• الموقع : كتابات في الميزان .
        • القسم الرئيسي : المقالات .
              • القسم الفرعي : المقالات .
                    • الموضوع : التقوى بنظرة قرآنية .
                          • الكاتب : السيد ابراهيم سرور العاملي .

التقوى بنظرة قرآنية

 بسم الله الرحمن الرحيم قال الله تعالى:                     وَمَن يَتَّقِ اللَّهَ يَجعَل لَّهُ مَخْرَجًا *

الحمد لله المنَزَّهِ بذاته عن إشارة الأوهام، المقدَسِ بصفاته عن إدراك العقول والأفهام، المتصفِ بالألوهية قبل كل موجود، الباقي بالنعوت الأبدية بعد كل محمود، القديمِ الذي تعالى عن مماثلة الحدثان، العظيم الذي تنَزَّه عن مماسة المكان، المتعالي عن مضاهاة الأجسام ومشابهة الأنام، القادر الذي لا يُشار إليه بالتكييف، القاهر الذي لا يسئل عن ما يفعل، العليم الذي نزّل القرءان شفاء للأرواح والأبدان، والصلاة والسلام على سيدنا محمد الذي مدّت عليه الفصاحة رواقها وشَدّت به البلاغة نِطاقها المبعوثُ بالآيات الباهرات والحجج النيّرات، الـمـُنَزَلُ عليه القرءان رحمة للناس وعلى ءاله وصحابته الطاهرين.أما بعد عباد الله، فإني أوصيكم ونفسي بتقوى الله العليّ القدير القائل في محكم كتابه * وَمَن يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَل لَّهُ مَخْرَجًا * وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لا يَحْتَسِبُ وَمَن يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ إِنَّ اللَّهَ بَالِغُ أَمْرِهِ قَدْ جَعَلَ اللَّهُ لِكُلِّ شَىءٍ قَدْرًا * ( سورة الطلاق ءايات 2 – 3 ).
فالتقوى سبب للفرج من الكربات في الدنيا والآخرة، وسبب للرزق ولنيل الدرجات العلى، أما المعاصى فهي سبب للحرمان في الدنيا وفي الآخرة، فقد روى عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أنه قال: { إن الرجل لَيُحْرَمُ الرّزْقَ بالذنبِ يصيبُهُ} قال بعضهم: فيحرم من نعم في الدنيا من نحو صحة ومال أو تمحق البركة من ماله أو يستولي عليه أعداؤه، وقد يذنب الذنب فتسقط مَنْزلته من القلوب .
فلا تترك أخي واجبًا مهما كان ولا تأتِ معصيةً مهما كانت صغيرة أو كبيرة ولا تخشَ في ذلك تغير الزمان بل توكَّلْ على الله فإن الأمر كما قال تعالى * وَمَن يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ * أي فهو كافيه، والتوكُل أيها الأحبة معناه الاعتمادُ بالقلب على الله وحده لأنَّه سبحانه خالقُ كلّ شَىء منَ المنَافعِ والمضَارّ وسائِر ما يَدخُل في الوجُودِ فلاَ ضَارَّ ولا نافعَ على الحقيقةِ إلا الله فإذا اعتقدَ العبدُ ذلكَ ووَطَّنَ قلبَه علَيه وأدام ذُكْرَه كانَ اعتمادهُ على الله في أمُورِ الرِّزْقِ والسّلامةِ منَ المضَارّ واجتنب اللجوء إلى المعصية لا سيما عند الضيق .
*من كلام الإمام علي (عليه السلام) في التقوى يقول سلام الله تعالى عليه*:
