• الموقع : كتابات في الميزان .
        • القسم الرئيسي : المقالات .
              • القسم الفرعي : المقالات .
                    • الموضوع : وليال عشر .

وليال عشر

 هاجر إمرأةٌ سطَّرت بطولة اليقين 
إسأل رمال مكة عن آلام خُطى هاجر وهي تتماسكُ كي تلحق بإبراهيم ! 
يقولون .. يا هاجر ... إنَّ إحساس ألمرأة بالحزن وألألم يَعدِل ثمانية أضعاف 
إحساس الرجل .! 
فكيف صَمَتَ الوجعُ فيكِ وإبراهيم يرحل عنكِ وعن الرضيع !؟ 
لا شيء يخيف هاجر في هذه الصحراء مثل مغيب الشمس في هذا المكان..
هرعت إليه ... يا إبراهيم .. كيف تجمع علينا غيابين ... غيابكَ أنت وغياب 
الشمس ..؟! 
هل نذرتنا للفناء ؟! صدّقني لا شيء يوحي بغير ذلك .. 
ءألله أمرك بذلك يا إبراهيم ...؟ فأجاب نعم ..! 
كان الله في علياءه يشهدُ تلك اللحظة ..
لحظة إختيار بين خطوتين .. 
نحو إبراهيم أو نحو الله..
لحظة سُجِّلت لهاجر في تاريخ الكون ، وبها إعتلت المرأةُ مكان الشمس ..
تسامَت على ضعفها حتى كأنَها أُسطورةٌ من خيال التاريخ ..
أيُّ دينٍ هذا الذي يوقظُ النساءَ كي يَصعدن من السفحِ الى حيث تقيم النسور..!
كي يصبحن أيقونة الفداء ..
كي يملأن الصخور المتشققة من الجفاف بماءٍ لا ينقطع ..
كانت الدروبُ الصامتة تسمعُ وقعَ أقدام إبراهيم مثقلة بالرحيل { ربي إني 
أسكنت من ذريتي بوادٍ غير ذي زرعٍ }...
كم مرة تهدَّجَ صوتُك أوتقطَّع أو تحشرجَ يا خليل الله بين الكلمات ..؟!
مشهدٌ تَئِنُ السموات ولا تَئِنُ له جارية في مقتبل العمر ..!
كان الرعبُ في إنتظارِ العُتمة ألآتية.. وفي بكاءِ طفلٍ يُحرك سكون الصحراء
فتُلقي بأثقالها في وجه الجارية ..
تنحني هاجرُ لتبدو أمامها الحقيقة عارية .. 
لا شيء إلا صُراخ الرضيع .. 
تتشبث باليقين { إن اللهَ لن يُضيِّعنا }..
تشدُ اليد الغارقة في عِرقِ الخوف على حبل الثقة بالله ..
مثل لبوةٍ مفزوعة تَهرع بين الجبلين ..
ثمَّة ما يستحق الحياة ..
ثمَّة ما يستحق السعي ..
ثمَّة حكمةٍ وراءَ كل هذا الهَول ..!
كانت ألأنفاس المتلاحقة في هرولةٍ تستبيح الصدر المضطرب بالخوفِ المشتعل ..
الوحدة والوحشة .. وموتٌ يفترسُ الطفل .. ورملٌ ينتثرُ في عينيها كأنه اللَّهب ..
ولا إبراهيم يؤنسُ الطريق ..!
هل بكت ؟ لم تُسجل ذاكرة الصحراء إلا إرتفاعاً في اليقين ..!
هل كتمت صرختها ..؟ لم تشهد السماءُ إلا صمت الموقنين ..
هل شكت ..؟ لا ..إذ علَّمها إبراهيم : أن النورَ لا يعبُر إلا بعد إكتمالِ الليل ..
كانت زمزم تنتظرُ ضربةً قدمِ الصغير .. وكان لا بد من إكتمال مشهد التضحية 
وتقديم كل القرابين ..
تسعى الحجيج اليوم على الخُطى الجليلة .. على خُطى جارية كتبت من خوفها 
إنتصار إرادة الله عبر إمرأة ..!
\" هاجر \" لكِ من إسمكِ أوفر النصيب في هجرةٍ تمَّت لله وحده .. لتبقى رمزاً لكل المسلمين
يُقتدى به ..
أيا سيدة المعاني الكبيرة ..
منكِ تستلهم اليوم كلُ إمرأة وُضعت بين خيارين أما الصبر واليقين أللذان بهما تتم الهجرة 
الى الله في أعالى القمم .. أو الضعف والسقوط الى الهاوية ..! 
 



  • المصدر : http://www.kitabat.info/subject.php?id=84586
  • تاريخ إضافة الموضوع : 2016 / 10 / 08
  • تاريخ الطباعة : 2024 / 03 / 29