• الموقع : كتابات في الميزان .
        • القسم الرئيسي : ثقافات .
              • القسم الفرعي : ثقافات .
                    • الموضوع : المهرجانات الفكرية .. وإسهامها الوعيّوي الفاعل في إثراء الذاكرة الجمعية * قراءة نقدية * .
                          • الكاتب : سعدي عبد الكريم .

المهرجانات الفكرية .. وإسهامها الوعيّوي الفاعل في إثراء الذاكرة الجمعية * قراءة نقدية *

 تتمحور المهرجانات الفكرية في العديد من المناسبات على تقديم مناهل معرفية ناهضة، وملاحق ثقافية راقية، وركائز أدبية ملهمة، لإثراء الذاكرة الجمعية، وتنشيط العقل الجمعي، وهي بالتالي مصدر من مصادر تنمية القدرات الفردية، لأغناء الملمح الوعيوي في الذات، وتسهم إسهاماً متميزاً في بث مواطن المرتكزات، والمعايير، وتطوير المعطيات الفهمية العالية  ذات الطابع الديني، والأدبي، والثقافي، والإعلامي، بحيث يبقى لها الأثر الفاعل في جسد الولاء ألانتمائي الوطني، وصولاً لمراحل التغيير الوعيوي المنشود، الذي يسعى إليه المنتمون الحقيقيون لتربة هذا الوطن المعطاء، أرض الأنبياء والأئمة، والأولياء، والصالحين.
 
ولعل من بين المهرجانات المهمة، والقيمة، والبارزة على الساحة الثقافية، والأدبية العراقية، والتي كانت كفيلة بالارتقاء بالذائقة الفكرية، والإنتمائية الوطنية، والعقائدية، مهرجان الإمام الباقر عليه السلام الثقافي السنوي الثاني، بإشراف قسم الشؤون الفكرية والثقافية في العتبة العباسية المقدسة، والذي عقد تحت شعار (الإمام الباقر عليه السلام .. الصادع بالحق والناطق بالصدق) وبحضور العلامة والمفكر الإسلامي المجدّد، والعراقي الأصيل، والمواطن النجيب، صاحب المواقف الأنتمائية العراقية النبيلة، والجليلة (السيد احمد الصافي) الذي عُرف عنه من القاصي والداني، وفي كل المحافل الرصينة، بإعلانه عن مواقفه العراقية الأصيلة، والعظيمة، والوقوف مع الشعب العراقي في كل محنه، وأزماته الحرجة، وعُرف عنه على الدوام مواقفه الثابتة ضدّ السياسيات المنحرفة، ومحاربته الفاعلة والناجزة ضد الفساد والمفسدين الذين عثوّا في الأرض فساداً وإفساداً، وهو الصادع بالحق، والناصر للمظلوم على الظالم، والماثل مع نور الحقيقية على ادلهام الظلمة، والشافع للفقير، والمحروم، والمُعوز، والمُحتاج، حيث قال في معرض كلمته التي ألقاها في افتتاح المهرجان بحضور جمع غفير من عوائل الشهداء، والأدباء والمثقفين والإعلاميين، فيما ما هو مفاده:- (ان محمداً رسول الله صل الله عليه واله وسلم، بُعثَ رحمة للعالمين، والأئمة الأطهار هم رحمة للناس، وان العراق بلد الجميع، والدم العراقي واحد، وعلينا جميعا ان نقف ضد الإرهاب، وان تحرير المدن هو واجب وطني مقدس).
 
ومما تجدر الإشارة إليه بان موسوم المهرجان جاء متطابقاً، ومتجانساً، ومتوائماً مع أهدافه النبيلة في إنشاء فسحات من النقاش المثمر العالِ المستوى بين (الرسالة والمرسل والمتلقي) وهي الأضلاع الثلاث لنظرية التلقي، مما أسفر عن نتائج واضحة المعالم في إنشاء جسور تواصل ما بين الطروحات الفكرية التي جاءت بها الأوراق البحثية، وبين جمهور الحاضرين من الأدباء والمثقفين والإعلاميين المختصين في بوتقة الحراك المعرفي، بحواضنه الدينية، والأدبية، والثقافية.
 
