• الموقع : كتابات في الميزان .
        • القسم الرئيسي : المقالات .
              • القسم الفرعي : المقالات .
                    • الموضوع : بمناسبة رحيل السيد هاشم الموسوي: آخر مفكر من جيل "الدعاة" الرواد .
                          • الكاتب : د . علي المؤمن .

بمناسبة رحيل السيد هاشم الموسوي: آخر مفكر من جيل "الدعاة" الرواد

 نهاية جيل مفكري «الدعوة» الرواد:
    برحيل السيد هاشم الموسوي (أبو عقيل)؛ آخر مفكر مدون رائد؛ يمكن القول إن جيل المدونين الرواد من مفكري «الدعوة» ومنظريها البارزين؛ قد انتهى؛ فالسيد الموسوي هو بقية مفكري مرحلة البناء التي استمرت من العام 1957 وحتى 1980، وأفرزت كثيراً من المفكرين والمنظرين المدونين الذين يندر وجودهم في أي حزب إسلامي في العالم؛ إذا ما استثنينا جماعة الإخوان المسلمين في مصر. وأبرز هؤلاء: السيد الشهيد محمد باقر الصدر والسيد مرتضى العسكري والسيد محمد حسين فضل الله والشيخ محمد مهدي شمس الدين وعبد الصاحب دخيل والشيخ محمد علي التسخيري والشيخ محمد مهدي الآصفي والسيد كاظم الحائري والشيخ عبد الهادي الفضلي والشيخ أحمد الوائلي والشيخ عارف البصري وعبد الصاحب دخيل ومحمد هادي السبيتي والدكتور داود العطار والسيد هاشم الموسوي وغيرهم. وكان السيد هاشم الموسوي آخر الأحياء الذين بقوا يعملون في إطار تنظيمات حزب الدعوة من ذلك الجيل.
     وإذا كان قسم من أؤلئك المفكرين قد كتبوا في الفكر الإسلامي العام؛ فإن أكثر من كتب في فكر "الدعوة" الداخلي هم: السيد محمد باقر الصدر وعبد الصاحب دخيل و ومحمد هادي السبيتي السيد هاشم الموسوي. ولعل السبيتي والموسوي يتفوقان على كل المفكرين الدعاة الآخرين في حجم ماكتبوه للدعوة، وهو مايعادل ثلثي فكر الدعوة.
     وحزب الدعوة؛ كغيره من الأحزاب الايديولوجية التأسيسية هو حزب نخبوي في فكره وأعضائه، ومن الطبيعي أن يكون في صفوفه عدد كبير من المنظرين والمفكرين والكتّاب. إلّا أن أربعة عوامل أساسية ساهمت في أفول ظاهرة المفكرين والمنظرين في صفوفه بعد العام 1972:
1- مرحلة الانكشاف النسبي للسلطة منذ العام 1971 وما بعده، والتي أكلت نخبة مهمة من مفكري حزب الدعوة وشخصياته التنظيرية المدونة والشفاهية؛ ممن أعدمهم نظام البعث أو طمرهم في السجون. وأبرزهم: عبد الصاحب دخيل والشيخ عارف البصري وعدنان سلمان والشيخ حسين معن ومحمد بداي السالم وهادي شحتور وعبد الأمير المنصوري ومحمد هادي السبيتي وغيرهم.
2- خروج نخبة مهمة من المفكرين والشخصيات التنظيرية المدونة والشفاهية من الحزب في مرحلة المهجر؛ وخاصة في العام 1981 وما بعده؛ لأسباب متعددة. وأبرزهم: السيد مرتضى العسكري والشيخ علي الكوراني والشيخ محمد علي التسخيري والسيد كاظم الحائري ومهدي عبد مهدي والشيخ حسين الكوراني والشيخ صبحي الطفيلي والشيخ محمد مهدي شمس الدين والسيد محمد حسين فضل الله وآخرين.
3- وفاة كثير من الشخصيات الفكرية والعلمية الدعوية خلال الثمانينات والتسعينات من القرن الماضي ومابعد سقوط نظام صدام؛ كالدكتور داود العطار والسيد عبد الأمير علي خان وعز الدين سليم والشيخ مهدي العطار وغيرهم.
