• الموقع : كتابات في الميزان .
        • القسم الرئيسي : ثقافات .
              • القسم الفرعي : قراءة في كتاب .
                    • الموضوع : نظرية الهيمنة في القرآن الكريم ( دراسة تحليلية ) .
                          • الكاتب : د . طلال فائق الكمالي .

نظرية الهيمنة في القرآن الكريم ( دراسة تحليلية )

 المقدّمة

الحمد لله المهيمن على الخلق كلّه، و«الـْحَمْدُ لِله النَّاشِرِ فِي الـْخَلْقِ فَضْلَه، والْبَاسِطِ فِيهِمْ بِالـْجُودِ يَدَه، نَحْمَدُه فِي جَمِيعِ أُمُورِه، ونَسْتَعِينُه عَلَى رِعَـايَةِ حُقُوقِـه، ونَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَــه غَيْرُه، وأَنَّ مُحَمَّداً عَبْدُه ورَسُولُـه، أَرْسَلَه بِأَمْرِه صَادِعاً، وبِذِكْرِه نَاطِقاً، فَأَدَّى أَمِيناً ومَضَـى رَشِيداً»( )، والحمد لله الذي «أَنْزَلَ عَلَيْه الْكِتَابَ نُوراً لَا تُطْفَأُ مَصَابِيحُه، وسِرَاجاً لَا يَخْبُو تَوَقُّدُه، وبَحْراً لَا يُدْرَكُ قَعْرُه، ومِنْهَاجاً لَا يُضِلُّ نَهْجُه، وشُعَاعاً لَا يُظْلِمُ ضَوْءُه، وفُرْقَاناً لَا يُخْمَدُ بُرْهَانُه، وتِبْيَاناً لَا تُهْدَمُ أَرْكَانُه، وشِفَاءً لَا تُخْشَى أَسْقَامُه، وعِزّاً لَا تُهْزَمُ أَنْصَارُه وحَقّاً لَا تُخْذَلُ أَعْوَانُه»( )، والحمد لله الذي جعلنا من طلّاب علمه والساعين لمعرفة كنهه والمتزوّدين من زاد موائده والمقرّين بفضله. 
والحمد لله الذي وفّقني لأن أكون من الباحثين الذين يـتشرّفون بالوقوف عند أعتاب القرآن العظيم بحثاً عن إطلالة تطلّ على عالمه السماوي الجليل، وسنا مكانه العلوي الكريم، لعلّي أحظى برؤية أحد وجوه إعجازه، وأسمو عزّاً برسم صور حروفه، على صفحات بعض علومه، راجياً نيل القليل من كنوزه، والوقوف على عظيم سرّه، وأخذ بعض من بركاته. 
ذلك بأنّه لا يخفى أنّ للقرآن الكريم أسراراً لا يمكن إدراكها إلّا بالتأمّل والتدبّر، وأنّ استنطاق آياته لا يمكن أن تُحرز إلّا بالنظر والمطاولة، لذا قال أمير المؤمنين وهو يصف فضل القرآن الكريم: «ذَلِكَ الْقُرْآنُ فَاسْتَنْطِقُوه، ولَنْ يَنْطِقَ ولَكِنْ أُخْبِرُكُمْ عَنْه، أَلَا إِنَّ فِيه عِلْمَ مَا يَأْتِي، والـْحَدِيثَ عَنِ الْـمَاضِي، ودَوَاءَ دَائِكُمْ ونَظْمَ مَا بَيْنَكُمْ»( ).
ومن هنا جال في خاطري أن أُشارك في وضع دراسة لآية من آيات النصّ الكريم وهي تحديد قوله تعالى:  وَأَنزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ مُصَدِّقًا لِّمَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ الْكِتَابِ وَمُهَيْمِنًا عَلَيْهِ فَاحْكُم بَيْنَهُم بِمَا أَنزَلَ اللَّهُ وَلاَ تَتَّبِعْ أَهْوَاءهُمْ عَمَّا جَاءكَ مِنَ الْحَقِّ لِكُلٍّ جَعَلْنَا مِنكُمْ شِرْعَةً وَمِنْهَاجًا وَلَوْ شَاء اللَّهُ لَجَعَلَكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَلَـكِن لِّيَبْلُوَكُمْ فِي مَآ آتَاكُم فَاسْتَبِقُوا الخَيْرَاتِ إِلَى الله مَرْجِعُكُمْ جَمِيعًا فَيُنَبِّئُكُم بِمَا كُنتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ ﴾( )، إذ حاولت استنطاقها لأصل إلى بعض من معانيها، لما فيها من مضامين عديدة وأسرار كثيرة وكنوز غنية استوعبت تاريخ نزول الوحي كلّه من آدم وصولاً إلى النبي الخاتم محمّد، لتنتهي شرائع الله بشـريعة الإسلام (شريعة الخاتم محمّد) وتتوّج بالقرآن الكريم الذي وصفه الله تعالى بقوله:  وَإِنَّهُ لَهُدًى وَرَحْمَةٌ لِّلْمُؤْمِنِينَ ﴾( ).
