• الموقع : كتابات في الميزان .
        • القسم الرئيسي : المقالات .
              • القسم الفرعي : المقالات .
                    • الموضوع : التحليلات الحداثوية وموت "الإله" .
                          • الكاتب : صالح الطائي .

التحليلات الحداثوية وموت "الإله"

 [تأملات من وحي شهر رمضان المبارك]

في القرآن الكريم آيات عديدة ذكرت أنواعا من العقوبات التي صبها الله تعالى على أمم عتت وتجبرت وخرجت عن طوعه فاستحقت عذابه، منها: الفيضان الكاسح/ الريح الصرصر العاتية / الطير الأبابيل/ انشقاق البحر لهلاك جيش الفراعنة/ القمل / الجراد/ قلب عاليها على سافلها، وعشرات الأنواع الأخرى. والمتبحر في حقيقة هذه الأنواع من العقوبات يجد بينها وبين ظواهر وكوارث الطبيعة الأخرى تساوقا ليس لأن الله سبحانه عاجزا عن الإتيان بالجديد غير المعهود، وإنما لكي يجعل مما أصاب تلك الأقوام شواهد وعِبَر للآخرين، حيث تتحول النعم التي تحيطهم فجأة إلى جحيم وموت ودمار، أو يأتي العمل ليخرق متعارفات نواميس الطبيعية رغم أنه من سنخ ما يحدث في الطبيعة.
وبعد التطور العلمي المهول الذي يسره دخول جهاز الكمبيوتر إلى حقول المعرفة ثم تطور البرامج الكمبيوترية إلى الشكل الذي هي عليه اليوم، وبعد النتائج الباهرة التي توصلوا إليها بتوظيف الكمبيوترفي حل المعضلات الفنية التي كان العلم يقف حائرا عاجزا أمامها، جرب العلماء محاكاة بعض النصوص المقدسة لمعرفة أسباب ومسببات الغضب والدمار الذي أصاب تلك الأمم والتي ادعت الكتب المقدسة انه من غضب الله سبحانه، وهدفهم من ذلك تكذيب علاقة السماء بتلك الكوارث باعتبار أن ما حدث لا يعدو كونه  مسالة طبيعية حدثت بفعل تغيرات جوية أو ما شابه، وقد تكرر حدوثها عبر التاريخ ومن الممكن أن تحدث الآن، وكأن المراد من ذلك إطلاق طلقة الرحمة على علاقة الإنسان بربه بعد أن قادت نظرية داروين العالم ليكف عن الإيمان بما يسمونه خرافة التصديق بأن كل ما يحدث في الكون هو بمشيئة الرب وليثبتوا أن هناك مشيئة للعلم أيضا، بل إن مشيئة العلم باعتقادهم قد تكون المسؤولة عما حدث ولا علاقة لأي مشيئة أخرى، وهو السعي الذي أسهم في تخلي الكثير من البشر عن معتقداتهم الدينية والتمسك بآهاب العلم والحضارة متخذينها ربا جديدا. واعتقد علماؤهم أنهم إذا ما أثبتوا أن تلك التي كنا نؤمن بإعجازها من حوادث العقاب الرباني لم تكن سوى ظواهر طبيعية حدثت لنفس الأسباب التي تحدثها اليوم، فمعنى ذلك أن ما توصل إليه نيتشه عن موت الإله" صحيح بالكامل، بل لا وجود لهذا الإله مطلقا!
وصول البشرية إلى درجة القطيعة هذه يعني ولادة أرباب كثر سوف يحكمون ويتحكمون في الكون المادي الملموس المتساوق مع القدرات العقلية للبشر، وهي مرحلة الفساد الذي ما وراءه صلاح لأن الكون بربين اثنين لا يستقيم فكيف يستقيم بعشرات الأرباب المزيفين العاجزين؟
لقد حذر القرآن الكريم البشر من الوصول إلى هذه المرحلة من الانحطاط لكي يجنبوا أنفسهم غضب الله وعقابه فضرب لذلك أمثلة تنفي وجود شركاء لله كما يدعون وتبين ضعف وضحالة وتفاهة الأرباب المدعون المزعومون، منها قوله: 
{قل لو كان معه آلهة كما يقولون إذا لأبتغوا إلى ذي العرش سبيلا } [1] 
{لو كان فيهما آلهة إلا الله لفسدتا فسبحان الله رب العرش عما يصفون} [2]
{ واتخذوا من دون الله آلهة لعلهم ينصرون}  [3]   
{أئفكا آلهة دون الله تريدون} [4]     
{ واتخذوا من دون الله آلهة لا يخلقون شيئا وهم يخلقون ولا يملكون لأنفسهم ضرا ولا نفعا ولا يملكون موتا ولا حياة ولا نشورا} [5]  
 