لقد جاء المهرجان متزامناً مع الأوضاع المتراكمة التي يعيشها العراق من خلال الهجمات الإرهابية الشرسة على العراق، وعملية التصدي لها من قبل قواتنا المسلحة البطلة، وقوات الأمن، وقوات الحشد الشعبي، فلقد كان المهرجان وثيقة ناجعة، ووافية، ومفصلة، ومهيبة، تتساوق مع حجم التحديات، والدمار الفواجعيّ الذي تعاني منه الشعوب بالكلية، والعراق بخاصة، ولقد حقق مبتغياته الأصيلة في كيفية تنشيط العقل الجمعي، وإثراء الذاكرة الجمعية، من اجل الوقوف إزاء الفكر الإرهابي المتطرف، والمتصحر الهمجي، من خلال بث نور الكلمة المضيئة، وإيقونات المعرفة الناهضة، ومدّ جسور التلاقح بين الإعلام الناهض، والفكر النير ، وإيجاد السبل الكفيلة لمحاربة الإعلام الظلاميّ الذي يتبناه المتطرفين والإرهابيين الذين يمثلون أبشع هجمة إنسانية شرسة ضد أوجه التحضر، والارتقاء بالعقل البشري صوب مصاف الآدمية، وعدم النكوص به صوب ملامح التخلف والتردي الحضاري، فقلد مارس الإرهاب في العراق أبشع الجرائم التي شهدتها البشرية جمعاء، من القتل الجماعي وسفك الدماء الطاهرة، ونشر الأفكار المتطرفة البغيضة التي ترفضها الإنسانية، لأنها مجرد سقطات بدوية جامدة الفكر والعقيدة، وصور هلامية للدين لفضها التاريخ، ورماها بأقرب حاوية للنفايات، لما لها من تداعيات على العقل البشري السليم، والفطرة الإلهية النجيبة، التي فطر الله الناس عليها،  ومديات خطورتها على العراق، والعالم اجمعه، لأنها أفكار متخلفة تستند معاييرها الفكرية على إراقة الدماء التي حرمها الله، وقتل أبناء الوطن الواحد بكل اطيافهم، بدم بارد، وبث روح التفرقة والطائفية، ونثر أشلاء الأبرياء على إسفلت الشوارع.
 
  
 
لقد كان للأطروحات الفكرية والإعلامية التي ارتكز عليها المهرجان الأثر البالغ في ترصين الحالة التعبوية الشعبية، والتصدي للأفكار الإرهابية المتطرفة التي تنعكس بنوازعها المتوحشة على العقل العربي، والعالمي، والدائرة الإنسانية جمعاء.
 
لقد استضاف المهرجان العديد من الأساتذة المفكرين والإعلاميين المتخصصين، لإلقاء محاضرات متنوعة المناهج والتي تصب في بوتقة الكيفية الناجعة لإيجاد العوامل المشتركة لمواجهة الفكر الإرهابي المتطرف وحواضنه ومرجعياته الدينية، ومرتكزاته الإعلامية والفكرية، وجاءت الأوراق البحثية والأطروحات الفكرية ناهضة، وساعية الى تنشيط الحراك المعرفي، والفكري، والثقافي، من اجل القضاء على جلّ الأفكار البدوية المتخلفة، وصدّ الهجمات الإرهابية المتطرفة، والوقوف بوجه ذلك الجلّف العقلي والديني المتصحر، والتردي الفكري، ليكون العقل المستنير، والمتحضر بديلاً شافعاً له، وحاضنة لإثراء لعقل الجمعي.
 
 
 
لقد حقق المهرجان مؤشرات نجاحه الرائعة والمهيبة من خلال ذلك الحضور المائز من قبل جمع من الأدباء، والمثقفين، والإعلاميين العراقيين الذين أسهموا إسهاماً فاعلاً في نقل الصورة الحيّة الرائدة لإنشاء بوادر الإيقاظ والتحفيز للذاكرة الجمعية لإثراء معالم نهضتها الإنسانية والوطنية التي من شانها ان توقد النور، في دهاليز العتمة، ومن اجل الوقوف بثبات وطني وانتمائي خالص للوطن ضد الأفكار البربرية، الإرهابية، الهمجية القادمة من خلف الحدود.
 