ولعلّ الآية المذكورة آنفاً ــ ميدان البحث ــ التي سمّيناها (آية الهيمنة) تُعدّ مؤشّراً رئيساً يُزاد على بقيّة المؤشّرات الأُخر في بيان مائز الكتاب الكريم من غيره، هذا إن لم تكن هي الآية التي اختزلت جميع المؤشّرات والأدلّة التي تبيّن عظم القرآن الكريم وجلالته وحجّته، كما اختزلت تحت سمة الهيمنة سمات متعدّدة.
إذ عُدّ القرآن الكريم وهيمنته منعطفاً لسائر الرسالات الإلهية جمعاء منعطفاً لبقية الشعوب والأُمم عامّة، فهو الكتاب الذي أنزله الله تعالى على الـبشرية لإنقاذهم من الضلال إلى الهداية ومن الوهم إلى الحقيقية ومن التردّد والانحطاط إلى ثبات العقيدة والرفعة والتسامي نحو الأُنموذج الأسمى الذي تبتغيه السماء، بموجب ذلك لزم أن ينطوي ــ الكتاب ــ على ركائز ثابتة وسمات فارقة تُبينه عن بقية الكتب الإلهية الأُخر وتميّزه منها وإلّا أمكن أن يُعدّ كلّ كتاب أنزله الله تعالى منطوياً على ما أنطوى عليه القرآن من مزايا وسمات تجعله مهيمناً.
من هنا يمكن القول بأنّ النقطة الفارقة أو الركيزة الأساسية المائزة للقرآن من غيره إلى الحدّ الذي جعلت السماء تضع ثقتها وتودع حكمتها في ذلك الكتاب ليكون ديمومةً على البشـرية جمعاء حتّى تقوم الساعة، يمكن تسميتها بــ (الهيمنة القرآنية) لذا وجب على الباحث أن يؤسّس نظريةً لهذا المبنى يُجيب فيه عن مجموعة أسئلة، يمكن صياغتها على هيئة فرضيات علمية على النحو الآتي: 
أوّلاً: ما مفهوم هيمنة القرآن الكريم.
أمهيمنٌ هو في صفة من صفاته؟ أم في جميع اتّجاهاته؟ أم في إعجازه ومضامينه؟ وإذا كان الأمر كذلك فإنّ السؤال يمتدّ لـيفضي إلى سؤال آخر، مقتضاه أنّه لِـمَ جعل الله تعالى هذا الكتاب مهيمناً دون الكتب الأُخر؟ هذا إنْ أمكن إثبات أنّ النص الكريم هو الكتاب الإلهي الوحيد المهيمن دون بقيّة الكتب السماوية.
ثانياً: إذا كان النصّ القرآني مهيمناً بوصفه كتاباً صادراً من الله تعالى، والله مطلق الصفات في صياغة نصّه، والقرآن الكريم موحى بلفظه ومعناه ــ بلحاظ أنّه كلام الله تعالى ــ فهو معجزٌ لا محالة، من هنا يمكن القول بأنّ القرآن الكريم إذا كان معجزاً بناءً على مطلق الصفة لله تعالى في صياغة نصّه القرآني، فإنّ هيمنته تُعدّ مطلقةً بلازم إعجاز النصّ المطلق، فلماذا لا تُعدّ الكتب الأُخر كذلك؟ أي هي مهيمنة أيضاً بلحاظ اتّحاد المنشأ، ممّا يلزم أن تكون الكتب الأُخر حالها كحال القرآن الكريم، فلِمَ هذا الافتراق والحال هذه؟
ثالثاً: إذا كان النصّ القرآني مهيمناً، أفتدعو تلك الهيمنة إلى إلغاء الكتب السماوية المتقدّمة عليه كلّها وحذف كلّ تلك الـمُدد الزمنية التي عاشتها تلك الشعوب والأُمم معتمدةً على الكتاب المهيمن فحسب؟ أم إنّ للهيمنة وجهاً آخر يتضمّن تلك التعليمات السماوية المتجسّدة بالكتب السماوية إلى جانب وجود تعاليم القرآن الكريم؟ وإذا كان القرآن الكريم هو الدين الأوحد الأعلى، فكيف نفسّـر قبول النصّ القرآني للآخر والحال هذه؟ إذا كان هناك قبولٌ للآخر.
