• الموقع : كتابات في الميزان .
        • القسم الرئيسي : المقالات .
              • القسم الفرعي : المقالات .
                    • الموضوع : الحياة السياسية لزعيم الحوزة العلمية السيد الخوئي .
                          • الكاتب : د . محمد الغريفي .

الحياة السياسية لزعيم الحوزة العلمية السيد الخوئي

بمناسبة ذكرى وفاة زعيم الحوزة العلمية السيد أبو القاسم الخوئي (قدس سره) ننقل لكم مقالة مختصرة عن حياته السياسية.

 

ولد السيد أبو القاسم الخوئي عام (1899م – 1317هـ) وتربع على كرسي تدريس البحث الخارج في الحوزة العلمية في وقت مبكر من عمره واستمر لأكثر من سبعين سنة. فحاز خلالها على المرجعية العلمية قبل المرجعية الدينية، التي جاءت منقادة إليه، حتى أصبح الزعيم الأعلى للحوزة العلمية في النجف الأشرف.

 

تولى آية الله العظمى السيد الخوئي زعامة الحوزة العلمية في أشد مراحلها حساسية منذ تأسيسها عام (449هـ) على يد الشيخ الطوسي، حيث تعرضت إلى أقسى الحملات، وعاشت ظروفاً قاهرة؛ وذلك بالتزامن مع حاكم ديكتاتوري متعسّف جائر في العراق لم تشهد الدنيا طغياناً مثل طغيانه. جعل من الشيعة والتشيع هدفاً لطغيانه وإرهابه، وخصوصاً بعد انتصار الثورة الإسلامية في إيران، حتى ظنّ الكثيرون بأنّ دور الحوزة العلمية في النجف الأشرف قد انتهى، حيث المدارس الدينية خالية من طلاب العلوم نتيجة تسفير النظام البعثي لطلاب الحوزة من أصول إيرانية لإيران، ومطاردته لكل العناصر الخيرة في الحوزة.

 

فخلال تلك الظروف الصعبة كانت مهمّة آية الله الخوئي صعبةً للغاية ومضاعفة من عدّة جهات، وكان يرى أن للحوزة العلمية ناصراً وراعياً وهو الإمام الحجة (عج)، وأنها أمانة بيده وعليه أن يحافظ عليها ويهتم بإدارتها وإبقائها واستقلاليتها لمتابعة مهامّها العلمية والفقهية، والحرص على استمرار دور المرجعية العليا لإدارة شؤون الطائفة في العالم بصورة عامّة. واستمرار الدور التاريخي لمدينة النجف الأشرف، التي تضم مرقد أمير المؤمنين الإمام على بن أبي طالب (ع)، وتحتضن الحوزة الدينية ومعاهدها العلمية(). 

 

ولقد تحمل الصعوبات ومشاكل الحوزة العلمية في النجف الأشرف وما نالته الشيعة في الأعتاب المقدسة بصبر وأناة لعدم الإمكانيات للمواجهة مع الحكومة الجائرة إلا بالهداية والنصيحة. ولكن رجال الحكومة لم تصغ إلى نصائحه، وما كانت تلتزم بأي مبدأ إنساني أو قانوني. فعمل بحكمة وحنكة بالغة، حتى اعتبرت مرجعيته (المرجعية الرشيدة). 

 

وزعامته وإمامته ليس بالمحافظة على الدور البارز لحوزة النجف العلمية فحسب، وإنّما بالتجديد والتطوير الذي حصل في زمانه ومن مختلف النواحي العلمية والاجتماعية حتى لُقّب بـ(الإمام المجدّد). ولا شك في أنّه تحمّل في أداء ذلك الواجب، الكثير الكثير من العناء والصعاب من الأعداء وأحياناً من بعض القريبين الجهلاء(). 

 

فقد كان حريصاً على أن يتعامل مع ظروفه السياسية تعاملاً دقيقاً, وأن يوازن بين معادلات سياسية دوليّة خطيرة وداخلية حرجة، فهو من جهة كان يعيشُ تحت وطأة نظام متسلّط يترصّد جميع تحركاته ويتحيّن الفرص للنيل منه ومن خاصّته ومن شيعة أهل البيت عامّة، ومن جهة ثانية لا يمكنه السكوت على انتهاكات النظام وتهوره، فمن حربه للجمهوريّة الإسلاميّة التي استغرقت ثمان سنين إلى غزوه الكويت إلى قتله وترويعه للقرى الكرديّة الآمنة. 

 

كان النظام يزج بشيعة أهل البيت خاصّة وبالشعب العراقي عامّة في حرب ليس لها ما يبرّرها، ومن الطبيعي أنّ السيد الخوئي يخوض هذه الأحداث بدقة ولياقة حسبما تقتضيه الموازين الشرعيّة وما يفرضه التكليف الإسلامي في موارد التزاحم والتعارض والمصلحة والمفسدة والتقية وعدمها والجهاد والهدنة، فكانت اهتماماته السياسية على ضوء الدين، لا يحيد عنها قيد أنملة. هكذا كانت ملابسات الظرف السياسي القاهر الذي عاشه السيد الخوئي(). 