ولكن مؤثرات الانزياح الأخلاقي الذي أوصل العالم إلى الاعتقاد الكلي بالماديات بعيدا عن الروحانيات أعمى قلوب وأغلق عقول البعض فانشغلوا بالبحث عن أرباب مختلقين ليثبتوا موت الإله اليقين، ومن مغالق ومتاهات سعيهم ما أوردته إحدى الوكالات[6] بقولها: (أشارت محاكاة بالكمبيوتر إلى أن انشقاق البحر الأحمر، وفقا للقصة التوراتية، قد يكون ظاهرة سببتها الرياح العاتية. ويصف سفر الخروج انشقاق البحر الأحمر مما سمح لبني إسرائيل بالفرار من مطارديهم الفراعنة. وتشير المحاكاة بالكمبيوتر التي قام بها علماء أمريكيون إلى أن حركة الرياح بإمكانها فتح ممر أرضي في موقع معين مما يسمح بالعبور على الأرض الطينية بأمان. ويوضح الباحثون أن الرياح الشرقية القوية التي هبت مساء كان بإمكانها أن تدفع الماء عند منعطف في ملتقى نهر مندثر مع بحيرة ساحلية. ومع توقف هبوب الرياح عادت المياه لملء هذا الممر. وقد بنيت الدراسة على إعادة بناء للموقع المرجح لانشقاق البحر الأحمر وعمق الممرات المائية في دلتا النيل التي تغيرت بصورة كبيرة مع مرور الزمن.
وقال "كارل دروز" وهو كبير معدي الدراسة والأستاذ في المركز القومي الأمريكي للدراسات المناخية: "تتطابق الدراسة بشكل كبير مع ما ورد في الإنجيل" وأضاف دروز "يمكن فهم انشقاق البحر وفقا لديناميكا السوائل. تحرك الرياح المياه وفقا لقوانين الطبيعة مكونة ممرا آمنا مع وجود المياه على الجانبين ثم بعودة المياه بشكل مفاجئ لملأ الفراغ". [7] 
ما نستخلصه من هذا الجهد اللاعقلائي هو التأكيد على صحة التوجه المادي الذي يقود العالم اليوم باسم الحداثة وما بعد الحداثة بعيدا عن الروحانيات والغيبيات والمعجزات، فهم يريدون القول أن ما حدث ويحدث في الكون لا إعجاز فيه وإنما هو مجرد ناتج عرضي لمسببات طبيعية، فالطفل يولد من تزاوج الرجل والمرأة، والأمطار تهطل لأن أشعة الشمس تبخر مياه البحر، والزرع ينبت لأن المزارعين يوفرون له ظروف الإنبات المناسبة، فأين دور الإله في كل هذا؟ وهل يمكن للإله أن يخلق طفلا دون اتصال أو يسقط مطرا دون تكثيف أو ينبت زرعا دون ظروف ملائمة؟ هكذا يقولون، وبالمحصلة يستنتجون عدم وجود إله، أو في أفضل الاحتمالات موته، جاهلين انهم بعملهم المشين هذا يخلقون لأنفسهم آلهة جديدة عاجزة عن حماية نفسها بله حماية المؤمنين بها.
وهنا أقول: نحن أيضا نعتقد أن انشقاق البحر (قد يكون) ظاهرة، ولكن ليست الرياح هي المسؤولة عن حدوثها، وحتى لو سايرناهم في اعتقادهم وعزونا الأمر إلى الرياح، نسألهم: من أمر الرياح بإحداثها في تلك اللحظة وذلك الظرف تحديدا؟ هل تحركت الرياح في ذلك التوقيت الحساس والدقيق عبثيا ومن تلقاء نفسها لتحدث ذلك السد وتنجي قوم موسى عليه السلام وتهلك قوم فرعون؟ هل تم ذلك بمحض الصدفة، وما هي تقديرات نسب تطابق المصادفة في وقوع هذا الأمر بهذا الشكل وهذا الترتيب الدقيق؟ لماذا تفتح الرياح طريقا لموسى وقومه ليمروا عن أخرهم سالمين، وتغلقه عند مرور فرعون وقومه فتهلكهم أجمعين؟ لماذا لم تتكرر هذه الظاهرة مرة أخرى؟ هل توقفت الرياح عن مسيرها، أم ماذا؟
السؤال الحقيقي هو: إذا كانت الرياح هي السبب، فمن أمرها لتقوم بذلك العمل الدقيق حد الدهشة؟ هم يقولون أن تباين درجات الحرارة والضغط من منطقة لأخرى هو الذي يتحكم بتحرك وسرعة الرياح، ونحن نقول في جوابنا:نعم لا ننكر هذه المؤثرات ولكننا نؤمن أنها مجرد مسببات وعلل لمعلول وأن في القرآن آيات تؤكد أن الله وحده هو المتحكم بالرياح  كما في  قوله تعالى:{وتصريف الرياح والسحاب المسخر بين السماء والأرض لآيات لقوم يعقلون} [8] 
{وهو الذي يرسل الرياح بشرى بين يدي رحمته} [9]     
{ومن آياته أن يرسل الرياح مبشرات وليذيقكم من رحمته} [10]  
{وأرسلنا الرياح لواقح فأنزلنا من السماء ماء ...}  [11]  
{الله الذي يرسل الرياح فتثير سحابا فيبسطه في السماء} [12]  
ونقول أن في سنة النبي صلى الله عليه وآله، وأحاديثه، وأحاديث أهل بيته عليهم السلام، عشرات ومئات الأحاديث التي تعضد اعتقادنا هذا، فهل يستطيعون إثبات معتقدهم بنص مقدس أو حتى بنص علمي مقنع، أم أن مجرد قولهم (قد يكون) كاف لإثبات نظريتهم؟ وهل بإمكانهم تسخير الرياح في المستقبل لاستخدامها في حروبهم الشرسة مثلا؟ بل هل في امكانهم تجنب غضب الرياح الذي يلحق بهم الأذى؟
هاهي عواصف الرياح تتهدد مدنهم وتهد بنيانهم، حتى أطلقوا على أعاصيرها أسماء باتت ترعبهم وتقض مضاجعهم، فلماذا لا يحركونها بالشكل الذي يبعد عنهم الرعب؟ 
في الشتاء الماضي مرت مجموعة من الأعاصير المتكررة على بعض المدن الساحلية الأمريكية فقتلت أكثر من 350 أمريكيا ودمرت آلاف المنازل والمنشآت والمزارع والبساتين، فلماذا لم تتحكم أمريكا بهذه الأعاصير وهي أكبر وأقوى دولة في العالم؟ هل من المعقول أن بعض الأعاصير تهزمها بهذا الشكل المهين؟
وأين نظرياتهم وخططهم الدفاعية الستراتيجية، لماذا لا يوظفونها لحماية أنفسهم من غضب الطبيعة الذي يتكرر ويكرر انتقامه من بلاهتهم المصطنعة؟
ولماذا لا تحميهم أربابهم الجديدة من غضب رب الأرباب لو كانوا صادقين؟
 