رابعاً: إذا كان القرآن الكريم ناسخاً لجميع الـشرائع السماوية والكتب الأُخر، فهل يُعدّ النسخ وجهاً من وجوه هيمنته، وإذا كان ثمّة نسخ ففي أي جانب مضموني يكمن؟ وبتعبير آخر هل النسخ يمتدّ ليشمل المكوّن العقدي والمكوّن القيمي كما هي الحال للمكوّن التشـريعي؟ وإذا كانت الحال كذلك أفيمثّل النسخ جوهر الهيمنة، أم إنّ الهيمنة هي النسخ نفسه، أم إنّ لها وجوهاً أُخر وتعدّدات مفاهيمية تختلف عن النسخ؟ ومن ثمّ لا يمثّل النسخ إلّا منطلقاً من منطلقات الهيمنة ولا يصحّ الإقرار بالعكس. 
خامساً: إذا كان القرآن الكريم مهيمناً فهل يقتضـي ذلك هيمنة شريعة الإسلام أيضاً؟ وهل هيمنته هذه يلزم منها هيمنة المسلم على غيره بصفة خصيصة الإسلام أو لا؟ وإذا كان الأمر كذلك فما نظرة شريعة الإسلام إلى التعدّدية عموماً والتعدّدية الدينية خاصّةً؟ في قبالة شمولية شريعة الإسلام وعالميتها التي يلزم منها استيعابها للـبشر في أي ظرف كان بحكم جامعية الشريعة وخاتميتها.
سادساً: هل تدعو هيمنة الكتاب إلى أن يكون النبي المرسل مهيمناً على سائر الأنبياء والرسل جميعاً من قبله، بحسبان أنّ شريعته هي الأعلى على وجه الإطلاق دون الـشرائع الأُخر؟ وإذا كانت الحال كذلك فإنّه يمكن القول إنّ الأنبياء إذا كانوا كلّهم مبعوثين من الله تعالى بمنطلق واحد ووظيفتهم واحدة، فلِمَ عُدّ النبي محمّد مهيمناً عليهم جميعاً؟ فما الفارق الذي دعا أن يكون النبي محمّد مهيمناً على سائر الأنبياء والرسل إذا كان الأمر متعلّقاً بالكتاب لا بالنبي؟ ثمّ ما لازم ملازمة النبي والكتاب إذا كانوا كلّهم بشـراً وكلّهم رُسلاً؟
كلّ هذه الفرضيات والاستفهامات سيحاول الباحث الإجابة عنها عبر بحثه الموسوم بـ (نظرية الهيمنة في القرآن الكريم ــ دراسة تحليلية) محاولاً أن يستوعب مفهوم الهيمنة ذاكراً الركائز التي دعت إلى هيمنة القرآن الكريم معرّجاً على مسألة كيفية التعايش مع معتنقي الـشرائع الإلهية الأُخر في ظلّ هيمنة المسلم؟ تبنّى القرآن الكريم فكرة الحقيقة المطلقة؟ وما جواب الكتاب المهيمن على تعدّد الصُـرُط وتعدّد الحقائق والسبل للوصول إلى الحقيقة؟ 
وتأسيساً على تلبية مطالب هذه الفرضيات والإيفاء بحقّها إجابةً، عقد الباحث أُطروحته على ثلاثة فصول يسبقها تمهيد ويتلوها خاتمة، وقد عمل الباحث في التمهيد على تفصيل القول في مفردات عنوان الدراسة كشفاً وبياناً إذ تُعدّ الركيزة المفاهيمية الأساس التي ينطلق منها للدخول إلى بحثه، فضلاً عن بيان الباحث لمفردة الكتب السماوية بحكم أنّ هيمنة القرآن الكريم تتحقّق ميدانياً بإزاء الكتب الإلهية الأُخر.
