• الموقع : كتابات في الميزان .
        • القسم الرئيسي : ثقافات .
              • القسم الفرعي : ثقافات .
                    • الموضوع : الجواهري في عواصم ومدن الدنيا : قصيدة ... وثلاث زيارات لبولندا .
                          • الكاتب : رواء الجصاني .

الجواهري في عواصم ومدن الدنيا : قصيدة ... وثلاث زيارات لبولندا

 ... وهذه هذه "مقامة" اخرى من "مقامات" الشاعر الخالد، محمد مهدي الجواهري، في دول العالم، عواصم ومدناً، وما بينهما. عربية وأوربية وآسيوية وأفريقية وأمريكية. ولقد احصيت على عجالة، ومن الذاكرة وحسب، فتجاوز العدد الخمسين مدينة وعاصمة، ومنطقة وحتى قرية احيانا. دعوا عنكم مقاماته في"العراق وشطيه والجرف والمنحنى" شمالاً وجنوباً وشرقاً وغرباً ووسطا..
... نقول "مقامات" ونعني بها حلوله في تلك البلدان وعواصمها ومدنها، إقامة أو مرورا، او مشاركة في مؤتمرات ثقافية وسياسية حينا، أو اغتراباً ونفياً، احايين اخرى . وما بينهما دعوات واستضافات رسمية، او سياحة وارتياحاً وعلاجا. ولفترات تطول أو تقصر، وعلى مدى نحو سبعة عقود، كما نوثق ..
... ولا ندري هنا، إن كان ثمة اي شاعر عربي أو غير عربي، قد طاف في ارجاء الدنيا، مثل ذلك الجواهري، وهو لا يحمل غير "منقارٍ وأجنحة، اخف ما لمّ من زاد أخو سفر" كما يوثق عن حاله تلك، في عصمائه: "أرح ركابك" عام 1969.. أما ما يميّز ذلكم "الطوفان" في العالم أكثر فأكثر، انه – الشاعر العظيم- قد أرخ للكثير من "مقاماته" وحله وترحاله، شعرا معجباً بتلك المدن والعواصم، واهلها ومجتمعاتها.. مقارناً وشاكياً ومحاوراً وشاكراً، ومهضوماً ومهموماً، وسوى ذلك من حالات ومحاور وتأرخات.
   وبعد هذه المقدمة العامة، دعونا نرجع لموضوعنا، الذي يحمله عنوانه، ونقصد "مقامة الجواهري البولندية" فنقول انها أبتدأت بعيّد انتهاء حرب  القرن الماضي، العالمية الثانية، حين دُعي الشاعر الخالد، للمشاركة في مؤتمر عالمي للمثقفين من اجل السلام عقد عام 1948 بمدينة " فروتسواف" الواقعة غرب بولندا، وقد كان العربي الوحيد فيه، الى جانب اسماء وشخصيات عالمية لامعة من ابرزها، الرسام الفرنسي الكبير بابلو بيكاسو(1). ولمن يريد الاستفاضة اكثر، فذلك هو الجزء الثاني من مؤلف الجواهري، الموسوم بـ"ذكرياتي" يحمل الكثير والمتعدد من التفاصيل، عن ذلك المؤتمر، وعن اجوائه وظروفه، باستضافة  بولندا، الخارجة الى الحياة من جديد بعد ان دمرتها تماماً – أو كادت- قنابل الحرب...
     لقد جاءت الدعوة للشاعر الكبير الى المؤتمر، باعتباره مفكرا ومثقفا وطنيا مميزا، وداعية للسلام والحرية، كما تؤكد ذلك قصائده وكتاباته، ومواقفه خلال، وبعد حرب العالم الثانية. وقد أعتبر ذلكم المؤتمر، بحسب العديد من التأرخات والتوثيقات، اللبنة الاولى على طريق تأسيس، وإنبثاق مجلس السلم العالمي، ذائع الصيت.
    ومن جملة ما جاء به ايضاً، مؤلفه " ذكرياتي – الجزء الثاني"  بهذا الشأن، وقائع عن ظروف سفرته وصعوباتها، وفرحه بالدعوة الموجهة " اليه للمشاركة في "مؤتمر يحضره العمالقة من المثقفين الاوائل، ويا لها من دعوة، ويا له من مؤتمر خطير"  يعقد في بولندا " البلد الذي يعد في قاموس المتحكمين، من البلدان الحرام" ذلكم الوقت، بحسب ما كتبه الشاعر الكبير..