 
 
الهوامش
 
[1] 43 الاسراء 
[2] 22 الأنبياء
[3] 74 يس
[4] 86 الصافات
[5] 3 الفرقان
[6] BBC Arabic يوم الأربعاء 22/9/ 2010
[7] نشرت نتائج الدراسة في دورية "بلوس وان"
[8] 164 البقرة 
[9] 57 الأعراف
[10] 46 الروم
[11] 22 الحجر
[12] 48 الروم
 
 
 
 
 

كافة التعليقات (عدد : 2)


• (1) - كتب : صالح الطائي من : العراق ، بعنوان : وتسلم انت في 2011/08/09 .

أخي الأديب المتألق والمتجدد علي حسين الخباز
بفخر وشرف وسعادة أستقبل زيارتك الكريمة لموضوعي
سلمت أيها النبيل وبارك الله فيك

• (2) - كتب : علي حسين الخباز من : كربلاء ، بعنوان : سلمت في 2011/08/09 .

الاستاذ الرائع والكبير صديقي صالح الطائي المحترم موضوع في اية الروعة سلمت والله وتقبل مودتي ودعائي ويحفظك الله من كل مكروه





  • المصدر : http://www.kitabat.info/subject.php?id=8464
  • تاريخ إضافة الموضوع : 2011 / 08 / 07
  • تاريخ الطباعة : 2024 / 03 / 28