• الموقع : كتابات في الميزان .
        • القسم الرئيسي : قضية رأي عام .
              • القسم الفرعي : قضية راي عام .
                    • الموضوع : قتل الظاهرة الفرعونية في منهج الإمام الحسين (ع) .
                          • الكاتب : د . عمار عبد الرزاق الصغير .

قتل الظاهرة الفرعونية في منهج الإمام الحسين (ع)

 
الظاهرة الفرعونية تتمحور حول منازعة الله في ملكه وأمره , وهي محاولة تضخيم الذات والتعالي على الخلق , (إذهب إلى فرعون إنه طغى) فالفرعونية ظاهرة ترتبط بالطغيان المتولد عن الشعور الداخلي الكاذب الذي يتوهم فيه الطاغية أنه صاحب الملكية والطاعة والتصرف والتفرد المطلق دون مساءلة أو محاسبة من أحد في كافة شئون البلاد والعباد , لقد كان الـ(فرعون)، وهو شخص في تلك الحقبة، (ظاهرة) عبر التاريخ، تأكد في نفسه الشعور بتضخم الذات على مستوى مبالغ فيه، حتى قال ﴿أَنَا رَبُّكُمُ الأَعْلَى﴾ وبطبيعة الحال، فإن لمقام الربوبية الحقيقي، أو المزعوم، استحقاقاتٍ، يأتي في مقدمتها (حق الطاعة) لهذا (الرب) فلا مجال لمخالفته، ولابد من طاعته. وهذا الحق المطلق، حينما يعتقده (الإنسان) في نفسه، يؤسس لـ(الاستبداد)، الذي هو مصادرة رأي الأخر، انسجاماً مع واقع الربوبية، الذي يستبطن الأولوية على مستوى الوجود , فالفرعونية ليست سوى (رموز) تعبر عن (ظواهر) لبشر وهي ظاهرة لا تتوقف عند حد وزمان ومن أبرز سماتها الآتي :
1- استضعاف الناس وجعل ماتحته خالصا له ولمن يريد دون الأمة : ( ونادى فرعون في قومه قال يا قوم أليس لي ملك مصر وهذه الأنهار تجري من تحتي أفلا تبصرون )
2- الإرهاب الفكري، وتشويه الفكر المضاد﴿ آمَنتُم بِهِ قَبْلَ أَن آذَنَ لَكُمْ ﴾ 
3- الإسراف﴿ وَإِنَّ فِرْعَوْنَ لَعَالٍ فِي الأَرْضِ وَإِنَّهُ لَمِنَ الْمُسْرِفِينَ ﴾ 
4- تغليف المفاهيم الفاسدة﴿ قَالَ فِرْعَوْنُ آمَنتُم بِهِ قَبْلَ أَن آذَنَ لَكُمْ ... لأُقَطِّعَنَّ أَيْدِيَكُمْ وَأَرْجُلَكُم مِّنْ خِلاَفٍ ثُمَّ لأُصَلِّبَنَّكُمْ أَجْمَعِينَ ﴾ 
5- ‎‎ الاستخفاف بالرعية وقبولهم لهذا الاستخفاف : ( فاستخف قومه فأطاعوه إنهم كانوا قوما فاسقين )
6- ‎هناك علاقة ما بين الفساد السياسي ، والفسوق الاجتماعي، ولذلك وجدنا القرآن يقول عن فرعون: ( إنه كان من المفسدين ﴾، بينما يقول عن شعب فرعون : ( إنهم كانوا قوما فاسقين ) ‎فالقيادة الفاسدة لا تحكم إلا مجتمعا فاسق ، ولا يستحق المجتمع الفاسق إلا القيادة الفاسدة.
7- التحالف الثلاثي ما بين النخب السياسية والمالية والإدارية مما يجعل الطغيان يصل إلى مداه : ( ولقد أرسلنا موسى بآياتنا وسلطان مبين، إلى فرعون وهامان وقارون فقالوا ساحر كذاب ﴾ ‎فهامان الفساد الإداري، بينما يمثل قارون الفساد المالي مما يجعلنا نؤكد بأن الفساد السياسي + الفساد الإداري + الفساد المالي يساوي فشل دولة، وانهيار النظام، واختلال الموازين وكل ذلك سيؤدي حتما إلى زوال الأنظمة من خلال الثورات أو الإصلاحات السياسية الكبرى.
8- ‎تكميم الأفواه وتغييب الحريات من خلال القتل المنظم والممنهج لأجل أن يقوم النظام الفرعوني بإشاعة الخوف في الأنسجة المجتمعية يقول القرآن: ( وقال فرعون ذروني أقتل موسى وليدع ربه، إني أخاف أن يبدل دينكم أو أن يظهر في الأرض الفساد ﴾ . ‎يحكم بمنهج يسعى إلى تغيير العقائد، وإفساد الناس، فلا يتوقف عند حد قتل المصلح السياسي أو القائد، وإنما يحاول مع ذلك إلى الإبادة العامة: (فلما جاءهم بالحق من عندنا قالوا: اقتلوا أبناء الذين آمنوا معه﴾ 