  وفي سياق تأرخته وحديثه عن الزيارة، قال الجواهري في ذكرياته ذاتها، انه توجه الى وارسو عبر باريس " وبعد يومين خصصا للاستراحة، كان موعد انعقاد المؤتمر، وكنت اقضي ساعاتي في التجوال عبر شوارع وحدائق هذه العاصمة الجبارة- او ما تبقى منها- لان فارصوفيا- وارسو،  ويا للهول كانت خرائب واطلالاً، وبقايا قصور فخمة"...  وتابع "ما زلت اذكر  تلك السقوف المتدلية المعلقة التي تأبى السقوط، وكل قنابل "هتلر" وقذائفه لم تستطع ان تحني هاماتها، وترميها ارضا...". وهكذا يروح مسهباً في وصف الاحوال، معبراً عن  رؤاه في اسبابها ومسبباتها، وغيرها من شؤون وشجون .  
     وأيضاً، بحسب الجزء الثاني من ذكريات الشاعر الخالد، فأنه زار وشاهد "فرصوفيا- وارسو" عام 1963 اي بعد 15 عاما على زيارته الاولى لها. وجاء في الذكريات: ان تلك العاصمة " ارتدت كبريائها، ونهضت من تحت الرماد" ... وتساءل مع نفسه:" أهذه "فارصوفيا" التي رأيتها مدمرة وأطلالاً وخرائب؟... أهي تلك المدينة المنهارة تتحول  الى هذه البدائع والجنان؟... واردف:" وتصورت كم هو عظيم الانسان البولوني الذي استطاع خلال هذه الفترة الزمنية القصيرة ان يحول الرماد جمالاً، والخرائب حدائق، والابنية المتهدمة ابراج حضارة" (2)..
    ولم يتحدث  الجواهري في ذكرياته اعلاه عن اسباب تلك الزيارة الثانية الى بولندا، عام 1963 .. ولكن الديوان العامر، يؤرخ عن الامر، وشعراً هذه المرة بالطبع، ويوثق عن وارسو، التى تُسمى بلغة اهلها السلافيين " فرشافا" وتعريبها "فرصوفيا ".. وجاء في مقدمة قصيدته بالمناسبة انه زارها تلبية لدعوة رسمية، وقد القى خلال فترة اقامته فيها رائعته متعددة القافية، امام مؤتمر للطلبة العراقيين. وجاء في مطلعها (3):
(فـرصـوفيـا): يـا نجمـةً تَـلالا، تُـغـازلُ السُـهـوبَ والتّـلالا
                                      و تَسـكُب الرقّـةَ والـدّلالا
فوقَ الشفاهِ الظامئاتِ الحامياتِ الحانيه..
من ذا يوفّي سحرَكِ الحلالا؟، وحُسـنَكِ المـدمّـرَ الـقَـتّـالا
يُـجشّـــمُ الـلـذّةَ و الأهـوالا، حالانِ، ألأحلى أمرّ حالا
إذا أجـلـتُ فكريَ الجـوّالا، فـي كيفَ صيـغَ حسنُكِ ارتجالا
أتـعـبَـتِ الأســــطـورةُ الخَـيـالا ...
وتستمر القصيدة في الوصف، والوجدانيات والشكوى والحنين والتغزل والغزل: 
(فرصوفيا): والحسرةُ الحرّى تُريح الكَبِدا، واحسرتا أنّي وُلِدتُ تحتَ أطلالِ الردى
جئتكِ فـي (الستّينَ) ما أشقى وأدنى عددا، إذ مَيْعتي تهرّت اللّحمةُ منها والسّدى
(فرصوفيا): آهٍ على شَرْخِ صِباً تبدّدا، آهٍ على صادحِ أيكٍ لم يجد عندي صَدى
غَرّدتُ إذ ناح وأمسِ نُحتُ لما غرّدا، لم أغترف غيدَك إذ كنت الفتيّ الأغيَدا ...
