاء والصدق والإيمان ، الأوبة إلى فطرة  الرحيم الرحمن ..  فإليهما إليهما بشوق العاشق الهيمان ؛ كيف لا ؟! وبهما تُمضى إنسانية الإنسان .
قد تطول العزلة ويطول الصمت وقد يقصران ، كلّ ذلك راجعٌ إلى ثبوت الأمان من غِيَرِ الأهواء وفتن الزمان ، ثم العودة بثقةٍ  واطمئنان إلى الناس في الناس لإثبات إنسانية الإنسان .



  • المصدر : http://www.kitabat.info/subject.php?id=86583
  • تاريخ إضافة الموضوع : 2016 / 11 / 28
  • تاريخ الطباعة : 2024 / 03 / 28