• الموقع : كتابات في الميزان .
        • القسم الرئيسي : المقالات .
              • القسم الفرعي : المقالات .
                    • الموضوع : اللغة العربية والدين!! .
                          • الكاتب : د . صادق السامرائي .

اللغة العربية والدين!!

   "كتاب فصلت آياته قرآنا عربيا لقوم يعلمون"فصلت 3
 
أي يعلمون اللغة والبيان فيفهمون معانيه ويعقلون مقاصده , فالذي يعرف اللغة العربية في مجتمعنا يعرف القرآن ومَن لا يعرفها يجهله أو يجهل الكثير منه . 
 
فالضعف اللغوي يتناسب طرديا مع الضعف الديني عندنا, أي كلما إزداد المجتمع العربي جهلا بلغته كلما إزداد جهلا بدينه , ووفر الفرص الثمينة للطامعين من الذين يراءون ويترعرعون في أحراش الجهل الكثيف.
 
العربي الضعيف اللغة ضعيف الدين. 
 
فاللغة عماد الدين , ولا يمكن لعربي أن يكون مستوعبا لدينه وهو يجهل القرآن ومعاني كلماته , ولكي يكون واعيا لما يقرأ ومتفكرا به , عليه أن يكون مدركا للغته. 
 
وبهذا يفوّت الفرصة على الذين يريدون العبث بعقله وتسخيره لأغراضهم ومطامعهم الدنيوية بإسم الدين.
 
فأعداء الدين يتكاثرون وسط غابات الجهل اللغوي , الذي يمتد في أعماق المجتمع مثلما تفعل الصحارى في أرضه , وهو يرقبها بلا حراك. 
 
وعودة العربي إلى لغته ودراستها بحب ورغبة حضارية معاصرة , تساهم في قوته وعزمه وتمنحه الأمل والرجاء , وتجعله يفكر بإيجابية وتفاؤل وثقة بالحاضر والمستقبل.
 
ولا يمكن القول بأن العربي الذي لم يتمكن من لغته لضعف نشأته وتربيته اللغوية يستطيع أن يربي أبناءً ذوي قدرة على المجابهة والتحدي في الحياة , لأنه قد زرع فيهم الضعف والترهل وفقدان قيمة اللغة والفكر , وأضعف آليات عقولهم ووفر لهم أسباب الخواء , وبهذا منعهم من التعبير عن دورهم في المجتمع. 
 
أي أن ضعفنا اللغوي سيؤدي إلى إضطرابات إجتماعية وسلوكية ذات نتائج ضارة بالأجيال , لأننا أضعفنا المؤهلات اللازمة للحفاظ على هويتنا التأريخية والدينية , التي ترتكز على قوة اللغة ودورها في إستيعاب مستجدات الزمن الذي نحن فيه.
 
والمشكلة التي نواجهها , أننا قد أهملنا التفاعل الفكري الخلاق فيما بيننا , وتنازلنا عن الكثير من النشاطات الثقافية الإجتماعية التي كانت ذات قيمة مهمة في مسيرتنا الحضارية , فلا نأبه بجلسات تبادل الأفكار والمحاورات اللغوية والبلاغية وغيرها من نشاطات العقل والإبداع ,  التي تساهم في منح قيمة إجتماعية للغة , التي هي مفتاح المعرفة ومخزن الحكمة والتجربة الإنسانية للأجيال.
 
لقد أسقط العرب العديد من التفاعلات الإيجابية المهمة في حياتهم , وسخروا طاقاتهم في سبيل التعامل السلبي مع الذات والموضوع , فابتعدوا كثيرا عن قيمة اللغة وجوهر الدين وأصوله وأسسه , التي تربي المجتمع على حُسن الخلق والنظام في التفكير والعمل والجد والنشاط والعطاء الأمثل.
 
ضعفت اللغة العربية فضعف الدين في بلاد العرب.
 
وبسبب هذا الضعف المتبادل والمتضاعف في متوالية هندسية عبر الأجيال نواجه اليوم تحديات نقف أمامها عاجزين , لأن الأفكار إستنقعت , والرؤى تحجرت , وجنح معظم الحائرين إلى حيث الأجداث , وراحوا يتحدثون بلغة كان يا ما كان في قديم الزمان , ويحسبون أن الذي كان يمكنه أن يكون ويتحقق , بعد أن دارت عجلة الأزمان وسحقت الماضي وأنجبت منه أشياء لا نريد وعيها والتفاعل معها ,  لغياب الأدوات اللغوية والفكرية اللازمة لهضمها وإستيعاب عناصرها , وتحقيق رؤاها وفقا لما فينا من المميزات والطاقات.
 
فأين اللغة ومناهجها المعاصرة , وأين القائمين عليها وما هي مشاريعهم , وكيف يستطيعون أن يبنوا معجمية لغوية مفيدة في عقول أبناء الأمة , لكي يوظفوها لصالح التعبير عن أفكارهم الصالحة , ويشيدون بها عمارة الحاضر السعيد والمستقبل الزاهر للأجيال. 
 
إنّ الذين بلا قدرة على فهم معاني مفردات ما ينطقونه ,  لا يمكنهم أن يأتوا بمفيد لأنفسهم أو لغيرهم , بل ينتكسون إلى حالات الإنكسار والنكوص النفسي والسلوكي , الذي يدفعهم إلى مراتب دونية في مستوى التفاعل البشري مع الحياة , وبهذا فأنهم يؤسسون لإنقراضهم وهيمنة الآخرين عليهم.
 
ويتحقق الضياع في أنهار الحيرة وعدم الثقة والركض وراء السراب , بسبب العطش الشديد للمعرفة والإدراك , وبفعل غشاوة الجهل والغفلة والتشويش , والتخدير من قبل الماهرين في تخدير المجتمعات وإجراء العمليات الجراحية  , التي تساهم في تعويقهم وشل  قدراتهم وتحطيم أبسط آليات صيرورتهم وتناميهم. 
 
فالشعوب لها مَن يخدرها ومَن يقوم بإجراء عمليات جراحية لها يستأصل منها أعضاء القوة والقدرة على التطور والبقاء.
 
وعندما تفقد المجتمعات هويتها اللغوية وتتبعثر رؤاها وأفكارها , فأنها تكون سهلة التخدير والوقوع في حبائل الطامعين بها . 
 
وحالما تضعف اللغة فأن الدين يكون أضعف , وبهذا يتم إستغلاله بمهارات فائقة من أجل النيل منها وتدمير نسيجها وقوتها وقدرتها على الحياة الأفضل. 
 
ولا يمكن للمجتمعات العربية أن تمتلك زمام أمرها من غير لغة عربية قوية معاصرة , ووعي ديني قرآني واضح يساهم في وحدتها وعزتها ورفعتها الحضارية , لأن جهل اللغة يجعل الدين الواحد سببا للفرقة والضياع لغياب الفهم السليم لدستور الدين وأصوله المبينة في القرآن.
 
وهكذا فمن يجهل لغته يجهل دينه وينتهك حرمات مصيره.
وتبقى السماء تنادي: 
                              "إنا أنزلناه قرآنا عربيا لعلكم تعقلون" يوسف 2
                           و  "قرآنا عربيا غير ذي عوجٍ لعلهم يتقون" الزمر 28



  • المصدر : http://www.kitabat.info/subject.php?id=82624
  • تاريخ إضافة الموضوع : 2016 / 08 / 23
  • تاريخ الطباعة : 2024 / 03 / 29