ثم ينتقل الشاعر الخالد ليسجل ويصف ما علق بذاكرته من اجواء زيارته السابقة لـ (فرصوفيا – وارسو) عام 1948 كما سبق القول، فكتب: 
(فرصوفيا): والدم يَستَبقي مدى الدهر دَما، والموت بالعزة يبني لحياةٍ سُلّما
(فرصوفيا): أمسِ رأيتُ الحَجَرَ المكوّما، كان جنيناً وفؤاداً ويداً ومِعصَما
جيلٌ تأبّى أن يُطاطي فَرَموه فرَمى،  لولا الرجولاتُ أراح نفسَه واستَسْلَما
(فرصوفيـا): ما أبدَعَ الأمثـالا، يستـنهـضُ الجيـلُ بهـا أجيـالا....
وبحسب التاريخ الموثق، وأنا شاهد عيان هنا، تلقى الجواهري عام 1986 - وهو مغترب عن بلاده، ومقيم في براغ -  دعوة رسمية لزيارة بولندا، وحضور مؤتمر عالمي، جديد، للمثقفين، من اجل السلام، تستضيفه وارسو، بمشاركة نحو 200 كاتب وعالم ومفكر وأديب اجنبي، من نحو 50 بلدا، اضافة لزهاء 200 آخرين من اقرانهم البولنديين،  وقد لبى الشاعر الخالد تلك الدعوة بعد تمنع وتردد، وكان - في تلك المشاركة الجديدة في المؤتمر الجديد- واحدا من قلة سبق ان شاركت في المؤتمر العالمي، الاول، للمثقفين دفاعا عن السلم في العالم، الذي انعقد عام 1948 في مدينة فروتسواف البولندية، كما اسلفنا.
ووفق معلومات خاصة(4) فقد رافق الجواهري الخالد خلال تلكم الزيارة الثالثة الى وارسو، الناشط الطلابي والوطني، الفقيد شاكر الدجيلي،  كما التقى معه طلبة، وسياسيون عراقيون كانوا يدرسون  او يقيمون هناك، وكانت الزيارة في كانون الاول 1986.. 
وبعد اختتام الفعالية، وعودة الجواهري الى براغ، تحدث لنا ، ولنخبة من صحابه واصدقائه، بإنتشاء ولأكثر من مرة، عن مشاركته في تلك الفعالية الثقافية- السياسية المميزة، وما رافقها، مستعيدا بعض ذكريات ولقاءات عن زيارتيه الاولى والثانية، السابقتين لبولندا..كما نشر عدد من وسائل الاعلام العراقية والبولندية عن تلك المشاركة الجواهرية. (5). 
 
 
* احالات وهوامش -----------------------------------------------------
     (1) كتب السيد احمد حسين، متابعة مفصلة بشأن الزيارة الاولى للجواهري الكبير الى بولندا، ونشرتها مجلة "الثقافة الجديدة " عام 1998 وكذلك في شبكة الانترنيت على الرابط:  http://www.althakafaaljadeda.com/ahmad_hussain.htm
   ومما جاء في تلك المتابعة: ان تلك الفعالية كانت بعنوان " المؤتمر العالمي الأول للمثقفين- للدفاع عن السلام"  وقد افتتح صباح يوم الأربعاء 25 آب/ اوغسطس 1948 على قاعة كلية الـ«بوليتكنيك» (Polytechnic) في مدينة فروتسواف.
(2) كتاب "ذكرياتي" الجزء الثاني / الاربعينات – الفصل المعنون: مؤتمر المثقفين العالمي.
(3) ديوان الجواهري / قصائد الستينات ..
(4) تفضل علينا د. صالح ياسر، مشكوراً، بتوفير بعض معلومات ذات صلة، حصل عليها في تموز2016  عن زيارة الجواهري الثالثة الى وارسو عام 1986..
(5) أعـدَّ وكتب د. مجيد الراضي، متابعة حول الزيارة الثالثة، والاخيرة، للجواهري الى وارسو، ونشرها في القسم الثقافي من جريدة " الغد الديمقراطي" اوائل العام 1987..
 



  • المصدر : http://www.kitabat.info/subject.php?id=81065
  • تاريخ إضافة الموضوع : 2016 / 07 / 18
  • تاريخ الطباعة : 2024 / 03 / 28