بروز مرحلة الباحثين والكتاب وأفولها:
     تزامنت مرحلة أفول المفكرين والمنظرين المدونين في حزب الدعوة الإسلامية التي بدأت بعد منتصف ثمانينات القرن الماضي؛ مع بروز ظاهرة جديدة أو مرحلة جديدة تنسجم وطبيعة الظرف التاريخي الموضوعي والتجاذبات الذاتية التي عاشتها «الدعوة»، وهي مرحلة الباحثين والكتّاب؛ والتي لم يعرفها حزب الدعوة من قبل بالكم والنوع الذي أصبحت عليه في عقدي الثمانينات والتسعينات من القرن الماضي. ومن أبرز هؤلاء الباحثين والكتّاب «الدعاة»: السيد حسن شبر ( وهو الوحيد بينهم من جيل المؤسسين)، السيد حسين الشامي، غالب الشابندر، محمد الشبوط، فخري مشكور، السيد عبد السلام زين العابدين، حسن السعيد، ياسين مجيد، السيد محمد الحسيني، عبد الجبار الرفاعي، السيد علي المؤمن، عادل رؤوف، جواد كسار، علي التميمي، صلاح عبد الرزاق، الشيخ فؤاد المقدادي، السيد سليم الحسني، ابراهيم العبادي، شلتاغ عبود، إحسان الأمين، عادل القاضي، خضير الخزاعي، طالب الحسن وغيرهم. ويضاف اليهم عز الدين سليم والدكتور عبد الزهرة البندر والسيد عبد الأمير علي خان؛ الذين ساهموا أيضاً في كتابة الفكر الداخلي لحزب الدعوة وفكره الحركي. وعدا الثلاثة الأخيرون؛ فإن جيل الباحثين والكتاب "الدعاة" الذين برزوا في عقد الثمانينات من القرن الماضي؛ اشتغلوا في حقول فكرية أخرى لاتدخل في صلب فكر «الدعوة» الخاص؛ بل تدخل في إطار الفكر الإسلامي أو الفكر السياسي العام، وكانت لهم نتاجاتهم الكمية والنوعية الملحوظة. وبالتدريج؛ لم يبق من هؤلاء الباحثين أيضاً منتظماً في حزب الدعوة إلّا القليل جداً.
مرحلة الفعل التنظيري والفكري:
     أعقب أفول مرحلة الباحثين والكتّاب؛ ظهور مرحلة المنظرين والمفكرين الشفاهيين الذين مارسوا عملية إدارة السلطة وقيادة حركة الدولة والفعل السياسي الحكومي. فإذا طبقنا معايير الانتاج التنظيري والفكري الشفاهي؛ بما يتضمنه من بعد تخطيطي وميداني؛ كما تعتمدها كثير من مراكز الأبحاث والدوريات العالمية؛ فإن أسماء كثيرة ستبرز؛ لها حضورها أيضا؛ أمثال نوري المالكي والدكتور ابراهيم الجعفري وعلي الأديب والشيخ عبد الحليم الزهيري والدكتور خضير الخزاعي والدكتور طارق نجم وغيرهم.
     ولعل الإشارة إلى هذه الأسماء ستثير كثيراً من الاعتراضات وعلامات الاستفهام؛ ولكنني لم أذكرها إلّا استناداً إلى معايير علمية عالمية معتمدة. ولعل من الدوريات المهمة التي تعتمد مثل هذه المعايير: مجلة «فورين بوليسي» الأمريكية العلمية المحكمة؛ التي تنشر سنوياً قائمة بأهم مائة مفكر على مستوى العالم، وتذكر أسباب اختيارهم. وهي معايير مقبولة ومعقولة، وأنا أعتقد بصحتها؛ رغم عدم إيماني بخلفيات اختيار كثير من مصاديقها. هذه المعاييرعلى نحوين:
1- الإنتاج الفكري الإبداعي؛ سواء كان مكتوباً أو شفاهياً.