 
 
وفي رأينا النقديّ .. بان المهرجان قد حقق أهدافه الناجعة، ووصل الى مبتغى نجاحه النبيل من خلال :-
 
  
 
أولاً / تراص وتكاتف جهود كافة العالمين في قسم الشؤون الفكرية والثقافية في العتبة العباسية المقدسة بدءاً من السيد ليث الموسوي رئيس قسم الشؤون الفكرية والثقافية، والسيد عقيل الياسري معاون رئيس القسم، والإعلامي المائز على الخباز مسؤول شعبة الإعلام، ومرورا بخلية النخل الدءوبة السادة المنتمين للقسم، الذين عملوا ليل نهار وجهود راقية، ومثابرة استثنائية، لإنجاح المهرجان ولتقديم كافة التسهيلات لضيوف المهرجان، وحقاً علينا .. ان ننحني إجلالاً، وتكريماً لخلية النحل تلك، لجهودها الناهضة، والقيمة، والراقية في إقامة مهرجان عالِ المستوى من الناحية التنظيمية، والإنجازية، والعمل على تذليل جلّ الصعوبات للوصول الى عمل متكامل لإنجاح المهرجان، وإخراجه بهذه الصورة الباهرة، والمشعة، والفكرية والثقافية الخلاقة.
 
  
 
ثانياً /  لقد حقق المهرجان الى ما يصبوّ إليه، من خلال تسليطه الضوء على جملة من التفصيلات المهمة في الحياة اليومية على ضوء التعقيد الحاصل في الحياة اليومية المعاشة داخل المجتمعات الحديثة، والتقدم المستمر في تكنولوجيا المعلومات، وتزايد أهمية تنوع شبكات الاتصال في نقل المعلومات، لذا  فإن وسائل الإعلام تقوم بمجموعة متنوعة من الوظائف منها تقديم منتج معلوماتي وبرامجي وإخباري للظروف الآنية والمستحدثة والتي تعتبر المصدر الأساسي لإشباع رغبة المواطن في استيعاب الأحداث المحيطة به، كما وتستثمر بعض وسائل الإعلام للسيطرة على العقول التي تسمح بنفاذ المعلومة والأفكار الهجينة المدمرة  الى أذهان البعض بمجرد السمع أو المشاهدة او القراءة، لذا علينا وجوباً تخليص الذاكرة الجمعية من شوائب الانحراف عبر الأفكار الإرهابية، لتعود للمتلقي أهميته المتوخاة، لإثراء الذاكرة الجمعية بمواطن الإجراءات الناجعة الصحيحة المتوخاة من المهرجانات الفكرية، وعلى رأسها المهرجان الذي اقامه قسم الشؤون الفكرية والثقافية في العتبة العباسية، كأنموذج عالٍ وراقٍ يحتذى به للارتقاء بالذائقة الجمالية، وإثراء العقل الجمعي، وتوجيهه الوجهة العاقلة التي تستدعي النهوض به حيث مصاف المواجهة إزاء التحديات الفكرية المتطرفة التي تنبثق عن قوى الظلام الإرهابية المتصحرة، الهمجية، والدموية.
 
  
 
ثالثاً / لقد استثمر قسم الشؤون الفكرية والثقافية، تواجد العديد من وسائل الإعلام المرئية، والمسموعة، والمكتوبة العراقية لنقل وقائع المهرجان وتسجيل أهم ما جاء به من أطروحات وتوصيات مهمة، والاتكاء على جهود العاملين في القسم، لتحمل مسؤولياتهم الجسيمة الملقاة على عاتقهم لإنجاح المهرجان.
 
  
 
رابعا / استضافة عدد من عوائل الشهداء كضيوف شرف، لاحتفاء بهم وتكريمهم في المهرجان، وإشراكهم كعنصر مهم أول في رفد المهرجان بالزخم الملحمي البطولي.
 