ثمّ طَفِق الباحث يضع أُسس نظريته متّكئاً على أعمدة العلم من مفسّـرين وعلماء لغة ومفكّرين لتحديد مفهوم الهيمنة القرآني، فضلاً عن تأصيله لمفاهيم مفردات أُخر فرضت وجودها طبيعة البحث، منطلقاً من الفصل الأوّل الذي كان بعنوان (مفهوم نظرية الهيمنة وأُسسها اللفظية والسياقية) وبذلك عرض في المبحث الأوّل (مفهوم الهيمنة) مطالب أربعة، هي: عند اللغويين، والمفسّـرين، والمفكّرين، لينتهي إلى انتخاب تعريف إجرائي لنظرية الهيمنة.
وعرّج الباحث في المبحث الثاني على (الأُسس اللفظية لنظرية الهيمنة القرآنية) فكانت على شكل مطالب خمسة تضمّنت ألفاظ آية الهيمنة، فكانت: إنزال القرآن، والقرآن حقّ، والقرآن مصدّقاً، والقرآن كتاب الله، وحاكمية القرآن.
على حين كان المبحث الثالث في الكلام على (الأُسس السياقية لنظرية الهيمنة القرآنية) التي أوجبت الوقوف عند لغة القرآن الكريم وروعة خطابه وعمق دلالة آياته لتكون المطالب التي انضوت في هذا المبحث هي: القرآن معجزة عقلية، والقرآن ناسخ لكتب السماء، والقرآن مبيّن ومفصّل، عصمة القرآن وسلامته من التحريف، والقرآن الشريعة الخاتمة والمرجع.
ثمّ عقد الباحث في الفصل الثاني (مكونات نظرية الهيمنة القرآنية) موضّحاً في المبحث الأوّل (المكوّن العقدي لنظرية الهيمنة في القرآن الكريم) الذي يستلزم وجود مطالب ثلاثة توضح فيه نظم الرؤية الكونية لنظرية الهيمنة وخصائصها، فكانت كالآتي: تكامل الرؤية الكونية لنظرية الهيمنة القرآنية وتمامها، ثمّ خصائص نظرية الهيمنة في القرآن الكريم وملاكاتها العقدية، ومن ثمّ المنظومة العقدية لنظرية الهيمنة في القرآن الكريم.
على حين أكّد الباحث أهمية المكوّن التشـريعي وسرّ هيمنته في القرآن، ولا سيّما ما ذُكر في المبحث الثاني فكانت مطالبه هي: المحكم والمتشابه من الأحكام الـشرعية، وأثر القواعد الأُصولية والفقهية في بناء الهيكل التشريعي، وأخيراً الحكم الاجتهادي ومدارك الاستنباط، إذ اتّضح أثر المنهج الاستدلالي في هذا المبحث.
على حين كان للمبحث الثالث (المكوّن الاخلاقي لنظرية الهيمنة القرآنية) وقفةٌ أُخرى أوجبت التأمّل والبحث عن أُسس القرآن لمنظومته القيمية وما يمكن أن يقدّمه للأخلاق بوصفه مهيمناً، وللإجابة عن ذلك كانت هناك نقاط ثلاث هي: الأُسس الأخلاقية لنظرية الهيمنة في القرآن الكريم، والقيم الأخلاقية بين النسبية والأطلاق، ثمّ وظيفة الأخلاق وأثرها في بناء الفرد والمجتمع. 
نقول إذا كانت لنظرية الهيمنة معطيات متعدّدة وأبعاد متنوّعة، وأنّ من أهمّها الوقوف عند خصيصة القرآن الكريم والفروقات التي ميّزته ممّن سبقته من كتب السماء، بغية التحقّق من الهيمنة الفعلية لكتاب الله مقايسة بغيره، فإنّ هذا يوجب أن يكون أوّل مبحث من مباحث الفصل الثالث هو (معطيات نظرية الهيمنة القرآنية) هو (هيمنة القرآن الكريم على الكتب السماوية) وكان فيه مطالب ثلاثة هي: العمق المعرفي في القرآن الكريم موازنةً بالكتب السماوية، وتـشريعات القرآن الكريم موازنةً بالكتب السماوية، وكذا القيم الأخلاقية في القرآن الكريم موازنةً بالكتب السماوية، ليكون المنهج المقارن قد أخذ حيزه الطبيعي من هذه الدراسة.