 

بعد نجاح الثورة الإسلامية في إيران وتحويلها إلى حكومة إسلامية قلبت كثيرا من الموازين السياسية في المنطقة، اعتبرها النظام البعثي في العراق خطراً مباشراً عليه. حيث أرادت الحكومة العراقية أن تحصل على تأييد المرجعية في أعمالها أللإنسانية والمتعارضة مع أحكام الإسلام. فطالبت آية الله الخوئي بإصدار فتوى ضد الجمهورية الإسلامية في إيران، واعتبار الحرب عليها شرعية، ومن يقتل فيها شهيداً، لكن السيد الخوئي رفض وصمد بكلّ إصرار على عدم تقديم أدنى تأييد لتهورات النظام في حربه المجنونة، حتّى واجه مسئولي النظام بالتهديد أحياناً إن تكرّرت ضغوطهم في هذا الشأن.

حتى أنه كان يفتي لمقلديه الثقات منهم بأنّها حرب ظالمة، ويحرم المشاركة فيها، ولو أجبروا على المشاركة يحرم عليهم أطلاق النار على القوات الإيرانية؛ لأنه لا تقية في إراقة الدماء، وكان يصاحب هذا الموقف الجريء من اتّخاذ قرارات عدم المشاركة في جبهات القتال من قبل الشباب المؤمن().

 

وعندها بدأت الحرب على الحوزة، حرب قذرة يقودها طاغية جلاد ليست لديه أي معايير ولا أخلاق، فبدأت الاعتقالات والإعدامات. 

حيث قامت العصابة أللإنسانية بالأعمال الإجرامية ضد الحوزة، بالاعتداء على منزل نجله الأكبر جمال الدين في محاولة لقتله عام (1979م- 1399هـ)، حيث اضطر إلى مغادرة العراق والذهاب إلى سوريا وتوفي بعدها في إيران عام (1984م - 1404هـ).

واعتقال مجموعات كبيرة من رجال الدين وتلامذة السيد الخوئي، وأعدمت الكثير منهم وفي مقدمتهم تلميذه وابنه البار الشهيد السعيد السيد محمد باقر الصدر. 

 

وفي عام (1980م - 1400هـ) قامت السلطات الجائرة بتفجير سيارته الخاصة، وهو في طريقه إلى جامع الخضراء لأداء صلاة الظهر، وقد نجا من تلك الحادثة بأعجوبة بالغة. وتم إعدام آية الله السيد محمد تقي الجلالي معاونه الخاص عام (1982م- 1402هـ) في محاولة للضغط عليه. 

وفي عام (1985م - 1405هـ) اغتيل صهره آية الله السيد نصر الله المستنبط بواسطة زرقه بإبرة سامة. 

واعتقال وإعدام آية الله الشيخ محمد تقي الجواهري، وآية الله الشيخ علي أكبر هاشميان، وآية الله الشيخ أحمد الأنصاري. 

واعتقال وإعدام عدد كبير من السادة آل الحكيم وآل بحر العلوم وآل الغريفي وآل الخلخالي وغيرهم من الأسر العلمية والأفاضل من أساتذة وطلبة الحوزة العلمية. 

وهدمت السلطات مدرسة السيد الخوئي (دار العلم) والتي كانت مقرّ الحوزة العلمية عام (1990م- 1410هـ) (). 

 

في آب (1990م – 1411هـ) عندما قام النظام الطائفي بغزو الكويت وانتهاك حرمة الأهالي من نهب وسلب وسرقة، قام آية الله الخوئي بإصدار فتوى تستنكر وتشجب تلك العملية وحرم فيها تداول البضائع الكويتية بيعاً وشراءً مما أغاظ النظام الطائفي. في آذار (1991م– 1411هـ) وبعد انسحاب صدام من الكويت، قامت الانتفاضة الشعبانية التي شملت البلاد أغلبها.

 

وكان السيد الخوئي قائداً لانتفاضتها فعيّن لها القيادة الحكيمة الحاسمة التي تمثِّله، مكوَّنة من تسعة أشخاص لقيادة حركة الثوّار، وأصدر بياناً دعا فيه الثوّار إلى التمسّك بالموازين الإسلامية وعدم مخالفتها. ونص البيان كالتالي: 

 

بسم الله الرحمن الرحيم أبناؤنا الأعزّاء المؤمنين، السلام عليكم ورحمة الله وبركاته. الحمد لله على نعمه وآلائه والصلاة والسلام على أفضل أنبيائه محمد|. وبعد، لا شكّ أنّ الحفاظ على بيضة الإسلام، ومراعاة مقدّساته أمر واجب على كل مسلم، وإنّني بدوري إذ أدعو الله تبارك وتعالى أن يوفّقكم لما فيه صلاح الأمة الإسلامية، أهيب بكم أن تكونوا مثلاً صالحاً للقيم الإسلامية الرفيعة برعاية الأحكام الشرعية رعاية دقيقة في كل أعمالكم، وجعل الله تبارك وتعالى نصب أعينكم في كل ما يصدر عنكم، فعليكم الحفاظ على ممتلكات الناس وأموالهم وأعراضهم وكذلك جميع المؤسسات العامّة لأنّها ملك الجميع والحرمان منها حرمان الجميع، كما أهيب بكم بدفن جميع الجثث الملقاة في الشوارع ووفق الموازين الشرعية لا المثلة بها؛ لأنها ليست من أخلاقنا الإسلامية، وعدم التسرّع في اتّخاذ القرارات الفردية غير المدروسة التي تتنافى والأحكام الشرعية والمصالح العامّة. حفظكم الله ورعاكم لما يحبّ ويرضى، إنّه سميع الدعاء. الخوئي - 18شعبان المعظم 1411 