عِبَادَ اللَّهِ أُوصِيكُمْ بِتَقْوَى اللَّهِ فَإِنَّهَا حَقُّ اللَّهِ عَلَيْكُمْ، وَ الْمُوجِبَةُ عَلَى اللَّهِ حَقَّكُمْ، وَ أَنْ تَسْتَعِينُوا عَلَيْهَا بِاللَّهِ، وَتَسْتَعِينُوا بِهَا عَلَى اللَّهِ، فَإِنَّ التَّقْوَى فِي الْيَوْمِ الْحِرْزُ وَالْجُنَّةُ(النجاة)، وَ فِي غَدٍ الطَّرِيقُ إِلَى الْجَنَّةِ، مَسْلَكُهَا وَاضِحٌ، وَسَالِكُهَا رَابِحٌ، وَمُسْتَوْدَعُهَا حَافِظٌ، لَمْ تَبْرَحْ عَارِضَةً نَفْسَهَا عَلَى الْأُمَمِ الْمَاضِينَ مِنْكُمْ، وَالْغَابِرِينَ لِحَاجَتِهِمْ إِلَيْهَا غَداً إِذَا أَعَادَ اللَّهُ مَا أَبْدَى، وَأَخَذَ مَا أَعْطَى، وَسَأَلَ عَمَّا أَسْدَى، فَمَا أَقَلَّ مَنْ قَبِلَهَا، وَ حَمَلَهَا حَقَّ حَمْلِهَا، أُولَئِكَ الْأَقَلُّونَ عَدَداً، وَهُمْ أَهْلُ صِفَةِ اللَّهِ سُبْحَانَهُ إِذْ يَقُولُ:﴿وَقَلِيلٌ مِنْ عِبادِيَ الشَّكُورُ﴾.فَأَهْطِعُوا (أسرعوا) بِأَسْمَاعِكُمْ إِلَيْهَا، وَكُّظّوا بِجِدِّكُمْ (أي ابذلوا جهدكم) عَلَيْهَا، وَ اعْتَاضُوهَا (بمعنى عوّضوا بها عمّا سلف) مِنْ كُلِّ سَلَفٍ خَلَفاً، وَمِنْ كُلِّ مُخَالِفٍ مُوَافِقاً، أَيْقِظُوا بِهَا نَوْمَكُمْ، وَاقْطَعُوا بِهَا يَوْمَكُمْ، وَأَشْعِرُوهَا قُلُوبَكُمْ، وَارْحَضُوا(اغسلوا) بِهَا ذُنُوبَكُمْ، وَدَاوُوا بِهَا الْأَسْقَامَ، وَبَادِرُوا بِهَا الْحِمَامَ (الموت)، وَاعْتَبِرُوا بِمَنْ أَضَاعَهَا، وَلَا يَعْتَبِرَنَّ بِكُمْ مَنْ أَطَاعَهَا، أَلَا فَصُونُوهَا، وَتَصَوَّنُوا بِهَا، وَكُونُوا عَنِ الدُّنْيَا نُزَّاهاً، وَإِلَى الْآخِرَةِ وُلَّاهاً (شوقاً)، وَلَا تَضَعُوا مَنْ رَفَعَتْهُ التَّقْوَى، وَلَا تَرْفَعُوا مَنْ رَفَعَتْهُ الدُّنْيَا، وَلَا تَشِيمُوا بَارِقَهَا (أي لا تنظروا لما يغرّكم من مطامعها)، وَلَا تَسْمَعُوا نَاطِقَهَا، وَلَا تُجِيبُوا نَاعِقَهَا، وَلَا تَسْتَضِيئُوا بِإِشْرَاقِهَا، وَلَا تُفْتَنُوا بِأَعْلَاقِهَا، فَإِنَّ بَرْقَهَا (السحاب) خَالِبٌ (خادع)، وَ نُطْقَهَا كَاذِبٌ، وَأَمْوَالَهَا مَحْرُوبَةٌ (منهوبة)، وَأَعْلَاقَهَا مَسْلُوبَةٌ، أَلَا وَهِيَ الْمُتَصَدِّيَةُ الْعَنُونُ (الظاهرة)، وَالْجَامِحَةُ الْحَرُونُ (المعاندة)، وَالْمَائِنَةُ (الكاذبة) الْخَئُونُ (الخائنة)، وَالْجَحُودُ الْكَنُودُ (كفر النعمة)، وَالْعَنُودُ الصَّدُودُ (كثيرة العناد والصدّ)، وَالْحَيُودُ الْمَيُودُ(الميل والإضطراب)، حَالُهَا انْتِقَالٌ، وَوَطْأَتُهَا زِلْزَالٌ، وَعِزُّهَا ذُلٌّ، وَجِدُّهَا هَزْلٌ، وَعُلْوُهَا سُفْلٌ، دَارُ حَرَبٍ وَ سَلَبٍ وَ نَهْبٍ، وَعَطَبٍ (ضرر)، أَهْلُهَا عَلَى سَاقٍ وَسِيَاقٍ، وَلَحَاقٍ وَ ِرَاقٍ، قَدْ تَحَيَّرَتْ مَذَاهِبُهَا، وَأَعْجَزَتْ مَهَارِبُهَا، وَخَابَتْ مَطَالِبُهَا، فَأَسْلَمَتْهُمُ الْمَعَاقِلُ، وَلَفَظَتْهُمُ الْمَنَازِلُ، وَأَعْيَتْهُمُ الْمَحَاوِلُ، فَمِنْ نَاجٍ مَعْقُورٍ، وَ َحْمٍ مَجْزُورٍ، وَشِلْوٍ (الجزء المقطوع) مَذْبُوحٍ، وَدَمٍ مَسْفُوحٍ، وَعَاضٍّ عَلَى يَدَيْهِ، وَصَافِقٍ بِكَفَّيْهِ، وَمُرْتَفِقٍ بِخَدَّيْهِ، وَ زَارٍ عَلَى رَأْيِهِ، وَرَاجِعٍ عَنْ عَزْمِهِ، وَقَدْ أَدْبَرَتِ الْحِيلَةُ، وَأَقْبَلَتِ الْغِيلَةُ (الشرّ)، وَلَاتَ حِينَ مَنَاصٍ (المهرب)، هَيْهَاتَ هَيْهَاتَ! قَدْ فَاتَ مَا فَاتَ، وَ ذَهَبَ مَا ذَهَبَ، وَمَضَتِ الدُّنْيَا لِحَالِ بَالِهَا: ﴿فَما بَكَتْ عَلَيْهِمُ السَّماءُ وَ الْأَرْضُ وَ ما كانُوا مُنْظَرِينَ﴾.
