• الموقع : كتابات في الميزان .
        • القسم الرئيسي : المقالات .
              • القسم الفرعي : المقالات .
                    • الموضوع : قلق القوانين والعدالة كموضوع للاقتصاد القياسي .
                          • الكاتب : ادريس هاني .

قلق القوانين والعدالة كموضوع للاقتصاد القياسي

 أتأمّل النقاش السياسي والقانوني لما يصبح أمرا مهنيّا أو اختصاصا جامدا أو لعبة كسائر اللعب التي لها نصيبها من التشكيلات واللوبيات في عالمنا المعاصر، فإذا بي أستحضر أهمية تحيين القول الفلسفي في القوانين وأصل نشأتها..في الدّولة والعدالة والحقوق..فالمجتمع المعاصر يعيش فوق لهيب من القلق..فالشجاعة من أجل المعرفة باتت تفتقر إلى قوة التفكير والتأمّل..وغدا الوضع أشبه ما يكون بثعبان عاضّ على ذنبه..أخشى على القانون أن يبقى قضية القانونيين، بل أخشى أن يفقد رشده الفلسفي ويصبح تبسيطا قاتلا تكون نتيجته وخيمة على الاجتماع، حيث الجميع سيدفع ثمن هذا التّعسف..يبدو القلق هو عنوان حضارتنا المعاصرة..حضارة قلق وإرهاق وإجهاد وفقدان الشّهية واللاّسواء..والاختفاء خلف سطوة القوانين إنما هو خداع لشكل آخر من عبادة المؤسسة تعويضا عن أفول عصر الضمير وقيم السعادة..
أخشى على القوانين من ذلك النشاط الذي يسعى لانتزاعها من جوهرها..من روح القوانين ليجعلها جزء من نزعة أداتية تحوّل الاجتماع السياسي برمّته إلى حالة احتقان واستعباد بواسطة تضخّم النزعة القانونية والقضائية على حساب العدالة..وتراهم لهذا السبب يسعون بغريزة مكثّفة لتحريف مضامين العدالة نفسها..وها هم اليوم يعلنون الإفلاس، ويصطدمون بالباب المسدود..وتفقد القوانين نكهتها الخلاّقة بوصفها معنية ليس بالواجب وفلسفته كانطيا ولا حتى بالسعادة القيمية أرسطيا، بل بوصفها قدرنا الأنطولوجي الذي يمتدّ من الكائن إلى الكوني..أخلاق البيئة..وأخلاق الكائن المستمتع بالاندماج في الكوني وليس المقهور بالواجب من دون أن يصار إلى هضمه نظريا..هنا كم كان أحرى أن تتوحّد المرجعيات..أي أن يصبح النظر والعمل كلاهما مجالين متحدين في نشأة القانون والعدالة..بينما استحكم الفصام..وتعددت المشارب..وتأقلمت القوانين منذ تأقلمت الآلهة والعقول والمفاهيم..
تظهر هشاشة العدالة في جملة المؤشرات وكذلك العوائق التي تحول دون تحقق العدالة، أي غياب الجدّية وإحلال التّفاهة الشمولية في سائر مناحي الفعل البشري فرديا وجماعيا..إنّ القوانين تعاني قلقا ليس بسبب صعوبة تنفيذها أو لنذرة نصوصها بل لأنّه وبكل بساطة: يصعب تطبيق القانون في مجال يهيمن عليه قانون التّفاهة..هذه الأخيرة هي الحاضر/ الحاضر لأنها لا تغيب حتى في تمظهرها الخارجي مما يجعل السلوك الجماعي يدخل عقد التطبيع التأسيسي مع الوقاحة..الوقاحة التي تسعى لتتحول من حيزها الفردي إلى حيزها الجماعي..وقاحة الأمم..ومن كونها انحرافا فرديا وطيشا معنويا إلى بنية سلوكية وفن إدارة الحقيقة والعلاقات الخاصة والعامة..وقاحة أنطولوجية تعيد نظم القيم والكلمات والأشياء..يتخبّط الفكر السياسي والقانوني أيضا في المنشأ المضطرب للفعل السياسي والأمر القانوني الذي زاده فعل الأقلمة والتورخة امتناعا عن الصياغة النهائية ليصبح مسارا للمدّ والجزر الإبستيمولوجيين..
من هو القانوني إن كان القانون نفسه افتقد اليقين في مستوى التشريع وفي مستوى فلسفته؟..ودائما نحاول أن نمنح الكثير من العناصر الكلاسيكية للقلق القانوني المعاصر درءا للفوضى، ثم نواصل أكذوبة قانون يتجدد خارج الهيمنة السياسية بينما هو مرتهن لها..نصوص تحيّن ولكن لا تعدّل إلاّ في لحظات قصوى من النزعات السياسية..حالة الحرب بالمعنى لذي ذهب إليه جان جاك روسو هي الأخرى تساهم في تكريس قوانين تزعم أنها تدار في حالة السّلم..العدالة في كل قراءات المعاصرين هروب من البعد القيمي للعدالة..مرة أخرى هي مجرد إنصاف..في تناقضية راوولز: ليبرالية عادلة..كيف؟ بينما اللليبرالية تفترض نظاما رأسماليا..والرأسمالية لها حكاية تاريخية مزمنة ضدّ العدالة..العدالة مشروطة بالترابط والتشارك الجماعي..الليبرالية تعيدنا إلى مبدأ المنفعة في بعدها الفردي كحق أساسي وتأسيسي للعدالة..الجماعة في خدمة الفرد..منشؤها العقد الاجتماعي..نحن أمام طور من أطوار الليبرالية التي تجدد نفسها عبر نشاط يبدو في ظاهره خلاّقا..لكن العدالة هنا يصعب هضمها أخلاقيا، بل تبدو أكثر من أي وقت مضى موضوع توزيع وإنصاف وأجرأة في مجتمع منظم جيدا بتعبير راولز أي نحن أمام خداع ليبرالي متجدد..العدالة هنا تبدو خداعا يستند إلى أرقام وبيانات وآمال..أي تكافؤ الفرص والحرية والتمكن المفتوح من الفرص مع الحد الأدنى من الفعل الاجتماعي حتى لا نسقط فيما تحت الفقر، وهو ما ليس إنصافا بل مجرد تفادي للفوضى أو الإزعاج الذي يمكن أن يأتي من هناك ، حيث التهميش والفقر..يبدو أنّ العالم يتجه نحو متاهة أخرى من متاهات قلق العدالة، حيث لم تعد لها علاقة بالحقيقة أو أن تمتح من قيم كونية بل هي إجراء بارد ربما بات مختزلا في الخضوع لضرب من الاقتصاد القياسي..كائن يمسخ أنطولوجيا ليتحوّل بفعل الإصرار على الضحالة ليصبح ظاهرة: أنطو-ميترية....
 



  • المصدر : http://www.kitabat.info/subject.php?id=86253
  • تاريخ إضافة الموضوع : 2016 / 11 / 19
  • تاريخ الطباعة : 2024 / 03 / 28