 

وكذلك وجّه نداءه إلى العراقيين بشأن أحداث شعبان (1411هـ)، وعين فيه لجنة عليا تقوم بالإشراف على شؤون البلاد. ونص النداء كالتالي: 

 

بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله رب العالمين وبه نستعين، وصلى الله على محمد وآله الطاهرين. وبعد، فإنّ البلاد تمرّ في هذه الأيام بمرحلة عصيبة تحتاج فيها إلى حفظ النظام واستتباب الأمن والاستقرار والإشراف على الأمور العامّة والشؤون الدينية والاجتماعية تحاشياً من خروج المصالح العامّة عن الإدارة الصحيحة إلى التسيّب والضياع. من أجل ذلك نجد أنّ المصلحة العامّة للجميع تقتضي منّا تعيين لجنة عليا تقوم بالإشراف على شؤونها بحيث تمثّل رأينا وما يصدر عنها يصدر عنّا، وقد اخترنا لذلك نخبة من أصحاب الفضيلة العلماء المذكورة أسماؤهم أدناه ممّن نعتمد على كفاءتهم وحسن تدبيرهم، على أبنائنا المؤمنين إتباعهم وإطاعتهم والانصياع إلى أوامرهم وإرشاداتهم ومساعدتهم في إنجاز هذه المهمّة. أسأل الله عزّ وجلّ أن يوفّقهم لأداء الخدمة التي ترضيه سبحانه وتعالى ورسوله | إنّه وليّ التوفيق وهو حسبنا ونعم الوكيل. والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته. 1- السيد محيي الدين الغريفي. 2- السيد محمد رضا الموسوي الخلخالي. 3- السيد جعفر بحر العلوم. 4- السيد عز الدين بحر العلوم. 5- السيد محمد رضا الخرسان. 6- السيد محمد السبزواري. 7- الشيخ محمد رضا شبيب الساعدي. 8- السيد محمد تقي الخوئي. ملحوظة: نودّ إضافة السيد محمد صالح والسيد عبد الرسول الخرسان إلى اللجنة المذكورة. الخوئي - 21شعبان المعظم1411هـ() 

 

وعندما كادت الانتفاضة أن تنجح، ولخطر ما ستؤول إليه الأمور بعد نجاحها تدخلت القوى العظمى ضد الانتفاضة لتساند صدام الذي قام وبعد أن مسك زمام الأمور بيده من جديد بالانتقام من الشعب العراقي شر انتقام وخاصة من شخص السيد الخوئي. 

 

حيث اعتقلت السلطات سماحته مع أفراد أسرته ونقلتهم إلى بغداد حيث اقتيد إلى مقابلة رأس النظام الدكتاتوري، واضطرّت إلى إرجاعه إلى النجف الأشرف بعد ثلاثة أيام إثر الاستنكارات والضغوطات الشعبية والرسمية العالمية. وعندها فرض النظام عليه الإقامة الجبرية حتى وفاته بعد عام في منزله في الكوفة بأمور غامضة. ولم تفرج السلطات عن أكثر من مائة من أفراد أسرته ومعاونيه ومساعديه من العلماء الأفاضل, تبين فيما بعد استشهادهم، منهم: نجله السيد إبراهيم، وصهره السيد محمود الميلاني. 

 

رحل آية الله الخوئي إلى باريه تعالى في (8/ صفر/ 1413هـ) الموافق (8/8/1992م) عن عمرٍ ناهز الخامسة والتسعين، ودفن في مقبرة الأسرة في جامع الخضراء في النجف الأشرف، ولم تسمح السلطات العراقية بتشييع جثمانه أو إقامة مجلس العزاء والفاتحة على روحه الطاهرة. وكانت آخر الأعمال الإجرامية بحقه بعد وفاته، هو منع المؤمنين من زيارة مرقده الشريف وغلق أبواب مسجده (جامع الخضراء) بحجّة الترميمات. 

 

كما اغتالت أيادي النظام الشريرة نجله الشهيد العلامة السيد محمد تقي الخوئي بحادث سير مدبّر على طريق كربلاء ـ النجف في ليلة الجمعة 11 صفر 1415هـ، الموافق 21/7/1994م. 




  • المصدر : http://www.kitabat.info/subject.php?id=83044
  • تاريخ إضافة الموضوع : 2016 / 09 / 01
  • تاريخ الطباعة : 2024 / 04 / 19