• الموقع : كتابات في الميزان .
        • القسم الرئيسي : قضية رأي عام .
              • القسم الفرعي : قضية راي عام .
                    • الموضوع : هل من فقهٍ وأُصولٍ أرقى ؟ .
                          • الكاتب : كريم الانصاري .

هل من فقهٍ وأُصولٍ أرقى ؟

 تستوقف البعض منّا سلسلة استفهامات ربما يكون منشؤها محدودية الإحاطة  أو الجهل الذاتيّين، سواء الكلّي منهما أو المتجزّىء ، ولربما يكون منشئوها أمراً مشروعاً من حيث زواياه العلمية والمنهجية والتاريخية ، وقد لا يكون برأي البعض سوى سالبةً بانتفاء الموضوع ، أي أنّ أصل موضوع التساؤل لامحلّ له ؛ ذلك لاستكمال الشروط واستيفاء الحاجة ، فلاموجب لطرحه وخوض البحث فيه .
 
نعلم أنّ علمي الفقه والأُصول الشيعيّين قد مرّا بمراحل عدّة حتى بلغا مابلغاه من النموّ والنضوج والازدهار والثبات والرسوخ والانتشار الكبير ..
 والمشهور أنّ مرحلة الشيخ الأعظم الأنصاري رضوان الله تعالى عليه قد بلغ بها علما الفقه والأُصول الشيعيّين التكامل المطلوب .
كما لايخفى أنّ الشيخ الأعظم قد توفّي سنة   ١٢٨١ هـ.ق ، أي قبل أكثر من مائة وخمسين عاماً ، وهي فترة زمنية طويلة نسبيّاً ، تخلّلها ظهور عدّة أجيال من الفقهاء الأفذاذ والأُصوليّين العظام ، فقد سطعت كوكبة من النوابغ  والأساطين يضيق المقام عن ذكر الأسماء ناهيك عن الترجمة وبيان السيرة العطرة وكذا الولوج في تفاصيل النتاجات والآثارالتي خلّفت أبرز اللمسات في فضاءات الفكر والعلم والثقافة .
من هنا تأتي النوبة في عرض التساؤل المعهود الذي صدّرنا به البحث :
هل بلغ الفقه والأُصول الشيعيّين مرحلة التكامل قبل أكثر من قرنٍ ونصف ، فلامرحلة بعد هذه المرحلة ؟
وذلك ربما يعني : أن لامناطق فراغ علمية فيهما ولاخلل ولانقص ولا أيّ شيءٍ آخر .. وهذا مايجعل السؤال التالي يتداعى بالتبع في الأذهان : هل بلغا مرحلة الاستيعاب والفهم الكامل نقلاً وعقلاً ؟  تساؤلٌ بحدّ ذاته يجرّنا  إلى تأمّلٍ مفاده : مهما بلغنا المراحل العليا من الفهم فإنّه يبقى نسبيّاً إزاء المطلق الذي يتعذّر  بلوغه أنّى شئنا .. وعليه ففضاء ترقّي الفهم والاستيعاب يبقى رحباً مفتوحاً دوماً .. إذن لماذا توقّفنا عند الذي توصّل إليه ذهن الشيخ الأعظم  آنذاك ولم نجتاز مرحلته إلى مرحلةٍ أكمل وأشمل ؟  مع بالغ إجلالنا واحترامنا لتراث الشيخ الأعظم ، فإنّه الدرّة الناصعة في جبين الوجود الشيعيّ المقدّس والعلامة المضيئة في علوم مدرسة العصمة والطهارة ..
لماذا لم نطرق باب الإبداع والابتكار اللذين يسمحان بتأسيس مرحلة جديدة أكثر تكاملاً ونضوجاً من مرحلته قدّس سرّه ؟ بالطبع هذا على القول المشهور بكوننا لازلنا  عيال مدرسته ومرحلته .
 
يحقّ لنا القول : إنّنا أتباعُ مدرسةٍ  نابضة بالحركة  والتطوّر والتجديد ، متكيّفة زمكانيّاً ، حافظة للأُصول والثوابت .. فلامفهوم للتوقّف الاستيعابي عندنا إذن ،  ولاسيّما بوجود هذا الزحف العقَدي الثقافي المعرفي التاريخي المذهل رغم تلك الفترات المؤلمة بعد رحيل الرسول الأكرم (ص) وماترتّب عليها من حصارٍ ممنهجٍ مقرونٍ بمساعي الحذف والتضليل والإرعاب ، فإنّ مدرسة أهل البيت (ع) قد تمكّنت من عبور كلّ المقاطع الكأداء لتبلغ مراحل الفتح المبارك الذي نلمس آثاره ونقطف ثماره على غايةٍ من الألق والشموخ .
وبذلك ، فإنّ العقل الشيعي بما يمتاز به من الخصائص والفرص التي تمهّد له ديمومة الحركة والنموّ ، مثل انفتاح باب الاستنباط والاجتهاد ومنهج الحوار العقلاني اللذين أثبتا مفعولهما المعرفي ميدانياً ... قادرٌ على التجديد والإبداع والابتكار ، فهذا ابن إدريس قدّس سرّه - على سبيل المثال - قد تمكّن من إعادة الحياة إلى جسد الاجتهاد الشيعي بعد غيبوبةٍ طويلةٍ إثر التخدّر  بفتاوى وأفكار شيخ الطائفة الطوسي رضوان الله تعالى عليه ، حين طرح بشجاعةٍ  كبيرةٍ آراءه قبال آراء  جدّه لأُمّه شيخ الطائفة ، التي لم يجرؤ أمثال ابن البرّاج وسلّار وابن زهره وأبي الصلاح وغيرهم من الفقهاء الكبار على مخالفتها والقول بما سواها ؛ نتيجة عظمة وهيبة وألق الطوسي العظيم .. ورغم الملاحظات المسجّلة على أُسلوب ابن إدريس ومنهجه رحمه الله في النقض على جدّه   قدّس سرّه ، فإنّه قد أخرج الفقه الشيعي من مرحلة التبعية والتقليد إلى حيث وضعه على سكّة الاستنباط والاجتهاد مرّةً أُخرى .
إذن ، يبقى الإناء الفقهي الأُصولي الشيعي ينضح دوماً بالأساطين والأقطاب الجديرين بتأسيس مرحلة جديدة أكمل وأشمل وأتمّ .. فإنّ حركة العلم والمعرفة والاستيعاب لاتتوقّف عند حدٍّ معيّن ، وتظلّ مهما بلغت من الدرك والفهم نسبيّةً إزاء المطلق  .



  • المصدر : http://www.kitabat.info/subject.php?id=82047
  • تاريخ إضافة الموضوع : 2016 / 08 / 09
  • تاريخ الطباعة : 2024 / 04 / 19