*ومن كلام له عليه السلام يتبرأ من الظلم*
 وَاللَّهِ لَأَنْ أَبِيتَ عَلَى حَسَكِ السَّعْدَانِ مُسَهَّداً أَوْ أُجَرَّ فِي الْأَغْلَالِ مُصَفَّداً أَحَبُّ إِلَيَّ مِنْ أَنْ أَلْقَى اللَّهَ وَرَسُولَهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ ظَالِماً لِبَعْضِ الْعِبَادِ وَغَاصِباً لِشَيْ‏ءٍ مِنَ الْحُطَامِ وَكَيْفَ أَظْلِمُ أَحَداً لِنَفْسٍ يُسْرِعُ إِلَى الْبِلَى قُفُولُهَا وَيَطُولُ فِي الثَّرَى حُلُولُهَا وَاللَّهِ لَقَدْ رَأَيْتُ عَقِيلًا وَقَدْ أَمْلَقَ حَتَّى اسْتَمَاحَنِي مِنْ بُرِّكُمْ صَاعاً وَرَأَيْتُ صِبْيَانَهُ شُعْثَ الشُّعُورِ غُبْرَ الْأَلْوَانِ مِنْ فَقْرِهِمْ كَأَنَّمَا سُوِّدَتْ وُجُوهُهُمْ بِالْعِظْلِمِ وَعَاوَدَنِي مُؤَكِّداً وَكَرَّرَ عَلَيَّ الْقَوْلَ مُرَدِّداً فَأَصْغَيْتُ إِلَيْهِ سَمْعِي فَظَنَّ أَنِّي أَبِيعُهُ دِينِي وَأَتَّبِعُ قِيَادَهُ مُفَارِقاً طَرِيقَتِي فَأَحْمَيْتُ لَهُ حَدِيدَةً ثُمَّ أَدْنَيْتُهَا مِنْ جِسْمِهِ لِيَعْتَبِرَ بِهَا فَضَجَّ ضَجِيجَ ذِي دَنَفٍ مِنْ أَلَمِهَا وَكَادَ أَنْ يَحْتَرِقَ مِنْ مِيسَمِهَا فَقُلْتُ لَهُ ثَكِلَتْكَ الثَّوَاكِلُ يَا عَقِيلُ 
أَتَئِنُّ مِنْ حَدِيدَةٍ أَحْمَاهَا إِنْسَانُهَا لِلَعِبِهِ وَتَجُرُّنِي إِلَى نَارٍ سَجَرَهَا جَبَّارُهَا لِغَضَبِهِ 
أَتَئِنُّ مِنَ الْأَذَى وَلَا أَئِنُّ مِنْ لَظَى وَأَعْجَبُ مِنْ ذَلِكَ طَارِقٌ طَرَقَنَا بِمَلْفُوفَةٍ فِي وِعَائِهَا وَمَعْجُونَةٍ شَنِئْتُهَا كَأَنَّمَا عُجِنَتْ بِرِيقِ حَيَّةٍ أَوْ قَيْئِهَا فَقُلْتُ أَ صِلَةٌ أَمْ زَكَاةٌ أَمْ صَدَقَةٌ فَذَلِكَ مُحَرَّمٌ عَلَيْنَا أَهْلَ الْبَيْتِ فَقَالَ لَا ذَا وَلَا ذَاكَ وَلَكِنَّهَا هَدِيَّةٌ فَقُلْتُ هَبِلَتْكَ الْهَبُولُ أَ عَنْ دِينِ اللَّهِ أَتَيْتَنِي لِتَخْدَعَنِي أَ مُخْتَبِطٌ أَنْتَ أَمْ ذُو جِنَّةٍ أَمْ تَهْجُرُ وَاللَّهِ لَوْ أُعْطِيتُ الْأَقَالِيمَ السَّبْعَةَ بِمَا تَحْتَ أَفْلَاكِهَا عَلَى أَنْ أَعْصِيَ اللَّهَ فِي نَمْلَةٍ أَسْلُبُهَا جُلْبَ شَعِيرَةٍ مَا فَعَلْتُهُ وَإِنَّ دُنْيَاكُمْ عِنْدِي لَأَهْوَنُ مِنْ وَرَقَةٍ فِي فَمِ جَرَادَةٍ تَقْضَمُهَا مَا لِعَلِيٍّ وَلِنَعِيمٍ يَفْنَى وَلَذَّةٍ لَا تَبْقَى نَعُوذُ بِاللَّهِ مِنْ سُبَاتِ الْعَقْلِ وَقُبْحِ الزَّلَلِ وَبِهِ نَسْتَعِينُ . 
*والحمد لله رب العالمين*



  • المصدر : http://www.kitabat.info/subject.php?id=81439
  • تاريخ إضافة الموضوع : 2016 / 07 / 26
  • تاريخ الطباعة : 2024 / 04 / 19