9- ‎‎تضخيم الذات الحاكمة، وجعل الإدارة العامة للدولة تحت وصاية شخص واحد. قال سبحانه: ( قال فرعون : ما أريكم إلا ما أرى، وما أهديكم إلا سبيل الرشاد ﴾ هنا تختفي كل الآراء، وينسحب اللاعبون جميعا من الميدان، ولا يسمع إلا صوت واحد، وقراءة واحدة للحياة، فلا يبقى في الكون جمال التعدد والتنوع،
‎‎والفرعونية التي واجهها الامام الحسين ع ممتدة على اثر تراكمات من ايام سلطة الخلفاء الثلاثة وكيف تفاقمت ايام عثمان من استئثار بالسلطة على يد ال ابي العاص واستخفاف بالناس ومصادرة لحقوقهم وجعل السواد ملك للسلطة والحكومات غنيمة بينهم , اضافة الى قتل معاوية الى جملة من الصحابة وخيرة التابعين كحجر والحضرمي لانهم على نهج الامام علي (ع) .
ان المنطق الفرعوني الذي تحكم بحياة المسلمين وأعدم وجودهم في لوحة سلوكه وصل إلى مستوى حتم على الإمام ع ضرورة وجود وبث منطق المقاومة وتعرية حقيقة الفرعونية في الخارطة , بعملية لها القدرة على مواجهة انحراف الانا وتحقيق تقدم باتجاه معايير الانسانية فكانت مأساة كربلاء الشهادة 
فالإمام الحسين ع اتجه بمنطلق تحول مساحة الشر في العقل الانساني إلى منطقة فراغ بعملية الصدمة والفزعة التي نبه الامة عليها من خلال مواجهة فرعونية الامويين, في مغالطة الواقع حيث كانوا يدعون الخلافة للنبي فكشف الامام كذبهم بفداء ذرية النبي ص , ثم ما ان تتنبه الامة على خديعة الامويين تلجأ الى شعارات الحسين ع ومنهجه لتملئ مساحة الفراغ التي احدثتها الفرعونية فيها 
فاتجه الإمام الحسين ع إلى المساحة المشوهة في العقل الموهوم والخائف في زمانه , ليقف على مركز هيمنة الخوف وسيطرته على العقل , ومن ثم ما اذ يعالج التشوه حتى تخبو سلطة الضعف في العقل , وتتغلب قوى الخير العاقلة فتندحر قوى الوهم والشيطانية وغيرها ,
منهج الإمام ع كان علاجيا لمفهوم الظاهرة الفرعونية المنحرفة أي اصل حقيقتها , لكنه تعامل مع الفرد (يزيد) باعتباره حاملا لتلك الظاهرة او الحالة
وما حدث عبر العصور من محاولات لابعاد عقل الامة عن نهضة الإمام الحسين (ع) كان يسير باتجاه شل الوعي الجمعي عن حقيقة وجوب ظهور حركات الإصلاح
ولو رصدت تركيبة بناء خطابه السياسي للحظت هدفية تفجير لإرادة الإنسان وضميره المسجون بتعسف السلطات فاراد أن ينظرالانسان إلى نفسه نظرة موضوعية منضوية الى كتلة اكبر لا تجزيئية انعزالية , ويرى موقعه الفاعل من بناء الاحداث التاريخية , فلما يعتقد الانسان بهذا الدور السترتيجي له تصبح التضحية يسيرة في سبيل الخلود والفتح , خلافا لأولئك متذبذبي الارداة , محدودي العطاء, مشلولي القدرة على التصميم, فانهم لن ينالوا شيئاً من هذا الفتحّ الحضاري العظيم الذي لا يزال يدوّي في عالم الخنوع رمزاً لكل الأحرار والرساليين , وهذه هي الفلسفة التي حاولت أدبيات النهضة الحسينية أن تركّزها في وجدان الامة وذهنيّتها من خلال الفعّاليات المختلفة لرمزها الشهيد على أرض كربلاء لهذا الإمام الحسين كان يطلق على خروجه وحركته (فتحاً): (ومن تخلّف عني لم يبلغ الفتح ) .
فعرض مشروعه على طاولة التاريخ الانساني ليقف أمام العالم في كل وقت ومكان قائلا : ان الإصلاح يتوهج من ذات الشخص فما ان تتحرك إرادة الامة بعد وعيها فلا خروج من ظلامة الجور , ولا انسلاخ من مرارة الواقع , ولا نهوض من ركام التسلط .
 



  • المصدر : http://www.kitabat.info/subject.php?id=84696
  • تاريخ إضافة الموضوع : 2016 / 10 / 10
  • تاريخ الطباعة : 2024 / 03 / 28