• الموقع : كتابات في الميزان .
        • القسم الرئيسي : المقالات .
              • القسم الفرعي : المقالات .
                    • الموضوع : مع الحسن الامام ( ع) في سياسته وصلحه .
                          • الكاتب : نعيم ياسين .

مع الحسن الامام ( ع) في سياسته وصلحه

  في ظلال الذكرى , ذكرى ولادة الامام السبط ابي محمد الحسن الزكي في الخامس عشر من رمضان السنة الثالثة من الهجرة المباركة , ومن وحي المناسبة يطيب الوقوف على ابرز ما ميز موقف الامام الحسن (ع) من الاحداث التي عاصرها , واعتقد ان اهم تلك الاحداث الموقف من استبداد معاوية بن ابي سفيان بالشام وسعيه بكل الطرق لفرض نفسه حاكما مطلقا على المسلمين حيث بدأ سعيه بهذا الاتجاه منذ مقتل عثمان فتمرد على الخليفة الشرعي الامام علي (ع) واغرق ساحة المسلمين بحرب صفين مخادعا لاهل الشام وامثالهم بانه يطالب بدم عثمان .
       لقد عاش الامام الحسن (ع) الاحداث الجسام التي مرت على ابيه امير المؤمنين منذ توليه الخلافة سنة 36 من الهجرة حيث فتنة الجمل , وحرب صفين , وموقعة النهروان , الى جانب الطابور الخامس الذي كان يعمل في الكوفة عاصمة الخلافة . كل هذه الاحداث جعلت الامام ابا محمد يقف على حقيقة المجتمع الذي يعيش فيه وعلى طبائع النفوس التي يتعامل معها , وهذا ترك اثره في طبيعة السياسة الحسنية . ان الصراع بين الاموية والهاشمية في عصر الامام الحسن ومعاوية يمتد في جذوره الى تلك المواجهة بين الاسلام والجاهلية التي اسلمت اواخرها يوم الفتح . لقد عمل النبي (ص) بكل جهده على القضاء على تلك الجاهلية ورواسبها في النفوس فلم يكتب له النجاح التام الناجز , فظلت بعض المؤلفة قلوبهم , وبعض الطامحين الى السلطان وبعض الموتورين بانتصار الاسلام على الشرك وغير تلك القوى , ظلت كالنار في الهشيم تتحين الفرص للوثوب الى السلطان فما ان توفي النبي الاعظم (ص) حتى اطلت بقرنها , كل قوة تسعى الى هدفها وغايتها , وكان شعار المؤمنين الصادقين في تلك المرحلة الصعبة : امة بلا خليفة منصوص عليه خير من امة بلا اسلام .
    وتطور الصراع بين خط الاسلام المحمدي الاصيل وخط الاسلام الوصولي الزائف فكان يشتد حينا فتسيل الدماء كما في حركة الناكثين والقاسطين والمارقين ايام خلافة علي (ع) ، ويخف حينا اخر كما في عهد الامام الحسن (ع) . لقد لخص الامام علي (ع) التمايز بين الخطين وبين ان الاموية بتاريخها لم تكن يوما كفؤا للهاشمية فقال فيما كتبه الى معاوية " ولم يمنعنا قديم عزنا ولاعادي طولنا على قومك ان خلطناهم بانفسنا فنكحنا وانكحنا فعل الاكفاء ولستم هناك , وانى يكون ذلك كذلك ومنا النبي ومنكم المكذب , ومنا اسد الله ومنكم اسد الاحلاف , ومنا سيدا شباب اهل الجنة ومنكم صبية اهل النار , ومنا سيدة نساء العالمين ومنكم حمالة الحطب " .
     لقد عزم الامام الحسن (ع) على مواصة الحرب للقضاء على تمرد معاوية واستبداده بالشام فجهز جيشا لهذه المهمة بعد ان بويع بالخلافة وكتب الى معاوية قائلا " فدع التمادي في الباطل وادخل فيما دخل فيه الناس من بيعتي فانك تعلم اني احق بهذا الامر منك عند الله وعند كل اواب حفيظ , وان انت ابيت الا التمادي في غيك سرت اليك بالمسلمين فحاكمتك حتى يحكم الله بيننا وهو خير الحاكمين " . لقد ضم جيش الامام خيرة الرجال من الزهاد وحملة القران امثال حجر بن عدي الكندي وابي ايوب الانصاري وعدي بن حاتم الطائي وحبيب بن مظاهر الاسدي وهاني بن عروة ورشيد الهجري وميثم التمار وابراهيم بن مالك الاشتر وغيرهم ولكن الى جنب هؤلاء كان هناك جمهورا من المرائين الذين جاؤوا للغنائم بل بعضهم عيونا لمعاوية فكان هذا التلون مثيرا للخشية في نفس الامام (ع) من الخذلان , وكان في الكوفة قوم تخلفوا وقد تركهم الامام لانهم اكبر خطرا على جيشه لو التحقوا به من امثال الاشعث بن قيس وشبث بن ربعي وعمر بن سعد وشمر بن ذي الجوشن .
     خرج الجيش الى النخيلة قرب الكوفة فعسكر فيها ابتداءً وتخلف كثيرون ولم يوفوا ببيعتهم , ثم غادر النخيلة فاقام الامام (ع) مقرقيادته في المدائن وارسل مقدمة الجيش الى منطقة بلد قرب سامراء واختار عليها ابن عمه عبيد الله بن العباس بن عبد المطلب وكان من السابقين الى بيعة الامام الحسن , وسبب هذا الاختيار يعود الى اسباب عدة يطول الحديث فيها . اعتمد معاوية بث الشائعات في صفوف اهل الكوفة وجيش الامام الحسن (ع) وكان فيهم سماعون لهذه الشائعات , كما اغرى معاوية عبيد الله بالمال والمنزلة ان هو ترك قيادة الجيش الحسني , فترك الجيش وتخلى عن القيادة الى قيس بن سعد بن عباده الانصاري الذي كتب الى الامام (ع) يخبره بمصير عبيد الله والتحاقه بمعاوية مقابل الف الف درهم , وكان هروب القائد وسريان الشائعات هيأت الجو للتمرد والتفرق حتى بلغ عدد الفارين ثمانية الاف من اثني عشر الفا حسب رواية اليعقوبي .
كما اشاع معاوية في جيش المدائن ان قيس بن سعد قتل واشاع في جيش قيس ان الحسن قبل الصلح مع معاوية فاضطرب العسكران وهاج الناس في معسكر المدائن وهمت طائفة من المندسين في جيش الامام بالمدائن بقتل الامام او اسره وتسليمه الى معاوية فضرب الامام (ع) في فخذه ونزف نزفا شديدا , فلما راى الامام جيشه نهبا للشائعات وان جنده لا ينتظرون ولايسمعون حقائق الامور منه عاد الى الكوفة وقبل بما عرضه معاوية من الصلح .
الصلح او الهدنة :
انه ليس صلحا وانما هدنة عرفت بالصلح , وهي هدنة بشروط اشترطها الامام (ع) وكان الباعث عليها ما عرفت من الظروف التي احاطت بالحملة العسكرية التي جردها الامام لقتال معاوية . ان الهدنة او الصلح لو مضى على ما اشترطه الامام لكان كافيا وحده لتقويض سلطة الامويين حيث نصت شروط الهدنة على ماياتي :
 1 – تسليم الامر الى معاوية على ان يعمل بكتاب الله وسنة نبيه – حسب رواية ابن ابي الجديد -وبسيرة الخلفاء الصالحين – حسب رواية البخاري - . 
2 – ان يكون الامر للحسن من بعده – معاوية – فان حدث به حدث فلاخيه الحسين وليس لمعاوية ان يعهد به الى احد .
 3 – ان يترك سب امير المؤمنين والقنوت عليه بالصلاة , وان لايذكر علي الا بخير .
4 – استثناء ما في بيت مال الكوفة , وان يصرف على اولاد من قتل يوم الجمل وصفين من بيت المال الف الف درهم .
5 – الناس امنون حيث كانوا خصوصا شيعة علي في انفسهم واولادهم واموالهم وان يوصل اليهم حقوقهم , وان لاياخذهم بما مضى .
هذه الشروط اشترطها الامام (ع) وامضاها معاوية كما هي واشهد عليها رؤساء اهل الشام .