  
 
وهنا .. يمكن لنا تسليط الضوء على أن وسائل الإعلام المتطرفة بجل مفاصلها تجتهد على تمكين العقل الديني المتشدد الذي يعتمد على مرجعيات ذات نفس طائفي ناقم على الإنسانية بشكل عام، ويعتبر نفسه المفوض الوحيد من الله في تكفير الآخر حيثما كانت ديانته او طائفته او مرجعيته الأثنية، وإدانته، وقمعه، وسلب حريته، وقتله، بل وذبحه، واستخدام الدين كذريعة للإفصاح عن لواعجه السادية التي تعتمد اعتماداً كلياً على إراقة الدماء كمنهج تكفيري، وباعتباره منهجا ثابتا لها لنشر فكرة الخلافة المزعومة، ومن اجل التصدي لهذه الأفكار المقيتة والهمجية والمتطرفة الإرهابية، جاء دور هذا المهرجان الناجح في الرؤية والمنهج ليكون عاملاً فاعلاً في إثراء الذاكرة الجمعية، وانتشالها من حيز الركود الى المعملية الناجزة، لإنشاء مملكة من المعرفة الفكرية للتصدي لهذه الأفكار البدوية الجلفة، وقد نجح المهرجان أيما نجاح في رفد العقل الجمعي بعوامل التصدي من جهة، وإعمال العقل، ووضوح استنارة رؤاه المعرفية من جهة أخرى، وانفتاحه على موجة استقبال فكرية رائدة للمعرفة والتثقيف عبر البوابات المفتوحة للمهرجان.
 
  
 
ولنا ان نؤكد هنا .. بان مهرجان قسم الشؤون الفكرية والثقافية في العتبة العباسية المقدسة، كان نافذة مشرعة لاحتواء منافع التلقي في إعلامنا الديني الرصين والفاعل في إيقونة التمازج والتوأمة بين الفرد والمجتمع من ناحية، وبين تعاليم الإسلام السمحاء من ناحية أخرى ، ليبدأ من هذه النقطة المفصلية الهامة ، والتي يمكن من خلالها فك طلاسم الأذهان المقفولة على الأفكار الدينية المتطرفة والنفاذ إليها عبر مواطن ضعفها التي تشكو منه .
 
لقد استلهم المهرجان موارد أثرنا الديني العظيم عن المعصومين سلام الله عليهم، وبخاصة الإمام الباقر عليه السلام، وعلمائنا الأجلاء، ومرجعياتنا الدينية الجليلة، بكونها تؤكد تأكيداً واضحاً على ما نصبو إليه من الالتصاق الحيّ والفاعل في تجسيد الأفكار والتعاليم الإسلامية المبنية على أسس متينة، والمأخوذة من كتاب الله الكريم وسنة نبيه الأكرم وأحاديث أهل بيته الأطهار عليهم السلام.
 
لقد أتاح المهرجان فرصة كبيرة لالتقاء عدد كبير من أعمدة الفكر، والأدب، والثقافة، والإعلام، وفتح نوافذ جديدة ناهضة في موارد البحث والتقصي والحوار حول الهموم المشتركة في عملية مواجهة الإرهاب، وكيفية التصدي لأفكاره الهجينة، الوحشية البغيضة،  ومذاكرة أنجح الأساليب للنهوض بها على مختلف المخاصب الفكرية والثقافية وفي مقدمتها كيفية إثراء الذاكرة الوعيوية الجمعية.
 
إن مما لا شك فيه بأن إقامة مهرجان قسم الشؤون الفكرية والثقافية في العتبة العباسية المقدسة، قد ساهم مساهمة رصينة وحيوية وفاعلة في تدعيم الجسد المجتمعي، لتعميق محاور المعرفة، وتنشيط دائرة الوعي، وإثراء الذاكرة الجمعية، من اجل الوصول الى نتائج حيوية، وناجعة نستطيع من خلالها مواجهة الأفكار الدينية المتطرفة، والهجمات الإرهابية المتصحرة، التي تستدعي الوقوف إزاءها موقفاً حازماً، وصارماً، من اجل تنمية أجيال قادمة، قادرة على تحمل مسؤولية الدفاع عن حياض الوطن، وخلق حالة الانتماء الحقيقي لتربته الشريفة.
 
  
 



  • المصدر : http://www.kitabat.info/subject.php?id=81203
  • تاريخ إضافة الموضوع : 2016 / 07 / 20
  • تاريخ الطباعة : 2024 / 03 / 28