وقد أخذ البحث على عاتقه دراسة أهمّ الموضوعات الساخنة التي فرضها الباحث في مطلع مقدّمته؛ بل أفردت الدراسة مبحثاً خاصّاً لبيان مقولة (هيمنة الإسلام على بقية الشـرائع السماوية) وكانت هذه المقولة متمثّلة في المبحث الأوّل تحديداً، وقد نظر إليها الباحث من نقاط ثلاث، كانت أُولى هذه النقاط هي: مفهوم التعدّدية الدينية، ثمّ تعدّد الشـرائع: البعد الواقعي والمنظور القرآني، لغرض الوقوف عند فلسفة تعدّد الشـرائع وعلّتها، لينتهي المبحث برؤية القرآن الكريم لدين الله تعالى وموقع شريعة الإسلام منه، فكان تحت عنوان (هيمنة شريعة الإسلام ووحدة الدين).
لم ينتهِ الأمر عند هذا البعد فحسب؛ بل تعدّى الأمر إلى الحديث عن (هيمنة الهوية الإسلامية) الذي كان عنوان المبحث الثاني، ليتضمّن خصيصة نبي الإسلام من جهة، والإنسان وخصيصة الهوية الإسلامية من جهة أُخرى، فضلاً عن موضوع مهمّ هو: الآخر في ظلّ الهوية الإسلامية.
ما كان لهذه الدراسة البحثية أن تبلغ مقصدها النهائي من دون خاتمة، لذا حاولت فيها أن أختزل أهمّ النتائج والتوصيات، وقفينا ذلك بلائحة من مصادر البحث ومراجعه.
ولابدّ من الإشارة أيضاً إلى أنّ الباحث واجه جملة من العقبات، وكانت العقبات تكمن في ندرة مصادر مفهوم الهيمنة في القرآن الكريم وشحّتها، سواءً ما كان في مكتبتنا الإسلامية أم في غيرها، فلا يحسب الباحث في حدود اطّلاعه أنّ أحداً من الباحثين قد عرض نظرية الهيمنة في النصّ القرآني تكاملاً وشمولاً، فهي ما زالت أرضاً بكراً في نطاق البحث العلمي وبناءً على هذا الملحظ حاول الباحث أن يسلك أثر المفسّـرين، عسى أن يجد ضالّته في مدوّنات التفسير المعتدّ بها عند المسلمين عامّةً، يزاد على هذا أنّه حاول أن يغوص في المجامع الـعصرية ليعضد رأيه بدليل نقلي يكون رديفاً للدليل العقلي للسبب في أعلاه، وسعى إلى الوقوف عند الأقلام المعاصرة للإفادة منها في هذا البحث، فضلاً عن أنّ الباحث قد عرض في دراسته هذه محاور حسّاسة دقيقة حاول كثير من الباحثين تجنّبها، على حين عمد إلى فلسفتها آخرون برؤية كانت على حساب كتاب السماء، والنظم المنطقية والعقلية، وقوانين القيم المطلقة، ممّا اضطرّ أن يعرضها بجرأة وموضوعية، قد يكون أثرها باهض الثمن.
وكيفما ما تكون خلاصة هذه الدراسة ونتائجها فهو جهد بقدر طاقة الإنسان ومحدوديته، ولا شكّ في أنّ المحدود لا يمكن أن يستوعب ويدرك المطلق إلّا بالحدّ الذي يتناسب وجهد الباحث، غير أنّ الذي يجعلني أحسّ بالراحة والاطمئنان النسبي أنّي لم أُقصـر بطلب العلم وصولاً إلى معرفة بعض من آيات الله تعالى، فواصلت ساعات الليل واحدة تلو الأُخرى حتّى بزغت شمس المعرفة بنورها على قلبي لأخطّ آية البسملة بوصفها أوّل كلمات البحث تحت قبّة سيّدي وحبيبي ومولاي الإمام الحسين تعبيراً منّي عن قصوري وعزمي بالتوكّل على الله والاستعانة به للوصول إلى مرادات السماء ولو على قدر طاقتي المحدودة، فضلاً عن علقتي بمعلّمي الأوّل سيّدي الحسين الذي ما برحت بين يديه أسيراً لأعتاب مقامه الشـريف فآليت ألَّا أخطّ آخر كلمات هذا البحث (الحمد لله رب العالمين وصلّ اللّهمّ على محمّد وآل محمّد) إلّا تحت قبّته الشريفة.
 
الدكتور
طلال فائق الكمالي
 



  • المصدر : http://www.kitabat.info/subject.php?id=85836
  • تاريخ إضافة الموضوع : 2016 / 11 / 08
  • تاريخ الطباعة : 2024 / 03 / 29