والملاحظ على ما تقدم ان الامام (ع) لم يعترف بشرعية الحاكم الاموي , بل هو حاكم غلب على الامر بالقوة , وان حكمه مخصوص به لايمتد الى ما تشتهي الاموية . كما نصت الهدنة على ولاية الامام الحسن(ع) على مال الكوفة ، وهذا من شانه ان يعطي الامام استقلالية وقوة ان اراد الاعداد لحركة عسكرية . ان الهدنة التي عرفت بالصلح استهدف منها معاوية الاستيلاء على الملك فيما استهدف منها الامام (ع) صيانة مبادئه والحفاظ على شيعة ابيه وقد صرح بذلك فقال " ما تدرون مافعلت , والله للذي فعلت خير لشيعتي مما طلعت عليه الشمس " , وكانت الهدنة احد الاسباب التي شكلت خلفية لثورة الامام الحسين (ع) ومهدت لها ، لان تنصل معاوية عما فيها من شروط وبنود كشف عن طبيعة الحكم القائم وانه لاتلزمه عهود ولامواثيق حتى انه وبسبب شروط الامام الحسن (ع) اضطر الى الكشف عن حقيقته ردا على تساؤلات الامة , اذ خطب معاوية في الكوفة قائلا في بعض خطبته " يا اهل الكوفة , ما قاتلتكم على الصلاة والزكاة والحج وقد علمت انكم تصلون وتزكون وتحجون , ولكني قاتلتكم لأتأمر عليكم ... الا ان كل دم اصيب في هذه مطلوب وكل شرط شرطته فتحت قدمي " . هذه لمعة من سياسة الامام السبط (ع) استعرضناها لنقف على حقيقة الموقف من تلك الظروف والملابسات في ذلك المقطع الصعب المدلهم من التاريخ الذي يحاول اعداء اهل البيت (ع) طمس معالمه الحقيقية وتقديمه مشوها الى الجيل المعاصر .
  
 


كافة التعليقات (عدد : 1)


• (1) - كتب : علي الوائلي من : العراق ، بعنوان : بحث رائع في 2011/08/14 .

بحث رائع وقيم

جزاكم الله خير الجزاء عن امامكم الحسن المجتبى عليه السلام ونحن نعيش هذه الايام المباركة من ولادته الميمونة



  • المصدر : http://www.kitabat.info/subject.php?id=8651
  • تاريخ إضافة الموضوع : 2011 / 08 / 14
  • تاريخ الطباعة : 2024 / 03 / 29