• الموقع : كتابات في الميزان .
        • القسم الرئيسي : المقالات .
              • القسم الفرعي : المقالات .
                    • الموضوع : التسليم المنهجي بديلا عن هلاوس التشكيك .
                          • الكاتب : ادريس هاني .

التسليم المنهجي بديلا عن هلاوس التشكيك

استشكل عليّ يوما د.حسن حنفي حين تحدّثت عن شيء أسميته: التسليم المنهجي، وكان أن اعترض وقال أنا لا أومن إلأّ بالعقل ولا أسلّم بشيء..اعتراض منطقي لأنه منسجم مع الرؤية الكلية التي ينظر من خلالها حسن حنفي للحقيقة والعالم..على الأقل هو يختلف عن الكثير من المفكرين الذين كلّ يوم هم في تموضع باراديغمي مختلف..وكان لي يومها جواب يتعلّق بالحذر من الإنكار والتريث بما سأسميه اليوم بالصبر من أجل المعرفة..سأشرح هذا المفهوم أكثر لأنّه بات بالخبرة مفهوما عمليا أكثر..وأبدأ بمفهوم الشّك..هذا الأخير مجرد إجراء معرفي سرعان ما اتخذه البعض مطية للانزياح..إنّ مفهوم الجرأة أو الشجاعة من أجل المعرفة مرحلة تقتضي ما قبلها: الصبر من أجل المعرفة..إنّ حالة الشّك المفتوح التي تنتهي بأحكام القيمة تنتج انزياحا خارج المدارات عادة ما ينتج أيونات ذات شحنة سلبية..أما التسليم المنهجي فالمراد به هنا الصبر في تحقيق الفرضية ومنحها فرصة أي بتعبير علمي أدقّ إقحام عامل الزمن(T) في عملية الاستنباط المفتوحة..إنّ الحديث عن النسبية بطريقة غير علمية هو نقيضة إبستيمولوجية قوامها التنسيب المطلق..إنّ عملية اكتمال وجوه الدليل وبروز عوامل جديدة والانكشاف التدريجي للظواهر من شأنه أن يحقق الوجدان المؤجّل لافتراضات يكرسها مبدأ التسليم المنهجي، وهو ما يعني التبين العلمي..إنّ عقلا مشحونا بافتراضات معاشة يكون قادرا على التقاط الإشارات التي تعزز الوجدان بحقائق في حالة انتظار ولبراهين في حالة تكامل منهجي..إنّ التسليم المنهجي يثمر نتائج مختلفة عن حالة الشّك المفتوح الذي يشوّش على الوجدان وعلى اللاقط العقلي الذي من دون تسليم منهجي تهيمن عليه حالة الغفلة والنسيان..إنّ العقل يلتقط جواهر الحقائق ويؤجّل التحقيق في التفاصيل..هذه الأخيرة مرتبطة بعامل الزمان: الظرف الفيزيائي لاستكمال التحقيق..إنّنا نتعامل مع نتائج الاستقراء بيقين، مع أنّ ثغرته التكوينية قارة..ولكن نتائجه عملية..كثيرة هي الحقائق التي لا زالت في طور الفرضية..بعض الفرضيات هي حدوس يتم اعتبارها وتؤدّي وظائفها كما لو أنها نتائج علمية..ولكنها أثبتت نجاعتها لأنها عملية..ومن هنا يبدو لي أن انسداد الفكر الإنساني ناتج عن تكرار أخطاء الدماغ أو لنقل هو نتيجة الروتين الدماغي الذي يهيمن عليه نمط في التفكير وطرائقه استنفذ أغراضه..وخلاص العقل هو متوقّف على انحراف سيحصل في حركة العقل نتيجة التراكم الفوضوي للمعرفة..ستكون المعرفة هي من سيدفع باتجاه تغيير طريقة التفكير أي زحزحة الدماغ..وأعتقد أن أمرا ما سيطرأ على بنية الدماغ وانحراف في الجينات المورثة بفعل تضخم نشاطه والفوضى التي تحيط به..هذا التعديل الجيني يتطلّب أجيالا وربما سيطرأ كحادثة كونية تاريخية تنقل الدماغ من نمط في التفكير إلى آخر..فهذا النمط من التفكير الذي يهيمن على المشهد العقلي العالمي بلغ الباب المسدود ولم يعد ينتج سوى التفاهة والتبسيط..والرهان على نخب تعيش على إيقاع الانحطاط العلمي هو رهان خاسر..ذلك لأنّ الإبداع بالمعنى الفلسفي حتى اليوم هو إبداع مغشوش..لأنّ الإبداع الحقيقي هو الذي يردم فجوة التكرار ويحلّ معضلة العقل وينير له مسارات أخرى..الإبداع يحرّر العقل والمعقول..تحرر من التكرار..من عبادة المفاهيم المستنفذة..من البؤس النظري والعملي..النشاط الذهني هو نشاط تحرري..لعله الأكثر جدارة بتحرير العالم..لأنه يحرر الدماغ ويجعله يشتغل في بيئة مفاهيمية خلاّقة..يعيش الخطاب الفلسفي اليوم ولا سيما في باديتنا المستعربة أزمة خطيرة لأنه تحوّل إلى نطّات بين المفاهيم..استنزال ساذج لمفاهيم يتم التعاطي معها بالطريقة الإكليروسية نفسها..عصر آباء الكنيسة كان أكثر جرأة من أجل المعرفة من زمن الاجترار..يعتبرون أن الانتقال من بارديغم إلى آخر هو كافي لتحقق الإبداع..بينما حالة الركوع والعبودية الفلسفية لأصنام المفاهيم تظلّ هي هي..إنّني أرمق الطريقة التي يتعاطاها بعض متفلسفة العرب مع المفاهيم حيث يحوّلون أصوليتهم وتطرفهم وسذاجتهم من باراديغم إلى آخر..خداع إبستيمولوجي للذات وللرأي العام غير المعني أصلا بالتحقق من مصير الإبداع في مجالنا المشحون بالفوضى..مغالطات السلطة ورجل القش والتقمص والإسقاط يضعك أمام ظواهر سيكوباتية لا مسارات علمية..بعض المتفلسفة الغربيين كانت لديهم مشكلات نفسية عالجوها في الإكلينيك لكنهم واصلوا انضباطهم العلمي والفلسفي كما هو الحال بالنسبة إلى لوي ألتوسير..لكن الكثير من ممتهني التفكير في بيدائنا العربية محسوبون على العقلاء لكنهم في الحقيقة مرضى من الناحية النفسية والاجتماعية وحتى في طريقة تدبير النشاط الفكري..لن تنتظر منّي أن أندهش من هؤلاء المتقمّصين، لسبب بسيط جدّا أنّني لا أكاد أرى إلاّ التقمص، كلّما تابعت محاضرات ولقاءات هؤلاء الغربيين بالصوت والصورة..إنّ الشيء المؤلم في مجالنا العربي، هو أنّ النشاط الفلسفي بات لعبة..قبل أيّام أتبادل الحديث مع الصديق د. محمد سبيلا، وكانت النتيجة: أنّ المجال الفكري بات مفتوحا للنصب والاحتيال والتمييع والانحطاط..وأضيف: والمرض...



  • المصدر : http://www.kitabat.info/subject.php?id=86002
  • تاريخ إضافة الموضوع : 2016 / 11 / 11
  • تاريخ الطباعة : 2024 / 04 / 19