2- التنظير والتخطيط والفعل الفكري والميداني الإبداعي؛ سواء كان فنياً (الإخراج السينمائي مثلاً) أو سياسياً أو عسكرياً أو إعلامياً أو صناعياً.
      فمثلاً في قائمتها للعام 2012؛ وضعت مجلة «فورين بوليسي» قائد المعارضة الميانمارية «آنغ سان سوشي» في المرتبة الأولى، كأهم مفكر في العالم لذلك العام. ووضعت مدير الموساد السابق «مائير داغان» في المرتبة الرابعة عشرة، و«رجب طيب أردوغان» في المرتبة 28، وصاحب شركة مايكروسوفت «بيل غيتس» في المرتبة 32. ولكن المفاجاة الصادمة تأتي عندما تضع الفيلسوف وعالم الاجتماع الألماني الشهير «يورغن هابرماس» في المرتبة 88. وهابرماس (مواليد 1929) هو أهم مفكر ألماني حي على الإطلاق، بل أحد أهم فلاسفة الاجتماع السياسي على مستوى العالم خلال العقود الأربعة الأخيرة، ويعتبر بمصاف «كارل ماركس» و«مارتن هيدغر». أما الفيلسوف السلوفيني العملاق «سلوفاي جيجيك» فقد حلّ في المرتبة 92. ولو كانت مجلة «فورين بوليسي» قد اعتمدت المعايير التقليدية المتعارفة في ساحتنا لوضعت «هابرماس» و«جيجيك» في أحد المراتب الخمس الأولى قطعاً.
مفكرو "الدعوة" الجدد:
      إن مهمة النهوض بنظرية حزب الدعوة الإسلامية، وتنقيتها وتجديدها وإعادة كتابة فكر الدعوة، وإدامة الانتاج الفكري الدعوي الداخلي؛ لم يعد مهمة المفكرين والباحثين التقليديين الذين اعتاد "الدعاة" على قراءة أفكارهم العامة والخاصة؛ بل هي عملية معقدة وصعبة؛ لأنها لا تقوم على أرض مستوية منبسطة؛ بل على بناء قائم عميق ومتجذر في "العقل الدعوي"، ويعتري هذا البناء كثير من الإشكاليات والجدليات. ولذلك فإن فئة المفكرين والباحثين التقليديين؛ بحاجة الى التكامل مع فئتين اخريين؛ هما: فئة الخبراء المنظرين والقياديين الميدانيين، وفئة الباحثين الإختصاصيين؛ للقيام بالمهمة المذكورة؛ لأن توصيف المفكر الحزبي والمنظر الدعوي في مرحلة الحكم والتطبيق السياسي تختلف عن توصيفه في مرحلة البناء الأولى والتنظير العام، ومرحلة المعارضة. 
     ويمكن تلخيص حاجة "الدعوة" في هذه المرحلة بتكامل ثلاثة أنواع من الدعاة المنظرين والاختصاصيين:
1- القياديون الميدانيون الخبراء في إدارة الدولة والحكومة والفعل السياسي.
2- الباحثون الإختصاصيون في علم الاجتماع الديني والسياسي والثقافي، والقانون الدستوري، والعلوم السياسية.
3- الباحثون الإسلاميون؛ بشقيهم: المثقفون وعلماء الدين.
     ومن تكامل هؤلاء الثلاثة يمكن تشكيل أنجح اللجان الفكرية في تاريخ "الدعوة". وهؤلاء موجودون في "الدعوة"؛ فيهم المنتظم وفيهم المنقطع، و لاتحتاج "الدعوة" الى اكتشافهم؛ لأن انتاجهم العام يدل عليهم بسهولة. ولعل الإمكاناتات الفكرية والتخصصية التي يمتلكها هؤلاء لاتقل كماً ونوعاً عما كان يمتلكه الشباب العشريني والثلاثيني الذي كتب فكر حزب الدعوة ونظّر له في الخمسينات والستينات والسبعينات.     
 



  • المصدر : http://www.kitabat.info/subject.php?id=86165
  • تاريخ إضافة الموضوع : 2016 / 11 / 16
  • تاريخ الطباعة : 2024 / 03 / 29