• الموقع : كتابات في الميزان .
        • القسم الرئيسي : المقالات .
              • القسم الفرعي : المقالات .
                    • الموضوع : "مَن قال أنا عالم فهو جاهل" !! .
                          • الكاتب : د . صادق السامرائي .

"مَن قال أنا عالم فهو جاهل" !!

"وقل ربِّ زدني علما"  طه:114

 

"وما أوتيتم من العلم إلا قليلا" الإسراء:85

 

من يتمعن في الحياة ويتبحر بالعلوم والمعرفة يتوصل إلى حقيقة كبيرة مفادها , إننا لا نعرف إلا القليل القليل , ومهما توهمنا بالمعرفة والعلم فأن قدراتنا متضائلة أمام قدرة مبدع الأكوان, وما نعرفه لا يساوي قطرة من محيطات ما نجهله.

 

نحن مخلوقات ضعيفة تتوهم أشياء كثيرة , ولا قدرة لنا ولا قوة على التفاعل مع المطلق البعيد , فنتمحور حول  نظريات وتصورات متنوعة , بل وأوهام مهيمنة على وجودنا الدنيوي.

 

فما نعرفه قليل جدا بالمقارنة إلى ما لا نعرفه ولا ندركه. 

 

فحواسنا محدودة في قدراتها على السمع والبصر والإحساس , ونحن مقيّدون بحاجاتنا وضيق أفقنا الإدراكي. 

وما أرانا إلا نعيش في وهم المعرفة والإدراك. 

فلسنا ندري وندّعي ندري. 

ولسنا نفهم ونجزم بالفهم والخبرة وإمتلاك الحقائق ومفردات الوعي , والعلم بمكنونات الأحداث والتطورات.

نحن أصغر من أن نعرف وأقصر من أن ندرك , وليس عندنا إلا وعي بسيط وفهم قليل , ورأي ضئيل وفكر قاصر. 

فالعلم بعيد والفهم حديد. 

وما علينا إلا أن نتفاعل مع مرتكزات ضعفنا وقصورنا , ونتواصل مع بعضنا من أجل الحصول على بعض الفهم والرأي والإدراك.

 

إن الذي يريد أن يعلم عليه أن يتعلم ويتفاعل مع العقول المتعلمة , ويخاطبها ويعقل ما يدور في أفلاكها , ويتحاور ويتبادل الرأي والأفكار حتى يصل إلى فهم معقول , ورأي مسؤول وإلا سيعبث بالمجهول.

إن مصيبة البشرية تتلخص بهذا الشعور الزائف بالمعرفة والقدرة على الفهم , ويحسب البعض فيها أن العلم ينتهي عنده , وهو المصيب دائما. 

وبسبب الجهل المكيد يتوهم الكثيرون بأنهم يحتكرون الحقيقة المطلقة , وينسفون ما عند غيرهم ويحسبونه شرا.

إن هذا الإدّعاء هو الجهل ووهم المعرفة.

فالتفاعلات الجاهلة في المجتمعات تخلق الشقاء , وتنمي الأحقاد والبغضاء , وتقضي على المحبة والإخاء بين الناس بمختلف ألوانهم ومشاربهم وعقائدهم.

 

"ولقد خلقنا الإنسان ونعلم ما توسوس له نفسه ونحن أقرب إليه من حبل الوريد" ق:16. 

 

هذا الإنسان الذي لا يستخدم عقله في معظم الأحيان ويلجأ إلى نفسه المنفعلة , التي تسخّر العقل وتستعبده وتوظفه لكي يعبّر عن رغباتها ونزعاتها المختلفة , والتي في حقيقتها نزعات ضارة.

 

ومن الملاحظات التي تثير الإعجاب , وتؤكد محدودية العلم البشري , أن علماءنا الأجلاء عندما يعطون رأيا في موضوع ما , يقولون في نهاية حديثهم والله أعلم. 

وفي التفاعلات العلمية على مختلف مستويات المعرفة العالمية , تجد العلماء الأقحاح في غاية التواضع والإعتراف بأنهم يعلمون القليل , وفوق علمهم عِلم فياض لا يمكنهم الوصول إليه , وكأنهم يقولون ألله أعلم.

 

فمن عَلِمَ تواضع وإستكان إلى الرحمة والخشوع , ومَن جهل تكابر وإستبد وأفرط وفرّط في كل شيئ. 

فالطغيان في الحياة جهل 

والإستبداد جهل

وقتل النفس البشرية جهل

والسيئات من إنتاج الجهلاء , الذين يحسبون أنهم يعلمون , وينكرون قول الله تعالى:

 "قل هل يستوي الذين يعلمون والذين لا يعلمون..." الزمر:9 

 

إن عدم التعقل , والإمعان بالجهل وحسبانه معرفة ووعي ,  يتسبب في الويلات الإجتماعية والمآسي البشرية. 

ولو أننا نثابر على المعرفة والعلم لتحولنا إلى وجود متطور , ومجتمع راقٍ يكون مثالا للتفاعل الإجتماعي الطيب في الأرض. 

وبعضهم يرمي بما نحن فيه على الآخرين ويبرؤونا من أخطائنا , وهذا موقف إسقاطي وتبريري غير مقبول , لأنه يغيّب سؤالا كبيرا عنوانه وماذا فعلنا نحن من أجل خيرنا وقوتنا. 

لقد إستثمرنا بالجهل والأمية ومارسنا سياسة التجهيل الديني , وأمعنا بالمذهبيات والطائفيات , ولا نرغب أن نكون أمة واحدة. 

 

" إن هذه أمتكم أمة واحدة وأنا ربكم فعبدون" الأنبياء:92

 

وما منا من يتعقل ويدوس على ما يندس من نداءات القوة السيئة الكامنة فيه. 

فهيا إلى العلم والعمل بمبادئ الدين الحنيف , والابتعاد عن القول الذي لا يعرف فعلا , بل يُحسب أنه الفعل وكفى. 

كنا نقول ما نفعل وأصبحنا نقول ما لانفعل , وأمست أفعالنا أقوالا , بل أن أفعالنا في أكثر الأحيان تكون مناقضة تماما لأقوالنا.

فحي على خير العمل , وعلى نهج العلم , وتبا للجهل وما فعل.

 

و "إنّ الجمالَ جمالُ العلم والأدب"!!




  • المصدر : http://www.kitabat.info/subject.php?id=80412
  • تاريخ إضافة الموضوع : 2016 / 07 / 02
  • تاريخ الطباعة : 2024 / 03 / 28